روسيا تعوّل على تراجع الدعم الغربي لأوكرانيا... وتترقّب فُرص مكاسب ميدانية

عنصر في الجيش الأوكراني في لواء المدفعية الخامس والخمسين يحمل قذيفة لمدفع هاوتزر ذاتي الحركة من طراز «قيصر» قبل إطلاق النار على القوات الروسية، وسط الغزو الروسي لأوكرانيا، بالقرب من بلدة أفدييفكا في منطقة دونيتسك، أوكرانيا في 31 مايو 2023 (رويترز)
عنصر في الجيش الأوكراني في لواء المدفعية الخامس والخمسين يحمل قذيفة لمدفع هاوتزر ذاتي الحركة من طراز «قيصر» قبل إطلاق النار على القوات الروسية، وسط الغزو الروسي لأوكرانيا، بالقرب من بلدة أفدييفكا في منطقة دونيتسك، أوكرانيا في 31 مايو 2023 (رويترز)
TT

روسيا تعوّل على تراجع الدعم الغربي لأوكرانيا... وتترقّب فُرص مكاسب ميدانية

عنصر في الجيش الأوكراني في لواء المدفعية الخامس والخمسين يحمل قذيفة لمدفع هاوتزر ذاتي الحركة من طراز «قيصر» قبل إطلاق النار على القوات الروسية، وسط الغزو الروسي لأوكرانيا، بالقرب من بلدة أفدييفكا في منطقة دونيتسك، أوكرانيا في 31 مايو 2023 (رويترز)
عنصر في الجيش الأوكراني في لواء المدفعية الخامس والخمسين يحمل قذيفة لمدفع هاوتزر ذاتي الحركة من طراز «قيصر» قبل إطلاق النار على القوات الروسية، وسط الغزو الروسي لأوكرانيا، بالقرب من بلدة أفدييفكا في منطقة دونيتسك، أوكرانيا في 31 مايو 2023 (رويترز)

في حين قدّرت مصادر بحثية أن المساعدات الغربية لأوكرانيا بلغت أدنى مستوى لها منذ الاجتياح الروسي في فبراير (شباط) 2022، يترقب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فرصته في محاولة ليحقق انتصارات في الميدان الأوكراني.

 

وقد حذّرت كييف الأربعاء، قادة الدول الأعضاء في مجموعة السبع، بأن موسكو تعوّل على «انهيار» الدعم الغربي لها، مع مضاعفة الجيش الروسي «ضغطه بشكل كبير» على الجبهة.

عنصر من الجيش الأوكراني في آلية عسكرية بالقرب من العاصمة الأوكرانية كييف، وسط الغزو الروسي لأوكرانيا الخميس 31 مارس 2022 (أ.ب)

تراجع وتيرة المساعدات الغربية لكييف

أفاد معهد «كييل» الألماني للبحوث، الخميس، بأن وتيرة الوعود الغربية بمنح أوكرانيا مساعدات جديدة (عسكرية ومالية)، تباطأت بشكل ملحوظ على خلفية خلافات سياسية، في أوروبا والولايات المتحدة، وأيضاً لأسباب ميدانية، بسبب تعثر الهجوم المضاد الأوكراني الذي بدأ في يونيو (حزيران) الماضي، وكانت الدول الحليفة تعوّل عليه كثيراً لإحداث نقلة نوعية في المعارك على الجبهة ضد القوات الروسية.

وأشار المعهد إلى أن وعود المساعدات الغربية الجديدة لأوكرانيا هي في أدنى مستوياتها منذ بداية الغزو الروسي.

جنود أوكرانيون يتفقدون مركبتهم القتالية المدرعة للمشاة CV90 السويدية الصنع في موقع يشير إلى اتجاه مدينة باخموت في منطقة دونيتسك الأوكرانية في 27 نوفمبر 2023، وسط الغزو الروسي لأوكرانيا (أ.ف.ب)

كما أنه مع اندلاع الحرب بين إسرائيل و«حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تراجعت أخبار الحرب الروسية في أوكرانيا من شاشات الرادارات لصالح الحرب في الشرق الأوسط.

