صعوبات تواجه استعادة ترمب صورة أميركا «الباهتة» في أفريقيا

ما بين صراعات مشتعلة وأزمة مهاجرين وتمدد للنفوذ الصيني والروسي

نيجيريون يرتدون ملابس مطبوع عليها اسم ترمب في مسيرة دعم بولاية إيمو عام 2020 (أ.ف.ب)
نيجيريون يرتدون ملابس مطبوع عليها اسم ترمب في مسيرة دعم بولاية إيمو عام 2020 (أ.ف.ب)
TT

صعوبات تواجه استعادة ترمب صورة أميركا «الباهتة» في أفريقيا

نيجيريون يرتدون ملابس مطبوع عليها اسم ترمب في مسيرة دعم بولاية إيمو عام 2020 (أ.ف.ب)
نيجيريون يرتدون ملابس مطبوع عليها اسم ترمب في مسيرة دعم بولاية إيمو عام 2020 (أ.ف.ب)

يطرح فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية تساؤلات حول صيغة علاقات واشنطن مع قارة أفريقيا، ومدى تعاطي الإدارة الأميركية المقبلة مع الصراعات والتوترات التي تشهدها القارة، مع إمكانية تغيير صورة أميركا «الباهتة» في الساحة الأفريقية، بعد تراجع حضورها لحساب تمدد النفوذ الصيني والروسي.

ويرى مراقبون أن القارة الأفريقية تحتل «مكانة متأخرة» لدى ترمب، وتوقعوا «تركيز إدارته على قضايا الداخل الأميركي، بجانب صراع الشرق الأوسط، والحرب الأوكرانية، مستدلين بعدم اكتراث الرئيس الأميركي المنتخب بقضايا أفريقيا خلال حملته الانتخابية، إلى جانب موقفه (المتشدد) تجاه المهاجرين الأفارقة، الذي أثار امتعاضاً في القارة السمراء».

وحسم المرشح الجمهوري، دونالد ترمب، الانتخابات، بعد فوزه على المرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس. وفي خطاب النصر، الأربعاء، تعهد بالعمل على «وضع حدّ للحروب في العالم»، دون أي ذكر لأفريقيا.

مزيد من العزلة

تأتي أفريقيا في محطة متأخرة لدى الإدارة الأميركية المقبلة، في ضوء تركيز ترمب على سياسة «أميركا أولاً»، وفق تقدير رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية، السفير محمد العرابي، الذي يرى أن «هناك صعوبات، حتى إذا ما أرد ترمب أن يحسن صورة أميركا الباهتة في القارة، التي بدت في السنوات الأخيرة».

وأوضح العرابي لـ«الشرق الأوسط»، أن «واشنطن لم تضع شواغل قارة أفريقيا ضمن جدول أعمالها في السنوات الماضية، حتى أصبحت هناك دول أخرى سبقتها في الوجود والنفوذ، مثل الصين وروسيا والهند»، مشيراً إلى أن «تركيز ترمب سيكون على الحرب الأوكرانية، والصراع في الشرق الأوسط، خصوصاً الحرب على غزة ولبنان، أكثر من الأوضاع في أفريقيا».

منظر عام لمقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا في 15 فبراير 2024 (أ.ف.ب)

وسيتعين على ترمب التعامل مع جملة التحديات في أفريقيا، في مقدمتها التوترات في منطقة القرن الأفريقي، والبحر الأحمر، والحرب الداخلية في السودان، غير أن المحلل السياسي المتخصص في الشأن الأميركي والعلاقات الدولية، إيهاب عباس، رأى أن «إدارة ترمب لن تُميز أفريقيا بسياسة خاصة».

وأشار عباس لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الرئيس المنتخب سيتعامل مع كل مشكلة أو أزمة تواجهها الدول الأفريقية على حدة، من خلال إدارات وزارة الخارجية، عن طريق تخصيص مبعوثين خاصين لمناطق أو دول، كما الحال في السودان والقرن الأفريقي»، ورجّح «تركيز ترمب على قضايا الداخل الأميركي أولاً، ثم العمل على إنهاء الصراعات الدولية».

