رهانات فرنسية على الهند لتعزيز حضورها في منطقة الهندي - الهادي

الرئيس ماكرون في زيارة للهند ليومين وتعويل فرنسي على مزيد من العقود المدنية والعسكرية

جانب من الاستعدادات لعرض «يوم الجمهورية» بنيودلهي في 4 يناير (إ.ب.أ)
جانب من الاستعدادات لعرض «يوم الجمهورية» بنيودلهي في 4 يناير (إ.ب.أ)
TT

رهانات فرنسية على الهند لتعزيز حضورها في منطقة الهندي - الهادي

جانب من الاستعدادات لعرض «يوم الجمهورية» بنيودلهي في 4 يناير (إ.ب.أ)
جانب من الاستعدادات لعرض «يوم الجمهورية» بنيودلهي في 4 يناير (إ.ب.أ)

عندما قررت أستراليا فسخ «عقد القرن» الخاص بشراء 12 غواصة فرنسية الصنع بقيمة إجمالية تصل إلى 56 مليار يورو، في سبتمبر (أيلول) عام 2021، بدعم وتشجيع من لندن وواشنطن، قررت باريس تركيز جهودها على الهند بديلا عن أستراليا في منطقة المحيطين الهندي - الهادي، ولأن الرهان على بلد الـ1.43 مليار نسمة يمكن أن يكون الورقة الرابحة بيدي فرنسا في منطقة تعدها استراتيجية لمصالحها.

وفي هذا السياق تندرج زيارة اليومين التي يقوم بها الرئيس إيمانويل ماكرون للهند، حيث سيكون ضيف الشرف الوحيد بمناسبة الاحتفال بـ«يوم الجمهورية» والعرض العسكري الكبير الذي سيحصل في نيودلهي بمشاركة قوة فرنسية. وسبق لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أن استقبلته باريس الصيف الماضي، ضيف شرف في احتفالات العيد الوطني الفرنسي يوم 14 يوليو (تموز) الذي شهد مشاركة 240 عسكريا هنديا في العرض العسكري الذي يجري سنويا في جادة الشانزليزيه.

بعيدا عن الرمزية التي تلعب دورا في العلاقات بين الدول، فإن فرنسا والهند تجدان أن مصلحتهما المشتركة تكمن في توثيق علاقاتهما في مختلف المجالات.

شراكة استراتيجية

تجسّد التقارب الفرنسي - الهندي قبل 25 عاما بشراكة استراتيجية، ويسعى البلدان لدفعها إلى القمة بحلول عام 2047 وذلك بعد مرور مائة عام على استقلال الهند وإقامة العلاقات الدبلوماسية بين باريس ونيودلهي. وللتدليل على أهمية الزيارة، فإن ثلاثة وزراء (الخارجية والدفاع والثقافة) يرافقون الرئيس ماكرون، إضافة إلى وفد اقتصادي يضم كبريات الشركات الفرنسية، وعلى رأسها الفاعلة في القطاع الدفاعي مثل «داسو للطيران» التي تصنع طائرات رافال، و«سافران» الفاعلة في قطاع الطيران والفضاء، و«إيرباص» التي تصنع الطائرات التي تحمل الاسم نفسه، وشركة «نافال غروب» الضالعة في الصناعات البحرية، و«كاب جيميني» الفاعلة في القطاع الرقمي، إضافة إلى مجموعة رؤساء الشركات متوسطة الحجم والمهتمة بالسوق الهندية.

ماكرون يتحدث للرياضيين قبل أشهر من انطلاق ألعاب باريس الأولمبية... الثلاثاء 23 يناير (رويترز)

يفيد ملف صادر عن الرئاسة الفرنسية بمناسبة الزيارة، بأن باريس ترى أن الهند «تقع في قلب التحديات الأمنية والبيئية والاقتصادية في منطقة الهندي - الهادي، وأنها تلعب دورا أساسيا في إطار المنظمات الإقليمية مثل مجموعة الدول المطلة على المحيط الهندي، كما أنها عضو في منظمة «آسيان» و«لجنة المحيط الهندي» وهي تدافع عن «رؤية لمنطقة الهندي - الهادي حرة، وآمنة، ومنفتحة».

