صورة أممية قاتمة حول أوضاع أفغانستان تحت حكم «طالبان»

أوتونباييفا لـ«مشاركة واقعية» مع البلاد في ظل العزلة الدولية

أوتونباييفا خلال إحاطتها لمجلس الأمن وبدا على يمينها المندوب الروسي (صور الأمم المتحدة)
أوتونباييفا خلال إحاطتها لمجلس الأمن وبدا على يمينها المندوب الروسي (صور الأمم المتحدة)
TT

صورة أممية قاتمة حول أوضاع أفغانستان تحت حكم «طالبان»

أوتونباييفا خلال إحاطتها لمجلس الأمن وبدا على يمينها المندوب الروسي (صور الأمم المتحدة)
أوتونباييفا خلال إحاطتها لمجلس الأمن وبدا على يمينها المندوب الروسي (صور الأمم المتحدة)

رسمت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في أفغانستان، روزا أوتونباييفا، صورة قاتمة عن الوضع في هذا البلد بعد أكثر من ثلاث سنوات من استيلاء «طالبان» على الحكم في كابل، داعية إلى «مشاركة واقعية» مع البلاد التي تعاني أزمات إنسانية متفاقمة وسط عزلتها الدولية، معتبرة أن هناك «لحظة للواقعية» أيضاً أمام الحركة المتشددة.

امرأة أفغانية ترتدي البرقع تحمل طفلاً بينما تبحث عن الصدقات على طول طريق في هرات 11 مارس 2025 (أ.ف.ب)

وكانت أوتونباييفا، التي ترأس أيضاً بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان (يوناما)، تقدم إفادة أمام اجتماع مجلس الأمن؛ إذ قالت إنه «تقع على عاتق سلطات الأمر الواقع مسؤولية الإشارة إلى ما إذا كانت تريد إعادة دمج أفغانستان في النظام الدولي، وإذا كان الأمر كذلك، ما إذا كانت على استعداد لاتخاذ الخطوات اللازمة» في هذا الاتجاه. وأضافت أن «سلطات الأمر الواقع تعاملت حتى الآن مع التزاماتها الدولية بشكل انتقائي، ورفضت بعضها على أساس أنها تنتهك سيادة البلاد أو تنتهك تقاليدها». لكنها نبهت إلى أن هذه الالتزامات لا تؤثر على إمكانية التقدم على المسار السياسي فحسب، بل والأهم من ذلك، على رفاه سكان أفغانستان بالكامل، الذين يجب أن تُدرج أصواتهم في المسار السياسي.

أفغان يتلقون أكياساً من المساعدات الغذائية التي تبرعت بها إحدى الجمعيات الخيرية خلال شهر رمضان المبارك في قندهار 9 مارس 2025 (أ.ف.ب)

وأكدت أنه بعد ثلاث سنوات ونصف السنة من حكم «طالبان»، رحَّب الأفغان بالفعل بغياب الصراع، والاستقرار الأكبر وحرية الحركة، على الأقل بالنسبة للسكان الذكور. لكنها أضافت أن «هذا ليس سلاماً يمكنهم العيش فيه بكرامة وتُحترم فيه حقوقهم الإنسانية والثقة في مستقبل مستقر».

ولفتت المبعوثة الأممية إلى أنه فيما يتصل بحقوق الإنسان، لم يحصل أي تخفيف للقيود الكبيرة المفروضة على المرأة، على رغم النداءات العالمية ومن الأفغان أنفسهم، واصفة ذكرى حظر التعليم للنساء والفتيات بأنها «معلم حزين بشكل خاص» بالتزامن مع احتفال العالم باليوم الدولي للمرأة. وأسفت لقرار سلطات «طالبان» خلال العام الماضي إغلاق المعاهد الطبية للنساء والفتيات؛ الأمر الذي أدى إلى إغلاق أحد آخر السبل المتاحة للنساء للحصول على التعليم المهني، منبهة إلى أن هذا القيد الجديد يؤدي إلى تعميق الفجوة القديمة في قدرة البلاد على حماية صحة النساء. وأضافت أن «هذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم معدلات وفيات الأمهات والرضع في أفغانستان، والتي تعدّ بالفعل واحدة من أعلى المعدلات في العالم». وتطرقت كذلك إلى تطبيق «طالبان» قانونها الخاص بالنهي عن المنكر والأمر بالمعروف، معتبرة أنه «يشكل عائقاً رئيسياً أمام تنفيذ المسار السياسي اللازم لإعادة دمج أفغانستان في المجتمع الدولي».