بينما توقع أستاذ العلوم السياسية في جامعة زايد الإماراتية، والخبير في الشأن الأفريقي، الدكتور حمدي عبد الرحمن، «مزيداً من العزلة في العلاقات الأميركية الأفريقية»، وأعاد ذلك إلى «تبني ترمب اتجاهاً لتقليل المشاركة العالمية، ما يجعل أفريقيا منطقة لا تحظى بأولوية في السياسة الخارجية الأميركية».

ودلّل عبد الرحمن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، على التراجع الأميركي بـ«عدم زيارة ترمب، أو الرئيس الحالي جو بايدن لقارة أفريقيا، مع تراجع إسهامات واشنطن في مجالات حيوية بأفريقيا مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية».

وخلال الفترة الرئاسية السابقة لترمب (2017 - 2021)، لم يُجرِ أي زيارة لقارة أفريقيا، واستقبل في البيت الأبيض 3 رؤساء أفارقة هم قادة «مصر ونيجيريا وكينيا»، كما لم يزر الرئيس الحالي جو بايدن أي دولة أفريقية، وأرجأ الزيارة إلى أنجولا التي كانت مقررة في 13 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بسبب إعصار ميلتون في فلوريدا، حسب ما قال البيت الأبيض.

النفوذ الصيني والروسي

ويواجه الوجود الأميركي في القارة الأفريقية تصاعداً للنفوذ الروسي، خصوصاً في منطقة الساحل الأفريقي. وباعتقاد المحلل السياسي إيهاب عباس، فإن «ترمب لن يدخل في صراعات أو مواجهات مباشرة أو غير مباشرة مع الصين وروسيا بأفريقيا»، مشيراً إلى أن الإدارة الجديدة ستتجه إلى سياسة «التفاهمات» أولاً مع موسكو وبكين، حتى تحين أوقات المواجهة معها.

وتصدرت الصين قائمة الشركاء التجاريين مع أفريقيا، على حساب واشنطن، منذ 2009، وسجّل معدل التبادل التجاري لبكين 282.1 مليار دولار عام 2023، مقابل 80 مليار دولار للولايات المتحدة.

وفي أبريل (نيسان) الماضي، قررت الولايات المتحدة سحب قواتها، البالغ قوامها أكثر من ألف جندي، من النيجر، بعد إلغاء السلطات في نيامي اتفاقية عسكرية مع واشنطن، جرى توقيعها عام 2012.

وفي المقابل، عزّزت روسيا من تقاربها مع النظام العسكري النيجري، بإرسال خبراء عسكريين في مايو (أيار) الماضي لرفع قدرات الجيش النيجري.

ويرجح عبد الرحمن وجود «صعوبات أمام ترمب في مواجهة النفوذ الصيني في أفريقيا»، وتوقع أن يعمل ترمب في رئاسته الثانية وفق نهج أكثر واقعية، بالتركيز على الأمن واحتواء الصين في أفريقيا، ما قد يقلل من المساعدات والمشاركة الدبلوماسية، وهو ما قد يتعارض مع رغبة كثير من الدول الأفريقية في إقامة شراكات دولية متنوعة، كما يتضح في توجهها نحو قوى وتجمعات أخرى مثل «بريكس».

المهاجرون الأفارقة

ويشكل تعاطي إدارة ترمب المقبلة مع ملف المهاجرين الأفارقة أحد مخاوف الدول الأفريقية، في ضوء سياسة «الازدراء» التي تعامل بها الرئيس الأميركي المنتخب مع المهاجرين القادمين من قارة أفريقيا.

وسبق أن وصف ترمب اللاجئين القادمين من أفريقيا بوصف عنصري، حيث نُقل عنه، أثناء مناقشة بشأن الهجرة مع أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في البيت الأبيض، عام 2018، قوله: «لماذا عليّ الموافقة على مجيء لاجئين من دول قذرة؟»، ما أثار انتقادات أفريقية وقتها.

