«دبلوماسية الرهائن» معضلة متنامية للدول الغربية

المواطنون الأميركيون سياماك نمازي وعماد شرقي ومراد طهباز ينزلون من طائرة قطرية عند وصولهم إلى مطار الدوحة الدولي في الدوحة 18 سبتمبر 2023 بعد الإفراج عنهم (أ.ف.ب)
المواطنون الأميركيون سياماك نمازي وعماد شرقي ومراد طهباز ينزلون من طائرة قطرية عند وصولهم إلى مطار الدوحة الدولي في الدوحة 18 سبتمبر 2023 بعد الإفراج عنهم (أ.ف.ب)
TT

«دبلوماسية الرهائن» معضلة متنامية للدول الغربية

المواطنون الأميركيون سياماك نمازي وعماد شرقي ومراد طهباز ينزلون من طائرة قطرية عند وصولهم إلى مطار الدوحة الدولي في الدوحة 18 سبتمبر 2023 بعد الإفراج عنهم (أ.ف.ب)
المواطنون الأميركيون سياماك نمازي وعماد شرقي ومراد طهباز ينزلون من طائرة قطرية عند وصولهم إلى مطار الدوحة الدولي في الدوحة 18 سبتمبر 2023 بعد الإفراج عنهم (أ.ف.ب)

ساور سيلفي أرنو عندما علمت أن نجلها لوي أوقف في إيران في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، شعورٌ بعدم التصديق تلاه شعور بالعجز والظلم، مثلها مثل عشرات من مواطني الدول الغربية الذين يقبعون في سجون صينية وإيرانية وروسية وفنزويلية، والذين أصبح الإفراج عنهم معضلة دبلوماسية.

تقول سيلفي أرنو لوكالة الصحافة الفرنسية: «لا نعرف كم سيستغرق الأمر، ولا نعرف ما ينتظره الإيرانيون ولن نعرف على الأرجح أبداً». وغالباً ما يتهم السجناء من أمثال لوي بالتجسس أو التآمر على الدولة. لكنهم يؤكدون براءتهم من هذه التهم.

وتندّد دولهم بعمليات اعتقال «تعسفية» تستخدم للمبادلة. وتستخدم فرنسا حتى عبارة «رهائن دولة». وتروي سيلفي أرنو قائلة: «في البداية، رفضت التفكير بأن الأمر يتعلق بالسياسة، لكن الوقت مرّ من دون أن يحصل أي شيء».

وأصبح الإفراج عن هؤلاء السجناء معضلة دبلوماسية قد يستغرق حلها سنوات وتنطوي على تنازلات كبيرة.

فقد أفرجت الولايات المتحدة، الاثنين، عن 5 إيرانيين كانوا مسجونين لديها، معظمهم بتهم تتعلّق بمخالفة العقوبات المطبقة على إيران، وأفرجت عن 6 مليارات دولار من أموال إيرانية كانت مجمدة في كوريا الجنوبية تم تحويلها إلى قطر لحساب إيران، مقابل الإفراج عن 5 أميركيين كانوا معتقلين في سجن إيفين، وغادروا (اليوم) الأراضي الإيرانية على متن رحلة إلى قطر.

في نهاية مايو (أيار)، أُفرج عن البلجيكي أوليفيه فانديكاستيل بعدما سجن 15 شهراً في إيران في مقابل الإفراج عن الدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي، الذي حُكم عليه في بلجيكا عام 2021 بالسجن 20 عاماً بعد إدانته بتهمة «محاولات اغتيال إرهابية».

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2022، أُفرج عن 7 أميركيين مسجونين في فنزويلا في مقابل شخصين من المقربين من الرئيس نيكولاس مادورو.

المواطنان الأميركيان سياماك نمازي ومراد طهباز يتم الترحيب بهما عند وصولهما إلى مطار الدوحة الدولي في قطر في 18 سبتمبر 2023 (أ.ف.ب)

«محاكمة صورية»

وتثير هذه التنازلات انتقادات كثيرة. ويقول الأستاذ في كلية العلوم السياسية «Sciences Po» في باريس إتيان دينيا، مؤلف كتاب حول الرهائن، إن «معضلة الحكومات كلاسيكية. من خلال الإفراج عن الأصول، يكافئون بطريقة ما جريمة، ويشجعون الدول على مواصلة دبلوماسية الرهائن».

