هل تنجح الاستراتيجية الجديدة في حل مشكلات البيئة العراقية المزمنة؟

تجمع بين مكافحة التلوُّث وإدارة الموارد

منظر جوي من «جسر الحرية» للمشاة على نهر دجلة وسط بغداد (رئاسة الوزراء العراقية)
منظر جوي من «جسر الحرية» للمشاة على نهر دجلة وسط بغداد (رئاسة الوزراء العراقية)
TT

هل تنجح الاستراتيجية الجديدة في حل مشكلات البيئة العراقية المزمنة؟

منظر جوي من «جسر الحرية» للمشاة على نهر دجلة وسط بغداد (رئاسة الوزراء العراقية)
منظر جوي من «جسر الحرية» للمشاة على نهر دجلة وسط بغداد (رئاسة الوزراء العراقية)

جَرَت صياغة آخر استراتيجية وخطة عمل بيئية وطنية في العراق في عام 2013، وكانت تهدف حينها إلى تأطير العمل البيئي في البلاد. وخلال السنوات الأربع التالية، تعذّر تنفيذ هذه الخطة بسبب الحرب التي أشعلتها التنظيمات المتطرّفة وعمليات مواجهتها. ومع استقرار الأوضاع نسبياً، وفي ظل الالتزامات المناخية والبيئية التي تعهد بها العراق، جرى أخيراً إطلاق خطة عمل وطنية جديدة بدعم من «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي»، بالتعاون مع «برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب)».

«الشرق الأوسط» اطلعت على خطة العمل، والاستراتيجية الوطنية العراقية للحدّ من التلوُّث البيئي حتى عام 2030، وتعرِض في ما يلي أهم ملامح هذه الوثيقة وأبرز التحديات التي تواجه البلاد حتى نهاية هذا العقد.

مشكلات بيئية فاقمتها الحروب والنزاعات

الاستراتيجية البيئية لبلد ما هي مجموعة مبادرات مصممة بهدف التخفيف من الآثار السلبية على البيئة، كتقليل استهلاك الطاقة والوقود، وزيادة الاعتماد على الموارد المستدامة والطاقة المتجددة. ومع الأخذ في الحسبان المعاناة التي سببتها جائحة «كورونا» للقطاع البيئي العراقي، وتعهد العراق بالالتزام بـ«اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية» بشأن التغيُّر المناخي، ومساهماته المناخية المحددة وطنياً، أصبح تحديث الاستراتيجية السابقة ضرورة ملحة.

جندي من قوات التحالف لمكافحة «داعش» خلال دورية قرب قاعدة «عين الأسد» الجوية في العراق (أرشيفية - سانتاكوم)

وكان التلوُّث البيئي في العراق تفاقم على نحو متزايد خلال السنوات القليلة الماضية، نتيجة لعوامل مختلفة؛ في مقدمها الاضطرابات والحرب والنزاعات السياسية، مما أدى إلى أضرار في البنية التحتية، وتسارع النشاط الصناعي غير المخطط، في استخراج وتكرير النفط والغاز وتوليد الطاقة الكهربائية.

ويرتبط التلوُّث البيئي في العراق أيضاً بمحدودية الخدمات البلدية؛ كنظام الصرف الصحي الهش، وضعف إدارة النفايات الخطرة وغير الخطرة، إلى جانب الممارسات الزراعية غير المدروسة. كما أعاق النمو السكاني السريع، والأزمة الاقتصادية، وجائحة «كوفيد19»، وتحديات تغيُّر المناخ، الجهود المبذولة لتحسين البيئة وحمايتها. وتسبب ذلك كله في استغلال الموارد الطبيعية استغلالاً سيئاً؛ مما أدى إلى استنفاد الموارد وتراجع حالة البيئة مع تلوُّث عناصرها المختلفة من هواء وماء وتربة.