وتعد باريس أن المنطقة المذكورة حيوية بالنسبة إليها، حيث إن 1.5 مليون مواطن فرنسي يعيشون فيها {كاليدونيا الجديدة، بولينيزيا الفرنسية، جزيرة لا ريونوين...}، كما أن 93 في المائة من المنطقة الاقتصادية الفرنسية الخالصة تقع فيها. وتطمح فرنسا لأن تكون لاعبا مهما في منطقة آسيا والمحيط الهادي، وهي تسعى للاضطلاع بدور قوة توازن، وصلة وصل بين الشمال والجنوب.

وفي إطار تقديمها للزيارة الرئاسية، عدّت أوساط الإليزيه أن الهند «في الأوضاع الحالية، تعد شريكا أساسيا للمساهمة في إحلال السلام والأمن الدوليين». وتهتم باريس بالهند لقدراتها الاقتصادية وللفرص التي توفرها، حيث إن متوسط نموها الاقتصادي في الأعوام العشرين الماضية يصل إلى 7 في المائة (بما في ذلك عام 2023)، وهو رقم لا تعرفه فرنسا ولا أوروبا.

والهند التي تخطت الصين العام الماضي كأكبر كتلة ديموغرافية في العالم، ينتظر أن يصل عديد سكانها في عام 2060 إلى 1.6 مليار نسمة. كذلك فإن الاقتصاد الهندي الذي يحتل راهنا المرتبة الخامسة في العالم، من المنتظر له أن يتقدم إلى المرتبة الثالثة بحلول عام 2030 (بعد الاقتصادين الأميركي والصيني).

تعاون عسكري... ونووي

ما يجمع فرنسا والهند أن كلتيهما قوة عسكرية نووية، وأنهما تريدان توسيع تعاونهما في النووي المدني. وتطمح فرنسا لبيع الهند ستة مفاعلات نووية من الجيل الثالث (إي بي آر) لتجهيز محطة «جايتابور» بولاية مهارشترا، وليس من المستبعد أن يتم إبرام اتفاق-إطار بهذا الصدد خلال زيارة ماكرون.

طائرة «رافال» الفرنسية القتالية البحرية التي تسعى الهند لشراء أسراب منها (أ.ف.ب)

وفرنسا تحتل المرتبة الأولى بين الدول التي تعتمد على الطاقة النووية السلمية لإنتاج الكهرباء. كذلك، فإن الهند تحولت، في السنوات الأخيرة، إلى قوة فضائية، وقد حققت العام الماضي إنجازا غير مسبوق، إذ إنها تمكنت من إنزال مركبة فضائية في القطب الجنوبي للقمر، وتعمل لإرسال أول مركبة مأهولة إلى الفضاء الخارجي في عام 2025.

وتعمل الهند وفرنسا يدا بيد في المجال الفضائي، وقد رافقت باريس تطور الطموحات الفضائية الهندية منذ إطلاق أول برامجها في عام 1964. وآخر ما أنجزه الطرفان إرسال قمرين اصطناعيين في مدارات حول الأرض للرقابة المناخية، كما أن باريس تساعد الهند في تحقيق برنامجها الفضائي المسمى «غاغانيان» بإرسال محطة مأهولة بتوفير الأدوات الملاحية وتدريب رواد الفضاء.

يمثل القطاع العسكري أحد أبرز وجوه التعاون «الاستراتيجي» بين باريس ونيودلهي. فالقطع البحرية الفرنسية والهندية تعمل معا في منطقة المحيطين الهندي والهادي، وهي تقوم بتمارين بحرية مشتركة منذ عام 1983 وبدوريات في المحيط الهندي، كما أن القوات الجوية التابعة للبلدين تقوم بدورها بتمارين وتدريبات دورية في السنوات الأخيرة.

وتتعاون الدولتان منذ زمن طويل في مجال المشتريات الدفاعية، وتعتزم الهند شراء 26 طائرة «رافال» حربية فرنسية الصنع، إضافة إلى طلبية سابقة لـ 36 طائرة من هذا الطراز لقواتها الجوية. ولا تزال المفاوضات جارية بشأن شراء 26 طائرة «رافال» المخصصة للبحرية الهندية، فضلا عن ثلاث غواصات من طراز «سكوربين».

