محاور العالم... بين صديق مؤقت وعدو دائم

صاروخ باليستي لحظة إطلاقه من مكان غير معلوم في كوريا الشمالية يوم 20 فبراير 2023 (أ.ب)
صاروخ باليستي لحظة إطلاقه من مكان غير معلوم في كوريا الشمالية يوم 20 فبراير 2023 (أ.ب)
TT

محاور العالم... بين صديق مؤقت وعدو دائم

صاروخ باليستي لحظة إطلاقه من مكان غير معلوم في كوريا الشمالية يوم 20 فبراير 2023 (أ.ب)
صاروخ باليستي لحظة إطلاقه من مكان غير معلوم في كوريا الشمالية يوم 20 فبراير 2023 (أ.ب)

توجد اليوم في النظام العالميّ على الساحة الكونيّة قوى متعدّدة؛ منها ما يُصنّف من القوى العظمى، كالولايات المتحدة الأميركيّة والصين، ومنها ما هو على مستوى «القوّة العظمى»، مثل فرنسا وبريطانيا وروسيا والهند... وغيرها. أما الجديد اليوم في اللعبة الجيوسياسية الكبرى، فهو تلك الدول المُصنّفة قوى إقليميّة عظمى، مثل تركيا وإسرائيل وإيران والسعوديّة والبرازيل. والجديد في دور هذه القوى الإقليميّة هو أنها قادرة على التأثير في مجريات الصراع العالميّ، وليس كما كانت عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، فهي أصبحت بيضة القبان في الصراع الكونيّ على التحالفات (Swing States)، كما أصبح لديها كثير من المرونة وحريّة القرار والخيارات في سياساتها الخارجيّة.

هناك دول تريد الحفاظ على النظام العالميّ (Status Quo Powers) القديم. وهناك دول تريد تغيير هذا النظام؛ لأن التغيير قد يُحسّن وضعها الجيوسياسيّ وموقعها على الرقعة الكبرى. وعليه؛ تتظّهر هشاشة المؤسسات الدوليّة، التي يفترض أن تتعهدّ الحفاظ على الأمن والسلام العالميين، وفي طليعتها مجلس الأمن. لكن هذه المؤسسات هي التي صنعت المهيمنين على النظام العالميّ. وهي من إنتاجهم، وهم من يموّل عملها. وهي تعكس موازين القوى في تركيبة النظام العالميّ. وإذا ما اختل التوازن بين القوى المهيمنة، تصدّعت هذه المؤسسات.

أحد اجتماعات مجلس الأمن (أرشيفية - إ.ب.أ)

الصديق المؤقت والعدو الدائم

تندرج بريطانيا في علاقتها بالعم سام على أنها «الصديق الدائم والعدو المؤقّت». وتندرج كل من روسيا والصين على أنهما «العدوان الدائمان للغرب»، وقد يكونان «صديقين مؤقّتين» في بعض الأحيان. تعدّ إيران العدو الدائم لروسيا، لكنها الصديق المؤقت، فهما تقاتلتا في المساحة الجغرافيّة الفاصلة بينهما في القوقاز. ويجب ألا ننسى كيف قسّم الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين إيران، بالتعاون مع الإنجليز. حالياً، تمدّ إيران روسيا بالمسيّرات والصواريخ الباليستية في حربها على أوكرانيا. ويعيدنا هذا الأمر إلى أهميّة الدور العالمي الذي تلعبه حالياً القوى الكبرى الإقليمية. إذن لدى إيران مشروع إقليمي، وهي تلعب دوراً دولياً عقب تورطها في الحرب الأوكرانية. ألا يمكن القول هنا إن إيران تلعب لعبة الكبار؛ بوسائل محدودة؟ لكن العدو المشترك لها حالياً مع روسيا هو العم سام.

تعدّ الصين العدو الدائم لفيتنام، لكنها قد تكون الصديق المؤقت. في عام 1979، اجتاح الزعيم الصيني، دينغ تشاو بينغ، شمال فيتنام بعملية محدودة. كان هدف هذه العملية تأديب فيتنام، وإفهام الاتحاد السوفياتي أنه لا يمكن احتواء الصين. بعدها، انفتحت الصين على أميركا وتغيّر العالم إلى غير رجعة. حالياً، يدور صراع بين فيتنام والصين على الحدود البحريّة في جنوب بحر الصين.

صورة جماعية للقادة المشاركين بقمة «منظمة شنغهاي» في آستانة (أرشيفية - د.ب.أ)

تعدّ كوريا التاريخيّة عدو الصين الدائم، لكنها الصديق المؤقت حالياً، خصوصاً كوريا الشمالية. فخريطة كوريا التاريخيّة تمتد إلى عمق أراضي الصين الحالية. وعندما تدخّلت الصين في الحرب الكورية عام 1950 ضدّ القوات الأميركية، كانت فقط لرسم حدود القوّة الأميركية، حتى ولو كانت أميركا قوّة نوويّة آنذاك عكس الصين. ويقول بعض المحلّلين إن السلاح النووي لكوريا الشمالية يهدف إلى ردع كل من أميركا والصين معاً؟

تساعد كوريا الشمالية روسيا اليوم عبر مدّها بالذخيرة؛ من صواريخ وغيرها، كأنها تردّ الجميل لروسيا لأنها ساعدتها إبان الحرب الباردة. فهناك حدود مشتركة بينهما بطول 19 كيلومتراً. والعدو المشترك حالياً هو العم سام.