ويضيف أن الانتقاد «في محله»، خصوصاً أن موسكو وطهران وبكين تستهدف أشخاصاً وفقاً لجنسياتهم «خلافاً للجماعات المسلحة التي لا تعرف مسبقاً هوية الشخص الذي تحتجزه».

ويشدّد المستشار المتخصص بالشؤون الأمنية دارن نايير الناشط في مجال الإفراج عن الرهائن، على أن عدد حالات «رهائن الدولة» المعروفة زادت «في السنوات الأخيرة».

ويشير إلى أن «غالبية الأميركيين الذين كانوا معتقلين في الخارج قبل 10 سنوات كانوا محتجزين لدى جهات غير تابعة للدولة في بلدان مثل سوريا واليمن والصومال». أما اليوم فغالبيتهم معتقلون لدى سلطات إيران وفنزويلا وروسيا والصين.

وبقيت لاعبة كرة السلة الأميركية بريتني غراينر، معتقلة، لأشهر عدة في روسيا لحيازتها سيجارة إلكترونية تحوي سائل القنب الهندي. وأفرج عنها نهاية 2022 في مقابل الإفراج عن تاجر الأسلحة الروسي فيكتور بوت، الذي كان مسجوناً في الولايات المتحدة.

أما الصحافي الأميركي العامل لحساب «وول ستريت جورنال» إيفان غيرشكوفيتش، فهو معتقل في موسكو منذ مارس (آذار)، في حين أن العنصر السابق في سلاح البحرية الأميركية بول ويلان يمضي منذ 2020 عقوبة بالسجن 16 عاماً.

ويقول جويل سايمن، مؤسس «مبادرة حماية الصحافة» (Journalism Protection Initiative): «عموماً الطريقة الوحيدة لإعادة رهينة إلى ديارها هي التفاوض»، على ما يظهر الواقع. ويضيف: «من دون حوار مع محتجزي الرهائن، أكانوا جهات حكومية أو غير ذلك، سيقتل الرهينة على الأرجح أو يقبع في الاعتقال أو السجن لفترة طويلة».

ويؤكد إتيان دينيا أن مهمة الحكومات معقدة، خصوصاً في حالات «رهائن الدولة»، لأن «العملية ملتوية أكثر» مقارنة مع الرهائن المحتجزين لدى مجموعات إرهابية. ويوضح أن الروس والإيرانيين والصينيين يعتمدون «المسار القانوني»، وينظمون «محاكمات صورية» و«يحتجزون في سجون فعلية». وتجري المفاوضات في الكواليس.

ويضيف: «هذه نقطة أساسية لأن الغموض يفيد دائماً الدول التي تقوم بالاعتقالات»، خصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بصحافيين أو باحثين يجمعون معلومات أو يعملون في المجال الأمني. ويتابع قائلاً: «هذا لا يجعل منهم بطبيعة الحال جواسيس لكنه سبب كافٍ للتحرك بنظر الأنظمة المستبدة».

«قمة الهرم»

لم تشكّك بلاندين بريير يوماً ببراءة شقيقها وهو أحد فرنسيين أفرج عنهما في مايو (أيار) الماضي.

وتقول لوكالة الصحافة الفرنسية: «نحن أناس عاديون»، مشيرة إلى أنها اكتشفت عبارة «رهينة دولة» بعد توقيف شقيقها بنغامان برييير في مايو (أيار) 2020. ويعقّد الكشف عن هذه الاعتقالات مهمة المفاوضين.

وتوضح بلاندين بريير أن العائلات تتقدم دائماً «بحذر شديد»، وتدرك أن دعمها العلني قد يؤخر أو يسرّع الإفراج عن المعتقلين. وغالباً ما تلتزم بالتوصيات الحكومية، لكنها تتساءل حول «الرهانات الفعلية».

