«الذئب الرمادي العجوز» يجدد وحده منظومة بيئية كاملة

«إم 93» المعروف باسم «الذئب الرمادي العجوز» يظهر في المقدمة بلونه الفاتح (جامعة ميشيغان)
«إم 93» المعروف باسم «الذئب الرمادي العجوز» يظهر في المقدمة بلونه الفاتح (جامعة ميشيغان)
TT

«الذئب الرمادي العجوز» يجدد وحده منظومة بيئية كاملة

«إم 93» المعروف باسم «الذئب الرمادي العجوز» يظهر في المقدمة بلونه الفاتح (جامعة ميشيغان)
«إم 93» المعروف باسم «الذئب الرمادي العجوز» يظهر في المقدمة بلونه الفاتح (جامعة ميشيغان)

لم يقتصر أثر انتقال ذئب منفرد من كندا إلى جزيرة أميركية عبر جسر جليدي على تجديد تجميعة جينات الذئاب المحلية، بل أدى كذلك إلى تحوّلات في كل المنظومة البيئية للجزيرة، على ما لاحظ باحثون أميركيون بعد دراسة امتدت سنوات.

وأوضحت المُعدّة الرئيسية لهذه الدراسة، التي نشرت (الأربعاء) في مجلة «ساينس أدفانسز»، سارة هوي، أنها «أول بحث علمي يُظهر أن المشاكل الوراثية لا تؤثر على مجموعة معينة فحسب وتزيد من خطر انقراضها، بل لها أيضا آثار واسعة النطاق على كل الأنواع»، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية.

وتولى فريق هذه الباحثة البيئية في جامعة ميشيغان التكنولوجية إجراء فحص معمّق للمنظومة البيئية لجزيرة «آيل رويال» الواقعة على الجانب الأميركي من بحيرة سوبيريور، وهي مسطّح شاسع من المياه العذبة يقع بين كندا والولايات المتحدة، بعدما دخل الجزيرة ذئب منفرد لم يكن له مثيل بين حيواناتها.

وكان هذا الذئب الذي أُطلقت عليه في إطار الدراسة تسمية «إم 93» لكنه يُعرف أكثر باسم «الذئب الرمادي العجوز»، عبر عام 1997 جسراً جليدياً بين كندا والجزيرة.

استوطنت أولى الذئاب هذه المنطقة في أربعينات القرن العشرين وكانت تصطاد الأيائل بشكل أساسي، ما أتاح إجراء أطول دراسة على الإطلاق عن نظام «المفترس والفريسة».

وفي الثمانينات، أدى انتشار «فيروس بارفو الكلابي» في هذه المنظومة البيئية إلى القضاء على الذئاب المحلية التي انخفض عددها من 50 إلى 12، على ما أفادت الدراسة.

ذكر متكاثر جديد

لكنّ دخول «الذئب الرمادي العجوز» أدى إلى تغيير المعطيات بالنسبة للمجموعات الحيوانية المحلية والمنظومة البيئية بأكملها. فنظراً إلى عدم ارتباط الحيوان الدخيل بالأنواع الموجودة في المنطقة، وكونه كبيراً، وهي ميزة مهمة حيال الأيائل، فرض الذئب الرمادي نفسه «ذكراً متكاثراً» جديداً بين إحدى مجموعات الذئاب الثلاث الموجودة أصلاً على الجزيرة، إلى درجة أنه أنجب 34 جرواً.

ونتيجة ذلك، لم يقتصر الأمر على تنوع التجميعة الجينية لدى ذئاب الجزيرة، بل إن قدرتها على اصطياد حيوانات «الموظ» تحسنت.

وبما أن الأيائل العاشبة تأكل ما يصل إلى 14 كيلوغراماً من النباتات يومياً، أدى انخفاض أعدادها بفعل اصطيادها من الذئاب إلى تحول في المنظومة البيئية لإعادة التوازن إليها، على ما انتهى إليه الباحثون الأميركيون.

مع تراجع أعداد الأيائل، عاودت أشجار التنوب البلسم النمو بمعدل لم يسبق له مثيل منذ عقود، وهو ما كانت له أهمية كبيرة بالنسبة إلى الغابة وتالياً إلى عدد لا يحصى من النباتات والأنواع.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، إذ ساهمت طفرة أعداد الذئاب في نهاية المطاف في حدوث خلل جديد في المنظومة البيئية بسبب تزاوج الحيوانات التي تربطها صلة قرابة.

وبعد نفوق «إم 93» الذي أعطى تراثه الجيني لنحو 60 في المائة من الذئاب، عادت أعداد الذئاب إلى التناقص بحيث لم يبق منها سوى اثنين هما ذئب وابنته.

