تحويل الطرق الخضراء إلى موارد مائية متجددة

تأثيرها يمتد إلى ما هو أبعد من الفوائد المباشرة للري والإنتاجية الزراعية

 مزارع يرمي السماد في أرض زراعية (غيتي)
مزارع يرمي السماد في أرض زراعية (غيتي)
TT

تحويل الطرق الخضراء إلى موارد مائية متجددة

 مزارع يرمي السماد في أرض زراعية (غيتي)
مزارع يرمي السماد في أرض زراعية (غيتي)

في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، حيث تعاني المجتمعات من ندرة المياه وتآكل التربة، تكون الطرق عادة مصدراً للضرر البيئي. يأتي النهج الجديد لتنفيذ الطرق، المعروف باسم «طرق خضراء من أجل المياه»، ليقلب هذا التصوُّر رأساً على عقب، ويحوّل الطرق إلى مورد مائي قيّم للمجتمعات المحلية.

يستغل نهج «طرق خضراء من أجل المياه» إمكانات الطرق لالتقاط مياه الأمطار وإدارتها من خلال تركيب مصارف لتحويل مياه الفيضانات إلى قنوات الري، وحفر برك لتخزين مياه الأمطار في مواسم الجفاف، وزراعة الأشجار على جوانب الطرق لامتصاص الجريان السطحي والسيطرة على الغبار، وتنفيذ المنعطفات والأكتاف لالتقاط الرمال أثناء الفيضانات.

وقد أثبتت هذه التدخلات منخفضة التكلفة والبسيطة تقنياً، نجاحها على نحو ملحوظ في العديد من البلدان النامية؛ ففي مقاطعة كيتوي في كينيا، على سبيل المثال، أظهرت دراسة أن كل 400 دولار يتم إنفاقها على تقنيات الطرق الخضراء تزيد من إنتاجية المزارعين بنحو 1000 دولار. وفي تيغراي بإثيوبيا، حيث تم تنفيذ الطرق الخضراء على نطاق واسع، ارتفع منسوب المياه بمقدار مترين، مما عزز إنتاجية المزارع المجاورة بنسبة 35 في المائة.

ورغم أن الطرق الخضراء تقدم حلاً واعداً لندرة المياه في المناطق القاحلة، فإن تأثيرها يمتد إلى ما هو أبعد من الفوائد المباشرة للري والإنتاجية الزراعية؛ فمن خلال الإدارة الفعالة لمياه الأمطار، تساهم الطرق الخضراء في إنشاء نظام بيئي أوسع لممارسات إدارة المياه، ومعالجة التحديات المترابطة المتمثلة في ندرة المياه وتآكل التربة وتغيُّر المناخ.

ومن أهم فوائد الطرق الخضراء دورها في إعادة تغذية طبقات المياه الجوفية. ومع تسرب مياه الأمطار إلى الأرض من خلال الأسطح المسامية للطرق والغطاء النباتي على جوانبها، يزداد مخزون المياه الجوفية، مما يوفر مصدراً مهمّاً للمياه يصلح للاستهلاك البشري والري خلال مواسم الجفاف. ولا يؤدي تجديد المياه الجوفية هذا إلى تخفيف آثار ندرة المياه فحسب، بل يعمل أيضاً على استقرار منسوب المياه الجوفية، ويقلل من مخاطر هبوط الأراضي الناجم عن الجفاف.

وبالإضافة إلى تغذية المياه الجوفية، تلعب الطرق الخضراء دوراً حيوياً في السيطرة على تآكل التربة. ومن خلال تحويل مياه الجريان السطحي بعيداً عن الطرق إلى مناطق التسرب، يجري تقليل نقل التربة السطحية القيّمة إلى المجاري المائية، مما يساهم في تحسين جودة المياه وحماية النظم البيئية المائية. ولا يساعد ذلك في الإقلال من انجراف التربة الزراعية فحسب، بل يحافظ أيضاً على خصوبة الأراضي؛ ما يضمن ممارسات زراعية مستدامة للأجيال المقبلة.

علاوة على ذلك، تساهم الطرق الخضراء في التكيُّف مع تغيُّر المناخ، من خلال تعزيز القدرة على مواجهة الظواهر الجوية المتطرّفة. ويمكن للطرق الخضراء أثناء الفيضانات احتجاز المياه الزائدة وتخزينها، ما يقلل من مخاطر السيول وأضرارها على الممتلكات. ويمكن بعد ذلك إطلاق المياه المخزَّنة تدريجياً خلال المواسم الجافة، ما يضمن إمدادات مياه أكثر اتساقاً ويخفف من آثار الجفاف.

