الكوكب يغلي... والعلماء يجربون تقنيات «محرمة» لتبريده

منتقدون حذّروا من عواقب «لا يمكن السيطرة عليها»

تطلق مولدات تفتيح السحابة البحرية مضخات من مياه البحر (جامعة ساوثرن كروس)
تطلق مولدات تفتيح السحابة البحرية مضخات من مياه البحر (جامعة ساوثرن كروس)
TT

الكوكب يغلي... والعلماء يجربون تقنيات «محرمة» لتبريده

تطلق مولدات تفتيح السحابة البحرية مضخات من مياه البحر (جامعة ساوثرن كروس)
تطلق مولدات تفتيح السحابة البحرية مضخات من مياه البحر (جامعة ساوثرن كروس)

يلجأ العلماء إلى تقنيات لم يكن من الممكن التفكير بها من قبل لتبريد الكوكب، مثل إلقاء المواد الكيميائية في المحيط ورش المياه المالحة في السحب وحقن جزيئات عاكسة في السماء، لأن الجهود العالمية للتحقق من انبعاثات الغازات الدفيئة تفشل، بحسب تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال».

وكانت هذه الأساليب الهندسية الجيولوجية تعد من المحرمات من قبل العلماء والمنظمين الذين كانوا يخشون أن يؤدي التلاعب بالبيئة إلى عواقب غير مقصودة، ولكن الآن يتلقى الباحثون أموال دافعي الضرائب والاستثمارات الخاصة للخروج من المختبر واختبار هذه الأساليب في الهواء الطلق.

ووفق الصحيفة، يعكس هذا التحول القلق المتزايد من أن الجهود المبذولة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة لا تتحرك بالسرعة الكافية لمنع الآثار المدمرة لموجات الحرارة والعواصف والفيضانات التي تفاقمت بسبب تغير المناخ.

ما هي الغازات الدفيئة؟

وللتوضيح، فإن الغازات الدفيئة هي الغازات التي لها خاصية امتصاص الأشعة تحت الحمراء، أي أنها تمتص الطاقة الحرارية الكلية، حيث إن هذه الأشعة تنبعث من سطح الأرض ثم تتم إعادتها مرة أخرى إلى السطح، وهو ما يؤدي إلى الاحتباس الحراري.

ويعد غاز ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وبخار الماء من أهم غازات الدفيئة، بالإضافة إلى غازات أخرى مثل مستويات الأوزون التي توجد على السطح، وأكسيد النيتروس، والغازات المفلورة (fluorinated gases).

وبحسب العلماء وقادة الأعمال المشاركين في المشاريع، فإن «الهندسة الجيولوجية ليست بديلاً عن تقليل الانبعاثات بل هي وسيلة لإبطاء الانحباس الحراري المناخي في السنوات القليلة المقبلة مع كسب الوقت للتحول إلى اقتصاد خالٍ من الكربون على المدى الطويل».

وهناك ثلاث تجارب ميدانية جارية في الولايات المتحدة وخارجها وفق «وول ستريت جورنال».

تفتيح السحابة البحرية

وفي هذا الشهر، يقوم الباحثون على متن سفينة قبالة الساحل الشمالي الشرقي لأستراليا بالقرب من جزر وايت صنداي برش خليط مالح من خلال فوهات الضغط العالي في الهواء في محاولة لتفتيح السحب منخفضة الارتفاع التي تتشكل فوق المحيط.

ويأمل العلماء أن تعكس السحب الأكبر والأكثر سطوعاً ضوء الشمس بعيداً عن الأرض، وتظليل سطح المحيط، وتبرد المياه حول الحاجز المرجاني العظيم، حيث أسهم ارتفاع درجات حرارة المحيط في نفوق المرجان على نطاق واسع.

وتقود جامعة ساوثرن كروس المشروع البحثي، المعروف باسم تفتيح السحابة البحرية، بوصفه جزءاً من برنامج استعادة الشعاب المرجانية والتكيف معها بقيمة 64.55 مليون دولار.

ويتم تمويل البرنامج من خلال الشراكة بين «Reef Trust» التابع للحكومة الأسترالية ومؤسسة «Great Barrier Reef Foundation»، ويشمل منظمات الحفاظ على البيئة والعديد من المؤسسات الأكاديمية.

