الذكاء الاصطناعي... وهشاشة التنافس الجيوسياسي

شعار برنامج «ديب سيك» للذكاء الاصطناعي (رويترز)
شعار برنامج «ديب سيك» للذكاء الاصطناعي (رويترز)
TT

الذكاء الاصطناعي... وهشاشة التنافس الجيوسياسي

شعار برنامج «ديب سيك» للذكاء الاصطناعي (رويترز)
شعار برنامج «ديب سيك» للذكاء الاصطناعي (رويترز)

كلما اشتدت المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي، اقترب الذكاء الاصطناعي من نقطة «التفرّد» (Singularity). وكلما اقتربنا من نقطة التفرّد، أصبح الذكاء الاصطناعي أكثر خطراً على العنصر البشريّ. يُحدّد العالم والمفكّر الأميركي، راي كورتزويل، نقطة التفرّد على أنها «نقطة الاندماج الكلّي بين التكنولوجيا والبيولوجيا البشريّة». فبعد هذه النقطة، يصبح الإنسان قادراً على تجاوز محدوديّة البيولوجيا البشرية التي تحدّ من قدراته، لتنفتح أمامه عوالم جديدة، مختلفة وغير مألوفة.

يُعلّق هنري كيسنجر على الذكاء الاصطناعي على أنه يقلب المفهوم التقليدي للوعي البشري (Consciousness). فقبل الذكاء الاصطناعي، كان الفلاسفة والعلماء يضعون النظريات والمفاهيم العلمية، لتُطبّق لاحقاً من قِبل المستوى العلمي البشري. حالياً، ومع الذكاء الاصطناعي، انقلبت المعادلة رأساً على عقب؛ إذ أصبح الذكاء الاصطناعي هو الذي يضع النظريات والمفاهيم، وما على الإنسان إلا أن يعيها ويُطبّقها. وعليه أين تصبح مقولة الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت: «أنا أفكر، إذن أنا موجود»؟ فإذا كانت الآلة هي التي تفكّر بالذكاء الاصطناعيّ، فأين أكون أنا؟

في مكان آخر، يُحذّر عرّاب الذكاء الاصطناعي، جفري هنتون، إلى جانب الكثير من العلماء، من أن الذكاء الاصطناعي سيشكّل خطراً كارثياً على البشريّة كما خطر الأوبئة والحروب النوويّة.

«ديب سيك» (Deep Seek)

«ديب سيك» الصيني مثله مثل «ChatGpt»، فيه الصلب (Hard)، كما الطريّ (Soft). والمقصود بالطريّ هو تلك الخوارزميات التي تستعمل الشبكة العصبيّة (Neural). وهي من برامج الكمبيوتر المُصمّمة لتقليد الطريقة التي يعمل بها الدماغ البشريّ. هذه الخوارزميات قادرة على تحليل وفهم كميات كبيرة من الداتا، مثل النص، لإنشاء نصوص مشابهة للمحادثة البشريّة، كما إنشاء الصور وغيرها. هي توليديّة (Generative). وإذا كانت تعطي الداتا من نص وغيره فلا بد من أن تدرّب على الكثير من الداتا. فعلى سبيل المثال لا الحصر، دُرّب الـ«ChatGpt» على كمية من الداتا تقارب الـ45 تيرا بايت من النصوص. كما تمّ تدريبها على 175 مليار معلمة (Parameters)، التي يستعملها النظام لتقديم التوقعات والرد على الأسئلة المطروحة عليه.

إذن، صلب، مع طريّ الخوارزميات، التدريب على الداتا، وبعدها الاستعمال. يبقى أمران مهمّان هما، التكلفة، والسرعة في الحوسبة (Computing). هذا مع التذكير أن سرعة الحوسبة، كما حجم الداتا، هما مرتبطان بالصلب (Hard)، والمقصود هو البنى التحتيّة، إن كان لتخزين الداتا، أو إن كان في تصنيع الشرائح الذكيّة المتقدّمة، والقادرة على تأمين الحوسبة السريعة. وفي هذه المعادلة، هناك صراع كونيّ بين الصين والولايات المتحدة الأميركيّة يسعى للهيمنة على البعد الصلب أكثر منه على البعد الطريّ، خصوصاً أن مصدر البُعد الطري هو العبقريّة البشرية، كما حصل مؤخراً مع «ديب سيك». ألم يقل الفيلسوف الفرنسي ريجيس دوبريه: «إن الأفكار تسيّر العالم»؟ حجبت الولايات المتحدة الأميركية عن الصين البُعد الصلب مقابل الشرائح الضرورية لتدريب الذكاء الاصطناعي. كان الرد الصيني عبر الابتكار البشري، وممن درسوا وتعلّموا في الجامعات الصينيّة. وعليه قد يمكن القول إن فكرة بشرية متقدّمة في الـ«كيف»، أطاحت بمليارات الدولارات من الاستثمارات الأميركيّة في حقل الذكاء الاصطناعيّ. فهل توقّف الصراع؟ بالطبع كلا، خاصة أن في هذا النوع من الصراع لا يمكن لأي فريق الحفاظ على مركز الصدارة.

