سكان كييف يستعيدون شريط الذكريات المؤلمة بعد عام من الحرب

«الشرق الأوسط» تتحدث لبعض من بقوا في العاصمة الأوكرانية رغم وطأة المعارك

سفياتا واحدة من سكان ضواحي كييف (الشرق الأوسط)  -  رسلان يعمل موظفاً للاستقبال في أحد فنادق العاصمة (الشرق الأوسط)
سفياتا واحدة من سكان ضواحي كييف (الشرق الأوسط) - رسلان يعمل موظفاً للاستقبال في أحد فنادق العاصمة (الشرق الأوسط)
TT

سكان كييف يستعيدون شريط الذكريات المؤلمة بعد عام من الحرب

سفياتا واحدة من سكان ضواحي كييف (الشرق الأوسط)  -  رسلان يعمل موظفاً للاستقبال في أحد فنادق العاصمة (الشرق الأوسط)
سفياتا واحدة من سكان ضواحي كييف (الشرق الأوسط) - رسلان يعمل موظفاً للاستقبال في أحد فنادق العاصمة (الشرق الأوسط)

بعد عام على الحرب في أوكرانيا، يستعيد سكان العاصمة كييف، شريط الأحداث وخزان الذكريات المؤلمة، مستذكرين اللحظات الأولى التي استفاقوا فيها على دوي صافرات الإنذار والضربات الصاروخية، ورسائل الأخبار العاجلة التي تدفقت على هواتفهم الجوالة؛ بينما غرقت شاشات الفضائيات بالأخبار العاجلة المنبئة عن بدء اندلاع الحرب؛ حينها، دفعت الحرب ملايين الأوكرانيين إلى الفرار من مناطقهم، باحثين عن أماكن أكثر أمناً بعيداً عن جبهات القتال التي اشتعلت في شوارع مدنهم وبين أحيائهم، وبالقرب من منازلهم.
صبيحة اندلاع الحرب يوم الرابع والعشرين من فبراير (شباط) العام الماضي، وجد سكان العاصمة كييف أنفسهم محاصرين بآلات الحرب وأهوالها، إذ طالت الضربات الجوية أحياء المدينة، ووصل القتال إلى شوارعها؛ بينما سارع عشرات الآلاف من السكان حينذاك إلى حزم أمتعتهم، وحمل أحبتهم، للرحيل إلى وجهات أخرى بعيدة عن دوي الانفجارات ولهيب المعارك الضارية. ورغم نزوح مئات الآلاف من أحيائهم بالعاصمة التي باتت شبه خالية هرباً من ويلات الحرب التي اشتدت وتيرتها وارتفعت أكلافها، ثمة من آثروا البقاء في العاصمة؛ رغم خطورة البقاء، حيث رووا لـ«الشرق الأوسط»، تفاصيل اللحظات الأولى التي عاشوها بعيد اندلاع شرارة الحرب في البلاد، والخيارات الضيقة التي باتوا مضطرين للتعامل معها.
سفياتا؛ واحدة من سكان ضواحي كييف، تعود بالذاكرة إلى اللحظات التي تلقت فيها نبأ اندلاع الحرب، تقول إنها كانت فجر ذلك اليوم نائمة في بيتها يوم عطلتها، وتضيف: «تلقيت اتصالاً من صديقتي وطلبت مني أن أقرأ الأخبار، على الفور فتحت هاتفي وعلمت بما يجري حولنا، استفاق صديقي على صوت هاتفه أيضاً وعلم بما يجري، شعرت في تلك اللحظات بحالة من الصدمة وشعور بالارتباك».
تعود سفياتا إلى الأجواء التي خيمت على البلاد في تلك الآونة التي كانت تؤشر إلى احتمال اندلاع حرب، لكنها اعتقدت أن ذلك أمر قد لا يحدث. تقول: «حينها قدّرنا أن كل شيء سيكون على ما يرام، لكن للأسف لم يكن تقديرنا في محله».
في تلك الأثناء، كان عشرات الآلاف من سكان العاصمة قد حزموا أمتعتهم وشرعوا في رحلة طويلة ومضنية ومحفوفة بالمخاطر للرحيل بعيداً عن عاصمتهم نحو وجهات أخرى. تقول سفياتا إنها حاولت التفكير بما يجب عليها فعله، بيد أن خياراتها بدت محدودة. تقول: «كانت العاصمة تشهد فوضى عارمة؛ الاختناقات المرورية في كل شارع والطوابير طويلة في محطة القطارات، خيار مغادرة العاصمة بالنسبة لنا حينها لم يكن مطروحاً لأسباب عملية، فنحن لا نمتلك سيارة وليس بوسعنا المغادرة فوراً، والحال في محطة القطارات غير معقول، كما أنه لم يكن بوسعنا الذهاب إلى بيت عائلتي كونها بشرق البلاد وتعاني وضعاً خطيراً أيضاً».
تحكي سفياتا تفاصيل الساعات والأيام التي تلت ذلك، إذ قررت هي وصديقها البقاء في كييف. تقول إنهما أمضيا الليلة الأولى في محطة المترو تحت الأرض، إذ «كانت المحطات مكتظة بالمدنيين، بينما لم تكف صافرات الإنذار عن التحذير من الصواريخ التي تضرب العاصمة».
