سوريا بعد الأسد من منظور أميركي

مسؤولون سابقون: نحن لا نجيد هندسة المجتمعات أو بناء الدول... ومتخوفون من عودة «داعش»

TT

سوريا بعد الأسد من منظور أميركي

يرجح كثيرون أن يسحب ترمب القوات الأميركية من سوريا (أ.ب)
يرجح كثيرون أن يسحب ترمب القوات الأميركية من سوريا (أ.ب)

قوبل سقوط الرئيس السوري بشار الأسد بتصريحات أميركية مرحبة ومحذرة في الوقت نفسه. فهذه اللحظة التي انتظرها الأميركيون كثيراً وعملوا عليها من خلال تطويق الأسد ومحاصرته بالعقوبات والضغوطات الاقتصادية والسياسية، فاجأتهم بتطوراتها المتسارعة، وخاصة أنها حصلت على يد تنظيم مدرج على لوائح الإرهاب الأميركية، وهو «هيئة تحرير الشام»، وزعيمها أبو محمد الجولاني، المعروف اليوم بأحمد الشرع، والذي وضعت أميركا مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يتقدم بمعلومات عنه. بالمقابل، يقف الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب محذراً: «سوريا ليست معركة الولايات المتحدة، ولا يجب أن تتدخل فيها»، في موقف سلّط الضوء مجدداً على أسلوبه المختلف في إدارة الأزمات.

يستعرض «تقرير واشنطن»، وهو ثمرة تعاون بين «الشرق الأوسط» و«الشرق»، كيفية تعامل إدارة بايدن مع الأمر الواقع في سوريا، وما إذا كانت سترفع «الهيئة» من لوائح الإرهاب، بالإضافة إلى توجهات إدارة ترمب المقبلة، وما إذا كان سينفذ وعوده السابقة بسحب القوات الأميركية من هناك.

سقوط صادم

فاجأ السقوط السريع لنظام الأسد الولايات المتحدة (أ.ف.ب)

فاجأ سقوط الأسد السريع الكثيرين في واشنطن، كالسفير الأميركي لدى سوريا والإمارات ثيودور قطّوف الذي أعرب عن صدمته حيال مجريات الأحداث وتسارعها، مشيراً إلى أنه على الأرجح أن «هيئة تحرير الشام» لم تتوقع أيضاً أن تحقق هذا النوع من النجاح بهذه السرعة. ويعتبر قطّوف أن ما جرى أثبت «ضعف الأسد وعدم ولاء قواته العسكرية والأمنية».

من ناحيته، وصف السفير الأميركي السابق لدى البحرين ونائب المبعوث السابق للتحالف الدولي لهزيمة تنظيم «داعش» ويليام روبوك، سقوط الأسد بـ«التحول الصادم والمثير للدهشة». واعتبر روبوك أن رفع الغطاء الإيراني والروسي عن الأسد تركه «مكشوفاً وضعيفاً جداً»، مشيراً إلى أن «هيئة تحرير الشام» بدأت بهذا الهجوم في البداية على أنه هجوم صغير في حلب، ثم حققت نجاحاً تلو الآخر. وأضاف: «حتى قبل يوم أو يومين من سقوط دمشق، كان البعض يعتقد أنه قد تمر أسابيع، لا بل شهور، على السيطرة عليها، غير أن الأمر حدث في يوم واحد فقط».

الأسد وبوتين في اجتماع بالكرملين يوم 24 يوليو 2024 (رويترز)

ويقول الكولونيل أنتوني شافر المسؤول الاستخباراتي السابق في وزارة الدفاع الأميركية ومستشار حملة ترمب السابقة، إن سبب الأحداث المتسارعة يعود إلى تحييد العنصرين الأساسيين في الدفاع عن الأسد، وهما «حزب الله» وروسيا؛ ما أدى إلى «بقاء جيش غير فعال وهزيل تحت إمرته انهار بسرعة فائقة». لكن شافر يسلّط الضوء في الوقت نفسه على الدور التركي، وتحديداً دور الرئيس رجب طيب إردوغان، مشيراً إلى أنه «رأى فرصة مع خسارة دعم روسيا وتراجع قوة (حزب الله) كوسيلة لاستعادة نفوذ تركيا». وأضاف: «السؤال الآن: ماذا نفعل حيال تركيا؟ فتركيا حليف في (الناتو)، لكنها غالباً ما تعمل باستقلالية ومن دون اعتبار للمصالح الأميركية. وبرأيي، هذا ما حصل هنا».