الاستراتيجية الوطنية الجديدة للحدّ من التلوُّث البيئي حتى عام 2030، التي تبنّتها الحكومة وأصبحت برنامجاً لوزارة البيئة، تقوم على خطة عمل تنسجم مع رؤية العراق الشاملة لتحقيق التنمية المستدامة مع نهاية هذا العقد.

نباتات مقاومة للجفاف

وقد لحظت هذه الاستراتيجية تقييم التلوُّث للتعرُّف على التحدي الكبير المتمثل في دقة البيانات واتساقها، مما أدى إلى وجود فجوات كبيرة في تحديد الحالة النوعية للتلوُّث في العراق. وشملت أولويات منع التلوُّث المحددة في هذا التقييم أنشطة النفط والغاز، ومحطات توليد الكهرباء ومولدات الديزل، وانبعاثات عوادم المركبات، ومياه الصرف الصحي، وتأثيرات تغيُّر المناخ، وإدارة النفايات الصلبة والخطرة ونفايات ما بعد الحرب، ومصادر التلوُّث الصناعي والزراعي والبحري، والبنية المؤسساتية والقانونية.

وتتدنى جودة الهواء في العراق بسبب انبعاثات الغازات الملوّثة والعواصف الترابية، نتيجة التصحُّر واحتراق غازات الوقود في قطاعات النقل وتوليد الطاقة والأنشطة النفطية والصناعية. والمعروف أن العراق من أكثر الدول عرضة للتغيُّر المناخي في المنطقة العربية، حيث ارتفعت درجات الحرارة فيه بما بين 0.9 و3.5 درجة مئوية خلال الفترة بين 2007 و2010، وشهِدت كميات الأمطار فيه انخفاضاً بمعدلات غير مسبوقة زادت على 30 في المائة مقارنة بمتوسط معدلات هطول الأمطار في الأعوام بين 1938 و1978.

كما واجه العراق عدداً من الظواهر الجوية المتطرّفة؛ مثل الجفاف والتصحُّر وازدياد وتيرة الغبار الشديد والعواصف الرملية، مما أدى إلى تركيزات من الغبار المتساقط تجاوزت الحدود الوطنية لعامي 2018 و2019. وأدى الغبار إلى زيادة ملحوظة في انتشار أمراض الجهاز التنفسي.

بحيرة الحبانية العراقية (أ.ف.ب)

وتُعدّ محطات الطاقة الكهربائية من أهم مصادر تلوُّث الهواء في البلاد، حيث توجد 82 محطة عاملة في عموم العراق؛ معظمها غازي وحراري وبعضها كهرمائي. وتتصف هذه المحطات عموماً بضعف كفاءة الاحتراق، والمشكلات التشغيلية المرتبطة بالوحدات المتقادمة، وعدم وجود وسائل للتحكم في الانبعاثات وأجهزة لمراقبة التركيزات. ونتيجة نقص إمدادات الطاقة الكهربائية، فهناك اعتماد كبير على مولدات الديزل الخاصة في المدن لتوفير نحو 30 في المائة من إجمالي إمدادات الطاقة، وهي تُعدّ من المصادر الرئيسية لتلوُّث الهواء.

وتعاني المسطحات المائية الرئيسية؛ بما فيها الأنهار والأراضي الرطبة، من زيادة الملوحة بسبب نقص المياه نتيجة لتأثيرات تغيُّر المناخ، وإنشاء السدود في دول المنبع، والسياسات المائية لهذه الدول. وقد أدى كل ذلك إلى انخفاض المياه السطحية بنسبة 18 في المائة خلال الفترة بين 2017 و2018. ومن المتوقع أن تصل النسبة إلى 37 في المائة بين 2020 و2030، و51 في المائة خلال الفترة من 2040 إلى 2050.

