شركات تستولي على الغابات وتحول دون حفظها

تحت مظلّة خفض الانبعاثات الكربونية

آثار الحرائق في الغابات الاستوائية في منطقة الامازون في البرازيل في سبتمبر 2021 (د ب أ)
آثار الحرائق في الغابات الاستوائية في منطقة الامازون في البرازيل في سبتمبر 2021 (د ب أ)
TT

شركات تستولي على الغابات وتحول دون حفظها

آثار الحرائق في الغابات الاستوائية في منطقة الامازون في البرازيل في سبتمبر 2021 (د ب أ)
آثار الحرائق في الغابات الاستوائية في منطقة الامازون في البرازيل في سبتمبر 2021 (د ب أ)

تُعد الغابات موارد ذات أهمية عالمية، فهي تغطي نحو ثُلث مساحة الأرض، وتقدم خدمات إيكولوجية بنحو 7.5 تريليون دولار سنوياً. وتتأثر الغابات بتغيُّر المناخ، وهي في الوقت نفسه لاعب أساسي في الحدّ من الانبعاثات الكربونية، ما يجعل الحفاظ عليها وحمايتها من التعديات هدفاً عالمياً، تعرقل تحقيقه مصالح بعض الشركات.

توفّر الغابات الموئل لنحو 80 في المائة من أنواع البرمائيات و75 في المائة من أنواع الطيور، و68 في المائة من أنواع الثدييات. ويوجد أكثر من 700 مليون هكتار من الغابات ضمن مناطق تحظى بالحماية الرسمية، ومع ذلك يبقى التنوُّع البيولوجي الحرجي معرضاً للخطر بسبب إزالة الغابات وتدهورها.

وتتعرض الغابات لتعديات كثيرة بسبب التحطيب والإزالة لاستخدام أراضيها في الزراعة ورعي المواشي، حيث خسرت 420 مليون هكتار من مساحتها بين عامي 1990 و2020. ورغم أن معدل إزالة الغابات آخذ في التراجع، فإنه سجّل فقدان 10 ملايين هكتار سنوياً خلال الفترة بين 2015 و2020.

ويشكّل تغيُّر المناخ عامل خطر رئيسياً يهدد سلامة الغابات، وتوجد مؤشرات على ازدياد تواتر وشدة حرائق الغابات والآفات الحرجية خلال السنوات الماضية. وفي المقابل، تلعب الغابات دوراً كبيراً في التخفيف من آثار تغيُّر المناخ، حيث تحتوي على 662 مليار طن من الكربون، أي ما يزيد عن نصف المخزون العالمي للكربون في التربة والنباتات. ولذلك، فإن احتراق مساحات شاسعة من الغابات قد يكون حدثاً مناخياً هاماً يحرر كميات ضخمة من الانبعاثات الكربونية في الأجواء.

وفي صيف هذه السنة، تسببت الحرائق الواسعة في الغابات الكندية في تسجيل رقم قياسي للمساحات المحترقة والانبعاثات الكربونية الناتجة عنها. فخلال 90 يوماً، أتت الحرائق على 13.5 مليون هكتار من غابات كندا، وأطلقت ما يزيد عن مليار طن مكافئ من ثاني أوكسيد الكربون. وتقارِب هذه الانبعاثات الكمية السنوية لغازات الدفيئة التي تطلقها اليابان سنوياً، وهي خامس أكبر مصدر للانبعاثات الكربونية في العالم.

وتواجه الغابات الثلجية في أميركا الشمالية، التي تمتد على جزء كبير من شبه القارة القطبية الشمالية في ألاسكا وكندا، مخاطر الانكماش بسبب الأنشطة البشرية وتغيُّر المناخ. ويُعتقد أن هذه الغابات تضم ربع الغابات المتبقية على وجه الأرض، وتعتمد عليها حياة الملايين من البشر. وتشير دراسة حديثة لتبدّلات غطائها الشجري بين عامي 2000 و2019 إلى ضعف حدودها الجنوبية في التعافي من الضغوط التي تتعرض لها بسبب حرائق الغابات وقطع الأشجار. في حين أظهرت حدودها الشمالية بعض التوسع نتيجة الاحترار العالمي الذي حسّن ظروف نمو الأشجار. وتُنذِر هذه التبدّلات بتقلّص طويل الأمد في الغابات الشمالية، وإن كان بدء تقلّصها غير محدد بعد.

