شركات الدفاع تراهن على أسلحة الليزر لمواجهة الطائرات المسيرة

حقق سلاح DragonFire الموجه بالليزر أول إطلاق عالي الطاقة لهذا النوع من الأسلحة في المملكة المتحدة ضد هدف جوي (وزارة الدفاع البريطانية)
حقق سلاح DragonFire الموجه بالليزر أول إطلاق عالي الطاقة لهذا النوع من الأسلحة في المملكة المتحدة ضد هدف جوي (وزارة الدفاع البريطانية)
TT

شركات الدفاع تراهن على أسلحة الليزر لمواجهة الطائرات المسيرة

حقق سلاح DragonFire الموجه بالليزر أول إطلاق عالي الطاقة لهذا النوع من الأسلحة في المملكة المتحدة ضد هدف جوي (وزارة الدفاع البريطانية)
حقق سلاح DragonFire الموجه بالليزر أول إطلاق عالي الطاقة لهذا النوع من الأسلحة في المملكة المتحدة ضد هدف جوي (وزارة الدفاع البريطانية)

في خطوة تعكس تحولاً كبيراً في استراتيجيات الدفاع العسكري، تستثمر شركات المقاولات الدفاعية الكبرى، مثل شركة « RTX» الأمريكية وشركة « MBDA» الأوروبية وشركة « QinetiQ» البريطانية، بشكل كبير في تطوير تكنولوجيا أسلحة الليزر المدمرة للطائرات المسيرة. وفقاً لصحيفة «فايننشال تايمز».

ويأتي هذا الاتجاه في وقت تسعى فيه الجيوش حول العالم إلى تطوير حلول أكثر فعالية وكفاءة لمواجهة التهديدات الحديثة المتمثلة في الطائرات المسيرة والصواريخ ذات التكلفة المنخفضة.

وحسب الصحيفة، أصبحت أسلحة الليزر، التي كانت تُعتبر لفترة طويلة ضمن نطاق الخيال العلمي، حقيقة واقعية مع تسريع جهود التطوير، خاصة بعد تزايد التهديدات التي تشكلها الطائرات المسيرة في ساحات القتال. ففي ظل الظروف الحالية، تقوم كثير من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وروسيا، والصين، وفرنسا، وكوريا الجنوبية، باستثمار أموال طائلة لتطوير ما يُعرف بـ«أسلحة الطاقة الموجهة».

ويأتي هذا السباق في وقت أجبرت فيه دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على استخدام صواريخ باهظة الثمن لإسقاط طائرات مسيرة رخيصة الثمن، أطلقتها ميليشيات الحوثي في البحر الأحمر، وهو ما يبرز التفاوت الكبير في تكلفة الهجوم والدفاع. كما أشار خبراء مثل جيمس بلاك، الباحث في معهد «Rand Europe»، إلى أن الاعتماد على الصواريخ التقليدية باهظة الثمن لمواجهة الطائرات المسيرة الصغيرة منخفضة التكلفة ليس مستداماً اقتصادياً.

تكنولوجيا متطورة بتكلفة منخفضة

تعتبر أسلحة الليزر خياراً جذاباً للجيوش بفضل كفاءتها العالية وتكلفتها التشغيلية المنخفضة. فعلى سبيل المثال، يعمل النظام الليزري « DragonFire» البريطاني على تدمير الأهداف الجوية بدقة متناهية وبتكلفة تشغيلية تقدر بنحو 10 جنيهات إسترلينية فقط لكل طلقة.

ومن المتوقع أن يتم نشر هذا النظام على سفن البحرية الملكية البريطانية بحلول عام 2027، أي قبل خمس سنوات من الجدول الزمني الأصلي، بعد نجاح الاختبارات التي أُجريت في وقت سابق من هذا العام.

ورغم التحديات التقنية المتعلقة بالحفاظ على استقرار ودقة شعاع الليزر لفترات طويلة، فإن الخبراء في شركات مثل«MBDA» و« QinetiQ» متفائلون بشأن القدرة على تجاوز هذه العقبات بفضل التطورات الحديثة في مجالات الحوسبة والألياف الضوئية.