وحذرت أوتونباييفا من أن الأفغان لا يزالون يواجهون «أزمة إنسانية حادة» بسبب عقود من الصراع والفقر المدقع والصدمات الناجمة عن المناخ والنمو السكاني الكبير ومخاطر الحماية المتزايدة، خصوصاً بالنسبة للنساء والفتيات. وكشفت عن أنه في عام 2025، سيحتاج أكثر من 50 في المائة من السكان، أي نحو 23 مليون شخص، إلى مساعدات إنسانية. لكنها حذرت من أن «هذه المساعدات تتناقص بسرعة».

تهديد لدول أخرى

وفيما يتعلق بالوضع الأمني، قالت أوتونباييفا إن سلطات الأمر الواقع تواصل فرض سيطرتها بالكامل على البلاد، مع بعض الاستثناءات. وأضافت أن استمرار نشاطات «طالبان» الباكستانية ضد الحكومة في إسلام آباد، ووجود جماعات إرهابية أخرى في أفغانستان، يثبت أن المجتمع الدولي لا يزال لديه تساؤلات مشروعة حول قدرة سلطات الأمر الواقع أو التزامها بالحفاظ على ضماناتها الخاصة بأن أفغانستان لن تصير تهديداً للدول الأخرى. وحذرت من أن «مساحة المشاركة تضيق»، وأن هناك إحباطاً متزايداً من بعض أصحاب المصلحة الدوليين الرئيسيين من أن المشاركة السياسية لا تعمل وقد تشجع المتشددين داخل سلطات الأمر الواقع. لكنها أكدت أن «الآليات اللازمة لمعالجة القضايا التي تمنع إعادة دمج أفغانستان في المجتمع الدولي قائمة». واستشهدت بالاجتماعات بين مجموعات العمل المعنية بمكافحة المخدرات والقطاع الخاص التي توفر إطاراً للمشاركة وبناء الثقة المحتملة. وأوضحت أن النهج الشامل الذي اقترحته الأمم المتحدة، الذي تمت مشاركته مع المشاركين في ما يسمى «صيغة الدوحة» وسلطات «طالبان»، يقترح لأول مرة إطاراً لمعالجة القضايا الصعبة التي تعوق إعادة دمج أفغانستان في المجتمع الدولي. بيد أنها نبهت إلى أن الأمم المتحدة «لا تستطيع التحرك بشكل أسرع من الدول الأعضاء المشاركة في عملية الدوحة وأصحاب المصلحة الآخرين الذين يجب أن يقودوا هذه العملية».

نساء أفغانيات يرتدين البرقع يبعن خبز النان خلال شهر رمضان المبارك في سوق بمزار شريف 10 مارس 2025 (أ.ف.ب)

روسيا وأميركا

وعلى أثر هذه الإحاطة، اتهم المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، الدول الغربية بالفشل في تبني نهج واقعي تجاه أفغانستان، معتبراً أن عزل «طالبان» من خلال العقوبات وخفض المساعدات «أمر غير منتج». ودعا إلى التعامل المباشر مع «طالبان»، قائلاً إن التعاون هو المسار الوحيد القابل للتطبيق للاستقرار في المنطقة. ولاحظ أن «الدولة التي اعتمدت على الدعم الدولي لسنوات عدّة لم تنزلق إلى حرب أهلية. ولم تشهد انهياراً».