ومن خلال ملاحظة الطرق الخضراء في التخطيط على نطاق المناظر الطبيعية، يمكن تنفيذ طرق تتماهى مع ممارسات الاستخدام المستدام للأراضي؛ ما يقلل البصمة البيئية لتطوير البنية التحتية. ويعزز هذا النهج أيضاً الحفاظ على التنوُّع البيولوجي عبر توفير ممرات للحيوانات البرية ضمن موائلها، وحماية النظم البيئية الطبيعية من التفتُّت. ويجذب النجاح المتزايد لمبادرة «طرق خضراء من أجل المياه» الاهتمام العالمي، حيث يدعم «البنك الدولي» وغيره من المنظمات تبني هذه التقنيات، عبر برامج التدريب وتمويل طفرة بناء الطرق التي تقوم على إعادة تشكيل النظم البيئية والمجتمعات في مختلف أنحاء العالم.

وخلال السنوات القليلة الماضية، نفذت نحو 20 دولة طرقاً خضراء من أجل المياه أو تخطط للبدء بذلك قريباً. وتم تعديل آلاف الكيلومترات من الطرق، في جميع أنحاء العالم، بناء على مبادئ الطرق الخضراء. كما وظف مهندسون هذه المبادئ في كينيا وإثيوبيا وبنغلاديش، وينتشر هذا المفهوم بسرعة إلى أماكن متنوعة، مثل الصومال وطاجيكستان وبوليفيا والسودان واليمن.

وتتوسع «حركة الطرق الخضراء» في عصر يشهد نمواً متسارعاً في تنفيذ الطرق في الدول النامية. ويوصف هذا النمو غير المسبوق بظاهرة «تسونامي البنية التحتية»، وهي موجة بناء يمكنها أن تنتج أكثر من 25 مليون كيلومتر من الطرق المعبَّدة بحلول منتصف القرن، وعشرات الملايين من الكيلومترات من الطرق غير المعبَّدة.

ومع ذلك، يحذر بعض الخبراء من أن التركيز على حصاد المياه يمكن أن يؤدي، عن غير قصد، إلى زيادة في تنفيذ الطرق، ما قد يخلّف آثاراً بيئية ضارة. ومن الضروري أن يتم تنفيذ الطرق الخضراء جنباً إلى جنب مع التخطيط الشامل لاستخدامات الأراضي وتدابير حماية البيئة، لضمان عدم تفوق تكاليف تنفيذ الطرق على فوائد حصاد المياه.

في منطقة الأمازون، على سبيل المثال، تحدث معظم عمليات إزالة الغابات بالقرب من الطرق. وفي حديقة شيتوان الوطنية بنيبال، يخشى باحثون من أن تؤدي الطرق إلى «انخفاض كبير في أعداد النمور» على مدى العقدين المقبلين. ويجري تجريف طرق الهيمالايا على نحو رديء يترك غالباً مخلّفات واسعة تمتص المياه وتؤدي إلى انهيارات أرضية مدمرة.

ورغم هذه المخاوف، فإنه لا يمكن إنكار قدرة الطرق الخضراء على تحويل الطرق من مصادر محتملة للضرر البيئي إلى أدوات حيوية لإدارة المياه والتنمية المستدامة. ومن خلال تسخير كفاءة الطرق في التقاط وإدارة مياه الأمطار، يستطيع العالم مواجهة تحديات تغيُّر المناخ وندرة الموارد، ورسم مسار واعد نحو مستقبل أكثر مرونة واستدامة.


مقالات ذات صلة

استنشاق هواء نيودلهي يعادل تدخين 50 سيجارة يومياً

يوميات الشرق رجل يركب دراجة نارية وسط ضباب كثيف بالقرب من نيودلهي (إ.ب.أ)

استنشاق هواء نيودلهي يعادل تدخين 50 سيجارة يومياً

مع تفاقم الضباب الدخاني السام الذي يلف نيودلهي هذا الأسبوع، فرضت السلطات في العاصمة الهندية مجموعة من القيود الأكثر صرامة على حركة المركبات والسكان.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
يوميات الشرق النسخة الأولى من المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير أقيمت في 2022 (واس)

السعودية تنظِّم «المعرض والمنتدى الدّولي لتقنيات التّشجير»

يهدف المعرض إلى الاستفادة من التّقنيات الحديثة في تشجير البيئات الجافة وتدهور الأراضي، وإتاحة منبرٍ لمناقشة المشكلات البيئية الحالية، والبحث عن حلول لها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق دجاج (أ.ف.ب)