إلا أن برنامجاً لإعادة إدخال هذا النوع بدأ تنفيذه قبل خمس سنوات أتاح إعادة إيجاد توازن أفضل في هذه المنظومة البيئية المعزولة التي يستوطنها راهناً نحو 30 ذئباً، وما يقل قليلاً عن ألف من الأيائل التي تسمى أيضاً «الموظ» في أميركا الشمالية.

وعدت سارة هوي أن نموذج «الذئب الرمادي العجوز» يمكن أن ينطبق بلا شك على مجموعات أخرى من الحيوانات المفترسة الفطرية المعرضة لخطر الانقراض كالفهود، من خلال إظهارها أن إدخال حيوان واحد أو عدد قليل من الحيوانات من أحد الأنواع إلى تجميعة جينات لا يؤدي إلى تجديد الحيوانات وحدها، بل المنظومة البيئية أيضاً.

ووصف أستاذ علم البيئة في جامعة ولاية أوريغون وليام ريبل الدراسة التي أجرتها زميلته من ميشيغان، التي لم يشارك فيها، بأنها «مهمة»، نظراً إلى إظهارها أن العمليات الجينية يمكن أن تحد من التأثيرات البيئية لنوع معين، على ما قال لوكالة الصحافة الفرنسية.


مقالات ذات صلة

حفر صينية عملاقة تحبس الزمن في باطنها... وتجذب السياح

يوميات الشرق اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)

حفر صينية عملاقة تحبس الزمن في باطنها... وتجذب السياح

على عمق يتخطى 100 متر تحت الأرض (328 قدماً) ثمة عالم مفقود من الغابات القديمة والنباتات والحيوانات، حيث كل ما يمكنك رؤيته هناك قمم الأشجار المورقة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق رجل يركب دراجة نارية وسط ضباب كثيف بالقرب من نيودلهي (إ.ب.أ)

استنشاق هواء نيودلهي يعادل تدخين 50 سيجارة يومياً

مع تفاقم الضباب الدخاني السام الذي يلف نيودلهي هذا الأسبوع، فرضت السلطات في العاصمة الهندية مجموعة من القيود الأكثر صرامة على حركة المركبات والسكان.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
يوميات الشرق النسخة الأولى من المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير أقيمت في 2022 (واس)

السعودية تنظِّم «المعرض والمنتدى الدّولي لتقنيات التّشجير»

يهدف المعرض إلى الاستفادة من التّقنيات الحديثة في تشجير البيئات الجافة وتدهور الأراضي، وإتاحة منبرٍ لمناقشة المشكلات البيئية الحالية، والبحث عن حلول لها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق دجاج (أ.ف.ب)

الدجاجة أم البيضة؟ علماء يتوصلون أخيراً إلى إجابة لغز «من الذي جاء أولاً»

قالت صحيفة إندبندنت البريطانية إن علماء من جامعة جنيف قدموا، في دراسة، إجابة للغز الشائع «مَن الذي جاء أولاً الدجاج أم البيضة؟» استندت إلى اكتشاف كائن حي متحجر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من التحضيرات للجلسة الافتتاحية لقمة «مجموعة العشرين» في ريو دي جانيرو الاثنين (أ.ف.ب)

وزير البيئة السعودي: المملكة تركز على أهمية معالجة تحديات الأمن الغذائي

نوّه وزير البيئة والمياه والزراعة السعودي المهندس عبد الرحمن الفضلي، بريادة المملكة في دعم جهود «مجموعة العشرين»، لتحقيق أهداف تحديات الأمن الغذائي.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)

البراكين «مصدر خفي» لثاني أكسيد الكربون المسبِّب للاحترار المناخي

تُواصل البراكين إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بعد فترة طويلة من توقف نشاطها السطحي (رويترز)
تُواصل البراكين إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بعد فترة طويلة من توقف نشاطها السطحي (رويترز)
TT

البراكين «مصدر خفي» لثاني أكسيد الكربون المسبِّب للاحترار المناخي

تُواصل البراكين إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بعد فترة طويلة من توقف نشاطها السطحي (رويترز)
تُواصل البراكين إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بعد فترة طويلة من توقف نشاطها السطحي (رويترز)

واصلت مناطق بركانية ضخمة إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، بعد فترة طويلة من توقّف نشاطها السطحي، مما يفسّر مدة بعض موجات التغير المناخي، بحسب دراسة نُشرت الأربعاء.

