تلوّث الهواء يهدّد حياة الملايين في العالم العربي

ضِمن الأسوأ عالمياً

معمل ذوق مكايل لتوليد الطاقة الكهربائية شمال بيروت (أ.ف.ب)
معمل ذوق مكايل لتوليد الطاقة الكهربائية شمال بيروت (أ.ف.ب)
TT

تلوّث الهواء يهدّد حياة الملايين في العالم العربي

معمل ذوق مكايل لتوليد الطاقة الكهربائية شمال بيروت (أ.ف.ب)
معمل ذوق مكايل لتوليد الطاقة الكهربائية شمال بيروت (أ.ف.ب)

لا يزال تلوّث الهواء يشكّل مصدر قلق كبيراً، حيث تقدِّر «منظمة الصحة العالمية» أنه يُسهِم في نحو سبعة ملايين حالة وفاة مبكرة سنوياً حول العالم. وتتراجع جودة الهواء في الدول العربية بِنِسَب تتجاوز توصيات «منظمة الصحة العالمية» بنحو 5 إلى 10 أضعاف، مما يزيد من معدّلات الوفيات المبكرة فيها، ويجعل مجمل مُدُنِها أكثر عرضة لمخاطر التلوّث.

هواء العراق الأقل جودة عربياً

تحلل دراسة بحثية، نشرتها دورية «ساينس أوف ذا توتال إنفايرومنت»، اتجاهات جودة الهواء في المناطق الحَضرية في جميع أنحاء العالم على مدى العقدين الماضيين، وهي تُشير إلى زيادة التعرُّض العالمي للجسيمات الدقيقة المعلّقة في الهواء التي يقل حجمها عن 2.5 ميكرون بشكل طفيف، إلا أن 65 في المائة من المدن حول العالم لا تزال تُظهر مستويات مرتفعة. ولوحظت تحسُّنات في شرق الولايات المتحدة وأوروبا وجنوب شرقي الصين واليابان، في حين شهِدت منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا زيادات.

أما التركيزات السنوية لثاني أكسيد النيتروجين على مستوى العالم فارتفعت في نحو 71 في المائة من المدن حول العالم. ولوحظت تحسُّنات في أميركا الشمالية وأوروبا، في حين شهِدت أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والشرق الأوسط وجنوب آسيا زيادات ترتبط في كثير من الأحيان بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية. كما زاد التعرُّض العالمي للأوزون الأرضي، وكانت أعلى الزيادات في أفريقيا الاستوائية وكوريا الجنوبية والهند.

وتعرِض الدراسة صورة متباينة عن نوعية الهواء في العالم العربي. فبينما شهِدت البحرين وقطر انخفاضات كبيرة في تركيزات الجسيمات الدقيقة، بفضل معايير الانبعاثات الأكثر صرامة والاستثمارات في الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة، لا يزال العراق البلد العربي الأكثر تلوّثاً، حيث تتجاوز مستويات الجسيمات الدقيقة المبادئ التوجيهية لـ«منظمة الصحة العالمية» بنحو 9 مرات. كما شهِدت الإمارات ومصر زيادات طفيفة في هذا المؤشر أيضاً.

وغالباً ما تتجاوز مؤشرات جودة الهواء في البلدان العربية القِيَم التوجيهية لـ«منظمة الصحة العالمية»، بنحو 5 إلى 10 أضعاف في بعض المناطق، وفقاً لتقرير «الصحة والبيئة» الصادر عن «المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)». ويعزو التقرير هذا التدني في نوعية الهواء إلى عوامل طبيعية وبشرية؛ فمِن ناحية تتأثر جودة الهواء المحيط سلباً بجزيئات ملح البحر والغبار، ومن ناحية أخرى ترتبط بالنشاط البشري حيث تتركز الانبعاثات. ويُشير تقرير «أفد» إلى أن الانبعاثات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا زادت بمقدار خمسة أضعاف خلال العقود الثلاثة الماضية، بسبب زيادة الطلب على المياه والطاقة والنقل.