وباعتقاد إيهاب عباس، فإن تعامل ترمب مع ملف المهاجرين الأفارقة «سيكون أقل تشدداً في فترته الرئاسية المقبلة»، وقال إن «مواقف وأداء ترمب 2024 مختلف عن أدائه في 2020 وقبلها 2016»، وتوقع أن «يسعى الرئيس المنتخب للالتزام بنصوص الدستور الأميركي، بما يضمن قدوم مهاجرين شرعيين، يقدمون فائدة ومنافع، دون أن يشكلوا عبئاً لبلاده».

وجوم وحزن على وجوه مؤيدين للمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس (أ.ب)

بينما يرى السفير محمد عرابي استمرار نهج ترمب في التعامل مع المهاجرين الأفارقة، وقال إنه «سيتبع سياسة حادة، في ملف الهجرة من أفريقيا، وسيعمل على عدم قبول مهاجرين جدد».

واعتمدت إدارة ترمب الأولى على استراتيجية تجاه أفريقيا، تركز على 3 ركائز، هي العوامل الأمنية والاقتصادية والجيوسياسية، واستهدفت الاستراتيجية التي أعلنها مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، جون بولتون، في يناير (كانون الثاني) 2018، «تطوير الروابط التجارية بين واشنطن وأفريقيا، ومعالجة التحديات الأمنية، خصوصاً الناتجة عن التنظيمات الإرهابية»، إلى جانب «إعادة ضبط الأولويات في ما يتعلق بالمساعدات الأميركية، لضمان توظيفها بالشكل الأمثل والأكثر جدوى».


مقالات ذات صلة

إيلون ماسك أكثر ثراءً من أي وقت مضى... كم تبلغ ثروته؟

الاقتصاد الملياردير إيلون ماسك يظهر أمام الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)

إيلون ماسك أكثر ثراءً من أي وقت مضى... كم تبلغ ثروته؟

أتت نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024 بفوائد على الملياردير إيلون ماسك بحسب تقديرات جديدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ بام بوندي تتحدّث خلال فعالية انتخابية داعمة لترمب في أغسطس 2020 (إ.ب.أ)

ترمب يختار بوندي لـ«العدل» بعد انسحاب غايتز

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، بام بوندي، المقربة منه والعضوَ في فريق الدفاع عنه خلال محاولة عزله الأولى عام 2020، لتولي منصب وزيرة العدل بعد انسحاب

إيلي يوسف (واشنطن)
الولايات المتحدة​ صورة مركّبة لدونالد ترمب وستورمي دانيالز (رويترز)

إرجاء إصدار الحكم في قضية ترمب بنيويورك إلى «أجل غير مسمى»

أمر القاضي في قضية الاحتيال المالي ضد دونالد ترمب، الجمعة، بتأجيل النطق بالحكم إلى أجل غير مسمى، ما يمثل انتصاراً قانونياً للرئيس المنتخب.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

TT

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)
تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)

ترمب «رمز للسلام وقاهر الحروب»، هكذا صوّر الرئيس المنتخب نفسه في حملته الانتخابية التي مهّدت لولايته الثانية في البيت الأبيض. فالرئيس الـ47 انتزع الفوز من منافسته الديمقراطية، بانياً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية وهي على مشارف عامها الثالث.

يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، خطط ترمب لإنهاء النزاعات، ودلالات اختياره وجوهاً معيّنة في إدارته لديها مواقف متناقضة بعض الأحيان في ملفات السياسة الخارجية.

التصعيد في المنطقة

دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز)

تعهّد الرئيس الأميركي المنتخب بإنهاء الحروب ووقف التصعيد المستمر في المنطقة. ومع استمرار الحرب في غزة ولبنان، تعتبر دانا ستراول، نائبة وزير الدفاع سابقاً لشؤون الشرق الأوسط ومديرة الأبحاث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أنه لا يزال من المبكّر قراءة المشهد في إدارة ترمب المستقبلية، مشيرة إلى أن الرئيس المنتخب «وعد بإحلال سلام في منطقة لم تنعم بالسلام أبداً». وتقول ستراول: «دونالد ترمب يعد بإحلال السلام في المنطقة من جهة، لكنه يعد من جهة أخرى بالدعم القاطع لإسرائيل. وهذا يُعدّ مشكلةً حقيقية؛ لأن من الأمور التي يجب أن تحصل لتحقيق السلام إعطاء الأولوية للمدنيين الفلسطينيين في غزة، والمدنيين اللبنانيين في لبنان، والحرص على وصول المساعدات الإنسانية لهؤلاء وتوفير الأمن لهم وما يحتاجون إليه من قادتهم. لكن ذلك سيتطلّب قرارات صعبة في إسرائيل. والسؤال الأكبر برأيي هو ما إذا كان دونالد ترمب يستطيع دفع هؤلاء القادة على الاتفاق هذه المرة، وهم لم يتفقوا أبداً في السابق».