«في اليوم التالي عدنا لبيتنا، بيد أننا أمضينا الليالي السبع التالية في الملجأ القريب، كنا ننام في الملجأ وفي الصباح نعود للمنزل للاستحمام، ولتناول بعض الطعام، وتغيير ملابسنا وحاجياتنا، قبل أن نعود مجدداً إلى الملجأ».
وبعد عام كامل أمضته سفياتا في العاصمة على وقع الحرب، تقول إنها لم تفكر أبداً في ترك مدينتها، فلا مكان آخر تذهب إليه، مضيفة: «قررنا الحفاظ على هدوئنا والتمسك بقرارنا بالبقاء في كييف، كان لدينا إيمان بأن العاصمة ستظل قوية ومحمية لذلك آثرنا البقاء هنا».
رسلان، واحد من سكان العاصمة ويعمل موظفاً للاستقبال في أحد فنادقها، يتذكر تفاصيل اللحظات التي عاشها فور نشوب الحرب في البلاد، فقد كان على رأس عمله عند الرابعة صباحاً يوم الرابع والعشرين من فبراير الماضي، يروي كيف بدأ نزلاء الفندق يتدفقون على مصاعده للمغادرة دون أن يقوموا بإجراءات الخروج المعتادة أو حتى طلب إلغاء لياليهم المتبقية وتعويضهم ثمنها، يقول: «لم أشعر بالخوف في تلك اللحظات، لكنني لم أفهم ما الذي يجري حولي فعلاً، كان هناك دون شك شعور عام بأن الحرب قد تبدأ لكني لم أتوقع أن يحدث الأمر في ذلك اليوم». ويضيف: «بقيت على رأس عملي وحاولت مساعدة بعض النزلاء قبل مغادرتهم، لكن غالبيتهم غادروا فوراً دون الحديث معنا في قسم الاستقبال».
وحول ما إذا فكَر بما يجب عليه فعله بعد إنهاء عمله، قال إنه لم يفكر بشيء في تلك اللحظات، متسائلاً حينها: كيف جرى ذلك؟ وكيف صارت العاصمة تحت القصف؟ وكيف بدأت الدبابات الروسية الدخول إلى المناطق الأوكرانية؟ مضيفاً: «كان هذا مربكاً للغاية». بعد ذلك، يسرد يومياته في الملجأ، إذ مكث هناك لبعض الوقت؛ «طيلة الأيام التي تلت بدء الهجوم لم أفكر بالخروج من العاصمة أو مغادرة البلاد، في النهاية أنا أوكراني وهذه بلدي. صحيح لا أستطيع أن أكون جندياً، لكن يمكنني البقاء هنا ومساعدة الناس قدر استطاعتي، كان هذا جانباً مهماً بالنسبة لي».
تدهور الأوضاع الأمنية مع استمرار القصف وصعوبة الحياة وسط تداعيات الحرب قد يدفع بمن قرروا البقاء في العاصمة بالشعور بالندم على قرارهم، إلا أن رسلان يقول: «لم أندم على قراري البقاء هنا، صحيح أن الحياة صعبة مع استمرار الحرب وتفاقم آثارها علينا وعلى الاقتصاد وعلى جوانب حياتنا، لكننا لا نزال هنا، نعمل ونمارس الحياة ونحب من حولنا ولهذا لن يستطيعوا هزيمتنا».
ومنذ أشهر، يحاول سكان العاصمة العودة إلى يوميات حياتهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، رغم الأكلاف العالية التي خلفتها الحرب، بينما تعاني العاصمة حالها حال باقي المدن من تبعات صعبة للحرب، سواء بالدمار الذي خلفه القتال في أحيائها، أو الضربات التي طالت البنى التحتية الرئيسية، لا سيما الحيوية منها.
أواخر العام الماضي، طالت الضربات الروسية محطات الطاقة الرئيسية في كييف، ما أدخل العاصمة في العتمة، وضاعف من أعباء الحرب على السكان قبل أن تعود الخدمات تدريجياً إلى طبيعتها. وعلى الرغم من التداعيات الصعبة مع دخول الحرب عامها الثاني، بدت حركة عودة السكان إلى مدنهم ومناطقهم نشطة، عمدة كييف فيتالي كليتشكو، كان قال في حديث صحافي أواخر العام الماضي، إن عدد سكان العاصمة كييف عاد إلى مستوى ما قبل اندلاع الحرب بنحو 3.6 مليون شخص، وذلك وفقاً لبيانات استخدام الهواتف، بعد أن انكمش بداية الحرب لنحو مليون فقط، بينما وقفت الدبابات على عتبات المدينة. ومع دخول الحرب عاماً جديداً يقول سكان العاصمة اليوم؛ إن عودتهم لأحيائهم، وممارسة حياتهم، رغم نذر التصعيد التي تلوح في الأفق؛ تعدان شكلاً من أشكال المقاومة للغزو الروسي لبلادهم؛ في مسعى منهم للتمسك بالحياة رغم ما ألقته الحرب عليهم من ظلال كئيبة، وما حفرته في نفوسهم من ندوب عميقة لن تسقط من ذاكرتهم.