ورغم ذلك، يظل استخدام هذه الأنظمة محدوداً إلى حد ما في الظروف الجوية المثالية، كما أن مدى الليزر وفعاليته يتأثران بعوامل مثل الدخان والملوثات الجوية.

مستقبل الدفاع بأسلحة الليزر

وتقول الصحيفة إنه على الرغم من التقدم الكبير في مجال أسلحة الليزر، يرى الخبراء أن هذه الأنظمة لن تكون الحل الوحيد لمواجهة التهديدات الحديثة، بل ستكون بمثابة أداة إضافية ضمن مجموعة أدوات الدفاع المتنوعة التي تمتلكها الجيوش. فهذه الأسلحة، رغم فعاليتها في التعامل مع الطائرات المسيرة والأهداف منخفضة التكلفة، لن تحل محل أنظمة الدفاع التقليدية بشكل كامل، بل ستعمل على دعمها وتعزيز فعاليتها.

ومع استمرار تصاعد التهديدات الجوية الرخيصة، مثل الطائرات المسيرة، يظل تطوير أسلحة الليزر مساراً حيوياً في مجال الدفاع، ليس فقط لأنه يوفر حلولاً اقتصادية أكثر فاعلية، بل لأنه يقدم أيضاً رؤية جديدة لمستقبل الحروب الجوية.


مقالات ذات صلة

المسيرات المجهولة بسماء أميركا تظهر ثغرات في أمنها الجوي

الولايات المتحدة​ أجسام طائرة تظهر في سماء نيوجيرسي (أ.ب)

المسيرات المجهولة بسماء أميركا تظهر ثغرات في أمنها الجوي

قال مستشار الأمن القومي في الإدارة الأميركية المنتخبة بقيادة دونالد ترمب إن رصد طائرات مسيرة في ولاية نيوجيرسي سلط الضوء على ثغرات في أمن المجال الجوي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ أجسام طائرة تظهر في سماء نيو جيرسي (أ.ب)

ماذا نعرف عن المسيّرات الغامضة التي تحلق في سماء أميركا؟

يتصاعد الغموض في أميركا بعد ما يقرب من شهر من رؤية مسيّرات مجهولة في سماء شرق البلاد، مما أثار مخاوف بين السكان ونقاشاً حاداً حول ماهية هذه الأجسام الطائرة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ صورة من فيديو متداول تظهر مسيرات في سماء نيو جيرسي (أ.ب)

لغز المسيّرات الغامضة في سماء أميركا مستمر... وترمب يدعو إلى إسقاطها

لا تزال مُسيّرات مجهولة تظهر في السماء فوق شمال شرقي الولايات المتحدة في نهاية هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا قاعدة رامشتاين الجوية الأميركية (أرشيفية-رويترز)

مخاوف ألمانية بعد رصد مسيّرات مجهولة فوق منشآت صناعية وعسكرية

أعلنت السلطات الألمانية أنها رصدت تحليق طائرات مسيّرة مجهولة فوق منشآت صناعية ومواقع عسكرية حساسة؛ بينها قاعدة رامشتاين الجوية الأميركية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا مسيّرة أوكرانية (رويترز)

مسيّرة أوكرانية تضرب منشأة للشرطة في الشيشان وتصيب أربعة

قال رمضان قديروف رئيس الشيشان إن طائرة مسيرة أوكرانية استهدفت سطح منشأة تابعة للشرطة في منطقة الشيشان في وقت مبكر من اليوم الخميس، وهي الحادثة الثانية من نوعها.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

نودّع الحرب... ونستعدّ للحرب القادمة

جنود روس يتدربون على استخدام دبابة من طراز «تي-72» قبيل التوجه إلى الجبهة (رويترز)
جنود روس يتدربون على استخدام دبابة من طراز «تي-72» قبيل التوجه إلى الجبهة (رويترز)
TT

نودّع الحرب... ونستعدّ للحرب القادمة

جنود روس يتدربون على استخدام دبابة من طراز «تي-72» قبيل التوجه إلى الجبهة (رويترز)
جنود روس يتدربون على استخدام دبابة من طراز «تي-72» قبيل التوجه إلى الجبهة (رويترز)

كيف تتصرّف الأمم الصغيرة عند التحوّلات الكبرى؟ ما معنى العقلانية والواقعية السياسيّة في ظل الزلازل الجيوسياسيّة؟ هل مفروض على هذه الأمم أن تكون في وضع الخاسر - خاسر دائماً، وجُلّ ما يمكن لها القيام به هو السعي لتقليل الخسائر قدر الإمكان؟ لم يذكر التاريخ إمبراطوريّة واحدة قامت وتشكّلت من أمّة واحدة صرفة.