وتُعدّ العواصف الترابية العامل الأهم لتدهور نوعية الهواء في الدول العربية، حيث يجعل المناخ الجاف والقُرب من الصحاري المنطقة عرضة للعواصف الترابية المتكررة. وتُطلق الأنشطة الصناعية، خصوصاً في قطاع النفط والغاز، كميات كبيرة من ملوّثات الهواء. ويؤدي التحضُّر السريع وزيادة ملكية المركَبات إلى ارتفاع مستويات تلوّث الهواء في المدن الكبرى. كما تتسبب ممارسات حرق النفايات المفتوحة في إطلاق ملوّثات ضارّة في الغلاف الجوي.

وتمثّل شبه الجزيرة العربية وجوارها منطقة ساخنة لتلوّث الهواء في الشرق الأوسط، وتُصنّف مُدنها الرئيسية من بين الأسوأ عالمياً في تركيزات الجسيمات المعلّقة في الهواء التي يقل حجمها عن 10 ميكرون، وفقاً لمراجعة علمية أعدتها مجموعة من الباحثين من جامعة بيرمنغهام خلال العام الماضي. ويصل متوسط المستويات اليومية لهذه الجسيمات في هواء المنطقة إلى 280 ميكروغراماً في المتر المكعب، متجاوزة حدود «منظمة الصحة العالمية» بمقدار 5 إلى 6 مرات في الكويت، وما يصل إلى 10 مرات في الإمارات. وتواجِه الإمارات واحداً من أعلى مستويات التلوّث بالجسيمات الدقيقة في العالم. وفي الكويت، ترتبط التركيزات المرتفعة لهذه الجسيمات، خاصة خلال ساعات الذروة والصيف، بزيادة الوفيات المبكرة بسبب أمراض القلب والسكتة الدماغية.

ويعزّز تلوّث الهواء خطر الوفاة في المنطقة العربية والخليجية وجوارها، لا سيما في الإمارات والكويت وإيران؛ إذ إن ما يقرب من 400 ألف حالة وفاة مبكرة سنوياً في المنطقة تُعزى إلى تلوّث الهواء. ومن الثابت، وفقاً لدراسات مختلفة، وجود روابط بين تلوّث الهواء وأمراض الجهاز التنفسي (الربو، ومرض الانسداد الرئوي المزمن، وسرطان الرئة)، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والآثار السلبية على الحوامل.

وتقدّر «منظمة الصحة العالمية» أن التأثيرات المجتمعة لتلوّث الهواء المحيط (الخارجي) وتلوّث الهواء المنزلي (الداخلي) على صلة بنحو 7 ملايين حالة وفاة مبكرة سنوياً. وقد تسبب تلوّث الهواء المحيط وحده في 4.2 مليون حالة وفاة مبكرة في جميع أنحاء العالم في 2019. وبلغ عدد الوفيات المبكرة في العالم العربي نحو 450 ألفاً، مما يعكس ارتفاعاً فوق المعدل العالمي بنحو 50 في المائة.

تحسّن دون الطموح

يقدّم تقرير «جودة الهواء العالمي» لعام 2023 رؤى قيّمة حول اتجاهات جودة الهواء العالمية، ويسلّط الضوء على التقدم والتحديات المستمرة. ويعكس التقرير الذي تصدره سنوياً شركة سويسرية تهتم بتكنولوجيا جودة الهواء، نتائج تحليل بيانات الجسيمات الدقيقة التي تقل عن 2.5 ميكرون من 7812 مدينة في 134 دولة، وباستخدام قياسات من أكثر من 30 ألف محطة لمراقبة جودة الهواء. وقد تبيّن أن 91 في المائة من المدن تجاوزت الحدّ المقبول.

وقد شهِدت منطقة وسط وجنوب آسيا، إلى جانب أفريقيا، أعلى متوسط لتركيزات الجسيمات الدقيقة في الهواء. وجاءت بنغلاديش وباكستان والهند وطاجيكستان في المراتب الأربع للدول الأكثر تلوّثاً في العالم. وفي حين أظهرت الصين تحسّناً مستمراً في السنوات الأخيرة، انعكس اتجاهها لتزداد مستويات الجسيمات الدقيقة في هوائها عام 2023 بنسبة 6.3 في المائة، لتحتل المرتبة 19 عالمياً.