مجلس الأمن خلال اجتماعه حول أفغانستان (صور الأمم المتحدة)

أما القائمة بأعمال المندوبة الأميركية، دوروني شيا، فقالت إن «الولايات المتحدة متشككة في استعداد (طالبان) للانخراط بحسن نية في عملية الدوحة». وأضافت أنه «لا يمكننا بناء الثقة مع جماعة تحتجز الأميركيين ظلماً، ولديها تاريخ طويل في إيواء الجماعات الإرهابية على أراضيها، وتتجاهل الحقوق الأساسية وحاجات شعبها».


مقالات ذات صلة

الجيش الباكستاني يقضي على 71 إرهابياً

آسيا استنفار بعد هجوم وحالة تسلل في وزيرستان (غيتي)

الجيش الباكستاني يقضي على 71 إرهابياً

قضى الجيش الباكستاني على 71 مسلحاً من العناصر الإرهابية خلال الأيام الثلاثة الأخيرة.

«الشرق الأوسط» ( إسلام آباد )
آسيا نقطة للجيش الباكستاني في جنوب وزيرستان (أرشيفية)

مقتل 7 وإصابة 16 بانفجار قنبلة في معقل سابق لحركة «طالبان» الباكستانية

أعلنت الشرطة مقتل 7 أشخاص على الأقل وإصابة 16 آخرين، الاثنين، إثر انفجار قنبلة قوية أمام مكتب لجنة سلام موالية للحكومة الباكستانية في معقل سابق لحركة «طالبان».

«الشرق الأوسط» (ديرا إسماعيل خان (باكستان) )
آسيا أمير خان متقي القائم بأعمال وزير خارجية جماعة «طالبان» الأفغانية خلال لقائه توم فليتشر رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بأفغانستان في كابل الأحد (الخارجية الأفغانية)

القائم بأعمال وزير خارجية «طالبان»: أفغانستان لا تزال بحاجة إلى دعم خارجي

قال أمير خان متقي، القائم بأعمال وزير الخارجية في حكومة «طالبان» بأفغانستان، إن بلاده لا تزال بحاجة إلى الدعم الخارجي؛ بسبب التحديات المستمرة التي تواجهها.

«الشرق الأوسط» (كابل)
آسيا جندي من قوة أمن الحدود يفحص جوازات سفر مواطنين باكستانيين استعداداً لمغادرة الهند بعد أن ألغت الهند تأشيراتهم الممنوحة عند معبر أتاري - واجاه الحدودي قرب أمريتسار بالهند في 27 أبريل 2025 (رويترز)

الجيش الباكستاني يعلن قتل «54 متطرفاً» على الحدود مع أفغانستان

أعلن الجيش الباكستاني، الأحد، أنه قتل في 3 أيام «54 متشدداً» حاولوا التسلل عبر حدود أفغانستان، موجهاً أصابع الاتهام إلى الهند بعد أيام من التوتر بين البلدين.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
الولايات المتحدة​ يواجه حاجي نجيب الله (49 عاماً) وهو مواطن أفغاني اتُّهم في عام 2020 باختطاف ديفيد رود مراسل «رويترز» السابق عقوبة السجن مدى الحياة (رويترز)

قائد سابق في «طالبان» يعترف باحتجاز صحافي أميركي رهينة

قالت وزارة العدل الأميركية، الجمعة، إن قائداً سابقاً في حركة «طالبان» أقر بالذنب في احتجاز صحافي أميركي واثنين من المواطنين الأفغان، رهائن في أفغانستان وباكستان


الكونغرس الأميركي يواجه شللاً تشريعياً بمواجهة قرارات ترمب التنفيذية

أقر الكونغرس 5 قوانين فقط في دورته الجديدة (أ.ف.ب)
أقر الكونغرس 5 قوانين فقط في دورته الجديدة (أ.ف.ب)
TT

الكونغرس الأميركي يواجه شللاً تشريعياً بمواجهة قرارات ترمب التنفيذية

أقر الكونغرس 5 قوانين فقط في دورته الجديدة (أ.ف.ب)
أقر الكونغرس 5 قوانين فقط في دورته الجديدة (أ.ف.ب)

في الثالث من يناير (كانون الثاني) 2025، وقف المُشرّعون تحت قبة الكونغرس وأدلوا بقسم اليمين للمباشرة بمهامهم في المجلس التشريعي بدورته الـ119، مُمهدّين لاستلام الرئيس المنتخب دونالد ترمب سُدة الرئاسة في العشرين من الشهر نفسه.