وقال معهد «كييل»، الذي يحصي المساعدات العسكرية والمالية والإنسانية التي تم التعهد بها وتسليمها إلى أوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا قبل ما يقارب 22 شهراً «تشهد دينامية دعم أوكرانيا تباطؤاً. بلغت التعهدات بالمساعدات أدنى مستوياتها بين أغسطس (آب) وأكتوبر 2023، بانخفاض قدره 90 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها في عام 2022».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حفل تقديم ميداليات في قاعة سانت جورج ﺑ«قصر الكرملين الكبير»، في موسكو، روسيا، الجمعة 8 ديسمبر 2023 (د.ب.أ)

بوتين يستعد لاغتنام الفرصة

يراقب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشدة تراجع الدعم الغربي لأوكرانيا في مشهد يراه فرصة لتحقيق فوز في أوكرانيا. الظروف ملائمة لبوتين، وفق شبكة «سي إن إن» الأميركية. زعيم «فاغنر» يفغيني بريغوجين قُتل مع كبار شخصيات «فاغنر» الأخرى في حادث تحطم طائرة غامض. موسكو غنية بأموال النفط. المجنّدون من سجونها يملأون الخنادق بوقود مدافع لا ينضب على ما يبدو. عادت المؤسسة العسكرية الروسية للوقوف على قدميها، ونجحت إلى حدٍ كبير حتى الآن في صد الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا. يُضاف إلى ذلك، التكلفة التي أنفقها حلف شمال الأطلسي (الناتو) بدفعه المليارات من الدولارات على التدريب والأسلحة التي خُصصت للجيش الأوكراني.

الرئيس الأميركي جو بايدن يلقي كلمة في مركز كاربنترز الدولي للتدريب في لاس فيغاس، نيفادا، في 8 ديسمبر 2023 (أ.ف.ب)

خلافات أميركية حول دعم أوكرانيا

يعوّل الرئيس الروسي لتحقيق تقدم في حربه ضد أوكرانيا، على تراجع الدعم الأميركي الكبير في العتاد العسكري والتمويل، نتيجة الخلافات السياسية في الداخل الأميركي بين الجمهوريين والديمقراطيين. كما أن احتمال فوز الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية العام المقبل وعودته إلى البيت الأبيض، قد تزيد من صعوبة الموقف بالنسبة لأوكرانيا، حيث عُرف عن ترمب مواقف سابقة تعترض على استمرار دعم الولايات المتحدة الكبير لأوكرانيا البعيدة عن البر الأميركي، مقابل اتهامه دول الاتحاد الأوروبي بعدم تقديم ما يكفي من المساعدات في حرب (في أوكرانيا) قريبة من حدود دول الاتحاد.

ومنع الجمهوريون في مجلس الشيوخ الأميركي تقديم حزمة تشريعية تتضمن 60 مليار دولار من المساعدات لأوكرانيا مساء الأربعاء، وسط مواجهة مع الديمقراطيين بشأن الحدود الأميركية وسياسة الهجرة.

الرئيس الأميركي جو بايدن يلتقي بنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، الخميس 21 سبتمبر 2023، في العاصمة الأميركية واشنطن (أ.ب)

وفي محاولة لكسر الجمود في ملف الحزمة التشريعية لأوكرانيا، ناشد الرئيس الأميركي جو بايدن، في وقت سابق من الأربعاء، الكونغرس بعدم السماح «للسياسات الحزبية التافهة» بأن تقف في طريق المساعدات المقدمة إلى كييف. وقال الرئيس: «سيحكم التاريخ بقسوة على أولئك الذين أداروا ظهورهم لقضية الحرية»، مضيفاً: «لا يمكننا أن نسمح لبوتين بالفوز».