القوات الأميركية ومصير «قسد»

مقاتل من «قوات سوريا الديمقراطية» في مطار القامشلي يوم 9 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

وهنا يشدد قطّوف على الدور الكبير الذي لعبته تركيا في الأحداث، مشيراً إلى وجود «همّين رئيسين لإردوغان» هما «أولاً عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم والذين يبلغ عددهم 3 ملايين لاجئ، وهذه مسألة سياسية محلية تشكل ضغطاً هائلاً على إردوغان. وثانياً بالطبع تزايد سلطة الأكراد في شرق سوريا لدرجة تقلقه، وهو الآن قادر على مواجهتهم».

ومع تزايد الحديث عن احتمال سحب ترمب القوات الأميركية البالغ عددها نحو 900 عنصر في شمال شرقي سوريا، يعرب قطّوف عن قلقه حيال مصير حلفاء الولايات المتحدة الأكراد، مضيفاً: «أخشى أننا سنتخلّى مرة أخرى عن حلفائنا الأكراد الذين تم التخلي عنهم مرات عديدة من قبل إدارات عديدة، من ضمنها إدارة هنري كيسنجر في سبعينات القرن الماضي».

ويشارك روبوك الذي عمل عن قرب مع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في إدارة ترمب الأولى، هذا القلق، مشدداً على أنهم كانوا «شركاء قيّمين وتحملوا الكثير من الخسائر». وأضاف: «أنا قلق حيال توجه قرار الولايات المتحدة. أعتقد أن تركيا تقود الوضع حالياً، والولايات المتحدة تتمتع بعلاقة قريبة لكن صعبة مع تركيا من بعض النواحي، وأنا لست متأكداً أننا سنكون حازمين وأقوياء بما فيه الكفاية في إيصال رسالتنا إلى تركيا، ومفادها أننا نريد الحفاظ على أمان هذه القوة لكي تستمر بالقتال ضد (داعش) في شمالي شرقي سوريا». وأشار روبوك إلى أن «تركيا تملك نفوذاً كبيراً في الوقت الحالي، وهذا ما يضع الأكراد في موقف صعب». ويتحدث شافر عن المسألة الكردية فيصفها بـ«المعقدة جداً»، ويضيف: «ليس من العدل أن يتم استخدامهم كحليف رئيس وشريك قتال فعال، ثم يتم تجاهلهم مجدداً». لكن شافر الذي عمل مستشاراً لترمب يرجح أن الرئيس المنتخب سيعيد تقييم الدور الأميركي في سوريا، وسيعيد النظر في قواعد القوات الأميركية من حيث التكلفة، مشيراً إلى أنه سينظر كذلك في احتمال «تنفيذ المهمة من القاعدة الأميركية في أربيل وفي الأردن».

عودة «داعش»؟

مسلح من الفصائل يقف أمام الجامع الأموي في دمشق يوم 13 ديسمبر 2024 (رويترز)

ويحذر الكثيرون من أن سحب القوات الأميركية من شمال شرقي سوريا سيعني عودة تنظيم «داعش». ويتوقع روبوك الذي لعب دوراً أساسياً في مكافحة التنظيم في إدارة ترمب، أن «يعود التنظيم». ويضيف: «عندما يزول الضغط أعتقد أن الفوضى والاضطرابات في سوريا ستكون مثل الأكسجين لـ(داعش). إن (هيئة تحرير الشام) هي الخصم الآيديولوجي لـ(داعش)، لكن لا أراهم قادرين على مواجهة هذا التحدي في الأشهر المقبلة».

ويشكك روبوك في أن تتمكن «قوات سوريا الديمقراطية» من التصدي لـ«داعش» أو البقاء في حال انسحاب الولايات المتحدة، مشدداً على ضرورة بقاء هذه القوات في عهد ترمب.