وفيما كانت التوقعات بأن تطغى المشاهد الاحتفالية على افتتاح الكونغرس بدورته الجديدة ترحيباً بالموجة الحمراء التي اكتسحت الولايات المتحدة في انتخابات رئاسية وتشريعية بسطت سيطرة الحزب الجمهوري على المرافق التشريعية، إلا أن المشهد كان بعيداً عن هذه التوقعات، إذ سادت عليه مشادات حزبية عميقة أدّت إلى عرقلة انتخاب رئيس مجلس نواب لساعات طويلة، ليكون بمثابة جرس إنذار مُبكّر لترمب الذي علم حينها أن الأغلبية الجمهورية الضئيلة في المجلسين لن تتمكن من تنفيذ أجندته وتطبيق وعوده.

استراتيجية مختلفة

ترمب يتحدث في «عشاء الرئيس» أمام اللجنة الوطنية الجمهورية يوم 8 أبريل 2025 (أ.ف.ب)

ومن هذا الواقع، رسم الرئيس الأميركي استراتيجيته، متحدياً الأنظمة والأعراف والبروتوكولات، ومعتمداً على القرارات التنفيذية لتنفيذ وعوده الانتخابية بعيداً عن التجاذبات العميقة في الكونغرس، في خطوة يقول البعض إنها غير دستورية في بعض قراراتها، وكانت لتولد ثورة في المجلس التشريعي لو كان تحت سيطرة ديمقراطية، أو لو لم يكن الجمهوريون بأغلبيتهم أولياء لترمب.

هذا ما تحدث عنه كيفين بيشوب، مدير الاتصالات السابق للسيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الذي قال في حديث مع «الشرق الأوسط» إن «قلة من الرؤساء تسلَّموا الرئاسة ولديهم هذا التأثير القوي على الكونغرس مثل الرئيس ترمب». وتابع: «في صفوف الجمهوريين، يقف ترمب كالقائد الوحيد بلا منازع، وهو الذي يحدد الأجندة. كل ما يطلبه يُنفّذ».

من ناحيته، يعتبر جارفيس ستيورات، كبير المستشارين لوزير العمل الأميركي ومدير الموظفين للنائب الديمقراطي هارولد فورد سابقاً، أن المائة يوم الأولى من عهد الرئيس الجديد ترسم تاريخياً توجهات الإدارة وهي في «غاية الأهمية». وأوضح في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن «علاقة الرئيس ترمب مع الكونغرس بأغلبيته الجمهورية في المجلسين ليست استثناء لهذه القاعدة. فمع الأغلبية الضئيلة للجمهوريين وموعد الانتخابات النصفية بعد أقل من 24 شهراً، على الكونغرس أن يقرر ما إذا كانت السياسة العامة والمقترحات الاقتصادية التي رسمها ترمب ستخلق مساراً للنمو المستديم للعائلات الأميركية تُمهد لفوز حزب ضد الآخر في عام 2027».

5 قوانين و124 قراراً تنفيذياً

ترمب يصافح رئيس قضاة المحكمة العليا جون روبرتس خلال خطاب «حال الاتحاد» في 4 مارس 2025 (أ.ب)

لكن ترمب لم يطلب الكثير من الكونغرس في الأيام المائة الأولى من عهده الثاني. فهو الرئيس الأول منذ سبعين عاماً الذي يوقع على عدد قليل جداً من القوانين مقارنة بالرؤساء الأميركيين. إذ وقّع على 5 قوانين فقط حتى الساعة، ثلاثة منها تتعلق بإلغاء قرارات من عهد سلفه جو بايدن، وقانون «لايكن رايلي» لإصلاح سياسات الهجرة، بالإضافة إلى قانون تمويل المرافق الفيدرالية حتى شهر سبتمبر (أيلول) المقبل.

