الموقع... الموقع... ومن ثمّ الموقع

دمار في جباليا جراء حرب إسرائيل على غزة (أرشيفية - رويترز)
دمار في جباليا جراء حرب إسرائيل على غزة (أرشيفية - رويترز)
TT

الموقع... الموقع... ومن ثمّ الموقع

دمار في جباليا جراء حرب إسرائيل على غزة (أرشيفية - رويترز)
دمار في جباليا جراء حرب إسرائيل على غزة (أرشيفية - رويترز)

قد يكون الموقع الجغرافيّ لدولةٍ ما نعمة، وقد يكون نقمة في نفس الوقت. قد يكون الموقع وسيلة للقوى في صراعها، وقد يكون الموقع وسيلة للقوى في تفاهماتها الجيوسياسيّة. هكذا كانت حال فنلندا بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركيّة.

يعد موقع لبنان نعمة في ظرفٍ ما، ونقمة في ظروف مختلفة. لكن الأكيد، أن الاستقرار في لبنان هو الاستثناء، والاضطراب هو القاعدة. فيُقال عن لبنان مثلاً، إنه مُلتقى الحضارات، وإنه المعبر بين الشرق والغرب. فهل يمكن القول إن القوى الإمبرياليّة، أثناء توسّعها، وحروبها مع القوى الأخرى، تأتي أولاً بحضارتها أو بسلاحها؟ بالطبع المدفع يسبق الكتاب. ألم يُقل إن السيف أصدق أنباء من الكتب؟!

من كان يعرف مدينة بخموت في أوكرانيا قبل الحرب الروسية على أوكرانيا؟ تصدّرت بخموت أخبار الحرب فقط لأنها عُدّت محوراً استراتيجيّا. هل كانت جباليا، وخان يونس، ومدينة غزّة، لتتصدّر الأخبار الدوليّة لولا الحرب الدائرة في قطاع غزّة؟

في عام 1903، ساعدت أميركا بنما على الانفصال عن كولومبيا لتصبح دولة مستقلّة؛ إذ وقعت أميركا بعدها معاهدة مع الدولة الحديثة لشق القناة. تعد قناة بنما أقصر طريق وأسهلها لأميركا بين الشرق الأميركي وغربه. هي طريق نيويورك إلى الشرق الأقصى، وهي طريق سان فرنسيسكو إلى أوروبا. المسافة بين نيويورك وسان فرنسيسكو عبر القناة هي نحو 6500 كيلومتر. لكن عبر أرض النار (Terra Del Fuego) في جنوب أميركا اللاتينية هي 19000 كيلومتر.

جعل الزعيم السنغافوري الراحل كوان يو لي (Kuan Yew Lee) بلده محطّ أنظار العالم، وذلك بسبب الموقع الجغرافي الأهم في العالم حول مضيق مالاكا. وقال في هذا الإطار: سنغافورة لا تملك أيّ ثروات طبيعيّة، حتى ماء الشرب غير متوفّر. لكننا درسنا حاجة العالم. وماذا يريد هذا العالم من خدمات. وتموضعنا كي نقدّم هذه الخدمات.

وكلّما تغيّر وتبدّل هذا العالم تغيّرنا وتبدّلنا معه. فما يبني الأمم، والكلام دائماً للزعيم السنغافوري، هو ليس الحجم، لكن إرادة الشعب، والتماسك والتناغم الداخليّ، وانضباط الداخل، ونوعيّة القيادات السياسيّة.

