هل تؤدي رسوم ترمب الجمركية إلى إشعال حرب تجارية مع أوروبا؟

سفينة شحن راسية مُحمَّلة بحاويات (أرشيفية - رويترز)
سفينة شحن راسية مُحمَّلة بحاويات (أرشيفية - رويترز)
TT

هل تؤدي رسوم ترمب الجمركية إلى إشعال حرب تجارية مع أوروبا؟

سفينة شحن راسية مُحمَّلة بحاويات (أرشيفية - رويترز)
سفينة شحن راسية مُحمَّلة بحاويات (أرشيفية - رويترز)

تلوح في الأفق احتمالات نشوب حرب تجارية قد تشعلها إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مع أوروبا. ووفق تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست»، قد يكون الاتحاد الأوروبي - الذي يعدّ الولايات المتحدة أكبر سوق تصدير له وأحد أقرب حلفائه الاستراتيجيين - من بين الأكثر تضرراً إذا نفذ ترمب خططه الخاصة بالتعريفات الجمركية. بالفعل، تتخلف الاقتصادات الكبرى في أوروبا عن الولايات المتحدة في تعافيها بعد وباء «كورونا». يقول خبراء الاقتصاد إن السياسات الحمائية التي قد يفرضها ترمب بعد توليه منصبه في يناير (كانون الثاني) قد تؤدي إلى المزيد من الانكماش الاقتصادي في أوروبا.

هدَّد ترمب بأكبر زيادة في الرسوم الجمركية منذ ما يقرب من قرن من الزمان. لقد فرض الرئيس المنتخب رسوماً جمركية باهظة على الصلب والألمنيوم خلال ولايته السابقة. لكن هذه المرة، يقول إنه سيذهب إلى أبعد من ذلك بكثير. فقد هدَّد بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المائة على جميع السلع الصينية و10 إلى 20 في المائة على الواردات من دول أخرى. وهذا يشمل الاتحاد الأوروبي.

وقد أعرب ترمب عن إحباطه بشكل خاص إزاء اختلال التوازن التجاري في قطاعَي السيارات والزراعة.

يحتفظ الاتحاد الأوروبي برسوم جمركية بنسبة 10 في المائة على السيارات (مقارنة بمعدل 2.5 في المائة في الولايات المتحدة) ورسوم جمركية زراعية تبلغ نحو 11 في المائة (أكثر من ضعف المعدل الأميركي).

وقال ترمب في تجمع حاشد في بنسلفانيا الشهر الماضي: «إنهم لا يأخذون سياراتنا. إنهم لا يأخذون منتجاتنا الزراعية. إنهم يبيعون ملايين وملايين السيارات في الولايات المتحدة. لا، لا، لا، سوف يضطرون إلى دفع ثمن باهظ».

هذه التعريفات الجمركية قد تلحق ضرراً بالغاً بالاقتصادات الأوروبية، وهناك حديث عن «أسوأ كابوس اقتصادي في أوروبا» و«ركود كامل».

تقدر بعض النماذج الاقتصادية أنه في مواجهة تعريفة جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة، قد تنخفض صادرات منطقة اليورو إلى الولايات المتحدة بنحو الثلث. سيكون هذا بمثابة صفقة كبيرة؛ لأن أوروبا تعتمد على التصدير بشكل كبير، وأكبر اقتصاداتها تواجه بالفعل نمواً بطيئاً وديوناً متزايدة.

تحسب مؤسّسة الخدمات المالية والاستثمارية الأميركية «غولدمان ساكس» أن الصراع التجاري مع الولايات المتحدة قد يقلل من اقتصاد منطقة اليورو بنسبة 0.9 في المائة. وتشير بعض النماذج إلى أن التعريفات الجمركية التي طرحها ترمب قد تضر أوروبا بقدر ما تضر الصين أو أكثر.

في حين أن الصين هي المورد الأول للولايات المتحدة من دولة واحدة، فإن القيمة الإجمالية للواردات من الاتحاد الأوروبي تميل إلى أن تكون أكبر من تلك الواردة من الصين، وفقاً لمكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة.