يبحث العلماء ورجال الأعمال عن طرق مبتكرة لتعزيز احتجاز الكربون والمخاطر التي يمكن أن تجلبها

تفريق سحابة من الجزيئات العاكسة

في إسرائيل، بدأت شركة ناشئة تدعى «Stardust Solutions» في اختبار نظام لتفريق سحابة من الجزيئات العاكسة الصغيرة على ارتفاع نحو 60 ألف قدم، ما يعكس ضوء الشمس بعيداً عن الأرض لتبريد الغلاف الجوي في مفهوم يُعرف باسم إدارة الإشعاع الشمسي، أو «SRM» ولم يكشف الرئيس التنفيذي لشركة ستاردست والنائب السابق لكبير العلماء في هيئة الطاقة الذرية الإسرائيلية ياناي يدفاب عن تركيبة الجزيئات المملوكة.

وقال يدفاب إن «ستاردست» جمعت 15 مليون دولار من اثنين من المستثمرين، وأجرت اختبارات جوية منخفضة المستوى باستخدام الدخان الأبيض لمحاكاة مسار الجزيئات في الغلاف الجوي.

وأشار إلى أنه بعد أن تكمل الشركة اختبار السلامة الداخلي، فإنها تعتزم إجراء اختبار خارجي محدود لتكنولوجيا التشتت وأجهزة المراقبة والجزيئات في الأشهر القليلة المقبلة.

نظرية الدواء المضاد للحموضة

أما في ماساتشوستس، فيخطط الباحثون في معهد «وودز هول» لعلوم المحيطات لصب 6000 غالون من محلول سائل من هيدروكسيد الصوديوم، أحد مكونات الغسول، في المحيط على بعد 10 أميال جنوب مارثا فينيارد هذا الصيف. ويأملون أن تعمل القاعدة الكيميائية مثل قرص كبير من «التومز» (دواء مضاد للحموضة)، مما يخفض حموضة قطعة من المياه السطحية ويمتص 20 طناً مترياً من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، ويخزنه بأمان في المحيط.

قال العالم المشارك في منظمة الصحة العالمية والباحث الرئيسي في المشروع آدم سوبهاس: «عندما تصاب بحرقة في المعدة، فإنك تأكل قطعة من التومز التي تذوب وتجعل السائل في معدتك أقل حمضية. وقياساً على ذلك، فإننا نضيف هذه المادة القلوية إلى مياه البحر، ما يسمح للمحيطات بامتصاص المزيد من ثاني أكسيد الكربون من دون إثارة المزيد من تحمض المحيطات. كل ما نراه حتى الآن هو أنه آمن بيئياً».

وأوضح سوبهاس أن المشروع الذي تبلغ تكلفته 10 ملايين دولار، والمعروف باسم تعزيز قلوية المحيطات، يتم تمويله من قبل الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، واثنتين من المؤسسات الخيرية والعديد من الجهات المانحة الخاصة. ومن المقرر أن يتم إطلاق هيدروكسيد الصوديوم، الذي سيتطلب موافقة وكالة حماية البيئة الأميركية، في أغسطس (آب).

التدخلات البشرية قد تؤدي إلى منحدر زلق

وشرحت الصحيفة أن التجارب التي تهدف إلى تبريد الغلاف الجوي عن طريق عكس ضوء الشمس بعيداً عن الأرض هي محاولة لتقليد ما يحدث عندما يثور البركان.

وفي عام 1991، قذف جبل بيناتوبو، وهو بركان نشط في الفلبين، الكبريت والرماد إلى الغلاف الجوي العلوي، ما أدى إلى انخفاض درجة حرارة الأرض بمقدار 0.5 درجة مئوية (0.9 درجة فهرنهايت) لمدة عام كامل.

ولكن حتى سنوات قليلة مضت، كان العديد من العلماء يعارضون التدخلات البشرية، خوفاً من المنحدر الزلق الذي من شأنه أن يسمح للمجتمع بتجنب اتخاذ قرارات صعبة بشأن الحد من الانبعاثات، وقد يؤدي في نهاية المطاف إلى نتائج عكسية.

وقال وزير سياسة المناخ العالمية في الدنمارك دان يورجنسن: «يتحول هذا بسهولة إلى ذريعة لعدم القيام بكل الأشياء التي يمكننا القيام بها بالفعل التي نعلم أنها ستنجح».

وأضاف: «عندما نبدأ بالتدخل في الطبيعة، فإننا نخاطر أيضاً بأن يكون لها العديد من العواقب السلبية للغاية التي لا يمكننا السيطرة عليها والتي لا يمكننا التنبؤ بها. التدخل ضروري، لكن علينا أن نكون حذرين للغاية في كيفية القيام بذلك».

