مناجم في المحيطات

خطط لحصاد المعادن على حساب النظم البحرية

 ناشط من منظمة «غرينبيس» يحمل لافتة احتجاجية تندد بالتعدين في أعماق البحار (رويترز)
ناشط من منظمة «غرينبيس» يحمل لافتة احتجاجية تندد بالتعدين في أعماق البحار (رويترز)
TT

مناجم في المحيطات

 ناشط من منظمة «غرينبيس» يحمل لافتة احتجاجية تندد بالتعدين في أعماق البحار (رويترز)
ناشط من منظمة «غرينبيس» يحمل لافتة احتجاجية تندد بالتعدين في أعماق البحار (رويترز)

في رواية «عشرون ألف فرسخ تحت الماء» للكاتب الفرنسي جول فيرن، أعلن الكابتن نيمو عن وجود مناجم من الزنك والحديد والفضة والذهب في أعماق المحيط «سيكون استغلالها سهلاً للغاية». وبينما كانت تقديرات جول فيرن محقّة حول وفرة الموارد البحرية، إلا أن الحصول عليها ليس بالأمر البسيط وقد يكون ثمنه فادحاً.

يتطلّب تحقيق أهداف اتفاقية باريس المناخية زيادة إنتاج الليثيوم والكوبالت والغرافيت بمعدل 5 أضعاف بحلول 2050. وقد يكون من الصعب على مناجم اليابسة تلبية هذا الطلب، ما سيجعل التعدين في البحار أكثر احتمالاً. ومع سعي الشركات لتلبية الطلب المتزايد على هذه المعادن، التي تدخل في صناعة البطاريات والألواح الشمسية، بدأ سباق عالمي محموم للحصول على حقوق التعدين في المحيطات. ويصِف كثيرون هذا السباق على أنه «حمّى ذهب» جديدة ستكون على حساب الطبيعة.

ومنذ ستينات القرن الماضي، ازداد الاهتمام بمعادن المحيطات، حيث أُطلقت الدعوات للتعامل مع الموارد البحرية العميقة بوصفها «تراثاً مشتركاً للبشرية»، وطالبت بوجود نظام مراقبة دولية للحيلولة دون قيام الدول المتقدمة بالسيطرة على هذه الموارد واحتكارها، بما يعود بالضرر على الدول النامية. وفي السبعينات أدى انهيار الأسعار العالمية للمعادن، وسهولة الحصول على المعادن من الدول النامية، إلى تراجع الاهتمام باستخراج المعادن من المحيطات.

وفي عام 1994 تأسست «الهيئة الدولية لقاع البحار»، بموجب اتفاق أممي تحت مظلة اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. وتتمثّل المهمة الأساسية للهيئة في تنظيم استكشاف واستغلال المعادن في قاع البحر العميق خارج حدود الجرف القاري والمناطق الاقتصادية الخالصة للدول. وبموجب هذا التعريف تشمل وصاية الهيئة ما يزيد قليلاً على نصف مساحة البحار على وجه الكوكب. وخلال السنوات القليلة الماضية عاد الاهتمام من جديد بثروات قاع البحار بفضل التقدم التكنولوجي في عمليات استخراج ومعالجة المعادن البحرية، والنمو المتوقع في الطلب على المعادن وتعقيدات الحصول عليها.

ويركّز الاهتمام التجاري حالياً على 3 أنواع من الرواسب المعدنية البحرية. وتشمل المركّبات العديدة المعادن، ومنها المنغنيز والحديد والنحاس والنيكل والكوبالت والرصاص والزنك والموليبدينيوم والليثيوم والتيتانيوم والنيوبيوم وغيرها، وهي مدفونة غالباً في الرواسب الناعمة. وأهم مواقعها منطقة «كلاريون كليبرتون زون» في شرق المحيط الهادئ، على أعماق تتراوح بين 3500 و5500 متر، التي تحتوي على رصيد من النيكل والمنغنيز والكوبالت قد يفوق مجموع ما هو موجود منها على الأرض.

وتشمل الرواسب المعدنية البحرية أيضاً الكبريتيدات المتعددة المعادن، وهي غنية بالنحاس والحديد والزنك والفضة والذهب، وتوجد على حدود الطبقات التكتونية وفي المناطق الناشطة بركانياً على عمق نحو 2000 متر. وتحتوي هذه المناطق على أنظمة المداخن البركانية الحارّة، التي تعتمد فيها البكتيريا على كبريتيد الهيدروجين كمصدر للطاقة، وتشكّل أساساً للهرم الغذائي، الذي يضم مجموعة متنوعة من الديدان الأنبوبية العملاقة والقشريات والرخويات وغيرها، وهي ذات قيمة إحيائية فريدة.

