عفو الرئيس عن ابنه يضاعف الشكوك بالنظام القضائي الأميركي

بايدن ينتقد «الملاحقة القضائية الاستنسابية»… وترمب يرى «إساءة للعدالة»

TT

عفو الرئيس عن ابنه يضاعف الشكوك بالنظام القضائي الأميركي

أرشيفية للرئيس الأميركي جو بايدن مع ابنه هانتر في المؤتمر الوطني الديمقراطي بشيكاغو بإيلينوي (رويترز)
أرشيفية للرئيس الأميركي جو بايدن مع ابنه هانتر في المؤتمر الوطني الديمقراطي بشيكاغو بإيلينوي (رويترز)

عزز قرار الرئيس الأميركي جو بايدن العفو عن نجله هانتر قبل أسابيع قليلة من انتهاء عهده، شكوك الأميركيين بالنظام القضائي في بلادهم وسط الاتهامات المتكررة من الرئيس المنتخب دونالد ترمب بـ«تسييس» نظام العدالة في الولايات المتحدة، وتوجهه لإحداث تغييرات جذرية فيه خلال ولايته الثانية.

وكانت الخطوة، التي اتخذها الرئيس بايدن مساء الأحد، بمثابة تطور مذهل؛ لأنه تعهد منذ تولي منصبه في مطلع عام 2021 استعادة استقلال وزارة العدل، بعدما «تآكلت» - بحسب تصريحاته - خلال ولاية ترمب الأولى، ولأنه صرح مراراً بأنه لن يعفو عن ابنه. ولكن بايدن استخدم سلطاته الرئاسية لتبرئة ابنه قبل صدور الأحكام في وقت لاحق من هذا الشهر في شأن إدانة بتهم تتعلق بالسلاح في ديلاوير، وإقرار بالذنب في التهرب الضريبي في كاليفورنيا.

وبذلك رفع بايدن السحابة القانونية التي كانت معلقة فوق ابنه لسنوات، علماً بأنه تعهد مرات عدة عدم العفو عن هانتر أو تخفيف أحكامه في الجرائم الفيدرالية. ولكن قرار بايدن الذي يغادر الحياة السياسية، لن يترك تداعيات سياسية.

وفقاً لنص العفو، فإنه ينطبق على جميع الجرائم التي «ارتكبها هانتر بايدن أو ربما ارتكبها أو شارك فيها خلال الفترة من 1 يناير (كانون الثاني) 2014 حتى 1 ديسمبر (كانون الأول) 2024».

«مقاضاة استنسابية»

الرئيس الأميركي جو بايدن مغادراً عبر طائرة «إير فورس وان» في جزيرة سال بالرأس الأخضر للتوجه إلى أنغولا (أ.ب)

وفي بيان طويل أصدره مساء الأحد قُبيل مغادرته إلى أفريقيا، قال الرئيس إن ابنه هانتر «تعرض لمقاضاة انتقائية وغير عادلة»، مضيفاً أنه لم يتدخل في القضايا التي نشأت بسبب الضغوط السياسية على المدعين الفيدراليين. وقال إنه «لا يمكن لأي شخص عاقل ينظر في وقائع قضايا هانتر أن يتوصل إلى أي استنتاج آخر غير أن هانتر تم استهدافه فقط لأنه ابني، وهذا خطأ»، عادّاً أنه «كانت هناك محاولة لكسر هانتر - الذي كان رصيناً لمدة خمسة أعوام ونصف العام، حتى في مواجهة الهجمات المتواصلة والملاحقة القضائية الاستنسابية. في محاولة لكسر هانتر، حاولوا كسري - ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن الأمر سيتوقف هنا. كفى».