وكثيراً ما يوصف إحجام الكونغرس عن تقديم المساعدات المطلوبة لأوكرانيا على أنه شعور بالقلق من جانب الجمهوريين، الذين لا يريدون جر الولايات المتحدة إلى صراع جديد، في حين أن المقصود من المساعدات الأميركية بشكل خاص، وفق السياسيين الأميركيين المدافعين عن المساعدات الأميركية لأوكرانيا، هو منع جر الولايات المتحدة إلى صراع مباشر مع روسيا. فضمان قدرة أوكرانيا على الاستمرار في قتال موسكو، بدلاً من السماح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتقدم بالقرب من حدود دول الناتو بما يكفي، هو كي لا تضطر الولايات المتحدة إلى القتال لصالح حلفائها بنفسها، وليس عبر الوكالة كما هو الحال - منذ بدء الغزو الروسي في 24 فبراير وحتى اليوم - بمساعدتها أوكرانيا في الدفاع عن نفسها بوجه الغزو الروسي.

مبنى الكونغرس في العاصمة الأميركية واشنطن، 04 ديسمبر 2023. حث البيت الأبيض الكونغرس على تمويل المزيد من المساعدات لأوكرانيا قبل نفاد تمويل المساعدات في نهاية عام 2023 (إ.ب.أ)

ووفق صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية ينتقد مسؤولون أميركيون الهجوم الأوكراني المضاد. وقد شرح هؤلاء للصحيفة دون أن يذكروا أسماءهم، أن كييف تحركت متأخرة للغاية في هجومها المضاد، أو أنها لم تستمع إلا قليلاً لنصائح الحلفاء.

ويتصاعد القلق في أوساط قادة أبرز حليفين للولايات المتحدة؛ الاتحاد الأوروبي وكندا، فضلاً عن أوكرانيا، من احتمال أن تكون عودة ترمب إلى سدة الرئاسة الأميركية ضربة خطيرة لهم، سواء على المستوى الاقتصادي أو على الدعم العسكري والمالي الأميركي لأوكرانيا.

الرئيس الأميركي السابق والمرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترمب يتحدث خلال تجمع انتخابي لحملته الرئاسية لعام 2024 في دوبوك بولاية أيوا بالولايات المتحدة، في 20 سبتمبر 2023 (رويترز)

عبّر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب عن أسباب رفضه مواصلة دعم أوكرانيا، حين قال في مقابلة سابقة: «أريد من أوروبا أن تقدم مزيداً من الأموال... هم يعتقدون أننا حمقى. نحن ننفق 170 مليار دولار على أراضٍ بعيدة (في إشارة إلى مساهمة واشنطن في تمويل أوكرانيا)، وهم مجاورون لتلك الأرض مباشرة. لا أعتقد أن ذلك سوف يستمر». علماً أن الرقم الفعلي لقيمة المساعدات الأميركية بلغ نحو 70 مليار دولار منذ بدء الاجتياح الروسي للبلاد في فبراير 2022، وفق تقرير صدر أمس الجمعة ﻟ«مجلس العلاقات الدولية» - وهو معهد دراسات مركزه مدينة نيويورك - وتبقى الولايات المتحدة حتى الآن الدولة الأكثر إنفاقاً بين حلفاء أوكرانيا في دعم كييف في مواجهتها الغزو الروسي.

ويرى مراسل الأمن الدولي لشبكة «سي إن إن» في لندن نيك باتون والش، أن فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، إذا تحقق العام المقبل، من شأنه أن يشكّل تهديداً للأمن القومي الأوروبي، حيث سيكون ترمب رئيساً أميركياً لديه ولع لا يمكن تفسيره برئيس الكرملين.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة مجموعة العشرين في مدينة هامبورغ، ألمانيا، في 7 يوليو 2017 (أ.ب)

تراجع الدعم الأوروبي

بدأت الوحدة الأوروبية الداعمة لأوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي، التي كانت ملحوظة للغاية طيلة الأشهر الواحدة والعشرين الأولى من الحدث الأكثر أهمية في أوروبا منذ سقوط سور برلين عام 1989، تظهر عليها علامات الانقسام والتبدد، وفق شبكة «سي إن إن» الأميركية.

أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف خارج مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل، بلجيكا، 1 مارس 2023 (رويترز)

وبينما اتخذت الأقلية الترمبية في الولايات المتحدة المساعدات المقدمة لأوكرانيا رهينة برفضها وضع مساعدات لأوكرانيا على جدول الأعمال، يواجه الاتحاد الأوروبي خطر استخدام حق النقض من قبل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي يريد إلغاء برمجة المناقشة للتصويت على المساعدة المقدمة إلى أوكرانيا في المجلس الأوروبي، حسب تقرير لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية الخميس.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان خلال اجتماع قبل منتدى «الحزام والطريق» في بكين عاصمة الصين، في 17 أكتوبر 2023 (رويترز)

وقد أدرك القادة الأوروبيون، بحسب تقرير «لوفيغارو»، أنهم لا يستطيعون الوفاء بوعدهم بتقديم مليون ذخيرة مدفعية إلى أوكرانيا قبل الربيع. ولم يزود الاتحاد الأوروبي حتى الآن سوى 300 ألف قطعة مدفعية لكييف. وعلى الرغم من أن قدرات الإنتاج الأوروبية زادت بنسبة 20 إلى 30 في المائة منذ الغزو الروسي، فإن تنفيذ الطلبيات بطيء.

يعوّل بوتين أيضاً على أن تدفع أوروبا بكييف نحو المفاوضات مع روسيا سعياً إلى التهدئة، رغم أن معظم القادة الغربيين يدركون تماماً أنه لا يمكن الوثوق ببوتين، حسب «سي إن إن»، ويرون أن موسكو تستخدم الدبلوماسية خدعةً لتحقيق أهدافها العسكرية، إذ يتوقع هؤلاء أن يستمر بوتين بأي اتفاق سلام لفترة كافية تسمح له بإعادة تجهيز جيشه ثم العودة لأخذ المزيد من أوكرانيا.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (الثاني من اليمين) ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال (الثاني من اليسار) يحضران اجتماعاً في كييف، أوكرانيا، 21 نوفمبر 2023. يتزامن تاريخ اللقاء مع «يوم الكرامة والحرية» والذكرى العاشرة لثورة الميدان الأوروبي (في أوكرانيا) في 21 نوفمبر 2013 (إ.ب.أ)

وبينما تترقّب روسيا محاوِلةً الاستفادة من تراجع في الدعم الغربي لأوكرانيا، كيف تبدو اليوم ملامح جبهات القتال في الميدان الأوكراني - أي في الساحة، التي ستُحدّد فيها إلى حدٍ كبير نتيجة الحرب - بعد ما يقرب من عام وعشرة أشهر على الغزو الروسي؟

جبهات الميدان الأوكراني

بعد ستة أشهر من شن أوكرانيا هجومها المضاد (في يونيو 2023) لاستعادة الأراضي التي احتلتها روسيا بغزوها للبلاد منذ 24 فبراير 2022، لم تتمكّن القوات الأوكرانية من إحراز تقدّم ميداني كبير كانت تطمح لتحقيقه، وكذلك فشلت القوات الروسية في إحراز انتصار ميداني. وفيما دخلت البلاد فصل الشتاء، تبدو الحرب بين الطرفين أنها دخلت في مرحلة جمود.

جنود أوكرانيون من فرقة «اعتراض مسيرات» يلتقطون صورة مع سيرغي ناييف (الثالث من اليسار) قائد القوات المشتركة في أوكرانيا، يحملون طائرة مسيرة روسية مطلية باللون الأسود تم إسقاطها... يقف الجنود بجوار دبابة ألمانية من طراز «غيبارد» مضادة للطائرات، في ضواحي كييف، في 30 نوفمبر 2023 (أ.ف.ب)

في الجبهة الجنوبية، حققت أوكرانيا تقدماً على الضفة اليسرى لنهر دنيبرو في محاولة منها لإنشاء رأس جسر، وللتهديد بمهاجمة الوجود الروسي في شبه جزيرة القرم من جهة الغرب. في المقابل، وعلى هذه الجبهة أيضاً، تتعرض مدينة خيرسون الأوكرانية - التي استعادتها كييف في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 في هجومها المضاد - لقصف روسي يومي.