بسبب توالي سنوات الجفاف تضطر نساء البوادي لقطع مسافات طويلة للحصول على مياه الآبار التي أصبحت شبه جافة (إ.ب.أ)

وتتلوّث المسطحات المائية السطحية والمياه البحرية، بسبب التصريف المستمر لمياه الصرف الصحي البلدية والزراعية غير المعالجة، ومياه الصرف الصناعي، والانسكابات النفطية والنفايات من السفن، مما يشكل تهديدات إضافية خطرة على الصحة العامة والنظام البيئي المائي.

ويساهم النمو السكاني السريع في العراق في زيادة تلوُّث المياه، مع زيادة الضغط على خدمات المياه والصرف الصحي، وما يصاحب ذلك من فشل في تأمين معالجة فعالة لمياه الصرف قبل تصريفها إلى مصادر المياه، أو استخدامها في أنشطة أخرى مثل الري. كما يفتقر معظم الأنشطة الصناعية إلى وحدات معالجة فعالة لمعالجة النفايات السائلة الملوّثة. ويؤدي تقادم خطوط الإنتاج وغياب التقنيات الحديثة في الصناعات القائمة، إلى توليد كميات أكبر من مياه الصرف الملوّثة.

ويمثّل التلوُّث البحري مصدر قلق كبير على طول ساحل العراق وممر شط العرب المائي. ويحدث عموماً بسبب مياه الصرف الصحي وما تحمله من ملوّثات عضوية ومواد مغذية، ومياه الصرف الصناعي، ومنصرفات محطات توليد الطاقة، والصرف الزراعي المحتوي على المبيدات الحشرية و«المعادن النزرة» والمخلّفات البترولية.

محطة كهرباء عراقية (مواقع التواصل الاجتماعي)

وتعاني التربة في العراق من التملُّح وفقدان الخصوبة وتدهور الغطاء النباتي، خصوصاً في غابات شمال العراق، إلى جانب مشكلة التصحُّر المتفاقمة. ويرتبط تدهور التربة أيضاً بتغيُّر المناخ، والتخلص العشوائي من النفايات، والإدارة غير السليمة للنفايات على أنواعها.

ونظراً إلى تاريخ الحرب والصراع في البلاد، فإن 5.8 مليار متر مربع من الأراضي العراقية، ملوّثة بمخلّفات الحرب والذخائر العنقودية وحقول الألغام والعبوات الناسفة والذخائر غير المنفجرة. وتزيد مخلّفات الحرب من مخاطر تلوُّث التربة بالمعادن الثقيلة، مثل النحاس والرصاص والزنك والحديد. وتعاني المناطق التي شهِدت عمليات عسكرية مختلفة خلال فترة النزاع؛ بما فيها تلك التي خرجت عن سيطرة الدولة وقوانينها البيئية، من مخاطر التلوُّث بالنفايات الخطرة الناتجة عن استخدام الأسلحة والمواد الكيميائية.

الأهداف الاستراتيجية لخطة العمل البيئي

انسجاماً مع «رؤية العراق 2030»؛ التي تتبنى شعار «إنسان مُمكَّن ينعم بالعدالة والحكم الرشيد في بلد آمن ومجتمع موحَّد واقتصاد متنوِّع وبيئة مستدامة»، استهدفت الاستراتيجية الوطنية العراقية، وخطة العمل للحدّ من التلوُّث البيئي حتى عام 2030، حماية وتحسين جودة الهواء والمياه والتربة، وتطوير وتحسين إدارة النفايات الصلبة، والحدّ من التلوُّث في قطاعي الصناعة والطاقة، وتعزيز الإطار المؤسساتي والقانوني.

موارد المياه المحدودة والجفاف من أبرز العوامل المهددة للأمن الغذائي (أ.ف.ب)

ويشمل برنامج مكافحة التلوُّث، مجموعة من الإجراءات والتدخلات الشاملة لتحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية، مع إسناد كل إجراء إلى السلطات المختصة وفق مؤشرات أداء رئيسية. وفي حين يوفّر «برنامج مكافحة التلوُّث» إجراءات واسعة النطاق للحّد من التلوُّث والسيطرة عليه، فإن تنفيذه يجب أن يعتمد أفضل التقنيات المتاحة التي لا تنطوي على تكاليف مفرطة.