فقد وُعدت الأمم المتعدّدة ضمن الإمبراطوريات بالأمن والسلام والازدهار، وذلك مقابل الانصياع والانضمام إلى حدود القوّة. فالتمرّد على السلطة المركزيّة سيكون حسابه عسيراً وصولاً إلى حدّ الإبادة والإلغاء.

كان مركز السلطة في الإمبراطوريّة يُشكّل محور الكون. ومن هذا المحور - المركز، يتسلّل الضوء والقوّة معاً إلى الأطراف لفرض نوع مُعيّن من النماذج السياسيّة، كما فرض الإرث الثقافي والحضاريّ. وعندما يضعف المركز، تتفلّت الأطراف ويسقط المحور الكونيّ في مكان، لينبثق من مكان آخر. فالإمبراطوريات مثل طائر الفينيق. تنبعث الإمبراطورية الجديدة من رماد الإمبراطورية التي سبقتها، وعلى حسابها.

وعند التغيير، لزم على الأمم الصغيرة أن تعتمد خيارين ممكنين؛ الأولّ، أن تتمرّد على السلطة الجديدة فتدفع الأثمان، الثاني، أن تنضوي وتصطف، لتُبدّل الراية التي تنادي بـ«سقطت الإمبراطورية، عاشت الإمبراطوريّة».

يقول المفكّر الفرنسي جاك إتالي إن لقيام الإمبراطوريات مُحددات ومُتطلبّات معيّنة، أهمّها الحجم الجغرافيّ، الحجم السكانيّ، كما الثروة والقدرة على تمويل المشروع الكبير. لكن أهمّها هو الفكرة (The Idea) التي تقوم عليها هذه الإمبراطوريّة، والتي تقنع الأمم الأخرى بالانضمام إليه طوعاً. هناك الإمبراطوريات البحرية، كما البريّة - القاريّة. هناك إمبراطوريات نجحت طموحاتها، ومنها من فشل.

مؤشرات التحوّلات الجيوسياسيّة - عسكرياً!

شكّلت الحرب الأهليّة الإسبانيّة قبيل الحرب العالمية الثانية مسرحاً لتجربة واختبار الأسلحة الألمانيّة، وذلك إلى جانب اختبار التكتيكات؛ تدريب العسكر وتراكم للخبرات العسكريّة.

شكّلت الحرب الروسية على أوكرانيا مسرح اختبار لأسلحة القرن الواحد والعشرين. فهي، أي الحرب، حتى ولو شهدت أشكالاً من الحرب العالمية الأولى، كما الثانية، لكنها تدور في عصر الذكاء الاصطناعي، والعوالم الافتراضيّة. في هذه الحرب دخلت المسيّرات بشكل لم يحدث من قبل، الأمر الذي فاجأ القادة العسكرييّن، وغيّر معادلات الحماية في الحرب، كما ظهّر الفجوات الكبيرة في أغلب الاستراتيجيات العسكريّة (Military Doctrine). لم يقتصر تأثير المسيرات على القتال البريّ، لا بل تجاوزها إلى أبعاد الحرب الأخرى، من جو، بحر، برّ وحتى السيبرانيّ.

