سجّل يوم الأحد الماضي ذكرى مرور 75 عاماً على ولادة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر (كانون الأول) 1948؛ الإعلان الذي شكّل وثيقة تاريخية صاغها ممثلون ذوو خلفيات قانونية وثقافية مختلفة من جميع مناطق العالم، وأصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في باريس، ليشكّل حجر أساسٍ للنظام الدولي الذي نشأ في أعقاب أهوال الحرب العالمية الثانية.
شكّل الإعلان، للمرة الأولى، معياراً عالمياً مشتركاً حدد حقوق الإنسان الأساسية الواجب حمايتها عالمياً. تمت ترجمته إلى أكثر من 500 لغة، وهو الوثيقة الأكثر ترجمةً حول العالم. ألهم هذا الإعلان ومهّد الطريق لاعتماد أكثر من 70 معاهدة لحقوق الإنسان يتم تطبيقها اليوم على المستويين العالمي والإقليمي.
مضمونه
يتألف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من مقدّمة و30 مادة، تحتوي هذه المواد قائمة بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الرئيسية. ولا تزال الحقوق التي نصَّ عليها الإعلان تشكِّل أساس القانون الدولي لحقوق الإنسان. ولا يزال الإعلان اليوم يمثل وثيقة حية.
في مقدمته، يعترف الإعلان العالمي بأن «الكرامة المتأصلة لجميع أعضاء الأسرة البشرية هي أساس الحرية والعدالة والسلام في العالم». ويعلن أن حقوق الإنسان عالمية، وأنها وُضعت ليتمتع بها جميع الناس، بغض النظر عن هويتهم أو المكان الذين يعيشون فيه.
ويتضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الحقوق المدنية والسياسية، مثل الحق في الحياة والحرية وحرية التعبير والخصوصية. ويشمل أيضاً الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مثل الحق في الضمان الاجتماعي والصحة والتعليم.
أهدافه
وُضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليكون المثل الأعلى المشترك الذي يجب أن تبلغه جميع الشعوب والأمم، كما جاء في مقدّمته، لأن تجاهل حقوق الإنسان وازدراءها قد أفضيا إلى أعمال أثارت بربريتها الضمير الإنساني، وكان البشر قد نادوا ببزوغ عالم يتمتعون فيه بحرّية القول والعقيدة وبالتحرر من الخوف والفاقة، كأسمى ما ترنو إليه نفوسهم. والهدف من الإعلان كذلك أن تتمتع حقوق الإنسان بحماية النظام القانوني، ولتنمية العلاقات الودية بين الأمم، وتحقيق المساواة في الحقوق بين الرجال والنساء.
ظروف وضعه
وُضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعد ثلاث سنوات من انتصار الحلفاء على النازيين في الحرب العالمية الثانية، وقد ولد هذا الإعلان من شعور لدى كبار زعماء سياسيين في العالم، بأن أهوال الحربين العالميتين وأهوال المحرقة ضد اليهود (الهولوكوست) لا يجب أن تحدث مجدداً.
ففي وثيقة تأسيس الأمم المتحدة عام 1945، قررت الدول رسم ما تسميه الأمم المتحدة «خريطة الطريق» لضمان حقوق كل فرد، وفق وكالة «أسوشييتد برس».
والإعلان هو المرة الأولى التي تتفق فيها البلدان على حماية الحقوق والحريات الأساسية على نطاق عالمي، لجميع الناس، بإعلان موحّد، حسب موقع «صوت أميركا» الأميركي.
أنشأت الجمعية العامة الأولى للأمم المتحدة لجنة لحقوق الإنسان في عام 1946 - وتألفت من 18 عضواً من خلفيات سياسية وثقافية ودينية مختلفة - للعمل على ميثاق دولي للحقوق.
اجتمعت لجنة صياغة الميثاق لأول مرة عام 1947 برئاسة إليانور روزفلت، أرملة الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، وأقرّته الجمعية العامة للأمم المتحدة في باريس في 10 ديسمبر 1948، بقرار الجمعية العامة رقم «217 أ».
مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مستوحاة بشكل خاص من المبادئ الواردة في إعلان استقلال الولايات المتحدة عام 1776، وإعلان فرنسا لحقوق الإنسان والمواطن عام 1789.
لعبت العديد من النساء أدواراً رئيسية في صياغة الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، بالتحديد هانسا ميهتا، المدافعة المتحمسة عن حقوق المرأة في الهند وخارجها، إذ يعود لها بشكل كبير الفضل في تغيير المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من «يولد جميع الرجال أحراراً ومتساوين» إلى عبارة «يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين» التي اعتُمدت في نص هذا الميثاق العالمي.
واضعو الميثاق
اعتُبر الحقوقي الفرنسي رينيه كاسان في البداية المؤلف الرئيسي للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفق موسوعة «بريتانيكا».
