ترقب علمي عشية إعلان مهم بشأن حقبة جيولوجية جديدة في الأرض

علماء يتعاملون مع جهاز أخذ عينات لاستخراج الرواسب في خليج بيبو جنوب اليابان في 6 يونيو 2021 (أ.ف.ب)
علماء يتعاملون مع جهاز أخذ عينات لاستخراج الرواسب في خليج بيبو جنوب اليابان في 6 يونيو 2021 (أ.ف.ب)
TT

ترقب علمي عشية إعلان مهم بشأن حقبة جيولوجية جديدة في الأرض

علماء يتعاملون مع جهاز أخذ عينات لاستخراج الرواسب في خليج بيبو جنوب اليابان في 6 يونيو 2021 (أ.ف.ب)
علماء يتعاملون مع جهاز أخذ عينات لاستخراج الرواسب في خليج بيبو جنوب اليابان في 6 يونيو 2021 (أ.ف.ب)

منذ 2009، تنكبّ مجموعة من علماء الجيولوجيا على جمع أدلّة عن انتقال البشرية إلى عصر جيولوجي جديد ناجم عن التأثير البشري... وسيعلن هؤلاء الثلاثاء، عن أحدث خلاصاتهم، وهو موقع انطلاق حقبة الأنثروبوسين التي بدأ عندها التأثير البشري الهائل على الكوكب، حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية.

وسيتوّج الإعلان المتوقع الثلاثاء، في الساعة السابعة مساء (17:00 ت غ) خلال مؤتمرين علميين في مدينة ليل الفرنسية والعاصمة الألمانية برلين، من دون خلاصات جازمة، مغامرة علمية أطلقها في عام 2002 بول كروتزن، الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء بفضل تحديده مصادر تدمير طبقة الأوزون، وهو أول من تحدث عن ظهور هذه الحقبة التي توصف بـ«عصر تأثير الإنسان»، في نظرية لم تحظَ بموافقة رسمية من أعلى السلطات العلمية.

ويُقسَّم تاريخ الأرض الممتدّ على 4.6 مليار سنة، بشكل منهجي إلى عصور وفترات وعهود وحقب جيولوجية، وهو تقسيم يتعلّمه الطلاب وتطوّره اللجنة الدولية لطبقات الأرض. وتعيش البشرية حالياً في فترة الحياة الحديثة، العصر الرباعي، الحقبة الهولوسينية (الحقبة الحديثة).

وهذه اللجنة هي التي كلّفت مجموعة العمل المعنية بالأنثروبوسين (حقبة التأثير البشري) بمهمة الإجابة، بحكم الواقع، عن 3 أسئلة رئيسية.

وبحسب هذه التساؤلات، إذا عمدت مجموعة كائنات فضائية خلال الأعوام المليون المقبلة إلى تفتيش طبقات الصخور والرواسب الموجودة على الأرض، فهل ستكتشف أثراً بشرياً مهمّاً بما يكفي لاستنتاج أنّ حدوداً جيولوجية جديدة قد جرى اجتيازها بوضوح؟ إذا كان الأمر كذلك، فمتى نجد أوضح دليل على ذلك؟ وأين؟

صعوبة بالغة

بالنسبة للسؤال الأول، فإنّ إجابة مجموعة العمل لا لبس فيها، إذ يؤكدون أنّ البشر أخرجوا فعلاً الكوكب من حقبة الهولوسين التي بدأت قبل 11700 عام بعد دورات جليدية عدة، ونقلوه إلى «عالم جديد».

وآثار النشاط البشري، من اللدائن الدقيقة (ميكروبلاستيك) إلى الملوّثات الكيميائية الأبدية مروراً بالأنواع الغازية وغازات الدفيئة، موجودة في كلّ مكان، من قمم الجبال إلى قيعان المحيطات، والاضطرابات التي تسبّبها كثيرة، بما يشمل تغير المناخ، والتلوث، وفقدان التنوع البيولوجي، إلى حد كسر التوازن الطبيعي للكرة الأرضية.

وبالنسبة لفريق العمل، فإن نقطة التحول هي منتصف القرن العشرين، عندما شهدت جميع مؤشرات وجود التأثير البشري في الرواسب ارتفاعاً هائلاً أطلق عليه العلماء اسم «التسارع العظيم».

ويبقى تحديد المكان الرمزي حيث يكون هذا التحول أكثر وضوحاً. وقد يكون ذلك في بحيرة، أو في شعاب مرجانية، أو كتلة جليدية... وقد وُضعت 9 مواقع في الصين وكندا واليابان وأماكن أخرى في القائمة المختصرة للأماكن المحتملة في هذا الإطار.