مقالات ذات صلة

أوستن: قوات كوريا الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك في الحرب «قريباً»

أوروبا وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن (ا.ب)

أوستن: قوات كوريا الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك في الحرب «قريباً»

أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، اليوم (السبت)، أن بلاده تتوقع أن الآلاف من القوات الكورية الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك «قريباً» في القتال ضد أوكرانيا

«الشرق الأوسط» (سيدني)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقمة دول مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل (أ.ف.ب)

بايدن وماكرون يناقشان الصراعين في أوكرانيا والشرق الأوسط

قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ناقشا الصراعين الدائرين في أوكرانيا والشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب) play-circle 01:12

أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي بعد استهدافها بصاروخ باليستي روسي

أعلن الرئيس الأوكراني، الجمعة، أن بلاده تطلب من حلفائها الغربيين تزويدها بأنظمة حديثة للدفاع الجوي، بعدما استهدفتها روسيا، هذا الأسبوع، بصاروخ باليستي فرط صوتي.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)

بوتين يأمر بـ«اختبارات» في الوضع القتالي للصاروخ «أوريشنيك»

أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإنتاج كمية كبيرة من الصاروخ الباليستي الجديد فرط الصوتي «أوريشنيك» ومواصلة اختباره في الأوضاع القتالية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا صاروخ «يارس» الباليستي الروسي خلال إطلاق تجريبي (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

ماذا نعرف عن الصاروخ فرط الصوتي الروسي الذي أُطلق على أوكرانيا؟

أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، بإطلاق بلاده صاروخاً جديداً فرط صوتي على مصنع أوكراني. وهذا السلاح استخدمته روسيا للمرة الأولى.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

ميركل تعرب عن حزنها لعودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
TT

ميركل تعرب عن حزنها لعودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)

أعربت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل عن «حزنها» لعودة دونالد ترمب إلى السلطة وتذكرت أن كل اجتماع معه كان بمثابة «منافسة: أنت أو أنا».

وفي مقابلة مع مجلة «دير شبيغل» الألمانية الأسبوعية، نشرتها اليوم الجمعة، قالت ميركل إن ترمب «تحد للعالم، خاصة للتعددية».

وقالت: «في الحقيقة، الذي ينتظرنا الآن ليس سهلا»، لأن «أقوى اقتصاد في العالم يقف خلف هذا الرئيس»، حيث إن الدولار عملة مهيمنة، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

وعملت ميركل مع أربعة رؤساء أميركيين عندما كانت تشغل منصب مستشار ألمانيا. وكانت في السلطة طوال ولاية ترمب الأولى، والتي كانت بسهولة أكثر فترة متوترة للعلاقات الألمانية الأمريكية خلال 16 عاما، قضتها في المنصب، والتي انتهت أواخر 2021.

وتذكرت ميركل لحظة «غريبة» عندما التقت ترمب للمرة الأولى، في البيت الأبيض خلال شهر مارس (آذار) 2017، وردد المصورون: «مصافحة»، وسألت ميركل ترمب بهدوء: «هل تريد أن نتصافح؟» ولكنه لم يرد وكان ينظر إلى الأمام وهو مشبك اليدين.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والمستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل يحضران حلقة نقاشية في اليوم الثاني من قمة مجموعة العشرين في هامبورغ بألمانيا... 8 يوليو 2017 (أ.ف.ب)

ونقلت المجلة عن ميركل القول: «حاولت إقناعه بالمصافحة بناء على طلب من المصورين لأنني اعتقدت أنه ربما لم يلحظ أنهم يريدون التقاط مثل تلك الصورة... بالطبع، رفضه كان محسوبا».

ولكن الاثنان تصافحا في لقاءات أخرى خلال الزيارة.

ولدى سؤالها ما الذي يجب أن يعرفه أي مستشار ألماني بشأن التعامل مع ترمب، قالت ميركل إنه كان فضوليا للغاية وأراد معرفة التفاصيل، «ولكن فقط لقراءتها وإيجاد الحجج التي تقويه وتضعف الآخرين».

وأضافت: «كلما كان هناك أشخاص في الغرفة، زاد دافعه في أن يكون الفائز... لا يمكنك الدردشة معه. كان كل اجتماع بمثابة منافسة: أنت أو أنا».

وقالت ميركل إنها «حزينة» لفوز ترمب على كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني). وقالت: «لقد كانت خيبة أمل لي بالفعل لعدم فوز هيلاري كلينتون في 2016. كنت سأفضل نتيجة مختلفة».