تعدّ روسيا الصديق المؤقت للصين، لكنها العدو الدائم، فقد تقاتلتا مرات عدّة، ووقّعتا كثيراً من المعاهدات كانت كلها تصب في مصلحة روسيا القيصريّة (معاهدة «آيغون» عام 1858). وفي بنود بعض هذه المعاهدات تخلّت الصين عن بعض الأراضي لروسيا. ألَم يتحدَّ مؤخراً رئيس تايوان الصين بأن تسترد أراضيها من روسيا إذا كانت تريد استرداد جزيرة تايوان؟ في مكان آخر، قد يمكن القول إن الصراع على مناطق النفوذ في آسيا الوسطى بين الصين وروسيا قد يأخذ منحى آخر في المستقبل القريب، فهذه المناطق تعدّ من المُسلّمات الجيوسياسية الحيويّة لروسيا عبر التاريخ. لكنها تحوّلت ومنذ صعود الصين إلى مُسلّمات جيوسياسيّة حيويّة أيضاً للصين. فكيف ستكون ديناميكيّة الصراع مستقبلاً؟ هذا مع التذكير بأن الصراع بين الكبار يفتح للاعبين الصغار خيارات استراتيجيّة متعدّدة. تساعد الصين روسيا سراً في حربها على أوكرانيا، وفق ما يقول الغرب، لكن الهمّ الصيني الأساسي ليس في مستوى العلاقة مع روسيا، لكن في نوعيّة العلاقة بالغرب، خصوصاً أميركا. فروسيا بالنسبة إلى الصين وسيلة لأهداف أكبر بكثير. وهي، أي الصين، تعي تماماً أن خيارات روسيا في علاقاتها بالغرب أصبحت جدّ محدودة، أو حتى معدومة. فلا ضير إذن في أخذ الدب الروسي تحت عباءة التنين الصيني لاستغلاله والاستفادة منه جيوسياسياً في ظلّ التحولات الكبرى.

ترتيب المحور

تبدو مؤشرات تشكّل محاور جيوسياسيّة متعدّدة واضحة وجليّة على المسرح الدوليّ، وأغلبها لضرب هيمنة الغرب؛ وبالتحديد العم سام. لكن هذا لا يعني أن العم سام بدوره لا يؤسس لمحاور جديدة تتأقلم مع المستجدّات. لذلك، وبعد نظرة من فوق على الكتلة الأوراسيّة، قد يمكن القول ما يلي:

هناك تشكّل واضح لمحور أساسي يضمّ كلاً من الصين وروسيا وكوريا الشماليّة وإيران. لهذا المحور دور جيوسياسيّ، يتظّهر أكثر ما يتظّهر في «منظّمة شنغهاي» للتعاون على المستوى المؤسساتيّ، لكنها تتعاون بطرق سريّة مختلفة؛ أهمها في الحرب الأوكرانية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون يتبادلان الوثائق خلال حفل توقيع الشراكة الجديدة في بيونغ يانغ بكوريا الشمالية يوم 19 يونيو 2024 (أ.ب)

ما يجمع هذا المحور هو العداء المشترك للولايات المتحدة الأميركية. أما ما يفرّق دول المحور بعضها عن بعض فيتمحور حول البُعد الجغرافيّ؛ إنْ كان في القرب أو الترابط، خصوصاً مناطق النفوذ وتوزّع الثروات في السهل الأوراسيّ.

لهذا المحور ترتيب هرميّ لا يمكن الهروب منه، خصوصاً أن الترتيب يعتمد على قدرات دول المحور؛ العسكريّة منها والاقتصاديّة، وذلك دون إهمال البُعد الديموغرافي. في هذا المجال، قد يمكن القول إن الاقتصاد الصيني يساوي 8 مرات الاقتصاد الروسيّ، ويساوى 43 مرة الاقتصاد الإيراني، ويساوي 560 مرّة الاقتصاد الكوري الشماليّ. يُضاف إلى ذلك أن الصين هي المنافس الوحيد والأهم للولايات المتحدة الأميركية في مجال «تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين».