وكشف بايدن أنه اتخذ قراره خلال عطلة نهاية الأسبوع، التي تزامنت مع احتفال الأسرة بعيد الشكر في نانتاكيت بماساتشوستس، وبعدما قدم وكلاء الدفاع عن هانتر بايدن خلال الأسبوع مطالعة من 52 صفحة عنوانها «الملاحقات السياسية لهانتر بايدن». وقال بايدن بعد وقت قصير من نشر قراره: «أؤمن بنظام العدالة، ولكن بينما كنت أعاني هذا، أعتقد أيضاً بأن السياسة الخالصة أصابت هذه العملية وأدت إلى إجهاض العدالة»، آملاً في أن «يتفهم الأميركيون سبب اتخاذ أب ورئيس لهذا القرار».

كان السؤال حول ما إذا كان ينبغي العفو عن ابنه سؤالاً صعباً بالنسبة لبايدن على المستويين الشخصي والسياسي، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن أحد الاتهامات الرئيسة التي وجهها الديمقراطيون إلى ترمب هي أنه سعى إلى التلاعب بنظام العدالة لصالحه. لكن بايدن شعر بحماية ابنه طوال حياته التي اتسمت بمأساة عائلية. وأصيب هانتر وابنه الراحل بو بجروح بالغة في حادث سيارة عام 1972 أدى إلى مقتل والدتهما وأختهما الرضيعة. وتوفي بو نفسه بسرطان الدماغ في عام 2015.

هانتر: اعترفتُ

أرشيفية للرئيس الأميركي جو بايدن يمشي مع ابنه هانتر في واشنطن (أ.ب)

كما أصدر هانتر بايدن ليلة الأحد بياناً يشير إلى تعافيه من الإدمان. وقال: «اعترفت وتحملت المسؤولية عن أخطائي خلال أحلك أيام إدماني - الأخطاء التي تم استغلالها لإذلالي وعائلتي علناً من أجل الرياضة السياسية». وأضاف أنه «في خضم الإدمان، أهدرت الفرص والمزايا (...) في مرحلة التعافي، يمكن أن تُمنح لنا الفرصة لتصحيح الأمور حيثما أمكن وإعادة بناء حياتنا إذا لم نعد الرحمة التي مُنحت لنا أمراً مفروغاً منه. لن أعدّ أبداً العفو الذي مُنح لي أمراً مفروغاً منه، وسأكرس الحياة التي أعيد بناؤها لمساعدة أولئك الذين لا يزالون مرضى ويعانون».

موقف ترمب

وكتب ترمب في منشور على موقع «تروث سوشيال»: «هل يشمل العفو الذي منحه جو لهانتر الأشخاص الذين تم احتجازهم في أحداث السادس من يناير الذين سُجنوا الآن لسنوات؟ يا لها من إساءة للعدالة!»، في إشارة إلى مثيري الشغب الذين اتُّهموا باقتحام مبنى «الكابيتول» الأميركي 2021.

وكان هانتر بايدن أُدين في يونيو (حزيران) من هيئة محلفين فيدرالية في ديلاوير بتهمة الكذب في نموذج شراء سلاح عام 2018 عندما وضع علامة تفيد بأنه لم يكن يستخدم المخدرات غير المشروعة، ثم امتلك ذلك السلاح بشكل غير قانوني بوصفه مستخدماً للمخدرات لمدة 11 يوماً.

وبشكل منفصل، أقر هانتر بالذنب في سبتمبر (أيلول) الماضي في تسع تهم ضريبية فيدرالية، وهو إقرار استبق اختيار هيئة المحلفين لتلك المحاكمة في كاليفورنيا.

وجرت المقاضاة في القضيتين من المستشار القانوني الخاص التابع لوزارة العدل ديفيد فايس، الذي عُيّن للحفاظ على استقلالية القضايا عن وزارة العدل التي يشرف عليها الرئيس بايدن.

وبايدن ليس أول رئيس يعفو عن أفراد الأسرة وغيرهم من المقربين منهم مع انتهاء فترة ولايتهم. ففي اليوم الذي ترك فيه منصبه، أصدر الرئيس بيل كلينتون عفواً عن أخيه غير الشقيق روجر كلينتون لإدانته بتوزيع الكوكايين عام 1985، كما أصدر ترمب عفواً عن تشارلز كوشنر، والد صهره جاريد كوشنر، في ديسمبر 2020 بعد وقت قصير من خسارته في محاولته لإعادة انتخابه. وأعلن الرئيس المنتخب قبل أيام أنه سيرشح تشارلز كوشنر سفيراً للولايات المتحدة لدى فرنسا.