صورة من مقطع فيديو نشرته سابقاً وزارة الدفاع الروسية يُظهر عدداً من الجنود الروس ومعهم معدات عسكرية استولوا عليها خلال المعارك في أوكرانيا (سبوتنيك)

وفي الوسط، لم تتغير الخطوط الأمامية إلى الجنوب من زابوريجيا، التي كانت لأشهر عدة محور التركيز الرئيسي للهجمات الأوكرانية باتجاه مدينة ميليتوبول، في محاولة لقطع اتصال البر الرئيسي الروسي بشبه جزيرة القرم، الذي ضمته روسيا من طرف واحد سنة 2014. ومن المتوقّع أن يُبطئ الشتاء القادم بثلوجه، القتال بشكل أكبر في هذه الجبهة.

صورة غير مؤرخة لجنود روس وسط مدينة أرتيموفسك (باخموت)، وسط الصراع في أوكرانيا (سبوتنيك)

وفي الشرق، روسيا تحاصر أفدييفكا، هذه البلدة التي رغم أنها ذات قيمة استراتيجية قليلة، تسعى روسيا لتحقيق انتصار فيها لتكون بالتالي رمزاً لانتصار لها رغم تكبدها خسائر كبيرة في هجومها على هذه البلدة. تحاصر القوات الروسية المدينة ببطء، مثلما فعلت مع مدينة باخموت في وقت سابق من هذا العام.

جنود أوكرانيون يقفون على دباباتهم بالقرب من بلدة باخموت على الخطوط الأمامية، وسط الهجوم الروسي على أوكرانيا، في منطقة دونيتسك، شرق أوكرانيا، في 13 يناير 2023 (رويترز)

الأسلحة الغربية لصد التقدّم الروسي

بحسب «معهد دراسة الحرب» (مركزه واشنطن)، تمتلك الترسانات الغربية الأسلحة اللازمة لمواجهة كل التحديات التي تواجه المقاتلين في أوكرانيا تقريباً، لكن تعبئة روسيا الكاملة لاقتصادها ومجتمعها للحرب يمكن أن تؤدي إلى الموازنة مع الغرب رغم القيود التكنولوجية التي تعانيها روسيا.

عنصر في الجيش الأوكراني في لواء المدفعية الخامس والخمسين يحمل قذيفة لمدفع هاوتزر ذاتي الحركة من طراز «قيصر» قبل إطلاق النار على القوات الروسية، وسط الغزو الروسي لأوكرانيا، بالقرب من بلدة أفدييفكا في منطقة دونيتسك، أوكرانيا في 31 مايو 2023 (رويترز)

وتبقى قدرة أوكرانيا على منع القوات الروسية من شن مناورات بآليات حربية واسعة النطاق، تظل تعتمد في المقام الأول، على استمرار تقديم المساعدات الغربية لكييف بالحجم الكبير الذي شهدته هذه المساعدات منذ بدء الغزو الروسي للبلاد. وتعتمد أوكرانيا بشكل خاص على المساعدات الغربية في أنظمة الدفاع الجوي والمدفعية والأنظمة المضادة للدروع، وهي متطلبات وجودية لأوكرانيا التي لا تستطيع أن تصنع أو تحصل على ما يكفي من هذه الأنظمة بمفردها لمنع المؤسسة العسكرية الروسية من استعادة القدرة على القيام بعمليات هجومية ميكانيكية على نطاق واسع، وشن الهجمات على المدن الأوكرانية.

 


مقالات ذات صلة

روسيا: تصرف «الناتو» بحكمة قد يمنع دمار الكوكب

أوروبا الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف (أ.ب)

روسيا: تصرف «الناتو» بحكمة قد يمنع دمار الكوكب

قال الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف إن انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو سيكون إعلان حرب على موسكو وإن إظهار الحلف الحكمة هو فقط ما قد يمنع دمار الكوكب.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ينتقد الولايات المتحدة بشكل مباشر (رويترز)

أوكرانيا وخمسون دولة أخرى تندد بـ«نفاق» روسيا

ندّدت أوكرانيا ونحو خمسين دولة أخرى اليوم بـ«نفاق» روسيا التي ترأس وزير خارجيتها اجتماعاً لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حول التعددية لإرساء عالم أكثر عدلاً.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا روسيا تجنّد 250 ألف مجند كل عام ويتعين عليهم أداء الخدمة العسكرية لمدة سنة (رويترز)

لندن: موسكو تعتزم منع هجرة المجندين المحتملين

أعلنت وزارة الدفاع البريطانية أن الكرملين يستعد لمنع المجندين المحتملين من مغادرة روسيا.