ويتضمن الهدف الأول المتعلق بتحسين جودة الهواء، عدداً من الإجراءات؛ من بينها مراجعة وتحديث قوانين ومعايير جودة الهواء، والاستثمار في مراقبة تلوُّث الهواء من المصدر، وتعزيز النقل العام والطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة.

وفي الهدف الثاني الخاص بحماية وتحسين جودة المياه، تدعو خطة العمل إلى تنفيذ مخرجات استراتيجية الموارد المائية وإدارة الأراضي، وإجراء تقييم وطني للمياه الجوفية، من أجل الاستثمار المستدام، وتعزيز برنامج الرصد البيئي لجودة الموارد المائية، واستكمال ربط قنوات الصرف الصحي الفرعية بنظام الصرف الصحي الرئيسي.

ويلحظ الهدف الثالث، المخصص لحماية وتحسين جودة التربة، إنفاذ التشريعات والاتفاقيات الخاصة بالرقابة على استخدام المبيدات والنفايات الخطرة المرتبطة بها والتخلص منها، وإنشاء برنامج لمراقبة جودة التربة، وتنفيذ مشاريع تثبيت الكثبان الرملية، وتطهير المواقع الملوّثة بالذخائر العنقودية والألغام، وبناء قدرات اللجان الوطنية لإنفاذ السياسات والاتفاقيات الكيميائية.

البصرة تضم أهم حقول العراق النفطية (أ.ف.ب)

أما الهدف الثالث، المتعلق بتحسين إدارة النفايات الصلبة، فيتضمن مراجعة وتحديث قوانين ومعايير إدارة النفايات الصلبة، وتعزيز تغييرات سلوك إدارتها النفايات، والتحكم في الحرق العشوائي في الهواء الطلق، وإنشاء كيان تنظيمي مركزي لإدارتها بالتوازي مع بناء القدرات الفنية اللازمة.

ويدعو الهدف الخامس، المرتبط بمكافحة التلوُّث في قطاعي الصناعة والطاقة، إلى وضع إرشادات للأداء البيئي الصناعي، وإطلاق برامج لمكافحة التلوُّث في الصناعات الرئيسية من خلال تطبيق التقنيات المتقدمة، ودعم وتطوير إنشاء المدن الصناعية الحديثة في جميع المحافظات، والرصد البيئي لأنشطة تصنيع النفط والغاز، وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة استخدام الوقود بأنواعه وتبني التقنيات النظيفة.

ويقترح الهدف السادس الخاص بتعزيز الإطار المؤسساتي والقانوني، إعداد الاستراتيجية الوطنية للتوعية والمشاركة والتثقيف البيئي، وفرض ضرائب ورسوم بيئية، وبناء قدرات العاملين في مجال البيئة، وترخيص المشاريع بموجب دراسات تقييم للأثر البيئي.

أصبحت لدى العراق اليوم استراتيجية وطنية حديثة للبيئة وخطة عمل لتنفيذها. لكن تحقيق الأهداف المرجوُّة يستلزم سرعة العمل، والتعاون بين المؤسسات التشريعية والقطاعين العام والخاص.


مقالات ذات صلة

استمرار البحث عن ناجين وإحصاء القتلى في مايوت الفرنسية بعد الإعصار

أوروبا دمر الإعصار «تشيدو» أنحاءً شاسعة من مايوت بعد أن صاحبته رياح تجاوزت سرعتها 200 كيلومتر في الساعة (أ.ف.ب) play-circle 00:38

استمرار البحث عن ناجين وإحصاء القتلى في مايوت الفرنسية بعد الإعصار

بحث عمال الطوارئ عن ناجين، الاثنين، وسابقوا الزمن لاستعادة الخدمات الأساسية في مايوت، وهي من الأراضي الفرنسية ما وراء البحار، حيث يُخشى مقتل الآلاف.