وعلى أثر العفو الجديد، سخر رئيس للجنة الرقابة في مجلس النواب الجمهوري جيمس كومر من القرار. وقال إن «الرئيس بايدن وعائلته يواصلون بذل كل ما في وسعهم لتجنب المساءلة».

وانقسم الديمقراطيون بشأن ذلك، حيث قال المدعي العام السابق إريك هولدر إن العفو كان مبرراً. لكن حاكم كولورادو الديمقراطي جاريد بوليس عبر عن تفهمه لرغبة الرئيس في مساعدة ابنه، لكنه أضاف أن «هذه سابقة سيئة يمكن أن يستغلها الرؤساء اللاحقون، وستشوه سمعته للأسف».

وفي موسكو، قالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن هذا العفو يعطي «صورة كاريكاتورية للديمقراطية» في الولايات المتحدة.


مقالات ذات صلة

كلينتون منحه لأخيه... أبرز حالات العفو الرئاسي في تاريخ الولايات المتحدة

الولايات المتحدة​ غيرالد فورد وريتشارد نيكسون (أ.ب)

كلينتون منحه لأخيه... أبرز حالات العفو الرئاسي في تاريخ الولايات المتحدة

سبق للرؤساء الأميركيين أن أصدروا قرارات عفو لمساعدة أفراد عائلاتهم وحلفائهم السياسيين.

ماري وجدي (القاهرة)
الولايات المتحدة​ هانتر بايدن يصعد إلى سيارة أثناء مغادرته المحكمة الفيدرالية في لوس أنجليس 5 سبتمبر 2024 (أرشيفية- أ.ب)

بايدن يصدر عفواً عن ابنه هانتر... ماذا يعني ذلك؟

كان الرئيس جو بايدن قد تعهَّد منذ فترة طويلة بأنه لن يعفو عن ابنه هانتر؛ لكنه تراجع عن ذلك، فماذا يعني ذلك؟

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس جو بايدن مع ابنه هانتر (أ.ب)

ترمب يصف عفو بايدن عن نجله هانتر بأنه «إساءة للعدالة»

وصف الرئيس المنتخب دونالد ترمب عفو الرئيس الأميركي جو بايدن عن ابنه هانتر بأنه «إساءة للعدالة».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس جو بايدن مع ابنه هانتر (أ.ب)

بايدن يعفو عن هانتر: «استُهدف فقط لأنه ابني»

أصدر الرئيس الأميركي جو بايدن، يوم الأحد، عفوا عن نجله هانتر بشأن تهم تتعلق بالسلاح والضرائب، وذلك رغم وعوده السابقة بأنه لن يفعل ذلك.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم الرئيس الأميركي جو بايدن يلتقي الرئيس الأنغولي جواو لورنكو بالبيت الأبيض في 30 نوفمبر 2023 (رويترز) play-circle 00:54

بايدن يزور أفريقيا للترويج لمشروع ينافس نفوذ الصين

يتوجه الرئيس الأميركي إلى أنغولا في رحلة تهدف إلى الوفاء بوعده بزيارة قارة أفريقيا خلال فترة رئاسته وينصب تركيزه خلالها على مشروع سكك ​​حديدية كبير

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

تحقيق بالكونغرس: «كورونا» نشأ في الصين... والتباعد الاجتماعي والكمامات بلا أساس علمي

مختبر ووهان في الصين (أرشيفية- أ.ف.ب)
مختبر ووهان في الصين (أرشيفية- أ.ف.ب)
TT

تحقيق بالكونغرس: «كورونا» نشأ في الصين... والتباعد الاجتماعي والكمامات بلا أساس علمي

مختبر ووهان في الصين (أرشيفية- أ.ف.ب)
مختبر ووهان في الصين (أرشيفية- أ.ف.ب)

اختتمت لجنة فرعية تابعة للكونغرس الأميركي تحقيقاتها التي استمرت عامين بشأن جائحة فيروس «كورونا» أمس (الاثنين)، ووجدت أن «كوفيد-19» ربما نشأ من مختبر في ووهان بالصين، وأن التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات لم يكن مدعوماً ببيانات علمية.