وإذا قلنا إن ثلاث دول من هذه المجموعة دول نوويّة، بينما تسعى إيران إلى «النوويّ»، فهل حمى السلاح النوويّ روسيا من الهجوم على مقاطعة كورسك من قبل أوكرانيا؟ ألا يمكن القول إن فائض القوّة في بعض الأحيان قد يتحوّل إلى عبء؟


مقالات ذات صلة

ترمب يتعهد إرسال «مزيد من الأسلحة الدفاعية» لأوكرانيا

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال عشاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الغرفة الزرقاء بالبيت الأبيض بواشنطن العاصمة (إ.ب.أ) play-circle

ترمب يتعهد إرسال «مزيد من الأسلحة الدفاعية» لأوكرانيا

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب الاثنين أنّ الولايات المتّحدة سترسل «مزيداً من الأسلحة الدفاعية» إلى أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا المسيّرة الإيرانية «شاهد» التي أصبحت سلاحاً محورياً لروسيا في الحرب مع أوكرانيا (أ.ب)

الجيش الأوكراني: هاجمنا مصنعاً للكيماويات في محيط موسكو

 قال الجيش الأوكراني، اليوم (الاثنين)، إنه استهدف منشأة للصناعات الكيماوية في محيط العاصمة الروسية موسكو تُنتج المتفجرات والذخيرة والرؤوس الحربية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال الجلسة الافتتاحية لـ«قمة بريكس» في ريو دي جانيرو الأحد (أ.ب)

موسكو ترفض مبدأ «وحدة الأراضي الأوكرانية»

قال وزير الخارجية الروسي إن بلاده ترفض التعامل مع مبدأ «وحدة الأراضي الأوكرانية» وتصر على إنهاء «الأسباب الجذرية للصراع».

رائد جبر (موسكو)
أوروبا انفجارات في كييف أثناء محاولة الدفاع الجوي الأوكراني التصدي لطائرات مسيَّرة روسية (رويترز) play-circle

أوكرانيا: أربعة قتلى على الأقل و32 جريحاً في هجمات روسية

أسفرت هجمات روسية على مناطق أوكرانية عدة عن سقوط ما لا يقل عن أربعة قتلى و32 جريحاً، على ما أعلنت السلطات المحلية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو (رويترز) play-circle

بوتين: استمرار الدول الغربية في سياساتها الحالية سيزيد «النتائج السيئة»

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأحد، إن استمرار الدول الغربية في سياساتها الحالية تجاه موسكو سيزيد ما وصفها بالنتائج «السيئة» عليها.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

قمة «بريكس» تدعو إلى وقف إطلاق نار «غير مشروط» في غزة

جانب من أعمال قمة «بريكس» في ريو دي جانيرو اليوم (أ.ب)
جانب من أعمال قمة «بريكس» في ريو دي جانيرو اليوم (أ.ب)
TT

قمة «بريكس» تدعو إلى وقف إطلاق نار «غير مشروط» في غزة

جانب من أعمال قمة «بريكس» في ريو دي جانيرو اليوم (أ.ب)
جانب من أعمال قمة «بريكس» في ريو دي جانيرو اليوم (أ.ب)

دعا قادة دول مجموعة «بريكس» خلال قمة يعقدونها في ريو دي جانيرو بالبرازيل، اليوم (الأحد)، المفاوضين إلى التوصل إلى وقف إطلاق نار غير مشروط في قطاع غزة، لإنهاء الحرب المتواصلة منذ 22 شهراً فيه.

وقالت المجموعة في إعلان مشترك: «نحث كل الأطراف إلى الانخراط بحسن نية في مفاوضات إضافية لتحقيق وقف إطلاق نار فوري ودائم وغير مشروط، والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة».

كما نددت دول المجموعة بـ«الضربات العسكرية» على إيران، معتبرة أنها «انتهاك للقانون الدولي» من دون أن يذكر البيان صراحة إسرائيل أو الولايات المتحدة اللتين شنتا ضربات على مواقع عسكرية ونووية ومنشآت إيرانية أخرى.

ودعا الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، اليوم، خلال القمة، إلى عدم «الاستمرار في تجاهل الإبادة التي ترتكبها إسرائيل بغزة»، فيما من المقرر أن تبدأ مفاوضات للتوصل إلى هدنة في الدوحة.

وقال لولا في كلمته الافتتاحية: «لا شيء يبرر على الإطلاق الأعمال الإرهابية التي ترتكبها (حماس). لكن لا يمكننا الاستمرار في تجاهل الإبادة التي ترتكبها إسرائيل في غزة، والمجازر بحق مدنيين أبرياء، واستخدام الجوع سلاح حرب».

واندلعت الحرب إثر هجوم غير مسبوق شنته حركة «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، على إسرائيل، أسفر عن مقتل 1219 شخصاً، معظمهم من المدنيين، وفقاً لتعداد «وكالة الصحافة الفرنسية»؛ استناداً إلى أرقام رسمية. وقُتل في غزة ما لا يقل عن 57418 فلسطينياً، معظمهم من المدنيين، في الرد الإسرائيلي على الهجوم، وفق حصيلة وزارة الصحة التي تديرها «حماس» وتعدّها الأمم المتحدة موثوقة.