لكن من الثابت الآن أنه على الرغم من أنه لا يمكن لأي فرد أن يدعي كتابة هذه الوثيقة، فإن جون همفري، أستاذ القانون الكندي ومدير حقوق الإنسان بالأمانة العامة للأمم المتحدة، هو من قام بتأليف المسودة الأولى لهذه الوثيقة. كما كان لإليانور روزفلت السيدة الأميركية الأولى السابقة أرملة الرئيس الأميركي الراحل فرانكلين روزفلت دور فعال في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (كانت تشغل آنذاك منصب رئيسة لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة)، وتشانغ بينغ تشون، كاتب مسرحي وفيلسوف ودبلوماسي صيني، وشارل حبيب مالك، الفيلسوف والدبلوماسي اللبناني.
تكمن مساهمة همفري الرئيسية في إنتاج المسودة الأولى الشاملة للإعلان، وكان كاسان لاعباً رئيسياً في المداولات التي جرت خلال الدورات الثلاث للجنة، بالإضافة إلى الدورات التي عقدتها الهيئة الفرعية للصياغة التابعة للجنة. وفي وقت تزايدت فيه التوترات بين الشرق والغرب، استخدمت السيدة روزفلت مكانتها الكبيرة ومصداقيتها لتوجيه عملية الصياغة نحو استكمالها بنجاح. وقد برع تشانغ في التوصل إلى حلول عندما بدت أعمال اللجنة بطريق مسدود. وساهم اللبناني شارل مالك، الذي كانت فلسفته متجذرة بقوة في القانون الطبيعي، كقوة رئيسية في المناقشات التي دارت حول الأحكام الرئيسية للإعلان العالمي، ولعب مالك أيضاً دوراً حاسماً في توضيح وتنقيح القضايا المفاهيمية الأساسية.
هل الإعلان العالمي ملزم قانوناً؟
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليس معاهدة، لذا فهو لا تترتب عليه بشكل مباشر التزامات قانونية على الدول. ومع ذلك، فهو تعبير عن القيم الأساسية التي يتشاركها جميع أعضاء المجتمع الدولي. وكان للإعلان تأثير عميق على تطور القانون الدولي لحقوق الإنسان. ويرى البعض أنه نظراً لاستمرار الدول في استحضار الإعلان منذ إصداره، فقد أصبح ملزماً كجزء من القانون الدولي العرفي، وفق موقع «اللجنة الأسترالية لحقوق الإنسان».
وأدى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى ظهور مجموعة من الاتفاقيات الدولية الأخرى التي وسّعت هيكل القانون الدولي لحقوق الإنسان، وهي اتفاقيات مستمدّة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وملزمة قانوناً للدول التي صدّقت عليها. أبرز هذه الاتفاقيات:
- «العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية» (ICCPR) سنة 1966.
- «العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية» (ICESCR) سنة 1966.
- «اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري» (عام 1965).
- «اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة» (عام 1979).
- «اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة» (عام 1984).
- «اتفاقية حقوق الطفل» (عام 1989).
- «اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة» (عام 2006).
أبرز الحقوق في الإعلان العالمي
في ما يلي أبرز الحقوق التي نص عليها "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان":
- يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق.
- لكلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الخلفية الوطنية أو الاجتماعية، أو بسبب الرأي السياسي وغير السياسي، أو بسبب مكان الولادة.
- لكلِّ فرد الحقُّ في الحياة والحرِّية وفي الأمان على شخصه.
- لا يجوز استرقاقُ أحد أو استعبادُه.
- الناسُ جميعاً سواءٌ أمام القانون.
- لا يجوز اعتقالُ أيِّ إنسان أو حجزُه أو نفيُه تعسُّفاً.
- كلُّ شخص متَّهم بجريمة يُعتبَر بريئاً إلى أن يثبت ارتكابُه لها قانوناً.
- لا يجوز تعريضُ أحد لتدخُّل تعسُّفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمسُّ شرفه وسمعته.
- لكلِّ فرد حقٌّ في حرِّية التنقل وفي اختيار محلِّ إقامته داخل حدود الدولة.
- لكلِّ فرد حق التماس ملجأ في بلدان أخرى.
- للرجل والمرأة، متى أدركا سنَّ البلوغ، حقُّ التزوّج وتأسيس أسرة. وهما متساويان في الحقوق لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله.
- لكلِّ شخص حقٌّ في حرِّية الفكر والوجدان والدِّين.
- لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير.
- لكلِّ شخص حقُّ المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، وحقُّ تقلُّد الوظائف العامَّة في بلده.
- لكلِّ شخص حقُّ العمل، والحقُّ في أجٍر متساوٍ على العمل المتساوي وفي الحماية من البطالة وحقُّ إنشاء النقابات مع آخرين والانضمام إليها.
- لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية.
- لكلِّ شخص حقٌّ في التعليم.
- لكلِّ فرد حقُّ التمتُّع بنظام اجتماعي ودولي يمكن أن تتحقَّق في ظلِّه الحقوق والحريات المنصوص عليها.