«الشرق الأوسط» (موروني)
بيئة درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

صعوبة في تفسير الارتفاع القياسي في درجات الحرارة العالمية

يُعدّ الاحترار الذي يواجهه العالم منذ عقود بسبب غازات الدفيئة المنبعثة من الأنشطة البشرية مسألة معروفة، لكنّ درجات الحرارة العالمية التي حطّمت الأرقام القياسية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الجهاز الجديد يتميز بقدرته على العمل ميدانياً مباشرة في المواقع الزراعية (جامعة ستانفورد)

جهاز مبتكر ينتِج من الهواء مكوناً أساسياً في الأسمدة

أعلن فريق بحثي مشترك من جامعتَي «ستانفورد» الأميركية، و«الملك فهد للبترول والمعادن» السعودية، عن ابتكار جهاز لإنتاج الأمونيا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
بيئة جانب من الساحل الشمالي لجزيرة سردينيا الإيطالية (فيسبوك)

باحث بريطاني: «المناطق الزرقاء» المشهورة بعمر سكانها المديد مجرد خدعة

تشكل الفكرة القائلة إنّ «المناطق الزرقاء» المشهورة في العالم بطول عمر سكانها وارتفاع نسبة المعمرين فيها، مجرد خدعة تستند إلى بيانات غير صحيحة؟

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق معرض مستدام وصديق للبيئة من إنشائه إلى تصميمه ومكوّناته (تصوير: تركي العقيلي)

من التصميم إلى الإنشاء… ابتكارات مستدامة تُشكِّل معرضاً دولياً في السعودية

تبرز تقنية «الشجرة التفاعلية» وسط القاعة. فعندما يقترب الزائر تدبُّ الحياة في الشجرة ويُعرَض وجهٌ عليها لتبدأ بسرد قصتها ممثّلةً الأشجار المُعمِّرة في السعودية.

غازي الحارثي (الرياض)

السعودية تستهدف تحويل 60 % من مناطقها إلى «غابات مُنتجة»

TT

السعودية تستهدف تحويل 60 % من مناطقها إلى «غابات مُنتجة»

الاستفادة من التقنيات الحديثة في تشجير البيئات الجافة واستعادة الأراضي المتدهورة من أهداف المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير (تصوير: تركي العقيلي)
الاستفادة من التقنيات الحديثة في تشجير البيئات الجافة واستعادة الأراضي المتدهورة من أهداف المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير (تصوير: تركي العقيلي)

يواصل «المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير» استقبال الحضور اللافت من الزوّار خلال نسخته الثانية في العاصمة السعودية الرياض، بتنظيم من المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، في منطقة «COP16» بالرياض.

وفي الإطار، وقّع، الخميس، المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، مذكّرة تفاهم مع مركز البحوث الزراعية والغابات الدولية (CIFOR-ICRAF)، للتعاون بهدف استغلال الزراعة الحراجية لإدارة الأراضي المستدامة.

اهتمام مجتمعي كشفه مستوى الحضور إلى المعرض. (تصوير: تركي العقيلي)

وخلال جولة «الشرق الأوسط» في المعرض، كشفت أميرة العبدلي، مديرة الغابات الاجتماعية في المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، أن الزراعة الحراجية تستهدف «الغابات المنتجة للغذاء» أو أراضي الغطاء النباتي المنتجة التي تسمى أيضاً «الغابات المدمجة».

 

الزراعة الحراجيّة

وأكدت العبدلي أن هذه الشراكة تأتي لتحقيق مستهدفات المركز في خطة يجري بناؤها الآن للزراعة الحراجية إلى عام 2030، وأضافت: «نستهدف خلالها تحويل 50 إلى 60 في المائة من مناطق السعودية إلى غابات منتجة».

ونوّهت العبدلي إلى أن «الزراعة الحراجية» تُعد محوراً رئيسياً ضمن مبادرة السعودية الخضراء.

