بايدن يتفق مع نظيره الصيني على إعادة التواصل العسكري وتبادل الزيارات

الرئيس الأميركي يحث شي على تهدئة التوتر مع تايوان والفلبين ووقف مساعدة روسيا عسكرياً

الرئيسان الأميركي جو بايدن والصيني شي جينبينغ خلال قمة مجموعة العشرين في بالي (أرشيفية - أ.ف.ب)
الرئيسان الأميركي جو بايدن والصيني شي جينبينغ خلال قمة مجموعة العشرين في بالي (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

بايدن يتفق مع نظيره الصيني على إعادة التواصل العسكري وتبادل الزيارات

الرئيسان الأميركي جو بايدن والصيني شي جينبينغ خلال قمة مجموعة العشرين في بالي (أرشيفية - أ.ف.ب)
الرئيسان الأميركي جو بايدن والصيني شي جينبينغ خلال قمة مجموعة العشرين في بالي (أرشيفية - أ.ف.ب)

استهدفت المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس الأميركي، جو بايدن، مع نظيره الصيني، شي جينبينغ، الثلاثاء، خفض التوترات ومنع الصدام والحفاظ على استقرار الأوضاع في بحر الصين الجنوبي. وقد احتلت قضايا تايوان والذكاء الاصطناعي ومكافحة المخدرات، إضافة إلى الحرب في أوكرانيا وغزة، قلب المكالمة الهاتفية بينهما، علماً أن الإدارة الأميركية تسعى إلى مواصلة الحوار المنتظم بين البلدين ونزع فتيل التوترات وإعادة إنشاء الاتصالات العسكرية بين البلدين، والتعاون معاً للحد من إنتاج «الفنتانيل» وتهريبه إلى الأراضي الأميركية، إضافة إلى تنظيم عدد من الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين وترتيب قمة بين الزعيمين بنهاية العام الجديد في أعقاب الانتخابات الرئاسية الأميركية.

ووفقاً لمسؤولي البيت الأبيض، ناقش بايدن مع نظيره الصيني الحربين المستمرتين في غزة وأوكرانيا، وكذلك القدرات النووية لكوريا الشمالية، كما تطرق إلى القضايا الأخرى التي أدت إلى توتر العلاقات بين واشنطن وبكين، بما في ذلك تايوان واستفزازات الصين الأخيرة في بحر الصين الجنوبي وانتهاكات بكين لحقوق الإنسان. كما تطرق الحديث إلى مكافحة المخدرات، وعالم الذكاء الاصطناعي سريع التطور، وتغير المناخ.

الرئيسان الأميركي جو بايدن والصيني شي جينبينغ يتصافحان في مستهل لقائهما بكاليفورنيا (أرشيفية - أ.ب)

وحث بايدن، في المكالمة مع شي، الصين، على بذل المزيد من الجهد للوفاء بالتزاماتها بوقف تدفق المخدرات غير المشروعة، وطالب بالاستمرار في إقامة تواصل دبلوماسي مستمر على جميع مستويات الحكومة، مشيراً إلى أن ذلك ضروري لمنع المنافسة بين الاقتصادين الضخمين والقوى المسلحة نووياً من التصاعد إلى صراع مباشر.

تايوان والفلبين

وما زالت تايوان تشكل قضية محورية في الخلاف بين الصين والولايات المتحدة، وقد أكد الرئيس بايدن في المحادثة الهاتفية على سياسة الصين الواحدة «التي تنتهجها الولايات المتحدة منذ فترة طويلة»، وأكد مجدداً أن الولايات المتحدة تعارض أي وسيلة قسرية لإخضاع تايوان لسيطرة بكين، كما شدد على أهمية الاستقرار في مضيق تايوان، خصوصاً في ضوء التنصيب الرئاسي المرتقب للرئيس التايواني الجديد لاي تشينغ تي، رئيس الجزيرة المنتخب، الشهر المقبل، الذي تعهد بحماية استقلالها الفعلي عن الصين ومواءمتها مع الديمقراطيات الأخرى.

وأثار بايدن المخاوف بشأن عمليات الصين في بحر الصين الجنوبي، بما في ذلك الجهود التي بُذلت الشهر الماضي لمنع الفلبين، (التي تلتزم الولايات المتحدة بموجب المعاهدة بالدفاع عنها) من إعادة إمداد قواتها في منطقة سكند توماس شول المتنازع عليها. ومن المقرر أن يستضيف بايدن في الأسبوع المقبل، الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس جونيور، ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، في البيت الأبيض، لعقد قمة مشتركة، حيث سيكون نفوذ الصين في المنطقة على رأس جدول الأعمال.