ورغم أنه شهِد تحسّناً طفيفاً عن عام 2022، فإن العراق لا يزال البلد العربي الأكثر تلوّثاً ويحتل المرتبة السادسة عالمياً بمتوسط سنوي لتركيز الجسيمات الدقيقة يبلغ 43.8 ميكروغرام في المتر المكعب، وذلك بالمقارنة مع معدّل تركيز لا يتجاوز 5 ميكروغرامات في المتر المكعب، وفقاً لتوصيات «منظمة الصحة العالمية». وتأتي الإمارات في المركز السابع عالمياً (43 ميكروغراماً لكل متر مكعب)، ولعل هذا الترتيب يرتبط بنوعية المعطيات الشاملة التي تقدّمها شبكتها الواسعة من محطات مراقبة الهواء مقارنة بضعف المراقبة في معظم دول المنطقة.

وقد ساهم التراجع في مستويات الجسيمات الدقيقة بنسبة 36 في المائة في تحسين التصنيف العالمي للسعودية، من المركز 15 إلى المركز 30، في حين شهِدت مصر تحسناً طفيفاً، مما جعلها تحافظ على تصنيفها العالمي في المركز التاسع. كما شهِدت البحرين تحسناً كبيراً، حيث انتقلت من المركز الرابع إلى المركز الثاني عشر في التصنيف العالمي مع انخفاض بنسبة 41 في المائة في مستويات الجسيمات المعلّقة. وشهِدت قطر انخفاضاً في تركيزات الجسيمات الدقيقة، ومع ذلك انخفض تصنيفها العالمي من المركز 14 إلى المركز 13.

ورغم الزيادة الإقليمية الإجمالية في مستويات الجسيمات الدقيقة، شهِدت 9 من المدن الأكثر تلوّثاً في غرب آسيا انخفاضاً في متوسط تركيزاتها السنوية.

الجدير بالذكر أن بغداد التي كانت في السابق المدينة الأكثر تلوّثاً، شهِدت انخفاضاً بنسبة تزيد على 25 في المائة، حيث تراجعت الجسيمات الدقيقة من 86.7 ميكروغرام في المتر المكعب في 2022 إلى 45.8 ميكروغرام في 2023.

ويتطلّب تحسين جودة الهواء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اتباع نهج متعدد الجوانب، يشمل الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة والكفاءة، ووضع معايير للانبعاثات أكثر صرامة للصناعات، لتقليل الجسيمات الدقيقة في الجو وتحسين جودة الهواء. ويجب توسيع شبكات مراقبة جودة الهواء لتوفير بيانات شاملة، كما يساعد رفع مستوى الوعي العام حول المخاطر الصحية المرتبطة بتلوّث الهواء وتعزيز الإجراءات الفردية في تحسين جودة الهواء وتخفيف عواقب التلوّث. ولا بد من التعاون على المستوى الإقليمي لمعالجة تلوّث الهواء عبر الحدود وضمان العمل المنسّق بين الدول المعنيّة.

تؤكد المعطيات الحاجة الملحَّة إلى مواصلة العمل من أجل مواجهة تلوّث الهواء في العالم العربي. ورغم أن بعض البلدان أحرزت تقدماً، فإن الصورة العامة لا تزال مثيرة للقلق. إن معالجة المصادر الرئيسية لتدهور الهواء، بما في ذلك العواصف الترابية، والانبعاثات الصناعية، وانبعاثات المركَبات، أمر بالغ الأهمية لتحسين جودة الهواء وحماية الصحة العامة. كما أن الاستثمار في الطاقة المتجددة، وتعزيز النقل المستدام، وتنفيذ معايير أكثر صرامة للانبعاثات، واعتماد ممارسات مسؤولة لإدارة النفايات، كلها خطوات أساسية نحو توفير هواء أنظف للجميع.