قوة تكنولوجية

وفي قطاع الطيران التجاري، تحظى شركة «إيرباص» بحصة وازنة في الهند التي تعد ثالث أكبر سوق للطيران في العالم. وفي عام 2023 وحده، وقعت شركتا «إير أنديا» و«أنديغو» عقدين مع شركة «إيرباص» لشراء 250 طائرة للأولى و500 طائرة للثانية. ويجدر التذكير بأن الهند تعد، على الصعيد العالمي، قوة تكنولوجية من المصاف الأول، حيث إنها تتمتع، في القطاع التكنولوجي المتقدم، بما لا يقل عن مليون مهندس و90 ألف شركة ناشطة في التكنولوجيات، فضلا عن أنها تعد «مصنع الأدوية» في العالم، فيما تحتضن أكثر من مائة شركة خاصة تزيد قيمتها السوقية على مليار دولار.

رئيس الوزراء الهندي مودي لدى وصوله لتدشين معبد هندوسي في مدينة أيوديا يوم الاثنين الماضي (أ.ب)

وتهتم باريس بمساعدة الهند في المجال البيئي. فالهند تأتي في المرتبة الثالثة من بين الدول المسؤولة عن انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون، كما أنها تعتمد بشكل كثيف على الفحم الحجري لصناعاتها (بنسبة 70 بالمائة)... وتعهدت الهند بالتوصل إلى اقتصاد عديم الكربون بحلول عام 2070.

ملفات متعددة

ما سبق يدل على أهمية الهند متعددة الأشكال بالنسبة لفرنسا التي ترى فيها شريكا استراتيجيا ونقطة ارتكاز لطموحاتها في منطقة الهندي - الهادي وقوة صاعدة يراهن عليها الغرب للوقوف بوجه المد الصيني، فضلا عن فرص اقتصادية واستثمارية بالغة الأهمية. ولا تتناسى باريس أهمية الصين في السياسة العالمية، والدور المتزايد الذي تلعبه، ومن مظاهره استقبالها وترؤسها لمجموعة العشرين العام الماضي. بيد أن الهند ماضية في انتهاج سياسة مستقلة وأحيانا ضد الرغبات الغربية، ومثلها الأبرز رفض مقاطعة روسيا سياسيا واقتصاديا ونفطيا بسبب الحرب في أوكرانيا رغم الضغوط التي تعرضت لها. وستكون الحرب المشار إليها أحد الملفات الرئيسية السياسية التي سيناقشها الرئيس ماكرون مع رئيس الوزراء الهندي مودي، الذي سيجتمع به مرتين خلال هذه الزيارة.

وتتناول الملفات الأخرى أمن الملاحة في باب المندب والبحر الأحمر والحرب في غزة وملفات الشرق الأوسط بشكل عام. أما بالنسبة للوضع الداخلي في الهند، حيث بيّن تقرير لـ«هيومان رايتس ووتش» انتهاكات حقوق الإنسان واضطهاد الأقليات المسلمة والمسيحية وتصاعد الشعور القومي الهندوسي من جانب حزب مودي، فإن مصادر الإليزيه تلتزم موقفا متراجعا، لا، بل إنها تغض النظر عن هذه الانتهاكات، إذ عدّت أنه «ليس لفرنسا أن تقيم التحولات في المسار الديمقراطي للهند منذ اللحظة التي تحترم فيها التزاماتها الدولية».



الاحترار يتخطى عتبة 1.5 درجة مئوية في 2023 و2024

آثار الجفاف في جنوب كاليفورنيا يوليو الماضي (أ.ف.ب)
آثار الجفاف في جنوب كاليفورنيا يوليو الماضي (أ.ف.ب)
TT

الاحترار يتخطى عتبة 1.5 درجة مئوية في 2023 و2024

آثار الجفاف في جنوب كاليفورنيا يوليو الماضي (أ.ف.ب)
آثار الجفاف في جنوب كاليفورنيا يوليو الماضي (أ.ف.ب)

تجاوز الاحترار خلال العامين الأخيرين في المتوسط عتبة 1.5 درجة مئوية التي حدّدتها اتفاقية باريس، ما يؤشر إلى ارتفاع مستمر في درجات الحرارة غير مسبوق في التاريخ الحديث، بحسب ما أفاد، الجمعة، مرصد «كوبرنيكوس» الأوروبي. وكما كان متوقعاً منذ أشهر عدة، وأصبح مؤكَّداً من خلال درجات الحرارة حتى 31 ديسمبر (كانون الأول)، يُشكّل 2024 العام الأكثر حرّاً على الإطلاق منذ بدء الإحصاءات سنة 1850، بحسب ما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن مرصد «كوبرنيكوس» الأوروبي. ومن غير المتوقع أن يكون 2025 عاماً قياسياً، لكنّ هيئة الأرصاد الجوية البريطانية حذّرت من أن هذه السنة يُفترض أن تكون من الأعوام الثلاثة الأكثر حراً على الأرض.