ضابط أوكراني يشرف على إطلاق قذيفة من مدفع ثقيل قرب مدينة بخموت الاثنين (أ.ب)

القيمة الجيوسياسيّة لبلدٍ ما

يعد بلد ما ذا قيمة جيوسياسيّة عالية عندما تتوفّر المتطلّبات التالية:

أن يتمتّع هذا البلد بموقع جغرافيّ مهم في اللعبة الجيوسياسيّة الدائرة في ظلّ النظام العالمي القائم. حالياً، تعد جيبوتي ذات موقع جيوسياسيّ مهم. وإلا فما معنى الوجود العسكريّ للقوى العظمى والكبرى فيها؟! خلال الحرب الباردة، شكّلت أفغانستان العين الأميركية التي تراقب الاتحاد السوفياتيّ. بعد سقوط الدب الروسي، تخلّت أميركا عن أفغانستان. حالياً، تلعب أفغانستان دور الكوريدور الحيويّ للمشروع الصيني «الحزام والطريق»، كممر من الصين إلى خليج عمان، وعبر باكستان. استثمرت الصين في هذا الكوريدور نحو 60 مليار دولار؛ إذ يملك هذا البلد ثروات طبيعيّة مهمّة للاقتصاد العالمي، ويساهم في إنتاج الثروة (النفط والغاز حالياً).

وهناك الدور السياسيّ، الممكن أن تلعبه هذه الدولة في ظلّ تركيبة النظام العالميّ، ومن ضمن هرميّة توزيع القوّة في العالم. تحتلّ الولايات المتحدة الأميركيّة مركز الصدارة حتى الآن في ظلّ هذه الشروط والمتطلّبات.

وأخيراً وليس آخراً، تملك المملكة العربيّة السعوديّة كل هذه المتطلّبات. فهي على تماس مع أهمّ الممرات المائيّة في العالم. وهي تقع ضمن إهليلج الطاقة، الذي يضمّ منطقة الخليج إلى جانب دول آسيا الوسطى. يحوي هذا الإهليلج 70 في المائة من احتياط الطاقة العالميّ المؤكّد. كما تعد ثرواتها الأهم للاقتصاد العالمي، إن كان في النظام العالمي القائم حالياً، أو في أيّ نظام مُتخيّل في المُستقبل. تتمتّع المملكة بالحجم، كما تملك القوّة الصلبة إلى جانب القوّة الطريّة والمتمثّلة بالأماكن المقدّسة. وهي حكماً تملك الرؤية السياسية للقرن الحادي والعشرين.


مقالات ذات صلة

إصابة جنود سوريين في غارات إسرائيلية على محيط حلب

المشرق العربي إصابة جنود سوريين في غارات إسرائيلية على محيط حلب

إصابة جنود سوريين في غارات إسرائيلية على محيط حلب

استهدفت غارات إسرائيلية محيط مدينة السفيرة بريف حلب، حسبما وكالة الأنباء السورية (سانا)، التي أشارت إلى «معلومات أولية عن عدوان إسرائيلي» على محيط المدينة.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (إ.ب.أ)

السوداني وترمب يتفقان على التنسيق لإنهاء الحروب في المنطقة

أجرى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الجمعة، محادثات هاتفية مع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، واتفقا على التنسيق لإنهاء الحروب في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي الرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال لقاء سابق في البيت الأبيض (صفحة الرئيس الفلسطيني عبر «فيسبوك»)

الرئيس الفلسطيني لترمب: مستعدون لتحقيق السلام العادل

أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في اتصال هاتفي مع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، استعداده لتحقيق السلام العادل القائم على أساس الشرعية الدولية.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي فتى فلسطيني نازح من شمال قطاع غزة يجلس على أنقاض منزل مهدم على مشارف مدينة غزة (أ.ف.ب)

خبراء في الأمن الغذائي: المجاعة الوشيكة في شمال غزة «احتمال قوي»

حذّرت لجنة من الخبراء في الأمن الغذائي العالمي من «احتمال قوي بحدوث مجاعة وشيكة في مناطق» شمال قطاع غزة، فيما تواصل إسرائيل هجومها على حركة «حماس».

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا تظهر هذه الصورة الدمار في موقع الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت أحياء في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

«هيومان رايتس»: تسليح الغرب لإسرائيل يشجع الحروب بمناطق أخرى

قالت المديرة التنفيذية لمنظمة «هيومان رايتس ووتش»، الجمعة، إن الدول التي تزود إسرائيل بالأسلحة في صراعاتها بغزة ولبنان تشجع الدول المحاربة في مناطق أخرى.