دبلوماسية مكثفة

وتعد هذه المكالمة هي أول محادثة بين الزعيمين منذ قمتهما التاريخية الشخصية في نوفمبر العام الماضي، وكانت القمة تسير بوتيرة إيجابية إلا أن الرئيس بايدن أثناء المؤتمر الصحافي أشار إلى الزعيم الصيني باعتباره دكتاتوراً. وسرعان ما أثارت هذه التسمية، التي استخدمها بايدن سابقاً لوصف شي، غضب الحكومة الصينية، وكانت بمثابة نهاية محرجة لما كان اجتماعاً بالغ الأهمية بين الزعيمين.

وقد خطط البيت الأبيض لهذه المكالمة منذ عدة أسابيع، بحيث يتم تلطيف الأجواء ومناقشة القضايا المهمة والاستعداد لارتباطات رفيعة المستوى بين البلدين، حيث من المخطط أن تقوم وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين برحلة إلى الصين، يوم الخميس، ثم زيارة لوزير الخارجية أنتوني بلينكن في الأسابيع التالية. بينما من المتوقع أن يشارك وزير الدفاع لويد أوستن في مكالمة هاتفية مع وزير الدفاع الصيني «قريباً».

الرئيسان الأميركي جو بايدن والصيني شي جينبينغ في كاليفورنيا (أرشيفية - رويترز)

ومن المقرر أن تلتقي يلين بنظرائها الصينيين في زيارتها التي تعد الثانية لها كوزيرة للخزانة، حيث تتوقف في محطتين؛ الأولى مدينة قوانغتشو، ثم في بكين العاصمة، لعقد اجتماعات مع الاقتصاديين والطلاب وأعضاء مجتمع الأعمال. وقالت مسؤولة بوزارة الخزانة للصحافيين، يوم الاثنين، إنها تعتزم إجراء مناقشات صريحة حول ما تعده الإدارة ممارسات تجارية «غير عادلة» من الصين. وقد حذرت وزيرة الخزانة صراحة من التهديد الذي تفرضه القدرة الفائضة لدى الصين على الاقتصاد العالمي، كما حذرت أيضاً من أن الانفصال عن عملاق التصنيع (الصين) سيكون «كارثياً» بالنسبة للولايات المتحدة. وبالإضافة إلى يلين، تحدث مسؤولون أميركيون آخرون مع نظرائهم الصينيين في عام 2024، مما يدل على مدى أهمية رؤية الإدارة لعلاقاتها الثنائية مع الصين.

وقال مسؤول كبير في الإدارة للصحافيين قبل المكالمة: «سيناقش الرئيس بايدن والرئيس شي العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والصين، والأهمية المستمرة لتعزيز خطوط الاتصال وإدارة المنافسة بشكل مسؤول، ومجموعة من القضايا الإقليمية والعالمية». وأوضح الهدف من وراء المكاملة قائلاً «إن المنافسة الشديدة تتطلب دبلوماسية مكثفة لإدارة التوترات ومعالجة المفاهيم الخاطئة ومنع الصراع غير المقصود، وهذه الدعوة هي إحدى الطرق للقيام بذلك».

وأشار المسؤول إلى الجهود الكبيرة التي بذلها البلدان خلال العام الماضي لتهدئة التوترات التاريخية العالية في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وإلى الالتزام الذي قطعه بايدن علناً بعد اجتماعه مع شي لعدة ساعات في وودسايد، بولاية كاليفورنيا، الخريف الماضي، وهو أنه، للمضي قدماً، سيلتقط الزعيمان الهاتف ويتصلان ببعضهما البعض، بهدف منع سوء التفاهم الذي يحتمل أن يكون خطيراً بين اثنتين من أقوى الدول في العالم.

وقال المسؤول إن بايدن، باعتباره زعيم أكبر اقتصاد في العالم، أثار أيضاً مخاوفه مع شي بشأن «الممارسات الاقتصادية غير العادلة» للصين، وأكد مجدداً أن الولايات المتحدة ستتخذ خطوات للحفاظ على مصالحها الأمنية والاقتصادية، بما في ذلك الاستمرار في الحد من القيود المفروضة على التجارة، وتقييد نقل بعض التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين.

علاقات الصين وروسيا

ووفقاً للمسؤول الكبير بالإدارة الأميركية، دعا الرئيس الأميركي، بكين، إلى ممارسة نفوذها على كوريا الشمالية لكبح جماح القوة النووية المعزولة وغير المنتظمة، كما ناقش ما يتعلق بدعم الصين لروسيا بشأن حربها المستمرة في أوكرانيا في المكالمة، في أعقاب تعهد شي بـ«تعزيز التنسيق الاستراتيجي» بين الصين وروسيا في مكالمة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت سابق من هذا العام.