من جهته، قال الأستاذ المساعد في علوم الأرض والغلاف الجوي في جامعة كورنيل دانييل فيجيني: «وصلنا الآن إلى النقطة التي لا يكون فيها الاختيار بين نعم أو لا فيما يتعلق بتنفيذ إدارة المخاطر المستدامة، ولكن بين اتخاذ قرار مستنير وآخر غير مستنير».

وأصدرت الأكاديمية الوطنية للعلوم دراسة في عام 2021 تدعو إلى اتباع نهج حذر في دراسة تقنيات الهندسة الجيولوجية الشمسية، كما استعرض تقرير ثانٍ في عام 2022 طرقاً مختلفة لتخزين ثاني أكسيد الكربون في المحيط.

في عام 2023، أصدر البيت الأبيض مبادئ توجيهية بحثية لحقن الجسيمات العاكسة في الغلاف الجوي وإضاءة السحب، وخلص إلى أن التقنيات توفر إمكانية تبريد الكوكب ولكنها تحمل أيضاً مخاطر غير معروفة، مثل استنفاد طبقة الأوزون الواقية، والإضرار بالحياة البحرية، والإضرار بالمحاصيل أو تغيير أنماط هطول الأمطار.

وفي هذا الشهر، في نيروبي بكينيا، سوف يناقش المندوبون إلى جمعية البيئة التابعة للأمم المتحدة قراراً للنظر في المخاطر والفوائد المترتبة على إدارة الإشعاع الشمسي.

الهدف من التجارب الميدانية لهذا العام في الولايات المتحدة وإسرائيل وأستراليا هو معالجة بعض هذه الأسئلة والحصول على معلومات حول ما إذا كانت هذه المشاريع يمكن أن تضع الأساس لجهود واسعة النطاق لتبريد الكوكب.

وقال مايكل دايموند، الأستاذ المساعد في الأرصاد الجوية وعلوم البيئة في جامعة ولاية فلوريدا، عن تجربة تفتيح السحاب الأسترالية: «إنهم يجيبون عن أسئلة مهمة حقاً حول ما إذا كنا سنرش ملح البحر في الغلاف الجوي. هل سيصل ذلك إلى السحاب، هل سيبقى هناك؟ هل يمكنك الحصول على ما يكفي من السطوع لإحداث فرق؟».

ولكي ينتقل أي من هذه المشاريع من مرحلة التجربة الميدانية إلى مرحلة النشر العالمي على نطاق واسع، فسوف يتطلب الأمر تعاوناً دولياً ومن المرجح أن يكلف تريليونات الدولارات. ويتطلب العمل بهذا السيناريو سنوات طويلة.


مقالات ذات صلة

«كوب 29» يشتعل في اللحظات الحاسمة مع اعتراضات من كل الأطراف

الاقتصاد سيارات تُحضر بعض الوفود إلى مقر انعقاد مؤتمر «كوب 29» في العاصمة الأذرية باكو (رويترز)

«كوب 29» يشتعل في اللحظات الحاسمة مع اعتراضات من كل الأطراف

سيطر الخلاف على اليوم الختامي لـ«كوب 29» حيث عبرت جميع الأطراف عن اعتراضها على «الحل الوسطي» الوارد في «مسودة اتفاق التمويل».

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد مفوض الاتحاد الأوروبي للعمل المناخي فوبكي هوكسترا في مؤتمر صحافي على هامش «كوب 29» (رويترز)

«كوب 29» في ساعاته الأخيرة... مقترح يظهر استمرار الفجوة الواسعة بشأن تمويل المناخ

تتواصل المفاوضات بشكل مكثّف في الكواليس للتوصل إلى تسوية نهائية بين الدول الغنية والنامية رغم تباعد المواقف في مؤتمر المناخ الخميس.