ولا يزال غموض كبير يكتنف هذا الموضوع، خصوصاً لناحية معرفة هل ستتم المصادقة على هذا العمل رسمياً من قبل أعضاء اللجنة الدولية لطبقات الأرض، ثم من الأوصياء في الاتحاد الدولي للعلوم الجيولوجية، المعروف بتصلبه عندما يتعلق الأمر بتعديل الميثاق الدولي لتاريخ طبقات الأرض.

والانطباع السائد يشير إلى صعوبة كبيرة في هذا الشأن. ويعتقد بعض الجيولوجيين المشهورين أنه لم يتم استيفاء المعايير التقنية المطلوبة لتوصيف الأنثروبوسين على أنه «حقبة» جديدة، رغم إقرارهم بحدوث تغييرات جذرية خلال القرن الماضي.

الأنثروبوسين «حقيقي»

لذلك يعتقد فيل غيبارد، وهو أمين اللجنة الدولية لطبقات الأرض، أنّ مصطلح «حدث جيولوجي» سيكون أكثر ملاءمة.

وشدد غيبارد في عام 2022 على أنّ «الظروف التي تسببت في حدوث التجمعات الجليدية»، وهي سلسلة من عشرات الدورات الجليدية التي حدثت على مدى المليون سنة الماضية، «لم تتغير، لذلك يمكننا أن نتوقع أن الهولوسين لن يكون سوى حقبة جليدية بينية».

ولكن، بحسب مؤيدي تصنيف الأنثروبوسين كحقبة جليدية، فلأول مرة في تاريخ البشرية، لا يقتصر الأمر على تغيير نوع ما بشكل جذري لمورفولوجيا الأرض والتركيبة الكيميائية والبيولوجية فيها فحسب، بل يدرك هذا النوع أنه فعل ذلك.

ومن شأن تسمية العصر أن تدفع بالبشرية إلى التركيز على التحديات المستقبلية، وهو ما سمّاه بول كروتزن «نقلة نوعية في التفكير العلمي».

وقال مدير معهد بوتسدام للأبحاث حول آثار تغير المناخ يوهان روكستروم، معدّ دراسة تاريخية حول حدود الكواكب، لوكالة الصحافة الفرنسية: «علينا أن نعترف بوجود نقاط تحول».

وبالنسبة إلى رئيس مجموعة العمل يان زالاسيفيتش، فإنّ عدم التصديق على الانتقال إلى حقبة الأنثروبوسين سيترك الانطباع بأن ظروف الهولوسين، التي سمحت للحضارة الإنسانية بالازدهار، لا تزال موجودة.

وقال لوكالة الصحافة الفرنسية: «من الواضح أنّ الأمر ليس كذلك»، مضيفاً: «العلم يتعلق بالتمييز بين ما هو حقيقي وما هو غير ذلك. والأنثروبوسين حقيقي».


مقالات ذات صلة

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

يوميات الشرق أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

اختفى هذا النوع من الحشرات من غابة «نيو فورست» ببريطانيا، فبدأ «صندوق استعادة الأنواع» مشروعاً بقيمة 28 ألف جنيه إسترليني لإعادته.

«الشرق الأوسط» (لندن)
بيئة أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)

الاحترار القياسي للمحيطات زاد حدة الأعاصير الأطلسية في 2024

أكدت دراسة جديدة، نُشرت الأربعاء، أن ظاهرة الاحترار المناخي تفاقم القوة التدميرية للعواصف، مسببة زيادة السرعة القصوى لرياح مختلف الأعاصير الأطلسية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا وزيرة البيئة الأوكرانية تلقي كلمة في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (كوب 29) في أذربيجان 20 نوفمبر 2024 (رويترز)

أوكرانيا تُقدّر الضرر البيئي نتيجة الحرب بـ71 مليار دولار

قالت وزيرة البيئة الأوكرانية إن الضرر البيئي بسبب العمليات العسكرية جراء الغزو الروسي لأوكرانيا منذ فبراير 2022 يقدّر بـ71 مليار دولار.

«الشرق الأوسط» (كييف)
خاص قام أفراد المجتمع بزراعة أكثر من مليون شجيرة في متنزه ثادق السعودي لإصلاح الأراضي المتدهورة ومعالجة التصحر (برنامج الأمم المتحدة للبيئة)

خاص ثياو قبل «كوب 16»: العالم يحتاج 355 مليار دولار سنوياً لمكافحة التصحر

مع اقتراب انعقاد «كوب 16» يترقّب العالم خطوات حاسمة في معالجة أكبر التحديات البيئية التي تواجه كوكب الأرض.