كما يمكن أن يكون للتعريفات الجمركية الأميركية الجديدة على الصين تأثير غير مباشر على أوروبا. وإذا ردت الصين بتحويل المزيد من السلع إلى أوروبا، فإن هذا من شأنه أن يزيد العرض ويضع ضغوطاً على أسعار السلع المنافسة المنتجة في أوروبا. وسوف تكون ألمانيا وصناعة السيارات فيها عرضة للخطر بشكل خاص.

من بين دول الاتحاد الأوروبي، تُعدُّ ألمانيا المصدر الرئيس للولايات المتحدة، حيث بلغت قيمة السلع المصدرة 171.8 مليار دولار في عام 2023، وفقاً للمكتب الإحصائي الفيدرالي الألماني. يمكن أن تؤدي زيادة التعريفات الجمركية التي فرضها ترمب إلى انخفاض ضار في تلك الصادرات، مع التأثير الأكبر المتوقع على صناعات السيارات والأدوية.

يحب ترمب استهداف السيارات الألمانية. لكن هذا القطاع يعاني بالفعل في مواجهة المنافسة المتزايدة من الصين وضعف الطلب. قالت شركة «فولكس فاغن» إنها قد تضطر إلى إغلاق مصانعها لأول مرة في تاريخها.

في الوقت نفسه، يعاني الاقتصاد الألماني الركود. وقد أدى احتمال نشوب حرب تجارية إلى تفاقم مخاوف الركود في برلين.

قال رئيس البنك الفيدرالي الألماني، يواكيم ناجل، إن التعريفات الجمركية الجديدة لترمب قد تكلف ألمانيا 1 في المائة من الناتج الاقتصادي. وقال لصحيفة «تسايت» الأسبوعية الألمانية الإخبارية: «إذا تحققت التعريفات الجمركية الجديدة بالفعل، فقد ننزلق حتى إلى المنطقة السلبية». حذَّر المعهد الاقتصادي الألماني من أن الجمع بين التعريفات الجمركية الأميركية بنسبة 10 في المائة والعقوبات الانتقامية من الاتحاد الأوروبي قد يؤدي إلى انكماش الاقتصاد الألماني بنسبة 1 في المائة.

وقد تؤدي التعريفات الجمركية إلى خسارة أكثر من 134 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا بحلول نهاية ولاية ترمب.

قد ترد أوروبا بتعريفات تستهدف الولايات الجمهورية وصاغ مسؤولو الاتحاد الأوروبي قوائم بالتعريفات الجمركية الانتقامية المحتملة. قال دبلوماسي من الاتحاد الأوروبي، متحدثاً بشرط عدم الكشف عن هويته: «إنه موقف خاسر للطرفين لأنه، نعم، يعني أننا نقاوم، لكنه يضر أيضاً بالاقتصاد على كلا الجانبين».

لم يتم الكشف عن الخطط علناً. لكن يمكن العثور على أدلة في استجابة الاتحاد الأوروبي للتعريفات الجمركية على الصلب والألمنيوم في رئاسة ترمب الأخيرة. ثم، كما هو الحال الآن، فضل الاتحاد الأوروبي التعريفات الجمركية المستهدفة المصممة لتحقيق أقصى قدر من التأثير السياسي.

ذهب التكتل وراء الصناعات القائمة في الولايات الأصلية لزعماء الجمهوريين. ومن بين السلع التي تم تحديدها: «بوربون كنتاكي»، ودراجات «هارلي ديفيدسون» النارية وجينز «ليفيز». تضع أوروبا استراتيجية لتجنب حرب تجارية. ويفضّل المسؤولون الأوروبيون بشكل قوي إقناع ترمب بالتخلي عن التعريفات الجمركية الباهظة.