مقالات ذات صلة

استنشاق هواء نيودلهي يعادل تدخين 50 سيجارة يومياً

يوميات الشرق رجل يركب دراجة نارية وسط ضباب كثيف بالقرب من نيودلهي (إ.ب.أ)

استنشاق هواء نيودلهي يعادل تدخين 50 سيجارة يومياً

مع تفاقم الضباب الدخاني السام الذي يلف نيودلهي هذا الأسبوع، فرضت السلطات في العاصمة الهندية مجموعة من القيود الأكثر صرامة على حركة المركبات والسكان.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
يوميات الشرق النسخة الأولى من المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير أقيمت في 2022 (واس)

السعودية تنظِّم «المعرض والمنتدى الدّولي لتقنيات التّشجير»

يهدف المعرض إلى الاستفادة من التّقنيات الحديثة في تشجير البيئات الجافة وتدهور الأراضي، وإتاحة منبرٍ لمناقشة المشكلات البيئية الحالية، والبحث عن حلول لها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق دجاج (أ.ف.ب)

الدجاجة أم البيضة؟ علماء يتوصلون أخيراً إلى إجابة لغز «من الذي جاء أولاً»

قالت صحيفة إندبندنت البريطانية إن علماء من جامعة جنيف قدموا، في دراسة، إجابة للغز الشائع «مَن الذي جاء أولاً الدجاج أم البيضة؟» استندت إلى اكتشاف كائن حي متحجر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من التحضيرات للجلسة الافتتاحية لقمة «مجموعة العشرين» في ريو دي جانيرو الاثنين (أ.ف.ب)

وزير البيئة السعودي: المملكة تركز على أهمية معالجة تحديات الأمن الغذائي

نوّه وزير البيئة والمياه والزراعة السعودي المهندس عبد الرحمن الفضلي، بريادة المملكة في دعم جهود «مجموعة العشرين»، لتحقيق أهداف تحديات الأمن الغذائي.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
الاقتصاد رئاسة «كوب 16» الرياض ستخصص منطقة خضراء لتنظيم 7 أيام للمحاور الخاصة لتحفيز العمل العالمي لمواجهة تحديات تدهور الأراضي والجفاف والتصحر (الشرق الأوسط)

تحديد 7 أيام في «المنطقة الخضراء» بـ«كوب 16» لتقديم حلول تدهور الأراضي

أعلنت رئاسة «كوب 16» عن إقامة منطقة خضراء وتنظيم 7 أيام للمحاور الخاصة، مشيرة إلى أن هذا البرنامج غير المسبوق يأتي في إطار الجهود التي تبذلها السعودية.

«الشرق الأوسط» (الرياض) «الشرق الأوسط» (الرياض)

البراكين «مصدر خفي» لثاني أكسيد الكربون المسبِّب للاحترار المناخي

تُواصل البراكين إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بعد فترة طويلة من توقف نشاطها السطحي (رويترز)
تُواصل البراكين إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بعد فترة طويلة من توقف نشاطها السطحي (رويترز)
TT

البراكين «مصدر خفي» لثاني أكسيد الكربون المسبِّب للاحترار المناخي

تُواصل البراكين إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بعد فترة طويلة من توقف نشاطها السطحي (رويترز)
تُواصل البراكين إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بعد فترة طويلة من توقف نشاطها السطحي (رويترز)

واصلت مناطق بركانية ضخمة إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، بعد فترة طويلة من توقّف نشاطها السطحي، مما يفسّر مدة بعض موجات التغير المناخي، بحسب دراسة نُشرت الأربعاء.

ووفق «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول بنجامين بلاك، عالم البراكين في جامعة روتجرز - نيو برونسويك بالولايات المتحدة، وقائد الدراسة التي أجراها فريق من علماء الجيولوجيا من مختلف أنحاء العالم، إنّ «النتائج التي توصّلنا إليها مهمة؛ لأنها تحدّد مصدراً خفياً لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، خلال موجات احترار مفاجئ على الأرض استمرت لفترة أطول بكثير مما كنّا نتوقع».