أما النوع الثالث من الرواسب المعدنية البحرية فهي قشور الكوبالت، التي تتشكّل من ترسب معادن مياه البحر على عمق ما بين 400 و7000 متر، وتحتوي على الحديد والمنغنيز والنيكل والكوبالت والنحاس والعديد من المعادن النادرة. وهي موجودة على نحو خاص في سلاسل الجبال البحرية في ماجلان في المحيط الهادئ، وشرق اليابان، وجزر ماريانا.

تعدين بحري في غياب التشريعات

بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، لا يجوز القيام بالتنقيب عن معادن قاع البحار واستغلالها إلا بموجب عقد مبرم مع الهيئة الدولية لقاع البحار. وقد قامت الهيئة بوضع لوائح أولية، تلحظ فقرات تتعلق بحماية البيئة، لتنظيم عمليات التنقيب. وأصدرت حتى الآن 31 تصريحاً للتنقيب في المحيط الهادئ والمحيط الهندي والمحيط الأطلسي، ومن المتوقع أن تبدأ عمليات التعدين في «كلاريون كليبرتون زون» مع نهاية 2024.

وتخطط الشركات لتعدين عقيدات الفلزات في «كلاريون كليبرتون زون» عن طريق شفطها في آلات تعدين بحجم حافلة تسير على قاع البحر وتضخ العقيدات إلى السطح. لكن عملية «الحصاد» هذه تبدو من العشوائية بأنها قد تدمّر موائل الكائنات الحية في المنطقة التي تضم أنواع الإسفنج المختلفة، والديدان المتعددة الرؤوس، والشعاب المرجانية، ومخلوقات أعماق البحار.

ويقول علماء إن عمليات التعدين غير المنظمة يمكن أن تسبب ضرراً لا رجعة عنه للموائل، لأن العقيدات تستغرق ملايين السنين لتتشكل عبر ترسيب المعادن الذائبة، وسيؤدي التعدين إلى اندثار المخلوقات التي تعيش على العقيدات. كما ستتسبب العملية في إثارة أعمدة الرواسب التي ترتبط بالمعادن، وتوليد ضوضاء وضوء يمكن أن يمتد أثره الضار إلى أماكن تبعد كثيراً عن مواقع التعدين.

وتسببت خطط التعدين في «كلاريون كليبرتون زون» بمطالبات لوضع لوائح نهائية للتعدين تراعي الاعتبارات البيئية. وبدأ هذا مع طلب الدولة الجزرية الصغيرة ناورو، التي تعمل كراعٍ لإحدى شركات التنقيب، إذن تعدين في أعماق البحار عام 2021. وتنص فقرة في القانون الدولي على قيام الهيئة الدولية لقاع البحار باستكمال لوائح التعدين الخاصة بها خلال سنتين من طلب الإذن، وفي حال تعذّر ذلك يجب على الهيئة الموافقة مؤقتاً على منح التصريح التجاري.

وفي 9 يوليو (تموز) انقضى الموعد النهائي الذي فرضته ناورو للوصول إلى توافق دولي على اللوائح النهائية للتعدين، ما سيجعل عمليات التعدين في قاع البحر تبدأ من دون وجود تشريعات دولية فعّالة. ويضع فشل المفاوضات الهيئة الدولية لقاع البحار في موقف حرج إزاء تعريض صحة النظم البيئية في أعماق البحار للخطر، لا سيما أن أكثرها غير مستكشف ولا يزال مجهولاً.

وتشير ورقة بحثية إلى أن آلاف الأنواع في منطقة صدع كلاريون كليبرتون في شرق المحيط الهادئ لا تزال غير مصنّفة. ويخلص فحص نحو 100 ألف سجل من العيّنات التي جرى جمعها أو مراقبتها خلال الرحلات الاستكشافية في المنطقة إلى وجود 436 نوعاً حياً فقط جرى تحديدها وتسميتها رسمياً، فيما لا يزال هناك أكثر من 5500 نوع بحاجة إلى تعيين وتوصيف.