ويرى دارن نايير أنه لا يمكن ردع «دبلوماسية الرهائن» إلا في حال فرض عقوبات «على المسؤولين في قمة الهرم».

ويؤكد أنه في الدول التي تلجأ إلى هذه الممارسات، «تتركز السلطة في القمة. ففرض عقوبات على قاضٍ أو موظف من فئة متوسطة لن يكون له التأثير الكافي».


مقالات ذات صلة

عباس يطالب باتفاق على غرار لبنان... و«حماس» تؤكد أنها «جاهزة»

شؤون إقليمية عائلات وأنصار المحتجزين الإسرائيليين يحملون ملصقات أثناء مناقشة الموضوع في الكنيست الإسرائيلي في القدس 18 نوفمبر 2024 (رويترز)

عباس يطالب باتفاق على غرار لبنان... و«حماس» تؤكد أنها «جاهزة»

طالبت الرئاسة الفلسطينية بوقف إطلاق نار في قطاع غزة على غرار الاتفاق في لبنان، فيما أعادت إسرائيل مركز الثقل إلى قطاع غزة، معلنة أن استعادة المحتجزين من القطاع…

كفاح زبون (رام الله)
الولايات المتحدة​ فلسطينيون يبكون أمام جثث أقاربهم الذين قُتلوا في الغارات الإسرائيلية بمستشفى الأهلي العربي (المعمداني) بغزة قبل تشييع جنازتهم (د.ب.أ)

بايدن: أميركا تبذل جهداً آخر للتوصل لوقف إطلاق النار في غزة

قال الرئيس الأميركي جو بايدن، اليوم الأربعاء، إن بلاده ستبذل جهداً آخر مع تركيا ومصر وقطر وإسرائيل وآخرين للتوصل لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس (رويترز) play-circle 00:29

كاتس: إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين في غزة هو الهدف الأبرز بعد وقف النار بلبنان

قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إن الهدف الأبرز لتل أبيب بعد وقف إطلاق النار في لبنان يتمثل بصفقة جديدة للإفراج عن الرهائن المحتجزين في غزة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (إ.ب.أ) play-circle 00:28

نتنياهو: «حماس» لن تحكم غزة بعد الحرب

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الثلاثاء، إن حركة «حماس» لن تحكم قطاع غزة بعد انتهاء الحرب وإن إسرائيل دمرت القوة العسكرية للحركة.

«الشرق الأوسط» (القدس)
شؤون إقليمية عائلات ومتضامنون مع الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة يحملون صور أحبائهم خلال احتجاج يطالب بالإفراج عنهم أمام منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس الاثنين 18 نوفمبر 2024 (أ.ب)

أقارب الرهائن الإسرائيليين يتظاهرون أمام منزل نتنياهو

تظاهر أقارب رهائن محتجزين في قطاع غزة أمام منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس، الاثنين، مطالبين بالتوصل إلى اتفاق مع «حماس» للإفراج عنهم.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

بوتين يزور كازاخستان لتعزيز العلاقات وبحث ملف الطاقة

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف في أستانا في 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف في أستانا في 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

بوتين يزور كازاخستان لتعزيز العلاقات وبحث ملف الطاقة

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف في أستانا في 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف في أستانا في 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كازاخستان، الأربعاء، في زيارة تستمر يومين تهدف لتوطيد العلاقات مع حليفة بلاده الواقعة في وسط آسيا في ظل تفاقم التوتر على خلفية حرب أوكرانيا.

ورغم انضوائها في «منظمة معاهدة الأمن الجماعي» التي تقودها موسكو، فإن كازاخستان أعربت عن قلقها حيال النزاع المتواصل منذ نحو ثلاث سنوات مع رفض رئيسها قاسم جومارت توكاييف التغاضي عنه.