وأصدرت اللجنة الفرعية الخاصة بجائحة فيروس «كورونا» تقريرها النهائي المكون من 520 صفحة، والذي جاء فيه: «من المرجح أن (كوفيد-19) نشأ من مختبر في ووهان بالصين».

ودعماً لنظرية «تسرب المختبر»، قال التقرير إن اللجنة الفرعية أكدت أن فيروس «كورونا» له سمة بيولوجية غير موجودة في الطبيعة من قبل.

وأفاد التقرير: «وفقاً لجميع مقاييس العلوم تقريباً، إذا كان هناك دليل على أصل طبيعي، لكان قد ظهر بالفعل».

وأشار التقرير إلى أن مختبر أبحاث فيروسات «سارس» الرئيسي في الصين، والذي يقع في مدينة ووهان «لديه تاريخ في إجراء أبحاث بمستويات غير كافية من الأمان والسلامة البيولوجية». وأفاد التقرير بأن الباحثين في المختبر «أصيبوا بفيروس يشبه (كوفيد-19) في خريف عام 2019، قبل أشهر من اكتشاف (كوفيد-19) في السوق الرطبة».

انتشرت الشائعات الأولية في بداية الوباء بأن الأسواق الرطبة في الصين، المعروفة ببيع اللحوم والأسماك والمنتجات والحيوانات الغريبة في ظروف غير صحية، كانت أصل الفيروس.

وأصبح مختبر ووهان للفيروسات، التابع للأكاديمية الصينية للعلوم، محل جدل مع انتشار الوباء حول العالم.

رجل يرتدي قناعاً واقياً في دلهي بالهند (أ.ف.ب)

ويتم تداول نظريات حول أن الفيروس خرج من المختبر، حتى إن الرئيس الأميركي (حينها) دونالد ترمب، قال في أبريل (نيسان) 2020، إن واشنطن تحاول تحديد ما إذا كان الفيروس قد وصل للبشر لأول مرة من طريق الخطأ، خلال تجارب تنطوي على الخفافيش في مختبر ووهان.

وأصدرت وزارة الخارجية الصينية، في مايو (أيار) 2020، مقالاً مطولاً تفنِّد فيه ما وصفتها بأنها «ادعاءات غير منطقية» أطلقها بعض الساسة الأميركيين البارزين بشأن تعاملها مع تفشي فيروس «كورونا» المستجد، أبرزها أن الصين حجبت معلومات، وأن الفيروس نشأ في معمل في مدينة ووهان الصينية.

وفي سياق متصل، وجد تقرير الكونغرس الأميركي أيضاً أن التباعد الاجتماعي «لم يكن قائماً على أساس علمي»، وأفاد التقرير بأنه «خلال شهادة مغلقة، شهد الدكتور أنتوني فاوتشي، كبير خبراء الأمراض المُعدية في الولايات المتحدة، بأن الإرشادات الخاصة بالوقاية من الفيروس لم تكن موجودة من قبل».

كان فاوتشي هو المسؤول العام عن استجابة الحكومة الفيدرالية لجائحة فيروس «كورونا». وقد واجه انتقادات شديدة بسبب تعامله مع الوباء.

كما وجدت اللجنة الفرعية «عدم وجود دليل قاطع» على أن ارتداء الأقنعة يحمي الأميركيين من «كوفيد-19». وأدت التدابير إلى تأثيرات طويلة الأمد على البالغين والأطفال الأميركيين.ووجد التقرير أن البطالة ارتفعت بشكل كبير، وأن الأطفال «خسروا عقوداً من التقدم الأكاديمي»، وفق ما أفادت شبكة «فوكس نيوز» الأميركية.