ويتحدث كيفن بارون، الصحافي المختص بالشؤون العسكرية والمدير التحريري السابق في «Politico Live»، عن تحديات كثيرة يواجهها فريق ترمب الذي اختاره لقيادة السياسة الخارجية، مشيراً إلى أنه مؤلّف من «مزيج من التقليديين الذين يرغبون في علاقات قديمة الطراز مع الشرق الأوسط والقادة هناك، وبين من هم أكثر تقدماً ويبحثون عن مهاجمة إيران، والرد بالمثل وتغيير الديناميكية التي برأيهم كانت لينة جداً خلال السنوات الأربع الماضية تحت جو بايدن».

ويتساءل بارون: «هل ستتمكن هاتان المجموعتان من الالتقاء في الوسط؟» ويعطي بارون مثالاً «معرقلاً للسلام» في فريق ترمب، وهو السفير الأميركي المعيّن في إسرائيل، مايك هاكابي، الداعم بشدة لتل أبيب والرافض للاعتراف بالضفة الغربية وحقوق الفلسطينيين. ويقول بارون: «إن تعيين مايك هاكابي مثال جيد هنا، فهو داعم قوي لدولة إسرائيل مهما كلّف الأمر. لكنه يدعمها من وجهة نظر معينة؛ فهو مسيحي قومي وهو جزء من حركة متنامية ومجموعة من الأميركيين المسيحيين الذين يشعرون بأن وجود علاقة قوية مع دولة إسرائيل اليهودية أفضل من عدم وجودها لأسباب دينية».

ترمب والسفير المعين في إسرائيل مايك هاكابي خلال حدث انتخابي في بنسلفانيا 12 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وهنا يسلّط ريتشارد لوبارون، السفير الأميركي السابق إلى الكويت ونائب مدير البعثة الأميركية إلى تل أبيب سابقاً وكبير الباحثين في معهد «ذي أتلانتيك»، الضوء على سياسة الرؤساء الأميركيين بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط، مذكراً بأنهم لا يريدون تورطاً عميقاً في المنطقة. ويتحدث عن ترمب بشكل خاص فيقول: «ترمب لم يُنتخب من قبل أشخاص يهتمون بالشرق الأوسط، بل انتخبه الأشخاص الذين يرغبون بجعل أميركا عظيمة مجدداً، وهذه وجهة نظر انعزالية. لذا أعتقد أنه سيضغط للتوصل إلى حلول تخرج الولايات المتحدة من مستوى تورطها الحالي في الشرق الأوسط، لا أعتقد أنه سيكون متعاطفاً مع التورط في صراعات كبرى، وسيرغب بالحفاظ على أسعار منخفضة للنفط بسبب تأثير ذلك على الداخل. لكنه سيفاجأ على غرار معظم الرؤساء الأميركيين بقدرة الشرق الأوسط على جذبهم إلى داخله رغم جهود البقاء بعيداً».

ترمب يعتمر قبعة تحمل شعار «اجعل أميركا عظيمة مجدداً» (أ.ف.ب)

وتوافق ستراول مع مقاربة الانعزالية في فريق ترمب، مشيرة إلى وجود وجوه كثيرة ضمن فريقه من الداعمين للانعزالية الذين يسعون للتركيز على الوضع الداخلي و«جعل أميركا عظيمة مجدداً»، وأن هؤلاء سيعملون على تقليص الدور العسكري للولايات المتحدة حول العالم، ومنح دولارات دافعي الضرائب الأميركيين لأي بلد.