الدجاجة أم البيضة؟ علماء يتوصلون أخيراً إلى إجابة لغز «من الذي جاء أولاً»

قالت صحيفة إندبندنت البريطانية إن علماء من جامعة جنيف قدموا، في دراسة، إجابة للغز الشائع «مَن الذي جاء أولاً الدجاج أم البيضة؟» استندت إلى اكتشاف كائن حي متحجر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من التحضيرات للجلسة الافتتاحية لقمة «مجموعة العشرين» في ريو دي جانيرو الاثنين (أ.ف.ب)

وزير البيئة السعودي: المملكة تركز على أهمية معالجة تحديات الأمن الغذائي

نوّه وزير البيئة والمياه والزراعة السعودي المهندس عبد الرحمن الفضلي، بريادة المملكة في دعم جهود «مجموعة العشرين»، لتحقيق أهداف تحديات الأمن الغذائي.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
الاقتصاد رئاسة «كوب 16» الرياض ستخصص منطقة خضراء لتنظيم 7 أيام للمحاور الخاصة لتحفيز العمل العالمي لمواجهة تحديات تدهور الأراضي والجفاف والتصحر (الشرق الأوسط)

تحديد 7 أيام في «المنطقة الخضراء» بـ«كوب 16» لتقديم حلول تدهور الأراضي

أعلنت رئاسة «كوب 16» عن إقامة منطقة خضراء وتنظيم 7 أيام للمحاور الخاصة، مشيرة إلى أن هذا البرنامج غير المسبوق يأتي في إطار الجهود التي تبذلها السعودية.

«الشرق الأوسط» (الرياض) «الشرق الأوسط» (الرياض)

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية يُهدد خطط المناخ

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)
ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)
TT

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية يُهدد خطط المناخ

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)
ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)

أظهرت أوراق بحثية أن الأراضي الرطبة الاستوائية حول العالم بات ينبعث منها كميات من غاز الميثان أكثر من أي وقت مضى، وهو ما يُثير القلق من أن أهداف المناخ العالمية أصبحت بعيدة المنال، وفق «رويترز».

وتحتوي الأراضي الرطبة على كميات هائلة من الكربون في صورة مواد نباتية ميتة، تتحلل ببطء من خلال الميكروبات الموجودة في التربة.

ويؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تسريع هذه العملية، ما يزيد من التفاعلات الحيوية التي ينتج عنها غاز الميثان. كما تؤدي الأمطار الغزيرة إلى حدوث فيضانات، ما يتسبب في زيادة رقعة الأراضي الرطبة.

وكان العلماء يتوقعون منذ فترة طويلة زيادة انبعاثات غاز الميثان من الأراضي الرطبة، مع ارتفاع درجات الحرارة، ولكن من عام 2020 إلى 2022 أظهرت عينات مأخوذة من الهواء وجود تركيزات أعلى من غاز الميثان في الغلاف الجوي.

وتشير 4 دراسات نُشرت في الأشهر القليلة الماضية إلى أن الأراضي الرطبة الاستوائية هي السبب الأكثر ترجيحاً في ارتفاع مستويات الميثان، إذ أسهمت المناطق الاستوائية في ارتفاع مستويات ذلك الغاز بأكثر من 7 ملايين طن خلال السنوات القليلة الماضية.

وقال روب جاكسون، أستاذ البيئة بجامعة ستانفورد، الذي يرأس المجموعة التي تنشر الميزانية العالمية للميثان: «تركيزات الميثان لا ترتفع فحسب، بل ارتفعت في السنوات الخمس الماضية أسرع من أي وقت مضى».

وأعلنت بعض الدول عن خطط طموح لخفض غاز الميثان. وقالت الصين العام الماضي إنها ستسعى جاهدة للحد من حرق الانبعاثات من آبار النفط والغاز.

ووضعت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن اللمسات الأخيرة على لائحة جديدة الأسبوع الماضي، سيلتزم بموجبها منتجو النفط والغاز في الولايات المتحدة بدفع رسوم على بعض انبعاثات الميثان، لكن من المرجح إلغاء هذه اللائحة في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وقالت وزيرة البيئة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، إيف بازيبا لـ«رويترز»، على هامش قمة الأمم المتحدة المعنية بالمناخ (كوب 29)، إن بلادها تعمل على تقييم انبعاثات غاز الميثان من غابات المستنقعات والأراضي الرطبة في حوض الكونغو.

وجاء في تقرير ميزانية الميثان لعام 2024 أن الكونغو هي أكبر مصدر لانبعاثات الميثان في المناطق الاستوائية.