وقد حدَّدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين النهج المقصود. وقالت: «أولاً وقبل كل شيء: المشاركة. وثانياً، مناقشة المصالح المشتركة... ثم الدخول في المفاوضات». ويقدّر مسؤولو الاتحاد الأوروبي أن ترمب ربما يستخدم تهديد التعريفات الجمركية وسيلةَ ضغطٍ. ويقولون إن هدفه الحقيقي قد يكون إطلاق محادثات تجارية جديدة وانتزاع التنازلات. وهم يعتقدون أنه قد تغريه العروض الأوروبية لشراء المزيد من الغاز الطبيعي المسال أو المعدات العسكرية من الشركات الأميركية. وقد يرحب أيضاً بالتعهدات الأوروبية باتخاذ موقف أكثر صرامة بشأن التجارة الصينية من خلال فرض تعريفات جمركية جديدة أو تقييد السلع الصينية بطريقة أخرى.

قد تؤدي تهديدات ترمب بالرسوم الجمركية إلى انقسام الاتحاد الأوروبي. ويؤكد القادة الأوروبيون على الحاجة إلى البقاء متحدين في مواجهة تهديدات الرسوم الجمركية، لكن هذا قد يكون صعباً. هناك وجهات نظر متباينة داخل الاتحاد الأوروبي حول ما إذا كان اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه الصين سيكون تنازلاً معقولاً. وتبدي ألمانيا بشكل خاص تردداً في التخلي عن السوق الصينية للسيارات الألمانية أو فقدان القدرة على الوصول إلى مرافق التصنيع التي أنشأتها الشركات الألمانية هناك.

حذَّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أن «خطر الانقسام بين الأوروبيين سوف يكون قائماً؛ اعتماداً على المصالح القطاعية والبلدان المختلفة، بعضها معرض بشكل كبير للسوق الصينية، في حين أن دولاً أخرى تعتمد بشكل أكبر على السوق الأميركية سوف تستسلم بسرعة أكبر للضغوط التي قد تفرضها عليها الحكومة الفيدرالية الأميركية».

وهناك أيضاً مخاوف من أن ترمب قد يفاضل بين القادة في أوروبا. ووصف حلفاء ترمب رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، النجمة الصاعدة في أقصى اليمين في أوروبا، بأنها «شريك طبيعي». فهل يكون هذا كافياً لحماية الجبن الإيطالي من زيادات التعريفات الجمركية؟. وقال دبلوماسي من الاتحاد الأوروبي: «هناك خطر من أن يتقارب مع البعض ويستبعد آخرين - وهذا من شأنه أن يلعب على الانقسامات. لكن هناك أيضاً فرصة للتوصل إلى شيء ما معاً».


مقالات ذات صلة

كوريا الشمالية تضاعف دعمها العسكري لروسيا في حرب أوكرانيا

الولايات المتحدة​ لقطة من شريط فيديو نشرته وزارة الدفاع الروسية لإطلاق صواريخ مضادة للدروع (أ.ب)

كوريا الشمالية تضاعف دعمها العسكري لروسيا في حرب أوكرانيا

كشف مسؤولون أميركيون أن فكرة نشر قوات من كوريا الشمالية لمصلحة روسيا في حرب أوكرانيا جاءت من الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون وتلقفها الرئيس فلاديمير بوتين

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب ومرشحه لمنصب وزير الصحة روبرت كيندي يوم 23 أكتوبر الماضي (أ.ب)

ترمب يخطط للانسحاب مجدداً من «منظمة الصحة العالمية»

أفاد أعضاء في الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، بأنه يدرس الانسحاب من «منظمة الصحة العالمية» في اليوم الأول لتوليه السلطة في 20 يناير.

هبة القدسي (واشنطن)
العالم منظر عام لميناء نوك في غرينلاند يوم 8 مارس 2013 (رويترز)

رئيس وزراء غرينلاند يرد على ترمب: الجزيرة ليست للبيع

قال رئيس وزراء غرينلاند، إن الجزيرة ليست للبيع، وذلك رداً على تصريحات للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بشأن «الامتلاك والسيطرة» على الجزيرة التابعة للدنمارك.

