تبقى الرسوم الجمركية التي فرضتها الصين على واردات النفط والفحم والسيارات من الولايات المتحدة معتدلة نسبيا ولو أنها تهدد مليارات الدولارات من المبادلات بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، ما يشير برأي محللين إلى أن بكين تأمل في التوصل في اللحظة الأخيرة إلى اتفاق مع الاحتفاظ بإمكانية إلحاق مزيد من الضرر إذا اقتضى الأمر، حسب «وكالة الصحافة الفرنسية».
وردّت الصين الثلاثاء على فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسوما جمركية إضافية على منتجاتها بإجراء مماثل شمل مجموعة واسعة من المنتجات الأميركية تتراوح من النفط الخام إلى الآليات الزراعية.
وتستهدف هذه التدابير حوالي عشرين مليار دولار من المنتجات الأميركية، ما يقارب 12 في المائة من إجمالي الواردات الصينية القادمة من الولايات المتحدة، بحسب أرقام «كابيتال إيكونوميكس».
وتطال هذه الرسوم المشدّدة بأكثر من ثلثها قطاع الطاقة، في وقت تخطت فيه واردات الصين من النفط والفحم والغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة 7 مليارات دولار العام الماضي بحسب أرقام الجمارك الصينية.
كما أعلنت السلطات الصينية فرض قيود جديدة على تصدير المعادن والفلزات الأرضية النادرة ولا سيّما التنغستن والتيلوريوم والبزموت والموليبدنوم التي تستخدم في قطاعات مختلفة تتراوح بين التعدين والصناعات الفضائية.
وخالفت سرعة الردّ الصيني توقعات خبراء اقتصاد استصرحتهم «وكالة الصحافة الفرنسية» في وقت سابق هذا الأسبوع ولم يترقبوا أيّ ردّ آني من بكين سعيا منها للدخول في مفاوضات.
لكنّ الواقع أنّ حجم الإجراءات الصينية يبقى دون الرسوم الجمركية بنسبة 10% التي فرضتها واشنطن على مجمل الواردات الصينية، إضافة إلى رسوم جمركية سابقة.
ورأى جوليان إيفانس بريتشارد من «كابيتال إيكونوميكس» أنّ هذا الإجراءات «صمّمت بوضوح لتوجيه رسالة إلى الولايات المتحدة (والرأي العام الصيني)، دون التسبب بأضرار كبرى».
صعوبات اقتصادية
ورأت أغاتا كراتس من مجموعة «روديوم غروب» أن من أسباب هذا الاعتدال اعتماد صناعة الصين على الواردات من الولايات المتحدة والصعوبات الاقتصادية الداخلية التي يواجهها هذا البلد.
وبدلا من التسبب بصدمة حقيقية، يرى خبراء الاقتصاد أنّ بكين تسعى قبل أي شيء إلى تحذير واشنطن بأنه بإمكانها الرد وبأنها ستردّ على أي تصعيد أميركي.
وقال مينغتشي جيمي شو الأستاذ المساعد في جامعة بكين إنّ «هذه الرسوم الجمركية هدفها أن تظهر أنّ الصين مستعدة لخوض مواجهة اقتصادية مطولة مع إرغام الولايات المتحدة على التعامل مع ضغوط داخلية».
كذلك أعلنت بكين الثلاثاء فتح تحقيق بحق مجموعة «غوغل» الأميركية العملاقة للتكنولوجيا بموجب قوانينها لمكافحة الاحتكار.
واعتبرت أغاتا كراتس أنّ الهدف من هذا التحقيق هو أن «تقول إن سلطاتها المعنية بالمنافسة يمكنها إلحاق ضرر كبير» بعمالقة التكنولوجيا الأميركية الذين دعم العديد منهم ترمب خلال حملته الانتخابية.
مفاوضات مقبلة
ومما لا شك فيه أنّ الدولة الصينية وضعت على الطاولة ورقة المواد الحرجة والمعادن الأرضية النادرة والتي تعتبر أساسية للصناعة الأميركية وتهيمن بكين على إنتاجها في العالم.
لكنّ أغاتا كراتس لفتت إلى أنّ التدابير المعلنة الثلاثاء لا تنص على «حظر تام للتصدير» بل تشكّل «إشارة» إلى أنه من الممكن اللجوء لمثل هذا الحظر في المستقبل.
ويوحي اعتدال الصين النسبي في ردّها بأنها لا تغلق الباب أمام مفاوضات مع واشنطن، برأي الخبراء.
ونجحت المكسيك وكندا اللتان فرض عليهما ترمب في نهاية الأسبوع رسوما جمركية بنسبة 25 في المائة، في الحصول على مهلة ثلاثين يوما مع توصلهما إلى اتفاقات في اللحظة الأخيرة مع الرئيس الأميركي.
أما الصين فبإمكانها من أجل الحصول على تعليق مماثل للرسوم، التعهّد على سبيل المثال بتشديد تدابيرها لضبط تهريب مادة الفنتانيل الأفيونية التي تتسبب بأزمة صحية في الولايات المتحدة، بعدما انتقد ترمب تهاون بكين في مكافحة إنتاج المواد الأولية للفنتانيل على أراضيها.
وأكد الرئيس الأميركي، الاثنين، أن اتصالا هاتفيا مع نظيره الصيني شي جينبينغ قد يجري بصورة وشيكة، موحيا باحتمال حصول تبدل سريع في الوضع.
لكنه عاد لاحقا وتراجع عن هذا التصريح، مؤكدا أنه «ليس في عجلة من أمره» للتحدث إلى شي.
وكتبت وندي كاتلر المسؤولة السابقة في مكتب ممثل التجارة الأميركي، في مذكرة أنّ «الرسوم الجمركية الصينية لا تدخل حيز التنفيذ قبل خمسة أيام، وهذا ليس وقتا طويلا جدا في عالم ترمب».
إلا أن المبارزة لم تنته، إذ أمرت إدارة ترمب بمراجعة دقيقة للممارسات التجارية الصينية، يفترض أن تصدر نتيجتها في الأول من أبريل (نيسان).
ومن المتوقع أن يؤكد التقرير حجم الفائض التجاري الصيني الهائل خلال السنوات الأخيرة، وهو من عناوين معركة ترمب مع الصين.
وحذّرت أغاتا كراتس من أنّ هذا الاستحقاق سيقود «على الأرجح إلى رسوم جمركية جديدة قد تكون أكثر شدة».