ويضيف بلاك في بيان مصاحب للدراسة المنشورة بمجلة «نيتشر جيوساينس»: «نعتقد أننا وجدنا جزءاً مهماً من لغز متعلق بكيفية تعطّل المناخ على الأرض، وربما بمقدار الأهمية نفسه عن كيفية تعافيه».

وترتبط «مناطق بركانية واسعة النطاق» (LIPs)، وهي مناطق واسعة تشكّلت نتيجة انفجارات ضخمة للصهارة خلال فترة جيولوجية قصيرة، بـ4 من 5 موجات انقراض جماعي كبرى منذ ظهور الحياة المعقّدة على الأرض.

وأطلقت هذه الانفجارات كميات هائلة من الغازات في الغلاف الجوي، بينها ثاني أكسيد الكربون والميثان، مما تسبّب بظاهرتَي الاحترار المناخي وتحمّض المحيطات.

وقبل 252 مليون سنة، وفي نهاية العصر البرمي، أدى النشاط البركاني المكثّف في إحدى هذه المناطق، وهي مصاطب سيبيريا، إلى موجة خسارة في التنوع البيولوجي كانت الأشد في تاريخ الكوكب؛ إذ انقرض أكثر من 90 في المائة من الأنواع البحرية، و70 في المائة من الأنواع البرّية.

واستمرت ظاهرة الاحترار المناخي والمعدلات المرتفعة لثاني أكسيد الكربون، واضطرابات دورة الكربون لنحو 5 ملايين سنة، أي حوالي 3 ملايين سنة بعد فترة النشاط البركاني.

وهذا التعافي الأبطأ للمناخ مما توقعته النماذج الجيوكيميائية المناخية الحيوية، يثير اهتمام العلماء منذ فترة طويلة.

فهل ثمة عتبات في حال تخطّيها تتوقف أنظمة تنظيم المناخ الطبيعي عن العمل؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فكيف يمكن تفسير مدة هذه الموجات وهي أطول بكثير من النشاط البركاني الذي تسبّب بها؟

انبعاثات من الأنشطة البشرية

جمّع مُعِدّو الدراسة تحليلات كيميائية للحمم البركانية، ووضعوا نماذج حاسوبية تحاكي الذوبان داخل الأرض، وقارنوا النتائج مع السجلات المناخية المحفوظة في الصخور الرسوبية، قبل طرح الفرضية القائلة بأن مرحلة النشاط البركاني السطحي لن تكون الوحيدة التي تشهد إطلاق ثاني أكسيد الكربون.

وحتى عندما توقفت الانفجارات، استمر إنتاج الصهارة في عمق قشرة الأرض ووشاحها، واستمرت في إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون، مما أدى إلى احترار طويل الأمد.

وفي حال تأكيد فرضية هذا المصدر «الخفي» لثاني أكسيد الكربون، فقد يعني ذلك أن «منظم الحرارة» للأرض يعمل بشكل أفضل مما كان يعتقد العلماء، بحسب مُعِدِّي الدراسة.

لكن هذا النوع من البراكين «لا يمكنه بالتأكيد تفسير التغير المناخي الحالي»، على ما يوضح بلاك لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

ويشير إلى أن هذه «الظاهرة النادرة والاستثنائية جداً، قادرة على جمع ما يكفي من الصهارة لتغطية الولايات المتحدة القارّية أو أوروبا بطبقة من الحمم البركانية بعمق نصف كيلومتر»، وقد شهدتها الأرض آخر مرة قبل 16 مليون سنة.

وحالياً يمثّل الكربون المنبعث في الغلاف الجوي من مختلف براكين الأرض مجتمعةً «أقل من 1 في المائة» من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالأنشطة البشرية، بحسب بلاك.

ويقول: «تشير دراستنا إلى أن أنظمة التحكم في مناخ الأرض تستمر في العمل حتى في ظل ظروف قاسية»، مما يمنحه الأمل في أن «العمليات الجيولوجية ستكون قادرة على إزالة ثاني أكسيد الكربون الناتج عن الأنشطة البشرية من الغلاف الجوي تدريجياً، لكن ذلك سيستغرق مئات الآلاف إلى ملايين السنين».