«الشرق الأوسط» (لندن - موسكو)
أوروبا تسعى أوكرانيا إلى تقليص اعتمادها على المساعدات العسكرية الغربية (رويترز)

كييف وبراغ توقّعان اتفاقاً بشأن إنتاج بنادق وذخيرة في أوكرانيا

اتّفقت أوكرانيا والتشيك على بدء إنتاج مشترك للبنادق الهجومية ومكوّنات ذخيرة على الأراضي الأوكرانية، وفق ما أعلن رئيسا حكومتي البلدين اليوم الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (براغ)
أوروبا روسيا تطالب «غوغل» برفع الحجب عن أكثر من 200 قناة روسية على «يوتيوب» (رويترز)

موسكو تطالب «غوغل» برفع حجب مفروض على قنوات روسية على «يوتيوب»

طالبت روسيا، اليوم الثلاثاء، «غوغل» برفع حجب تفرضه المجموعة الأميركية على أكثر من 200 قناة روسية على منصة «يوتيوب» بسبب نشر محتوى مؤيد للكرملين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

طائرات مقاتلة من الجيل السادس لضمان التفوق الجوي الأميركي لعقود مقبلة

طائرات مقاتلة من الجيل السادس لضمان التفوق الجوي الأميركي لعقود مقبلة
TT

طائرات مقاتلة من الجيل السادس لضمان التفوق الجوي الأميركي لعقود مقبلة

طائرات مقاتلة من الجيل السادس لضمان التفوق الجوي الأميركي لعقود مقبلة

التوترات وانعدام الثقة بين واشنطن وبكين لن ينحسرا في أي وقت قريب؛ ولهذا، يستعد الجيش الأميركي لأسوأ سيناريو في حالة نشوب صراع مسلح في منطقة المحيطين الهندي والهادي.

رسم تخيلي لتصاميم طائرات برنامج الجيل التالي للهيمنة الجوية (NGAD) الأميركية

برنامج للهيمنة الجوية

وكتب وايلدر أليخاندرو سانشيزو (*) أن هذه الاستعدادات تشمل تحديث مخزون القوات المسلحة. وبالنسبة لسلاح الجو الأميركي (USAF)، فإن برنامج الجيل التالي المهم للهيمنة الجوية (NGAD)، الذي يهدف إلى بناء طائرة مقاتلة من الجيل السادس يمكنها ضمان التفوق الجوي لعقود مقبلة، هو حجر الزاوية في جهود التحديث هذه. ومن الأهمية بمكان بالنسبة لواشنطن أن سلاح الجو الأميركي لن يكون الجهة الوحيدة عبر منطقة المحيطين الهندي والهادي التي ستحصل على طائرات مقاتلة جديدة.

ويتفحص الخصوم والحلفاء المناقشات التي لا تعد ولا تحصى بشأن المشتريات العسكرية في العاصمة الأميركية. إذ يعمل خصوم الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادي بالفعل على تصاميم لطائراتهم المقاتلة من الجيل التالي.

تحديثات صينية وروسية

يعمل سلاح الجو لجيش التحرير الشعبي الصيني على تطوير طائرة حربية من الجيل السادس. وكما كتب ريك جو مؤخراً في مجلة «ذا دبلومات» (The Diplomat)، فإن الطائرة الجديدة يمكن أن تدخل الخدمة بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي. وتحرص موسكو على إظهار أنه على الرغم من عامين من الحرب والعقوبات الدولية، فإن صناعتها الدفاعية لا تزال فعالة.

وتعمل روسيا على تطوير طائرة مقاتلة من الجيل السادس، تسمى مقاتلة «ميكويان- ميغ 41» (Mikoyan MiG-41) أو «المجمع الجوي المحتمل للاعتراض طويل المدى» (PAK DP, ПАК ДП). إلا أن التفاصيل الموثوقة شحيحة، كما أن الحرب مع أوكرانيا تعرقل إنتاج طائرات «ميغ - 41». وتشير تقارير وسائل الإعلام إلى أنه من المتوقع أن تتم الرحلة الأولى لها في عام 2025، ويمكن أن يبدأ الإنتاج بحلول نهاية العقد.