ووفق «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول بنجامين بلاك، عالم البراكين في جامعة روتجرز - نيو برونسويك بالولايات المتحدة، وقائد الدراسة التي أجراها فريق من علماء الجيولوجيا من مختلف أنحاء العالم، إنّ «النتائج التي توصّلنا إليها مهمة؛ لأنها تحدّد مصدراً خفياً لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، خلال موجات احترار مفاجئ على الأرض استمرت لفترة أطول بكثير مما كنّا نتوقع».

ويضيف بلاك في بيان مصاحب للدراسة المنشورة بمجلة «نيتشر جيوساينس»: «نعتقد أننا وجدنا جزءاً مهماً من لغز متعلق بكيفية تعطّل المناخ على الأرض، وربما بمقدار الأهمية نفسه عن كيفية تعافيه».

وترتبط «مناطق بركانية واسعة النطاق» (LIPs)، وهي مناطق واسعة تشكّلت نتيجة انفجارات ضخمة للصهارة خلال فترة جيولوجية قصيرة، بـ4 من 5 موجات انقراض جماعي كبرى منذ ظهور الحياة المعقّدة على الأرض.

وأطلقت هذه الانفجارات كميات هائلة من الغازات في الغلاف الجوي، بينها ثاني أكسيد الكربون والميثان، مما تسبّب بظاهرتَي الاحترار المناخي وتحمّض المحيطات.

وقبل 252 مليون سنة، وفي نهاية العصر البرمي، أدى النشاط البركاني المكثّف في إحدى هذه المناطق، وهي مصاطب سيبيريا، إلى موجة خسارة في التنوع البيولوجي كانت الأشد في تاريخ الكوكب؛ إذ انقرض أكثر من 90 في المائة من الأنواع البحرية، و70 في المائة من الأنواع البرّية.

واستمرت ظاهرة الاحترار المناخي والمعدلات المرتفعة لثاني أكسيد الكربون، واضطرابات دورة الكربون لنحو 5 ملايين سنة، أي حوالي 3 ملايين سنة بعد فترة النشاط البركاني.

وهذا التعافي الأبطأ للمناخ مما توقعته النماذج الجيوكيميائية المناخية الحيوية، يثير اهتمام العلماء منذ فترة طويلة.

فهل ثمة عتبات في حال تخطّيها تتوقف أنظمة تنظيم المناخ الطبيعي عن العمل؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فكيف يمكن تفسير مدة هذه الموجات وهي أطول بكثير من النشاط البركاني الذي تسبّب بها؟

انبعاثات من الأنشطة البشرية

جمّع مُعِدّو الدراسة تحليلات كيميائية للحمم البركانية، ووضعوا نماذج حاسوبية تحاكي الذوبان داخل الأرض، وقارنوا النتائج مع السجلات المناخية المحفوظة في الصخور الرسوبية، قبل طرح الفرضية القائلة بأن مرحلة النشاط البركاني السطحي لن تكون الوحيدة التي تشهد إطلاق ثاني أكسيد الكربون.

وحتى عندما توقفت الانفجارات، استمر إنتاج الصهارة في عمق قشرة الأرض ووشاحها، واستمرت في إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون، مما أدى إلى احترار طويل الأمد.

وفي حال تأكيد فرضية هذا المصدر «الخفي» لثاني أكسيد الكربون، فقد يعني ذلك أن «منظم الحرارة» للأرض يعمل بشكل أفضل مما كان يعتقد العلماء، بحسب مُعِدِّي الدراسة.

لكن هذا النوع من البراكين «لا يمكنه بالتأكيد تفسير التغير المناخي الحالي»، على ما يوضح بلاك لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

ويشير إلى أن هذه «الظاهرة النادرة والاستثنائية جداً، قادرة على جمع ما يكفي من الصهارة لتغطية الولايات المتحدة القارّية أو أوروبا بطبقة من الحمم البركانية بعمق نصف كيلومتر»، وقد شهدتها الأرض آخر مرة قبل 16 مليون سنة.

وحالياً يمثّل الكربون المنبعث في الغلاف الجوي من مختلف براكين الأرض مجتمعةً «أقل من 1 في المائة» من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالأنشطة البشرية، بحسب بلاك.

ويقول: «تشير دراستنا إلى أن أنظمة التحكم في مناخ الأرض تستمر في العمل حتى في ظل ظروف قاسية»، مما يمنحه الأمل في أن «العمليات الجيولوجية ستكون قادرة على إزالة ثاني أكسيد الكربون الناتج عن الأنشطة البشرية من الغلاف الجوي تدريجياً، لكن ذلك سيستغرق مئات الآلاف إلى ملايين السنين».