وتساهم إزالة الغابات بما بين 11 و20 في المائة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن النشاط البشري. ولذلك، تدعم الأمم المتحدة برنامجاً لتقليل الانبعاثات الناتجة عن إزالة الغابات وتدهورها، بالإضافة إلى الإدارة المستدامة للغابات والحفاظ على مخزونها من الكربون وتعزيزه. ويمثّل هذا البرنامج، الذي يُعرف اختصاراً باسم «ريد بلاس» (REDD)، جزءاً من عملية التفاوض حول اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ. ويهدف البرنامج إلى تشجيع البلدان النامية على المساهمة في التخفيف من تغيُّر المناخ من خلال إبطاء ووقف وعكس فقدان الغابات وتدهورها لخفض الانبعاثات، وحفظ الغابات وإدارتها وتوسيعها لزيادة عمليات إزالة غازات الدفيئة من الغلاف الجوي.

ويساهم صندوق المناخ الأخضر في توفير التمويل لأنشطة البلدان ومؤسسات القطاع الخاص للتخفيف والتكيُّف المناخي في إطار برنامج «ريد بلاس». ويشمل ذلك، على سبيل المثال، ممارسات الزراعة المستدامة، وتوسيع مناطق الغابات، وسلاسل التوريد الخالية من إزالة الغابات. ويؤكد البرنامج على تعزيز النهج الذي يضمن السلامة البيئية بخفض انبعاثات الكربون بمقدار مليار طن سنوياً، مع دعم الفوائد غير الكربونية مثل حماية التنوُّع البيولوجي وحفظ سبل العيش المحلية وتعزيز حقوق الشعوب الأصلية. وهي اعتبارات يجري تجاهلها على أرض الواقع عند تضارب المصالح بين المجتمعات التقليدية والشركات التي توسّع نطاق ملكياتها في الغابات حول العالم.

يُعد تسريع إضفاء الطابع الرسمي على الحقوق العرفية والجماعية أمراً بالغ الأهمية لحماية ما تبقى من الغابات وحشد الموارد لتحقيق التعافي. ويشير تقرير «حالة الغابات في العالم 2022» الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة إلى أن 73 في المائة من الغابات في العالم كان ملكية عامة في عام 2015، و22 في المائة ملكية خاصة. ويسجّل التقرير وجود اتجاه تصاعدي في نسبة الحقوق الخاصة في إدارة الغابات المملوكة ملكية عامة، من 2 في المائة عام 1990، إلى 13 في المائة عام 2015.

ويُظهر تحقيق لمنظمة «لوكال فيوتشرز» الممارسات غير القانونية التي ترتكبها بعض الشركات العابرة للدول في غابات الأمازون البرازيلية، بهدف الاستيلاء على الأراضي، وقطع الغابات، والتعدي على حقوق المجتمعات التقليدية. وتستفيد هذه الشركات من التمويل الأخضر لمشروعات خفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها عبر زراعة أشجار الأخشاب التجارية، والادعاء بتبني نهج الإدارة المستدامة للغابات الذي تستغله في طرد المجتمعات التقليدية، والحصول على منافع بملايين الدولارات لقاء بيع أرصدة الكربون.

ويشير التحقيق إلى تقاطع مصالح الشركات، والدول، و«صناعة الحفظ» التي تمثّلها المنظمات الكبيرة غير الحكومية في «الاقتصاد الأخضر». ورغم أنهم جميعاً يدّعون محاربة إزالة الغابات وأسبابها، فإنهم يستفيدون فعلياً، بطريقة أو بأخرى، من تدمير الغابات وإجلاء المجتمعات المحلية من أراضيها.


مقالات ذات صلة

بايدن في زيارة غير مسبوقة للأمازون

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن خلال جولته في الأمازون (أ.ف.ب)

بايدن في زيارة غير مسبوقة للأمازون

يزور جو بايدن الأمازون ليكون أول رئيس أميركي في منصبه يتوجه إلى هذه المنطقة، في وقت تلوح فيه مخاوف بشأن سياسة الولايات المتحدة البيئية مع عودة دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (أمازوناس)
أميركا اللاتينية أطفال يمشون على شريط رملي في طريقهم إلى المدرسة في مجتمع سانتو أنطونيو في نوفو أيراو، ولاية أمازوناس، شمال البرازيل، 1 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