من ناحيته، يتحدث شافر عن تحدٍّ آخر يواجه الولايات المتحدة، وهو سجناء «داعش» في سوريا والذين يصل عددهم إلى قرابة 50 ألفاً، بحسب تقييم للسيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، فيقول: «سنضطر إلى مواجهة هذه القضية مباشرةً، وهو ما لم ترغب إدارة بايدن في التعامل معه. فهناك مشاكل متعلقة بالاحتجاز غير المحدود، والتي يجب أن نجد حلاً لها، وهي (مشاكل) مشابهة للنقاش المرتبط بـ(غوانتنامو)».

الجولاني ولوائح الإرهاب

الجولاني في صورة أرشيفية له في 28 يوليو 2016 عندما كان زعيماً لـ«جبهة النصرة» (أ.ف.ب)

وفي ظل تطورات الأحداث وسيطرة زعيم «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني، المعروف اليوم بأحمد الشرع، على المشهد، يدعو روبوك إلى رفع تصنيف «تحرير الشام» كمنظمة إرهابية أجنبية، وإلى رفع القيود الاقتصادية «القاسية جداً» على سوريا.

ويفسر هذه المقاربة قائلاً: «يجب أن نكون ملتزمين، وأن نحاول العمل مع حلفاء تعاونوا معنا في التحالف العالمي ضد (داعش)، وإشراك حلفائنا من الخليج؛ فهم لاعبون مهمون جداً ولديهم مصالح كبيرة في سوريا، وأعتقد أن الشعب والحكومة في سوريا لديهما مصلحة في بناء مجموعة أوسع من الأصدقاء بدلاً من الاعتماد على تركيا».

من ناحيته، يتوقع شافر «انقساماً في السياسة» فيما يتعلق بالتعاطي مع «الهيئة»، مشيراً إلى أن ترمب «سيحاول تحديد ما يجب القيام به لتشكيل تحالف، والقيام بما هو ضروري لإعادة الحوكمة إلى المنطقة»، محذراً: «إن لم نكن حذرين فسيعود تنظيم (داعش)، فهذا ما يحصل حالياً في أفغانستان». ويضيف شافر: «يجب أن نكون حذرين جداً عندما نساعد في إسقاط حكومة، قد تكون حكومة لا تعجبنا، لكن على الأقل هي تملك بعض السيطرة على الأراضي. فزعزعة الاستقرار هي الخطر الأكبر للاستقرار الإقليمي، ولكل من يعيش في هذه المناطق أيضاً».

ويتحدث شافر عن الجولاني، معرباً عن شكوكه في الصورة التي يعرضها حالياً، فيقول: «هناك تقارير صادرة حول هذا الرجل، هذا الإرهابي الذي يريد الانتقام من أعداء (هيئة تحرير الشام)، ومن ضمن ذلك قتل بعض الأشخاص. آمل أن أكون على خطأ، آمل أن يكون رجل الدولة الذي يظهره للجميع، لكن أعتقد أن الأمور ستكون أشبه بكاسترو في 1960-1961 حين ظن الجميع أنه سيكون الرجل المناسب، لكنه أصبح حاكماً توتاليتارياً».

ويغوص قطّوف في تفاصيل هذه المقاربة، فيقول عن أميركا وسياساتها: «نحن لا نجيد هندسة المجتمعات أو بناء الدول. إذا كان التاريخ الحديث قد علّمنا شيئاً، فيجب أن يكون هذا ما استنتجناه». ويستكمل قطّوف: «لا يمكننا فرض النتائج من خلال فوهة البندقية. يجب أن يكون لدينا قوة موثوقة عندما تصل إلى طاولة المفاوضات». وعن الجولاني يقول قطّوف: «عندما نتحدّث عن المتطرفين أو عن شخص في السلطة يقدم جانباً جيداً للعالم، نكتشف بعدها أنه شخص مختلف تماماً في الواقع. عموماً، من خلال تجربتي، فإن الثورات تميل إلى أن تأكل أبناءها، وغالباً ما يكون أكثر العناصر تشدداً لهذه الثورات هو الذي يصل إلى المسرح».