تصاميم حلفاء أميركا

بالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة وشركائها، يعد الموقف الاستراتيجي لواشنطن وسياسة المشتريات بمثابة اعتبارات وجودية. فاليابان جزء من برنامج المقاتلة الشبح «تيمبيست» (Tempest)، وهو برنامج مشترك بين لندن وروما وطوكيو. وأعلنت إدارة برنامج الاستحواذ الدفاعي في كوريا الجنوبية (DAPA) عن بدء بناء أسطول من الطائرات المقاتلة (KAI KF-21 Boramae).

وتشتري اليابان وكوريا الجنوبية أيضاً طائرة «Lockheed إف-35 Lightning II» الحربية من الجيل الخامس - ووافقت وزارة الخارجية الأميركية على بيع 25 طائرة حربية من طراز «إف - 35» (F35) لكوريا الجنوبية في عام 2023. وأخيراً، تقوم شركة تطوير صناعة الطيران التايوانية (AIDC) بتطوير الطائرة الحربية المقاتلة الدفاعية المتقدمة (ADF).

تصاميم هندية

الهند، التي لديها شراكة معقدة مع واشنطن، على الرغم من كراهيتها للصين وعلاقاتها الوثيقة مع موسكو، تفكر أيضاً في طائرات حربية من الجيل التالي. ستقوم شركة «هندوستان» للملاحة الجوية المحدودة (HAL) المملوكة للدولة بتصنيع طائرة حربية من الجيل الخامس للقوات المسلحة، وهي الطائرة القتالية المتوسطة المتقدمة (AMCA). علاوة على ذلك، في يناير (كانون الثاني) الماضي، زار وفد بقيادة وزير الدفاع راجناث سينغ المملكة المتحدة، الأمر الذي أثار تكهنات بأن نيودلهي قد تنضم إلى برنامج المقاتلة الشبح «تيمبيست».

أهداف التفوق الأميركي

مع وجود برامج تطوير واقتناء الجيل التالي من الطائرات المقاتلة في جميع أنحاء منطقة المحيطين الهندي والهادي وأوروبا، فان سلاح الجو الأميركي لا يستطيع تحمل التخلف في هذا الفضاء المعقد للغاية والمتنازع عليه، لا تحتاج الولايات المتحدة إلى التنافس مع خصومها فحسب، بل تحتاج إلى التفوق عليهم في الأداء، مع دعم حلفائها.

في مايو (أيار) 2023، أوضح وزير سلاح الجو فرنك كيندال، أن «منصة NGAD عنصر حيوي في عائلة أنظمة الهيمنة الجوية، التي تمثل قفزة أجيال في التكنولوجيا مقارنة بالطائرة (F - 22)، التي ستحل محلها». وستشارك الطائرة المقاتلة، التي تهدف إلى استبدال مقاتلة «لوكهيد إف - 22 رابتور» ابتداءً من عام 2030، في مهام جوية مضادة، وهجمات جو - أرض، وضربات جو - جو.

طائرة «الخفاش الشبح» من دون طيار لمرافقة الطائرات المقاتلة الحديثة

طائرات بذكاء اصطناعي

وهي تستند في الأساس إلى برنامج «Loyal Wingman»، الذي يعتمد على تطوير طائرة من دون طيار تعمل بالذكاء الاصطناعي تحلق جنباً إلى جنب مع الجيل التالي من الطائرات المقاتلة المأهولة. ويتدارس سلاح الجو الأميركي شراء ما يصل إلى 200 طائرة من طراز «NGAD» بقيمة تبلغ نحو 300 مليون دولار لكل منها، وتبلغ تكاليف البرنامج نحو 28 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، إذا تم الالتزام بها.

وكما الحال مع الأنظمة والمنصات الدفاعية الأخرى المصنعة في الولايات المتحدة، سيتم بيع نظام «NGAD» في النهاية إلى الحلفاء الآسيويين والأوروبيين. لكن مستقبل «NGAD» أصبح موضع شك حالياً.