إن تدريب الذكاء الاصطناعي على داتا معيّنة، يحتم أن تكون هذه الداتا من النوعيّة الممتازة والدقيقة، وإلا سيكون الناتج سيّئاً. وإذا كان المثل الشعبي يقول: «قل لي من تعاشر أقل لك من أنت». فان هذا الأمر بمضمونه قد ينطبق على الذكاء الاصطناعي: «قل على ماذا درّبته، أقل لك نوعيّة الداتا المُنتجة». إذن، الأمر كله داتا بداتا لإنتاج معرفة جاهزة للاستعمال، التي بدورها تعود إلى إنتاج داتا جديدة غير مُعالجة، وهكذا دواليك.

بعض الأسئلة

ما الذي يربط حرب الخنادق في أوكرانيا بالثورة الصناعية والذكاء الاصطناعي؟ أوكرانيا مسرح اختبار لكل التكتيكات والأسلحة، ضمناً الذكاء الاصطناعي. بكلام آخر، الصراع على الداتا، على الصلب كما على الطريّ. في أوكرانيا، وقبيل الحرب السيبرانيّة الروسية على داتا المؤسسات الرسمية الأوكرانية، قدّمت الشركات الأميركية مجاناً ملجأ ومخزناً لكل الداتا الأوكرانية في «السحاب» (Cloud)، هذا عدا تقديم شركة «ستارلينك» الأقمار الاصطناعية للجيش الأوكراني لتأمين القيادة والسيطرة.

ما الذي يجمع الحرب الإسرائيليّة على غزة بالثورة الصناعية والذكاء الاصطناعيّ؟ غزّة مسرح اختبار لحروب القرن الماضي، استعداداً لعصر الذكاء الاصطناعي. في غزة، تعاونت إسرائيل مع «غوغل» و«مايكروسوفت» لتشغيل برنامج الذكاء الاصطناعي «خُزامى»، (Lavender) الذي كان يوفّر بنك الأهداف المحتملة للجيش الإسرائيلي.

فهل يمكن التساؤل بعد هذه التجارب الأولية عن أهميّة الهيمنة على الداتا، الطريّ والصلب، للحروب المقبلة؟ ألم يُنظّر الفيلسوف الفرنسي بول فيريليو حول أهميّة السرعة (Dromology)، وهي كلمة إغريقية تعني السباق، وتفسّر العالم والواقع على أنه نتيجة للسرعة؟


مقالات ذات صلة

هوليوود تدعو ترمب إلى حماية السينما من الذكاء الاصطناعي

يوميات الشرق عبارة الذكاء الاصطناعي تظهر إلى جانب لوحة مفاتيح وروبوت في صورة مركبة (رويترز)

هوليوود تدعو ترمب إلى حماية السينما من الذكاء الاصطناعي

دعت أكثر من 400 شخصية هوليوودية البيت الأبيض إلى حماية حقوق المؤلف المتعلقة بالأعمال السينمائية والموسيقية لمنع استغلالها بواسطة الذكاء الاصطناعي.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
علوم 60 % من نتائج بحث أدوات الذكاء الاصطناعي... غير دقيقة

60 % من نتائج بحث أدوات الذكاء الاصطناعي... غير دقيقة

تقدِّم أحيانا نتائج «معقولة» لكن غير صحيحة

كيت إيتون (واشنطن)
الخليج الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان نائب حاكم إمارة أبوظبي ومستشار الأمن الوطني في الإمارات خلال اللقاء (وام)

الرئيس الأميركي ترمب يجري محادثات مع مستشار الأمن الوطني الإماراتي

بحث الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم إمارة أبوظبي ومستشار الأمن الوطني في الإمارات، آفاق الشراكة الاستراتيجية طويلة الأمد.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي - واشنطن)
تكنولوجيا منافسة حادة بين نموذجي «تشات جي بي تي 4.5» و«غوغل جيميناي 2.0» للتربع على عرش الذكاء الاصطناعي

«تشات جي بي تي 4.5» و«غوغل جيميناي 2.0»: صراع العمالقة في عالم الذكاء الاصطناعي

أي منهما سيتفوق في سباق العقول الاصطناعية؟

خلدون غسان سعيد (جدة)
خاص التقارب بين الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية يمكن أن يسرع الاكتشافات في مجالات مثل الأدوية والمناخ (أدوبي)

خاص كيف يغير تقارب الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية وجه الاكتشافات العلمية؟

الحوسبة الكمومية والذكاء الاصطناعي يجتمعان لقيادة الابتكار العلمي، مع تقدم سريع في التطبيقات التجارية، من اكتشاف الأدوية إلى الأمن السيبراني.