مقالات ذات صلة

ترمب يلقي نظرة الوداع على نعش كارتر

الولايات المتحدة​  الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب وزوجته ميلانيا يلقيان نظرة الوداع على نعش الرئيس الأسبق جيمي كارتر المسجّى في مبنى الكابيتول بالعاصمة واشنطن (أ.ف.ب)

ترمب يلقي نظرة الوداع على نعش كارتر

ألقى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب وزوجته ميلانيا الأربعاء نظرة الوداع على نعش الرئيس الأسبق جيمي كارتر المسجّى في مبنى الكابيتول بالعاصمة واشنطن.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد مبنى مجلس الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (أ.ب)

محضر «الفيدرالي»: المسؤولون يرون مخاطر تضخمية جديدة من جراء سياسات ترمب

أعرب مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في اجتماعهم في ديسمبر (كانون الأول) عن قلقهم بشأن التضخم والتأثير الذي قد تخلفه سياسات ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (إ.ب.أ) play-circle 00:36

بلينكن: مسعى ترمب للسيطرة على غرينلاند «لن يحدث»

نصح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن العالم «بعدم إهدار الكثير من الوقت» على ما يقوله الرئيس المنتخب دونالد ترمب عن غرينلاند.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ سفينة شحن تَعبر قناة بنما في سبتمبر الماضي (أ.ب)

«قناة بنما»: ما تاريخها؟ وهل يستطيع ترمب استعادة السيطرة عليها؟

يستنكر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الرسوم المتزايدة التي فرضتها بنما على استخدام الممر المائي الذي يربط المحيطين الأطلسي والهادئ.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث إلى أنصاره خلال تجمع حاشد للانتخابات عام 2024 في فلوريدا (رويترز)

ترمب يحضّ المحكمة العليا على وقف «حكم نيويورك» ضده

قدَّم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب طلباً غير معتاد من المحكمة العليا للتدخل لوقف إصدار حكم ضده بقضية «أموال الصمت» من محكمة في نيويورك.

علي بردى (واشنطن)

خطاب ترمب «التوسعي» يُقلق أوروبا

قام نجل الرئيس المنتخب بزيارة خاصة إلى غرينلاند في 7 يناير (أ.ب)
قام نجل الرئيس المنتخب بزيارة خاصة إلى غرينلاند في 7 يناير (أ.ب)
TT

خطاب ترمب «التوسعي» يُقلق أوروبا

قام نجل الرئيس المنتخب بزيارة خاصة إلى غرينلاند في 7 يناير (أ.ب)
قام نجل الرئيس المنتخب بزيارة خاصة إلى غرينلاند في 7 يناير (أ.ب)

أثارت تصريحات الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، «التوسّعية» استياء وقلق حلفاء بلاده في أوروبا. وجدّد ترمب التلويح، في مؤتمر صحافي بمقرّ إقامته في فلوريدا الثلاثاء، بضمّ كندا لتصبح الولاية الـ51، كما لم يستبعد استخدام وسائل ضغط عسكرية واقتصادية لاستعادة قناة بنما، والسيطرة على إقليم غرينلاند.

وفيما استبعد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو أن «تغزو» الولايات المتحدة ميركغرينلاند، شدد على أن الاتحاد الأوروبي «لن يسمح لدول أخرى بمهاجمة حدوده»، ودعا الاتحاد إلى ألا «يترك نفسه فريسة للخوف أو القلق المفرط»، وأن يستفيق ويعزز قوته.

بدوره، ذكّر المستشار الألماني أولاف شولتس بمبدأ «حرمة الحدود». وبعد مشاورات مع رؤساء حكومات أوروبية، قال شولتس في برلين إن «حرمة الحدود تنطبق على كل دولة»، سواء كانت في الشرق أو الغرب.

أما على الضفة الأخرى من الأطلسي، فقد أكّد رئيس الوزراء الكندي المستقيل جاستن ترودو، ووزيرة خارجيته ميلاني جولي، أنّ أوتاوا «لن تنحني» أمام تهديدات الرئيس الأميركي المنتخب. وقال ترودو إن «كندا لن تكون أبداً، على الإطلاق، جزءاً من الولايات المتّحدة». وفي المكسيك، قالت الرئيسة كلاوديا شينباوم إن اسم «خليج المكسيك» معترف به دولياً، في رد على تصريحات ترمب عن تغيير اسم المسطح المائي إلى «خليج أميركا». وعرضت خريطة توضح المساحة السابقة للمكسيك التي كانت تشمل أراضي أصبحت الآن جزءاً من الولايات المتحدة.