وفي مقال نشرته صحيفة «إسفيستيا» الروسية قبيل زيارة بوتين، أكد توكاييف دعم بلاده «الحوار السلمي» من دون أن يأتي على ذكر أوكرانيا، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

من جانبه، أشاد بوتين بـ«التقارب الثقافي والروحي والقيمي» بين كازاخستان وروسيا، وذلك في مقال نشر في صحيفة «كازاخ» الرسمية، قائلا إنه يساعد في تطوير «العلاقات الودية والقائمة على التحالف» مع أستانا بشكل أكبر.

وبث الإعلام الرسمي الروسي مقطعا مصورا لطائرة بوتين لدى هبوطها في أستانا الأربعاء.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال حفل الاستقبال في مقر الرئاسة أكوردا في أستانا بكازاخستان... 27 نوفمبر 2024 (رويترز)

تدهورت العلاقات التجارية بين البلدين في الأشهر الأخيرة مع منع موسكو بعض الصادرات الزراعية من كازاخستان غداة رفض الأخيرة الانضمام إلى مجموعة «بريكس».

وجعل بوتين توسيع تحالف الاقتصادات الناشئة أساسا لسياسة روسيا الخارجية، مسوّقا لمجموعة «بريكس» على أنها قوة موازية لما يعتبرها «هيمنة» الغرب على العالم.

تأتي زيارة بوتين على وقع تصاعد التوتر بين موسكو والغرب بسبب حرب أوكرانيا، إذ أطلقت روسيا صاروخا تجريبيا فرط صوتي باتّجاه جارتها الأسبوع الماضي، بينما أطلقت كييف صواريخ بعيدة المدى زودتها بها كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على روسيا لأول مرة.

وفي سبتمبر (أيلول)، دعا توكاييف إلى حل سلمي للنزاع، محذرا من أن التصعيد يمكن أن يؤدي إلى «تداعيات لا يمكن إصلاحها بالنسبة للبشرية بأكملها».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف يلتقطان صورة مع أطفال في أستانا في 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

أوكرانيا على جدول الأعمال

ورغم أن رحلات بوتين الدولية بقيت محدودة منذ العملية العسكرية الروسية الشاملة في أوكرانيا عام 2022، فإنه زار الدولة الواقعة في وسط آسيا بشكل متكرر.

تعد كازاخستان حليفا عسكريا واقتصاديا تاريخيا لروسيا وتمتد الحدود بين البلدين على مسافة 7500 كيلومتر.

ويتوقع أن يناقش الزعيمان العلاقات التجارية وملف الطاقة، إضافة إلى بناء أول محطة في كازاخستان للطاقة النووية، علما بأن شركة «روساتوم» الروسية من بين الشركات المرشحة لبنائها.

تسهم كازاخستان بنحو 43 في المائة من إنتاج اليورانيوم العالمي لكنها لا تملك مفاعلات نووية.

وأكد بوتين الأربعاء أن «(روساتوم) مستعدة لمشاريع كبيرة جديدة مع كازاخستان».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف يرسمان على لوحة قبل لقائهما في أستانا في 27 نوفمبر (أ.ف.ب)

سيوقّع البلدان أيضا عدة وثائق الأربعاء وسيصدران بيانا للإعلام، بحسب مستشار الكرملين يوري أوشاكوف.

ويجتمع بوتين الخميس وقادة «منظمة معاهدة الأمن الجماعي» في أستانا في إطار قمة أمنية.

وستتصدر أوكرانيا جدول الأعمال، إذ يتوقع أن يناقش القادة «الإذن الغربي (لكييف) بإطلاق صواريخ بعيدة المدى باتّجاه عمق أراضي روسيا الاتحادية»، وفق ما أكدت وكالة «تاس» الإخبارية نقلا عن مصدر.

وفي خطوة لافتة، ستتغيب أرمينيا عن الاجتماع بعدما علّقت عضويتها في المنظمة احتجاجا على عدم وقوف موسكو إلى جانبها في نزاعها مع أذربيجان.

وقال أوشاكوف الثلاثاء إن أرمينيا ما زالت عضوا كاملا في التحالف ويمكن أن تعود في أي لحظة.