«الشرق الأوسط» (باكو)
بيئة أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)

الاحترار القياسي للمحيطات زاد حدة الأعاصير الأطلسية في 2024

أكدت دراسة جديدة، نُشرت الأربعاء، أن ظاهرة الاحترار المناخي تفاقم القوة التدميرية للعواصف، مسببة زيادة السرعة القصوى لرياح مختلف الأعاصير الأطلسية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد رجل يقف بجوار شعار مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب 29» في أذربيجان (رويترز)

«أوبك» في «كوب 29»: التحول المتوازن في مجال الطاقة مفتاح الاستدامة العالمية

قال أمين عام «أوبك» إن النفط والغاز الطبيعي «هبة من الله»، وإن محادثات الحد من الاحتباس الحراري يجب أن تركز على خفض الانبعاثات وليس اختيار مصادر الطاقة.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد الأمين العام لمنظمة «أوبك» يتحدث خلال مؤتمر «كوب 29»... (رويترز)

الأمين العام لـ«أوبك» في «كوب 29»: النفط هدية من الله

قال الأمين العام لمنظمة «أوبك»، هيثم الغيص، الأربعاء، خلال مؤتمر المناخ «كوب 29» في باكو، إن النفط الخام والغاز الطبيعي هما «هدية من الله».

«الشرق الأوسط» (باكو)

دراسة: ارتفاع درجات الحرارة يزيد خطر الإصابة بالرجفان الأذيني

رجل يسكب الماء على رأسه أثناء موجة حر في هيوستن بولاية تكساس بالولايات المتحدة - 25 أغسطس 2023 (رويترز)
رجل يسكب الماء على رأسه أثناء موجة حر في هيوستن بولاية تكساس بالولايات المتحدة - 25 أغسطس 2023 (رويترز)
TT

دراسة: ارتفاع درجات الحرارة يزيد خطر الإصابة بالرجفان الأذيني

رجل يسكب الماء على رأسه أثناء موجة حر في هيوستن بولاية تكساس بالولايات المتحدة - 25 أغسطس 2023 (رويترز)
رجل يسكب الماء على رأسه أثناء موجة حر في هيوستن بولاية تكساس بالولايات المتحدة - 25 أغسطس 2023 (رويترز)

تشير دراسة جديدة إلى أن موجات الحر قد تزيد خطر الإصابة بالرجفان الأذيني، وهو اضطراب في ضربات القلب، إلى ضعفين أو 3 أضعاف، لا سيما إذا لم يكن القلب بصحة جيدة.

وتتبع الباحثون أكثر من 2000 شخص في أنحاء الولايات المتحدة، وقع الاختيار عليهم لأنهم زرعوا أجهزة تراقب نشاط القلب باستمرار. ومعظم هؤلاء يعانون من السمنة، ولديهم جميعاً ضعف في عضلة القلب، بصورة تجعلها تكافح لضخ ما يكفي من الدم إلى الجسم، وفق «وكالة رويترز للأنباء».

وعندما وصلت درجات الحرارة في الخارج إلى 39 درجة مئوية، زادت احتمالات الإصابة بنوبة من الرجفان الأذيني، بنحو 2.66 مرة مقارنةً بدرجات حرارة تتراوح بين 5 و8 درجات مئوية.

وارتفعت احتمالية الإصابة بالرجفان الأذيني لتصبح أعلى 2.87 مرة عند 40 درجة مئوية، و3.09 مرة عند 41 درجة.

ووجد الباحثون، الذين سيقدمون البيانات في اجتماعات جمعية القلب الأميركية، أن نوبات الرجفان الأذيني حدثت بمعدل أقل بين الساعة 12 صباحاً والسابعة صباحاً، مقارنة بساعات العمل الاعتيادية، من الثامنة صباحاً وحتى الخامسة مساء، وبمعدل أكبر في أيام الأسبوع مقارنةً بعطلات نهاية الأسبوع.

وتعقد جمعية القلب الأميركية جلسات علمية في مدينة شيكاغو، الفترة من 16 إلى 18 نوفمبر (تشرين الثاني).

وقال المتحدث باسم جمعية القلب الأميركية، الدكتور سانجاي راجاجوبالان من جامعة كيس وسترن ريزيرف في كليفلاند، الذي لم يشارك في الدراسة «نظراً للانتشار المتزايد للرجفان الأذيني بين عامة السكان بسبب التقدم في العمر وانتشار السمنة؛ فقد نضطر الآن أيضاً إلى التعامل مع ارتفاع درجات الحرارة».

وأضاف في بيان: «الأشخاص المهددون الذين يعيشون في مناطق معرضة لخطر الارتفاع الكبير في درجات الحرارة يجب أن يطلعوا على هذه النتائج، ويتأكدوا من اتخاذهم الاحتياطات اللازمة» للبقاء في أجواء باردة وتجنب الجفاف.