اتفاقية باريس

وسنة 2025، العام الذي يعود فيه دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، يتعيّن على الدول أن تعلن عن خرائط الطريق المناخي الجديدة، التي تُحَدَّث كل خمس سنوات في إطار اتفاقية باريس. لكن خفض انبعاث الغازات الدفيئة المسبّبة للاحترار يتعثر في بعض الدول الغنية؛ إذ لم تستطع الولايات المتحدة مثلاً خفض هذا المعدّل سوى بـ0.2 في المائة في العام الماضي، بحسب تقرير «كوبرنيكوس». ووفق المرصد، وحده عام 2024 وكذلك متوسط عامي 2023 و2024، تخطى عتبة 1.5 درجة مئوية من الاحترار، مقارنة بعصر ما قبل الصناعة، قبل أن يؤدي الاستخدام المكثف للفحم والنفط والغاز الأحفوري إلى تغيير المناخ بشكل كبير.

احترار المحيطات

خلف هذه الأرقام، ثمّة سلسلة من الكوارث التي تفاقمت بسبب التغير المناخي؛ إذ طالت فيضانات تاريخية غرب أفريقيا ووسطها، وأعاصير عنيفة في الولايات المتحدة ومنطقة البحر الكاريبي. وتطال الحرائق حالياً لوس أنجليس، وهي «الأكثر تدميراً» في تاريخ كاليفورنيا، على حد تعبير الرئيس جو بايدن.

قال علماء إن عام 2024 كان أول عام كامل تتجاوز فيه درجات الحرارة العالمية عتبة 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة (أ.ب)

اقتصادياً، تسببت الكوارث الطبيعية في خسائر بقيمة 320 مليار دولار في مختلف أنحاء العالم خلال العام الماضي، بحسب ما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن شركة «ميونيخ ري» لإعادة التأمين. من شأن احتواء الاحترار عند عتبة 1.5 درجة مئوية بدلاً من درجتين مئويتين، وهو الحد الأعلى الذي حدّدته اتفاقية باريس، أن يحدّ بشكل كبير من عواقبه الأكثر كارثية، بحسب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي. وتقول نائبة رئيس خدمة التغير المناخي (C3S) في «كوبرنيكوس»، سامانثا بيرجس: «إنّ كل سنة من العقد الماضي كانت أحد الأعوام العشرة الأكثر حرّاً على الإطلاق».

ويستمرّ الاحترار في المحيطات، التي تمتصّ 90 في المائة من الحرارة الزائدة الناجمة عن الأنشطة البشرية. وقد وصل المتوسّط السنوي لدرجات حرارة سطح المحيطات، باستثناء المناطق القطبية، إلى مستوى غير مسبوق مع 20.87 درجة مئوية، متجاوزاً الرقم القياسي لعام 2023.

«النينيا»

التهمت حرائق غابات الأمازون في شمال البرازيل سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

بالإضافة إلى التأثيرات المباشرة لموجات الحرّ البحرية على الشعاب المرجانية أو الأسماك، يُؤثّر الاحترار الدائم للمحيطات على التيارات البحرية والجوية. وتطلق البحار التي باتت أكثر احتراراً مزيداً من بخار الماء في الغلاف الجوي، مما يوفر طاقة إضافية للأعاصير أو العواصف. ويشير مرصد «كوبرنيكوس» إلى أن مستوى بخار الماء في الغلاف الجوي وصل إلى مستوى قياسي في عام 2024؛ إذ تجاوز متوسطه لفترة 1991 - 2020 بنحو 5 في المائة. وشهد العام الماضي انتهاء ظاهرة «النينيو» الطبيعية التي تتسبب بالاحترار وبتفاقم بعض الظواهر المتطرفة، وبانتقال نحو ظروف محايدة أو ظاهرة «النينيا» المعاكسة. وكانت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية حذرت في ديسمبر من أنّ ظاهرة «النينيا» ستكون «قصيرة ومنخفضة الشدة»، وغير كافية لتعويض آثار الاحترار العالمي.