وفي منتصف يونيو (حزيران) الماضي، أثناء مناقشة البرنامج في رابطة سلاح الجو والفضاء، أقر رئيس أركان سلاح الجو الأميركي الجنرال ديفيد ألفين بالحاجة إلى اتخاذ خيارات وقرارات «عبر كل تفاصيل» برنامج «NGAD» خلال «العامين المقبلين». ودفعت هذه التصريحات وكالات الأنباء والتحليلات الدفاعية إلى التساؤل عما إذا كان البرنامج في خطر.

انحسار الثقة في طائرات «إف - 35»

المشكلة بالنسبة لسلاح الجو الأميركي وشركاء واشنطن أن برنامج طائرات «إف - 35» المتضخم لم يولد الثقة في قدرة سلاح الجو على الحفاظ على التفوق الجوي أثناء الحروب مع قوى عسكرية نظيرة أخرى. وفقاً لمكتب المحاسبة الحكومية، تكلف طائرة «إف - 35» الواحدة في الأصل 130 مليون دولار مقابل 8 آلاف ساعة طيران. ثم تضخم هذا الرقم إلى 450 مليون دولار.

ويذكر أن أقل من ثلث طائرات «إف - 35» المنتجة هي في حالة جاهزة للقتال، ويصفها مشروع الرقابة الحكومية بأنها «طائرة مقاتلة بدوام جزئي». إن السجل السيئ لطائرة «إف - 35» لا يوحي بالثقة بين حلفاء الولايات المتحدة أيضاً. كما واجهت محاولات تصحيح هذا الوضع بالترقيات والتعديلات التحديثية، مشكلات.

وأسهمت المحاولات الأولية لإصلاح كثير من المشكلات الفنية في تضخم التكاليف وزحف المهمة. وكشفت المحاولات اللاحقة لتبسيط هذه المشكلات وتصحيحها للكونغرس أن تحديث طائرات «إف - 35» المتراكمة قد يستغرق أكثر من عام. والآن، أوقف البنتاغون مرة أخرى عمليات تسليم طائرات «إف - 35» المحدثة وسط صعوبات في البرمجيات.

ومن الآمن الافتراض أن أجهزة استخبارات خصوم الولايات المتحدة، مثل الصين، تراقب حالة برنامج طائرات «إف - 35».

وسائط ردع لصراعات الغد

لا يعتمد الردع حصرياً على المواصفات الفنية لأي منصة أو نظام أسلحة، بل تجب أيضاً الموازنة بين القوة اللوجيستية والمنفعة الاقتصادية. ولا يتفوق برنامج «إف - 35» في أي من هذه الفئات. وعندما لا تتمكن طائرة «إف - 35» من الطيران وينتهي الأمر بتكلفة تعادل عشرات الطائرات الصينية أو آلاف الطائرات الصينية من دون طيار الرخيصة، فلن يتم ردع خصوم واشنطن في منطقة المحيطين الهندي والهادي، ولن يطمئن حلفاء الولايات المتحدة.

ومع تصاعد التوترات في منطقة المحيطين الهندي والهادي، يعمل الجيش الأميركي على منصات وأنظمة جديدة لمعالجة صراعات الغد. ولسوء الحظ، لم توفر طائرة «إف - 35» الثقة والكفاءة اللتين يحتاج إليهما سلاح الجو الأميركي والقوات المسلحة لحلفاء وشركاء الولايات المتحدة الآخرين.

وبينما يقوم خصوم الولايات المتحدة (وحلفاؤها) في منطقة المحيطين الهندي والهادي بتطوير طائرات مقاتلة من الجيل التالي، من بين برامج الأسلحة الأخرى التي ستجعل المنطقة أكثر نزاعاً بكثير، تدعم واشنطن برنامجاً غير موثوق به مثل طائرة «إف - 35». ومن خلال القيام بذلك، يتم إبطاء البرامج القيّمة مثل تحديث الطائرات من دون طيار، وترقيات «أرض - جو»، و«NGAD»، التي تتمتع جميعها بالقدرة على النجاح. وهذا ليس الوقت المناسب لإهمال البدائل الأفضل.

(*) «ذا دبلومات» خدمات «تريبيون ميديا»