وتهتم دراسة أخرى، نشرتها أخيراً مجلة «كارينت بايولوجي»، بالآثار المتبقية للتعدين في أعماق البحر بعد مغادرة المستثمرين. وتتناول هذه الدراسة تجربة التعدين في عام 2020 التي أجرتها هيئة المسح الجيولوجي اليابانية في عمق البحر على مسافة 1900 جنوب شرقي طوكيو، وذلك باستخدام آلة تعدين صغيرة لمدة ساعتين. وقد وجدت هذه الدراسة أن الأسماك والكائنات المتحركة الأخرى كانت لا تزال أقل وفرة بنسبة 43 في المائة في منطقة التعدين، و56 في المائة في المناطق المجاورة حتى 150 متراً، رغم مرور أكثر من سنة على التجربة القصيرة.

إن النظم البيئية البحرية تواجه حالياً تهديدات تفوق قدراتها، من تغيُّر المناخ وتحمُّض المحيطات إلى التلوُّث والحفر البحري، إلى جانب ضغوط الشحن وصيد الأسماك. وتتعرض عوالم ما تحت الماء بالفعل لمخاطر لا حصر لها ناتجة عن النشاط البشري، وقد تكون عمليات التعدين الوشيكة قاصمة للنظم البيئية والكائنات البحرية التي لا يزال أكثرها مجهولاً. لكن التخريب ليس قدراً محتوماً، إذ يمكن تجنبه من خلال تشريعات تفرض ضوابط على عمليات التعدين البحري، بحيث توازن بين استثمار الموارد الضرورية للتنمية على نحو مستدام يحفظ سلامة البيئة البحرية.



ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية يُهدد خطط المناخ

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)
ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)
TT

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية يُهدد خطط المناخ

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)
ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)

أظهرت أوراق بحثية أن الأراضي الرطبة الاستوائية حول العالم بات ينبعث منها كميات من غاز الميثان أكثر من أي وقت مضى، وهو ما يُثير القلق من أن أهداف المناخ العالمية أصبحت بعيدة المنال، وفق «رويترز».

وتحتوي الأراضي الرطبة على كميات هائلة من الكربون في صورة مواد نباتية ميتة، تتحلل ببطء من خلال الميكروبات الموجودة في التربة.

ويؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تسريع هذه العملية، ما يزيد من التفاعلات الحيوية التي ينتج عنها غاز الميثان. كما تؤدي الأمطار الغزيرة إلى حدوث فيضانات، ما يتسبب في زيادة رقعة الأراضي الرطبة.

وكان العلماء يتوقعون منذ فترة طويلة زيادة انبعاثات غاز الميثان من الأراضي الرطبة، مع ارتفاع درجات الحرارة، ولكن من عام 2020 إلى 2022 أظهرت عينات مأخوذة من الهواء وجود تركيزات أعلى من غاز الميثان في الغلاف الجوي.

وتشير 4 دراسات نُشرت في الأشهر القليلة الماضية إلى أن الأراضي الرطبة الاستوائية هي السبب الأكثر ترجيحاً في ارتفاع مستويات الميثان، إذ أسهمت المناطق الاستوائية في ارتفاع مستويات ذلك الغاز بأكثر من 7 ملايين طن خلال السنوات القليلة الماضية.

وقال روب جاكسون، أستاذ البيئة بجامعة ستانفورد، الذي يرأس المجموعة التي تنشر الميزانية العالمية للميثان: «تركيزات الميثان لا ترتفع فحسب، بل ارتفعت في السنوات الخمس الماضية أسرع من أي وقت مضى».

وأعلنت بعض الدول عن خطط طموح لخفض غاز الميثان. وقالت الصين العام الماضي إنها ستسعى جاهدة للحد من حرق الانبعاثات من آبار النفط والغاز.

ووضعت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن اللمسات الأخيرة على لائحة جديدة الأسبوع الماضي، سيلتزم بموجبها منتجو النفط والغاز في الولايات المتحدة بدفع رسوم على بعض انبعاثات الميثان، لكن من المرجح إلغاء هذه اللائحة في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وقالت وزيرة البيئة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، إيف بازيبا لـ«رويترز»، على هامش قمة الأمم المتحدة المعنية بالمناخ (كوب 29)، إن بلادها تعمل على تقييم انبعاثات غاز الميثان من غابات المستنقعات والأراضي الرطبة في حوض الكونغو.

وجاء في تقرير ميزانية الميثان لعام 2024 أن الكونغو هي أكبر مصدر لانبعاثات الميثان في المناطق الاستوائية.