«الشرق الأوسط» (كوبنهاغن)
الولايات المتحدة​ السيناتور الديمقراطي بن كاردين (رويترز)

سيناتور أميركي «قلق للغاية» حيال حقوق الإنسان في عهد ترمب

قال السيناتور الديمقراطي بن كاردين، إنه يشعر بالقلق حيال تراجع الاهتمام بملف حقوق الإنسان في الولايات المتحدة، خلال الفترة الثانية للرئيس المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب يتحدث خلال حفل Turning Point في فينيكس بولاية أريزونايوم الاحد (ا.ف.ب)

ترمب يتحدث عن لقاء محتمل مع بوتين ويثير الجدل حول «استعادة قناة بنما»

أبدى دونالد ترمب استعداده للقاء فلاديمير بوتين في أقرب وقت، مؤكداً قدرته على إنهاء الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وقدرته على إنهاء الحروب بسرعة في الشرق الأوسط.

هبة القدسي (واشنطن)

أستراليا ستسلّم طياراً أميركياً سابقاً متهماً بتدريب طيارين عسكريين صينيين

الطيار السابق في مشاة البحرية الأميركية دانييل دوغان (أ.ب)
الطيار السابق في مشاة البحرية الأميركية دانييل دوغان (أ.ب)
TT

أستراليا ستسلّم طياراً أميركياً سابقاً متهماً بتدريب طيارين عسكريين صينيين

الطيار السابق في مشاة البحرية الأميركية دانييل دوغان (أ.ب)
الطيار السابق في مشاة البحرية الأميركية دانييل دوغان (أ.ب)

من المقرر أن تسلِّم أستراليا الطيار السابق في مشاة البحرية الأميركية دانييل دوغان إلى الولايات المتحدة؛ على خلفية مزاعم بقيامه بتدريب طيارين صينيين بشكل غير قانوني.

ووافق النائب العام الأسترالي، مارك دريفوس، على تسليم الطيار الأميركي، اليوم الاثنين، مُنهياً بذلك محاولةً، استمرت قرابة عامين من جانب دانييل دوغان، المولود في بوسطن والبالغ من العمر 55 عاماً، لتجنب تسليمه إلى الولايات المتحدة.

وظلَّ دوغان، الذي خدم في مشاة البحرية لمدة 12 عاماً قبل أن يهاجر إلى أستراليا ويتخلى عن جنسيته الأميركية، محتجَزاً في سجن شديد الحراسة منذ اعتقاله في 2022 بمنزل عائلته في ولاية نيو ساوث ويلز. وهو أب لستة أطفال.

وأكد دريفوس، في بيان، اليوم الاثنين، أنه وافق على التسليم، لكنه لم يحدد موعد نقل دوغان إلى الولايات المتحدة. وقال دريفوس، في البيان: «جرى منح دوغان الفرصة لتقديم دفوعه بشأن الأسباب التي تدعو إلى ضرورة عدم تسليمه إلى الولايات المتحدة. وعند اتخاذ قراري، أخذتُ في الحسبان جميع الأدلة المتوفرة أمامي».

كان قاضٍ في سيدني قد قضى، في مايو (أيار) الماضي، بإمكان تسليم دوغان إلى الولايات المتحدة، مما جعل الأمل الأخير لدوغان للبقاء في أستراليا هو تقديم استئناف أمام النائب العام.

وفي لائحة اتهام أصدرتها عام 2016 المحكمة الجزئية الأميركية بواشنطن العاصمة، والتي جرى الكشف عنها في أواخر 2022، قال ممثلو الادعاء إن دوغان تآمر مع آخرين لتدريب طيارين عسكريين صينيين في عاميْ 2010 و2012، وربما في أوقات أخرى، دون التقدم بطلب للحصول على ترخيص مناسب.

وقال ممثلو الادعاء إنه تلقّى مبالغ إجمالية قدرها نحو 88 ألف دولار أسترالي (61 ألف دولار أميركي)، ورحلات سفر دولية من جانب متآمر آخر، مقابل ما كان يوصَف أحياناً بـ«تدريب التنمية الشخصية».

وفي حال إدانته، يواجه دوغان حكماً بالسجن يصل إلى 60 عاماً، علماً أنه ينفي الاتهامات الموجهة إليه.