شكّلت الحرب على غزّة أهم تجربة لحرب المدن، كما لحرب العصابات. في هذه الحرب، خيضت الحرب في الأنفاق أيضاً، التي شكّلت العمق الجغرافي العمودي لحركة «حماس»، الأمر الذي عقّد العمليات العسكرية التقليدية للجيش الإسرائيليّ. ومن تجارب هذه الحرب، سوف تؤخذ الكثير من الدروس، خصوصاً وأن أغلب مسارح حروب المستقبل، وحسب بعض الدراسات العسكريّة، سوف تكون في المدن، وذلك بسبب النمط المتسارع لعملية التحضّر (Urbanization). في الحرب على غزّة، استخدم الجيش الإسرائيليّ الذكاء الاصطناعي في برنامجين هما «Gospel» لاقتراح الأهداف المتعلّقة بالأبنية والبنى التحتية لحركة «حماس»، وبرنامج «الخزامى» (Lavender) لاقتراح الأهداف البشريّة. سرّعت هذه البرامج عملية القتل، الأمر الذي يفسّر عدد القتلى في القطاع.

دبابة إسرائيلية بالقرب من الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة (رويترز)

شكّلت الحرب على لبنان تجربة مختلفة في الكثير من الأبعاد عن الحرب في غزّة. فهي انتقلت من الحرب الدفاعية (Positional) للجيش الإسرائيليّ، التي ترافقت مع السعي لاستنزاف قوات «حزب الله» إلى الحرب الهجوميّة وفي كلّ الأبعاد. شكّلت القوة الجويّة الإسرائيليّة العمود الفقري لعنصر المناورة والحركيّة في الجوّ. في الوقت نفسه، كانت المناورة البريّة المحدودة على الخطّ الأزرق ضد قوات «حزب الله» تسعى إلى وضع هذه القوات بين ما يُسمّى بـ«السندان والمطرقة».

لعب الهجوم البريّ المحدود داخل الخط الأزرق دور السندان، حتى لو كان متحرّكاً. أما سلاح الجو الإسرائيليّ فقد لعب وبامتياز دور المطرقة.

دبابات مهجورة على طريق سريع في منكت الحطب بالقرب من درعا (أ.ف.ب)

في المقابل استمرّ «حزب الله» بما تبقّى له من وسائل في تنفيذ الاستراتيجيّة التي كانت قد وُضعت أصلاً من قبل قياداته لاستعمالها في حال حصول السيناريو السيّئ. فكانت الصواريخ النوعيّة، كما الصواريخ المتوسّطة وقصيرة المدى، كما ما تبقّى من المسيّرات، لكن دون الوصول إلى المُبتغى المرسوم في الخطط الأصليّة. لكنه، أي الحزب، قد أقلق حتماً الخطط الإسرائيلية، خصوصاً عبر المسيّرات.

ماذا عن حروب المستقبل؟

* إذا كانت طبيعة الحرب ثابتة على أنها تُخاض لأهداف سياسيّة، فإن خصائص الحرب متبدّلة في الأبعاد السياسية، الاقتصادية والاجتماعيّة.

* سوف تتميز حروب القرن الـ21 عن سابقاتها، بدخول الذكاء الاصطناعي إلى الآلة العسكرية (Autonomous)، خصوصاً في جمع المعلومات والتنفيذ. أما قرار القتل فهو حتى الآن بيد الإنسان.

* لم تعد التكنولوجيا حكراً على الدولة وتحت سيطرتها. لا بل دخل إلى اللعبة الجيوسياسيّة أشخاص مدنيون يملكون الشركات الحديثة، التي تُصنع وتنتج هذه التكنولوجيا. وإذا كان قد قيل إن «الداتا» هي نفط القرن الـ21، فإن أغلب مراكز تجميع «الداتا» في العالم هي في يد الشركات المدنيّة؛ أغلبها أميركيّة.

* وبسبب الانتشار التكنولوجي السريع، والاستعمال المزدوج لها (Dual use)، كما سهولة الحصول عليها، أصبحت الحرب بالنسبة للاعب من خارج إطار الدولة ممكنة بسبب التكلفة المتدنّية. فمن يقاتل من حالياً في منطقة الهلال الخصيب؟ «حزب الله» ضد إسرائيل. حركة «حماس» ضد إسرائيل. الحوثيون ضد إسرائيل. وأخيراً وليس آخراً «هيئة تحرير الشام» ضد النظام السوري السابق.