الجفاف في منطقة الأمازون يعرّض نحو نصف مليون طفل للخطر

قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، يوم الخميس، إن ندرة المياه والجفاف يؤثران على أكثر من 420 ألف طفل في 3 دول بمنطقة الأمازون.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
الولايات المتحدة​ جيف بيزوس مؤسس شركة «أمازون» (رويترز)

جيف بيزوس يهنئ ترمب على «العودة غير العادية... والنصر الحاسم»

هنأ جيف بيزوس، مؤسس شركة «أمازون»، دونالد ترمب على «العودة السياسية غير العادية والنصر الحاسم» بعد فوز المرشح الجمهوري بالإنتخابات الرئاسية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص خلال مشاركة «أمازون» في مؤتمر «ليب 24» وإعلانها عن استثمارات ضخمة في السعودية (الشرق الأوسط)

خاص «أمازون»: السعودية والإمارات الأسرع نمواً في التجارة الإلكترونية

كشف مسؤول في شركة «أمازون» أن المنطقة تشهد تطورات مهمة فيما يتعلق بالتجارة الإلكترونية، مؤكداً أن السعودية والإمارات هما أسرع الأسواق نمواً.

عبير حمدي (الرياض)
خاص كاميرا «بان تيلت» أول كاميرا داخلية من «أمازون» تدور بزاوية 360 درجة وتميل بزاوية 169 درجة (أمازون)

خاص الكاميرات الذكية أمْ «سي سي تي في»... كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي معايير الأمان المنزلي؟

لا تُعد الكاميرات الذكية مجرد موضة عابرة، بل ضرورة في المنازل الحديثة.

نسيم رمضان (دبي)

الاحترار القياسي للمحيطات زاد حدة الأعاصير الأطلسية في 2024

أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)
أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)
TT

الاحترار القياسي للمحيطات زاد حدة الأعاصير الأطلسية في 2024

أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)
أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)

تسببت درجات حرارة المحيطات المرتفعة بشكل قياسي في زيادة السرعة القصوى لرياح مختلف الأعاصير الأطلسية التي سُجّلت سنة 2024، بحسب دراسة نُشرت الأربعاء، ما يؤكد أن ظاهرة الاحترار المناخي تفاقم القوة التدميرية للعواصف.

وأظهرت هذه الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل من 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال معدّ الدراسة، دانييل غيلفورد، في حوار مع وسائل الإعلام: «لقد أثرت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة الأخرى على درجات حرارة سطح البحار في مختلف أنحاء العالم».

وفي خليج المكسيك، تسببت هذه الانبعاثات في ارتفاع درجات حرارة سطح البحر بنحو 1.4 درجة مئوية مما كانت عليه، لتكون في عالم لا يواجه تغيراً مناخياً.

وهذا الارتفاع في درجات الحرارة يفاقم رياح الأعاصير التي تزداد قوتها. وتحوّلت ظواهر مثل «ديبي» و«أوسكار» بشكل سريع من عواصف استوائية إلى أعاصير فعلية.

صورة تظهر الأضرار التي لحقت بمدينة أشفيل في ولاية كارولينا الشمالية الأميركية بعد مرور إعصار هيلين 29 سبتمبر 2024 (رويترز)

وارتفع مستوى أعاصير مثل «ميلتون» و«بيريل» على مقياس سافير-سيمبسون من الرابع إلى الخامس، بسبب التغير المناخي، بينما ارتفع مستوى إعصار «هيلين» من الثالث إلى الرابع.

ويُترجَم هذا الارتفاع في المستوى بزيادة القدرة التدميرية أربع مرات تقريباً.

وكان الإعصار «هيلين» مدمراً بشكل خاص، إذ أدى إلى مقتل أكثر من 200 شخص، وعُدّ ثاني أعنف إعصار يضرب القارة الأميركية منذ أكثر من نصف قرن، بعد إعصار «كاترينا» عام 2005.

وبحسب دراسة أخرى أجراها «كلايمت سنترال» بين عامي 2019 و2023، باتت حدّة 84 في المائة من الأعاصير أكبر بكثير بسبب احترار المحيطات الناجم عن الأنشطة البشرية.

وعلى الرغم من أن دراستيهم ركزتا على حوض المحيط الأطلسي، فإن الباحثين أكدوا أن النهج الذي اعتمدوه يمكن تطبيقه على الأعاصير المدارية على نطاق عالمي.

وحذّر علماء المناخ من احتمال تفاقم التأثيرات مع تخطي الاحترار 1.5 درجة مئوية.