نسيم رمضان (سياتل)

مستثمر في «تسلا» يدعو إيلون ماسك للتنحي عن منصبه: «دمَّر سمعة الشركة»

الرئيس التنفيذي لشركة تسلا إيلون ماسك (أرشيفية-رويترز)
الرئيس التنفيذي لشركة تسلا إيلون ماسك (أرشيفية-رويترز)
TT

مستثمر في «تسلا» يدعو إيلون ماسك للتنحي عن منصبه: «دمَّر سمعة الشركة»

الرئيس التنفيذي لشركة تسلا إيلون ماسك (أرشيفية-رويترز)
الرئيس التنفيذي لشركة تسلا إيلون ماسك (أرشيفية-رويترز)

قال روس جيربر، أحد أوائل المستثمرين في شركة تسلا للسيارات الكهربائية، إن الملياردير إيلون ماسك، المقرَّب من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، عليه التنحي عن منصبه رئيساً تنفيذياً للشركة ما لم يتخلَّ عن منصبه الحكومي الجديد.

وأضاف جيربر، خلال مقابلة مع شبكة «سكاي نيوز» البريطانية، أن فترة بقاء ماسك في منصبه بالشركة أصبحت محدودة جداً، وأن عمله مع ترمب يثير الانقسام، وتابع أن رجل الأعمال فقَدَ تركيزه نظراً لتوسع اهتماماته.

وأشار إلى دور ماسك في ترؤس وزارة الكفاءة الحكومية الجديدة في إدارة ترمب.

ووفقاً للشبكة، أثارت هذه الوزارة غضباً شعبياً واحتجاجاتٍ على التخفيضات الكبيرة المخطط لها في عدد موظفي الحكومة.

وقال جيربر: «أعتقد أن تسلا بحاجة إلى رئيس تنفيذي جديد، وقد قررت، اليوم، أن أبدأ طرح هذا الأمر، وهذا أول برنامج أطرحه فيه».

شعار «تسلا» في إحدى وكالات بيع السيارات (د.ب.أ)

وتابع: «حان الوقت ليتولى أحدهم إدارة (تسلا)، لقد أُهملت هذه الشركة لفترة طويلة، هناك كثير من الأمور المهمة التي تقوم بها (تسلا)، لذا إما أن يعود إيلون إلى (تسلا) ويصبح الرئيس التنفيذي للشركة ويتخلى عن وظائفه الأخرى، أو أن يركز على الحكومة ويواصل عمله مع إيجاد رئيس تنفيذي مناسب لـ(تسلا)».

وأكد أن الشركة «في أزمة حقيقية»، وأن منصب إيلون ماسك الحكومي كان من بين عدة أسباب دفَعَته لبيع عدد كبير من أسهمه في الأشهر الأخيرة.

وانخفضت القيمة السوقية لشركة تسلا بأكثر من 800 مليار دولار، منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وتعاني عدة مشاكل، حيث يبدو أن الطلب على السيارات الكهربائية بلغ ذروته في الأسواق الغربية الرئيسية، على الرغم من الخصومات الكبيرة التي طالت أسعارها لتعزيز جاذبيتها في وقتٍ يشهد ضغوطاً مستمرة على ميزانيات المستهلكين، كما أن المنافسة من قِبل الصين رخيصة السعر تُقلص حصة «تسلا» السوقية، ومع ارتفاع التكاليف بسبب الحرب التجارية التي شنها ترمب، ليس من المستغرب أن يشعر المستثمرون بالقلق.

الرئيس التنفيذي لشركة تسلا إيلون ماسك (أرشيفية-رويترز)

وقال جيربر إن منتجات «تسلا» هي، بلا شك، الأفضل على الإطلاق، إلا أن ماسك لم يكن لديه سوى 24 ساعة في اليوم، وقد قسم وقته بشكل مفرط منذ شرائه منصة «إكس» في عام 2022.

وأضاف أن منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي وعمله مع ترمب منذ ذلك الحين جلبا دعاية سلبية كبيرة لـ«تسلا»، وقال: «لقد دمّر إيلون ماسك سُمعة الشركة».

وأضاف: «المبيعات تتراجع بشكل حادّ، لذا، نعم، إنها أزمة. لا يمكنك بيع أفضل منتج في السوق لأن الرئيس التنفيذي مثير للانقسام».