وقد أحجمت الصين عن تقديم مساعدات عسكرية متقدمة علناً لروسيا لمساعدتها في غزوها لأوكرانيا، لكن الإدارة الأميركية أشارت إلى مساعدات صينية مستمرة لروسيا، وحذر المسؤول من أن دعم الصين لروسيا سمح لموسكو «بإعادة بناء القاعدة الصناعية الدفاعية الروسية، مما أدى في الأساس إلى تراجع التجارة مع الشركاء الأوروبيين». وأضاف: «الصين، بالطبع، دولة ذات سيادة، وسوف تتخذ قراراتها الخاصة بشأن علاقاتها، لكنها قلقة للغاية بشأن اتجاه الدول الأوروبية في هذا المسار، وأنا متأكد من أنه سيتم اتخاذ قرار إيجابي بهذا الشأن».

التدخل في الانتخابات

وأشار المسؤول الكبير إلى أن الرئيس بايدن حذر الصين من التدخل في انتخابات 2024 في الولايات المتحدة، وكذلك ضد الهجمات الإلكترونية الخبيثة المستمرة ضد البنية التحتية الأميركية الحيوية، كما أثار مخاوف بشأن حقوق الإنسان في الصين، بما في ذلك قانون الأمن القومي الجديد في هونغ كونغ ومعاملتها للأقليات، كما أثار محنة الأميركيين المحتجزين في الصين أو الممنوعين من مغادرة الصين.

وفي إجابته على أسئلة الصحافيين حول المخاوف والتحذيرات التي صدرت من أجهزة الاستخبارات الأميركية بشأن إقدام جهات صينية على إنشاء حسابات سرّية تؤيد الرئيس السابق دونالد ترمب وتهاجم بايدن عبر الترويج لنظريات المؤامرة وتأجيج الانقسامات قبل انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، قال المسؤول إن إدارة بايدن تخطط لمواصلة التأكيد لبكين على مخاوف الولايات المتحدة الخطيرة بشأن الجهود الصينية لاختراق البنية التحتية الحيوية للولايات المتحدة، وقال إننا سنواصل التحقق ووضع الإجراءات اللازمة والاستمرار أيضاً في توضيح مخاوفنا.

وكانت شبكة «سي إن إن» قد أوضحت عقب لقاء بايدن وشي في كاليفورنيا أن الرئيس الصيني شي قال لبايدن إن بلاده لن تتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وأن وزير الخارجية الصيني كرر هذا التأكيد أيضاً لمستشار الأمن القومي لبايدن، جيك سوليفان.

الذكاء الاصطناعي

وتطرق بايدن في المكالمة إلى ضرورة إجراء محادثات رسمية بين حكومتي الولايات المتحدة والصين حول تنظيم وتقنين الذكاء الاصطناعي، ووضع قيود لمواجهة مخاطره. وقد انضمت الصين والولايات المتحدة إلى أكثر من 120 دولة أخرى في دعم قرار في الأمم المتحدة يدعو إلى ضمانات عالمية حول التكنولوجيا الناشئة. وأشار مسؤولو البيت الأبيض إلى لقاءات حكومية قريبة لمناقشة هذه القضية.


مقالات ذات صلة

رهائن سابقون في غزة يطالبون بعد عام من الإفراج عنهم بإعادة الباقين

شؤون إقليمية سيدة تغلق فمها وتربط يديها بحبل خلال مظاهرة في تل أبيب تطالب بإعادة المحتجزين في غزة (رويترز)

رهائن سابقون في غزة يطالبون بعد عام من الإفراج عنهم بإعادة الباقين

بعد عام على إطلاق سراحهم خلال الهدنة الوحيدة بين إسرائيل وحركة «حماس» الفلسطينية، دعا رهائن سابقون في غزة إلى تأمين الإفراج عمن لا يزالون محتجزين.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية صبي فلسطيني ينقذ دراجة هوائية تالفة من بين أنقاض منزل دُمر في غارة إسرائيلية على مخيم البريج للاجئين في وسط قطاع غزة الأحد (الفرنسية)

استيطان غزة... هدف لا تُعلنه إسرائيل لكنها تنفذه

تشير تصريحات إسرائيلية لمسؤولين حاليين وسابقين وحملات لقادة مستوطنين، إلى احتلال طويل لغزة واستئناف الاستيطان، حتى بات ذلك هدفاً غير معلن للحرب لكنه يُنفذ بدقة.

كفاح زبون (رام الله)
العالم عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

أعلن مايك والتز، المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي الأميركي، أن فريق ترمب يريد العمل منذ الآن مع إدارة الرئيس بايدن للتوصل إلى «ترتيب» بين أوكرانيا وروسيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ) play-circle 01:47

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

أفادت وزارة الصحة في غزة، الأحد، بارتفاع عدد قتلى الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 44 ألفاً و211 وإصابة 104 آلاف و567 منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»

شبح هجوم إسرائيلي يخيّم على بغداد

يخيّم شبح هجوم إسرائيلي واسع على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شن ضربات جوية على البلاد.

فاضل النشمي (بغداد)

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.