وفي هذا الإطار، تقول بريتني مارتينيز، مديرة اتصالات رئيس مجلس النواب السابق كيفين مكارثي، في مقابلة مع «الشرق الأوسط»: «لقد وقّع ترمب على أقل عدد من القوانين مقارنة بالـ70 عاماً الماضية. كما مرّت سبع سنوات منذ أن سيطر الجمهوريون على مجلس النواب ومجلس الشيوخ والبيت الأبيض». وتابعت: «بدلاً من التركيز على سياسات مؤثرة عبر العمل مع الكونغرس، أعطت إدارة ترمب الأولوية للأوامر التنفيذية التي لا تتمتع بصلاحية مستديمة».

زعيم الديمقراطيين في «الشيوخ» تشاك شومر يتحدث مع الصحافيين في الكونغرس يوم 9 أبريل 2025 (أ.ب)

حقائق

عدد القوانين التي أقرّها الرؤساء الأميركيون في أول 100 يوم

  • دونالد ترمب (2025): 5 قوانين
  • جو بايدن (2021): 7 قوانين
  • دونالد ترمب (2017): 24 قانوناً
  • باراك أوباما (2009): 11 قانوناً
  • جورج بوش الابن (2001): 7 قوانين
  • بيل كلينتون (1993): 21 قانوناً
  • جورج بوش الأب (1989): 13 قانوناً
  • رونالد ريغان (1981): 9 قوانين
  • جيمي كارتر (1977): 19 قانوناً
  • ريتشارد نيكسون (1969): 8 قوانين
  • جون إف كينيدي (1961): 20 قانوناً
  • دويت أيزنهاور (1953): 20 قانوناً

وقد تخطّى ترمب الكونغرس مُوقّعاً على أكثر من 124 قراراً تنفيذياً من دون مواجهة تذكر مع الكونغرس بمجلسيه، لتتكفل المحاكم بهذه المواجهة. لكن الصلاحيات الرئاسية واسعة، وهذا ما يبني عليه ترمب الذي يتحدى قرارات المحاكم، ويؤخرها. فالرئيس الأميركي يعلم جيداً أن أمامه عامين من الهدوء التشريعي النسبي في ظل الأغلبية الجمهورية، قبل الانتخابات النصفية التي قد تدفع بالديمقراطيين نحو الأغلبية، ما سيعطي للحزب المعارض صلاحيات أكثر قد تؤدي إلى عرقلة أجندته.

ويُحذّر بيشوب من أن «شهر العسل» بين ترمب والكونغرس لن يستمر، مشيراً إلى أن تأثير الرؤساء يتضاءل مع مرور الوقت. واستدرك قائلاً: «في الأيام المائة الأولى من عهده الثاني، أدّت التغييرات الكبيرة في الهجرة والتجارة والحدود والإنفاق والقواعد إلى التأثير على الولايات المتحدة، كما شعر بها كل العالم».

أغلبية ضئيلة

وتُصعّب الأغلبية الضئيلة في المجلسين من إقرار أي مشاريع من دون تعاون ديمقراطي، خصوصاً في ظل الانقسامات الجمهورية بين مشرّعي حركة «ماغا» (لنجعل أميركا عظيمة من جديد) الداعمين لترمب، والمشرّعين التقليديين على غرار السيناتور ميتش مكونيل، وليزا مركوفسكي، وسوزان كولينز. لكن الجمهوريين الداعمين لترمب تمكّنوا حتى الساعة من عرقلة مساعي المعارضين في التصدي لقرارات الرئيس الأميركي، على رأسها القرارات المتعلقة بالتعريفات الجمركية. 

رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون يتحدث مع الصحافيين في الكونغرس يوم 10 أبريل 2025 (أ.ف.ب)

فبعد أن استعمل ترمب صلاحيات الطوارئ التنفيذية لفرض تعريفات على المكسيك والصين وكندا، سارع بعض الجمهوريين إلى تأييد مشروع قانون يؤكد صلاحيات الكونغرس في فرض الرسوم، لكن سرعان ما قام الزعيمان الجمهوريان في مجلسي «الشيوخ» و«النواب» بتوظيف تكتيكات إجرائية لإحباط هذه المحاولات. 

ويقول ستيورات إن مواقف الرئيس الأميركي المتغيرة بشأن القضايا الاقتصادية، مثل الرسوم الجمركية تسبّبت في مخاوف كبيرة، ليس في الأسواق المالية الأميركية فحسب، بل للأسر الأميركية الممثلة في الكونغرس الحالي. وأضاف: «يواجه أعضاء الكونغرس في كلا الحزبين احتجاجات شعبية كبيرة حول ما إذا كانوا يفعلون ما يكفي في المائة يوم الأولى من إدارة ترمب لدعم أولوياته السياسية، أو لمعارضتها بفعالية». وعدّ ستيورات أن «الاقتصاد الأميركي هو في صميم هذا الموقف، وأتوقع أن يستمر ذلك حتى يتم تقديم رسالة متسقة أكثر من قبل الإدارة».

وفي ظل هذا الشلّل التشريعي النسبي، يسعى الزعماء الجمهوريون إلى توظيف طاقاتهم للتوصل إلى تسوية بشأن أحد أهم المشاريع التي اعتاد الكونغرس أن يقرها في بداية عهد الرئيس، وهو ما يعرف بقانون التسوية الذي يتضمن آلية تشريعية تضمن تطبيق أجندة الرئيس الداخلية. 

وعادة ما تتطلب صياغة هذا المشروع عدة أشهر، خصوصاً في ظل الانقسامات والأغلبية الضئيلة في المجلسين.

وتتحدث مارتينيز عن الشلل التشريعي، فتقول: «لقد أثبت هذا الكونغرس أن تمرير التشريعات فيه أمر معقد جداً، وهذا سيزداد صعوبة مع اقترابنا من الانتخابات النصفية».

عامل ماسك

وفي ظل هذه الانقسامات، يبقى العامل المشترك بين الديمقراطيين والجمهوريين على اختلاف مواقفهم، هو القلق من دور إيلون ماسك في إدارة ترمب. إذ ثمّة تململ واضح من أسلوبه في التعاطي مع القضايا الفيدرالية الحساسة، في ظل غياب معرفته بدور الكونغرس. وتقول جالينا بورتر، نائبة المتحدث السابق في وزارة الخارجية في عهد بايدن ومديرة الاتصالات السابقة للنائب الجمهوري سيدريك ريتشموند، إن ترمب نفّذ وعوده الانتخابية خلال المائة يوم الأولى من عهده، وهي وعود تتناسب مع مبادرة مشروع 2025 المحافظ، على حد تعبيرها. 

إيلون ماسك بجانب ترمب في البيت الأبيض يوم 11 مارس 2025 (رويترز)

وأوضحت بورتر في حديث مع «الشرق الأوسط»: «لقد عملت في الكونغرس خلال الولاية الأولى للرئيس ترمب، وهناك بالتأكيد نغمة مختلفة هذه المرة. فالكونغرس يواجه اليوم تحديات غير مسبوقة، وفيما يتوافق النواب والشيوخ من كلا الحزبين على ضرورة زيادة كفاءة وفعالية الحكومة، إلا أن ما سُمح لمكتب (دوج) برئاسة ماسك بفعله للالتفاف حول الكونغرس وتقويضه أدّى إلى توترات بين الكونغرس والبيت الأبيض».

وخير دليل على ذلك القرارات الجذرية التي اتخذها لإلغاء مرافق فيدرالية أسّسها الكونغرس من دون العودة إليه، ما فتح الباب أمام وابل من الدعاوى القضائية التي ستستمر حتى الانتخابات النصفية، مهددة طموحات الجمهوريين بالاحتفاظ بالأغلبية في المجلسين.