المعرض استقطب حضور دولي للإطلاع على كافة الأجنحة والأركان. (تصوير : تركي العقيلي)

وفي إطار متّصل، كشفت العبدلي لـ«الشرق الأوسط» عن البدء في حصر الأشجار المعمِّرة في السعودية وشرحت: «استندنا في رحلتنا لحصر الأشجار المعمِّرة إلى المعرفة لدى المجتمعات المحلية بالأشجار الموجودة في المنطقة»، وحول عدد الأشجار التي حُصرت، أفادت العبدلي بأنه «خلال المرحلة الأولى استطعنا حصر 383 موقعاً لأشجار معمِّرة في مناطق عسير وجازان والباحة، ووضعنا لها لوحات تعريفية بالإضافة لعمل حماية لها، وأنهينا المرحلة الأولى بإنجاز بنسبة 100 في المائة».

شجرة معمِّرة تفاعلية على هامش المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير (الشرق الأوسط)

وعن المرحلة الثانية من الحصر، أشارت العبدلي إلى أنها ستركِّز على إدارة الغابات، و«نستهدف أن تكون لدينا قاعدة بيانات رقمية بحيث يمكن معرفة موقع ومعلومات الشجرة عن طريق الإنترنت».

 

جازان وعسير والباحة في المرحلة الأولى لحصر الأشجار المعمِّرة

وبالسؤال عن أين توجد أغلب الأشجار المعمِّرة في السعودية، أفادت العبدلي بأن أغلب الأشجار المعمِّرة «موجودة في المنطقة الجنوبية في الغابات الجبلية، حيث رصدنا في جازان 208 أشجار معمَّرة، وفي عسير 80 شجرة معمِّرة، وفي الباحة 60 شجرة معمِّرة، وهذه الأرقام في طور الزيادة».

وسلّطت العبدلي الضوء على المساهمة البيئية لهذه الأشجار، معتبرةً أنه في ظل الحديث عن الكربون وكيفية تخزينه «فكلما كبُر عمر الشجرة كان تخزينها للكربون أكبر، إلى جانب أنها تعدّ نظاماً بيئياً متكاملاً يحمي الكائنات الحيّة ويحمي التربة من الانجراف ويسهم في الحماية من التغيّرات المناخية».

 

مشاركة المجتمعات المحلّية

ويربط بين الأشجار المعمِّرة والغابات المنتجة للغذاء مشاركة المجتمعات المحلّية، وكان المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، قد وجّه دعوة لأفراد المجتمع المحلي للمشاركة في تحديد مواقع الأشجار المعمرة والنادرة؛ لإدراجها ضمن قاعدة بيانات مخصصة، وتأهيلها وفق معايير علمية عالية.

ولفت المركز إلى أن ذلك يأتي انطلاقاً من المسؤولية المشتركة نحو حماية ورعاية الغطاء النباتي، والحفاظ على الثروات الطبيعية للبلاد.

شجرة معمِّرة تفاعلية على هامش المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير (الشرق الأوسط)

 

«بُعد أخضر»

وعلى الهامش تستمر حملة «بُعد أخضر» للتعريف بأهداف وتطلعات النسخة الثانية من المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير، وأكد المسؤولون عن الحملة أنها جاءت في ظل اهتمام كبير تحظى به النسخة الحالية من المعرض والمنتدى، إذ تُقام بالتزامن مع انعقاد مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر «COP16»، الذي يُعقد للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط، وتسعى إلى إبراز جهود السعودية في حماية البيئة ومكافحة التصحر والجفاف على المستوى العالمي، فضلاً عن تعزيز الاهتمام المتزايد بالغطاء النباتي، الذي يعدّ من الركائز الأساسية للاستراتيجية الوطنية للبيئة، إلى جانب دعوة المهتمين إلى زيارة مقر الفعالية التي تحتضنها المنطقة الخضراء في «COP16» في العاصمة السعودية الرياض.