«الشرق الأوسط» (جنيف)

الأمم المتحدة حذرة تترقب عودة ترمب لرئاسة أميركا

المدخل الرئيسي لمقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة - 22 سبتمبر 2024 (رويترز)
المدخل الرئيسي لمقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة - 22 سبتمبر 2024 (رويترز)
TT

الأمم المتحدة حذرة تترقب عودة ترمب لرئاسة أميركا

المدخل الرئيسي لمقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة - 22 سبتمبر 2024 (رويترز)
المدخل الرئيسي لمقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة - 22 سبتمبر 2024 (رويترز)

تستعد الأمم المتحدة لعودة دونالد ترمب لرئاسة أميركا واحتمال تقليص الولايات المتحدة تمويل المنظمة والعمل معها، وهو ما قد يفعله الرئيس الأميركي المقبل في ولايته الثانية.

وقال دبلوماسي آسيوي كبير إن هناك شعوراً «بالتكرار وبعض الخوف» لدى المنظمة العالمية، التي تضم 193 دولة، بعد فوز الجمهوري ترمب في الانتخابات الأميركية على نائبة الرئيس الديمقراطية كامالا هاريس، وفق وكالة «رويترز» للأنباء.

وذكر الدبلوماسي، الذي تحدث شريطة عدم نشر اسمه، أن «هناك أيضاً بعض الأمل في أن تتعاون الإدارة المعنية بالمعاملات مع الأمم المتحدة في بعض المجالات، حتى لو ألغت تمويل بعض الملفات؛ ففي نهاية المطاف، هل هناك كيان في العالم أكبر أو أفضل من الأمم المتحدة؟».

وقد يفتح تراجع دور الولايات المتحدة في الأمم المتحدة الباب أمام الصين، التي تعزز نفوذها في الدبلوماسية العالمية.

ولم يقدم ترمب تفاصيل تذكر عن السياسة الخارجية التي سينتهجها في ولايته الثانية، لكن أنصاره يقولون إن قوة شخصيته ونهجه لإحلال «السلام من خلال القوة»، سيساعدان في إخضاع الزعماء الأجانب لإرادته؛ فقد تعهَّد بإنهاء الحرب في أوكرانيا، ومن المتوقَّع أن يقدم دعماً قوياً لإسرائيل في صراعيها مع حركة «حماس» في غزة وجماعة «حزب الله» في لبنان.

ومن بين أبرز مخاوف الأمم المتحدة ما إذا كانت الولايات المتحدة ستقرر تقليل المساهمة المالية فيها، وإذا ما كانت ستنسحب من مؤسسات واتفاقيات رئيسية متعددة الجنسيات، مثل «منظمة الصحة العالمية»، و«اتفاقية باريس للمناخ».

ويُعد التمويل الأميركي مصدر القلق الرئيسي، لأن الولايات المتحدة أكبر مساهم في الأمم المتحدة؛ إذ تقدم نحو 22 في المائة من ميزانيتها الأساسية و27 في المائة من ميزانية عمليات حفظ السلام، تليها الصين.

وقد تتأخر أي دولة عن سداد مستحقاتها لمدة تصل إلى عامين، قبل أن تواجه العواقب المحتملة، وهي خسارة حق التصويت في الجمعية العامة.

واقترح ترمب في ولايته الأولى خفض نحو ثلث ميزانيات الدبلوماسية والمساعدات الأميركية، بما يتضمن تخفيضات حادة في تمويل عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وتمويل منظمات دولية، لكن الكونغرس، الذي يحدد الموازنة الاتحادية للحكومة الأميركية، رفض الاقتراح.

وقال متحدث باسم الأمم المتحدة في ذلك الوقت إن التخفيضات المقترحة كانت ستجعل من المستحيل مواصلة جميع الأعمال الأساسية.

وقال ريتشارد جوان، مدير شؤون الأمم المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية: «أدركت الأمانة العامة للأمم المتحدة طوال العام أنها قد تواجه عودة ترمب. وكان هناك تخطيط حكيم خلف الكواليس حول كيفية إدارة تخفيضات الميزانية الأميركية المحتملة».