آيات نور (الرياض)
بيئة ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية يُهدد خطط المناخ

أظهرت أوراق بحثية أن الأراضي الرطبة الاستوائية حول العالم بات نبعث منها كميات من غاز الميثان أكبر من أي وقت مضى.

«الشرق الأوسط» (باكو)

لماذا يجعل الاحتباس الحراري الأعاصير أكثر قوة؟

تظهر صورة القمر الاصطناعي العاصفة الاستوائية «ميلتون» وهي تشتد وتتجه للتحول إلى إعصار قبل وصولها إلى فلوريدا في خليج المكسيك في 6 أكتوبر 2024 (رويترز)
تظهر صورة القمر الاصطناعي العاصفة الاستوائية «ميلتون» وهي تشتد وتتجه للتحول إلى إعصار قبل وصولها إلى فلوريدا في خليج المكسيك في 6 أكتوبر 2024 (رويترز)
TT

لماذا يجعل الاحتباس الحراري الأعاصير أكثر قوة؟

تظهر صورة القمر الاصطناعي العاصفة الاستوائية «ميلتون» وهي تشتد وتتجه للتحول إلى إعصار قبل وصولها إلى فلوريدا في خليج المكسيك في 6 أكتوبر 2024 (رويترز)
تظهر صورة القمر الاصطناعي العاصفة الاستوائية «ميلتون» وهي تشتد وتتجه للتحول إلى إعصار قبل وصولها إلى فلوريدا في خليج المكسيك في 6 أكتوبر 2024 (رويترز)

يؤدي الاحتباس الحراري إلى ارتفاع درجات حرارة مياه المحيطات؛ مما يجعل الأعاصير أكثر قوة. ومع ذلك، هذا لا يعني بالضرورة أنه سيكون هناك المزيد من الأعاصير، وفق صحيفة «لوموند» الفرنسية.

كيف تتكون الأعاصير؟

تتشكل الأعاصير فوق المحيط عندما تكون درجة حرارة الماء مرتفعة للغاية - فوق 26 درجة على عمق لا يقل عن 50 متراً. وهذا يسبب تبخراً شديداً، وبالتالي نقل الرطوبة من المحيط إلى الغلاف الجوي. وتكون نتيجة ذلك تشكُّل السحب العاصفة التي تتجمع معاً، وتدور معاً، وتكتسب القوة أثناء تحركها.

تحدث هذه الظواهر بشكل رئيسي بين مايو (أيار) وأكتوبر (تشرين الأول)، حول خط الاستواء.

يتم الحديث عن إعصار عندما تتجاوز سرعة الرياح 119 كم/ساعة، وعن عاصفة استوائية إذا كانت الرياح أقل عنفاً.

لماذا يصبح الإعصار أكثر شدة؟

بما أن المحيط أكثر دفئاً، فإنه يطلق المزيد من بخار الماء؛ مما يوفر طاقة إضافية للأعاصير. فالجو الأكثر دفئاً يحمل المزيد من الماء؛ مما يسبب هطول أمطار غزيرة. ويمكن أن يؤدي أيضاً إلى رياح أقوى. ومع ارتفاع حرارة المحيطات، نتيجة تغيّر المناخ، أصبحت هذه الظواهر تتمتع بمخزون أكبر من الطاقة المتاحة. وتنتج أحياناً بعنف شديد، على شكل رياح أو أمطار.

وليس من المؤكد أن ارتفاع درجة الحرارة يزيد من عدد الأعاصير، وفق «لوموند».

والأمر الواضح هو أن الأعاصير أصبحت أكثر شدة، مع المزيد من الدمار - كما حصل في الإعصارين القويين المتتاليين اللذين ضربا الولايات المتحدة في أكتوبر الحالي.

وفقاً لدراسة نُشرت بعد وقت قصير من ضرب إعصار «ميلتون» فلوريدا، كانت الأمطار أقوى بنسبة 20 في المائة إلى 30 في المائة بسبب تغيّر المناخ، وكانت الرياح أكثر شدة بنسبة 10 في المائة. وبشكل أكثر عمومية، وفقاً لمايكل مان، عالم المناخ، فإن «القدرات التدميرية للأعاصير ازدادت بنحو 40 في المائة بسبب ارتفاع درجات الحرارة الذي حدث بالفعل».