لكن ستراول تُذكّر في الوقت نفسه بأن العامل المشترك في فريق ترمب الذي اختاره، هو أنه «يريد من الفريق المحيط به أن يفكّر فيه هو وفي ما يريده». وتفسر قائلة: «ما نعلمه من رئاسته الأولى هو أن ما يريده أو ما يفكّر به قد يتغير من يوم إلى آخر، ومن ساعة إلى أخرى. هذا النوع من الغموض عادة ما لا يكون جيداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وبالنسبة إلى الحلفاء والشركاء في أماكن مثل الشرق الأوسط، وهي أماكن نريد التعاون معها. فهم يطلبون قيادة أميركية يمكن الاتكال عليها ومستقرة. وبرأيي، استناداً إلى الفريق الذي يتم تشكيله حتى الآن، حيث يقوم أناس مختلفون بقول أشياء مختلفة وعقد اجتماعات مختلفة، فإنه من غير الواضح إن كانوا سيتمكنون في الواقع من العمل بعضهم مع بعض».

تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

وضمن الحديث عن حلول واستراتيجيات في المنطقة، يعرب لوبارون عن تشاؤمه من فرص التوصل إلى حلّ الدولتين، مُرجّحاً أن تقوم إسرائيل «بضم الأراضي المحتلة والضفة الغربية بموافقة أميركية، أو حتى من دونها». ويضيف السفير السابق: «هناك أيضاً احتمال استمرار وجود انقسام في إسرائيل حول هذه القضايا، وسنضطر إلى التدخل بسبب علاقتنا. أعتقد أن هناك مسائل وجودية بحتة ينبغي أن تواجهها إسرائيل حول ماذا تريد أن تصبح بعد 5 إلى 10 سنوات، أو حتى بعد 20 أو 50 سنة. هل تريد أن تصبح دولة ديمقراطية؟ أو أن تكون متورطة في صراع إلى الأبد في الشرق الأوسط؟ أو هل تريد التوصل إلى سلام حقيقي يحترم الآمال الفلسطينية؟».

ويُفسر لوبارون أسباب استمرار الحرب في لبنان وغزة فيقول: «من الأسباب المحزنة لاستمرار الحرب في لبنان وفي غزة أن نتنياهو لا يمكنه الاستغناء عن الحرب، وهذه إحدى مشاكل علاقته مع ترمب. فترمب لا يريد الحرب، لكن نتنياهو يحتاج إليها وسيكون من المثير للاهتمام مشاهدة كيف سيقوم الاثنان على الاتفاق خلال الـ6 أشهر أو السنة المقبلة. لكن لحظة الحساب قادمة في إسرائيل، وهي تأجلت بسبب النزاع. سيكون لها نتائج كبيرة، وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى إن كان ترمب سيقرر اللعب في السياسة الإسرائيلية المحلية كما فعل نتنياهو في السياسة المحلية الأميركية».

إيران وسياسة الضغط القصوى

تعهد ترمب باستعادة سياسة الضغط القصوى مع إيران (أ.ف.ب)

تلعب إيران دوراً بارزاً في التصعيد في المنطقة، ومع استعداد ترمب لتسلُّم الرئاسة في العشرين من يناير (كانون الثاني)، تزداد التساؤلات حول ما إذا كان سيعود إلى سياسة الضغط القصوى التي اعتمد عليها في إدارته الأولى. وهنا يتساءل بارون: «ترمب يعد بالانسحاب من الحروب الخارجية بينما يخوض حروباً خارجية فيما يتعلق بإيران». ويضيف: «إذن، ماذا يعني الضغط الأقصى على الإيرانيين؟ أتوقع أموراً مثل دعم نتنياهو وإسرائيل بالكامل حين يقومون بهجمات في لبنان وغيره من دون أي انتقاد، ومن دون أي قيود. قد يعني أيضاً القتال في أماكن مثل سوريا والعراق ومناطق أخرى لم نسمع عنها كثيراً علناً».

وهنا تشدد ستراول على أن سياسة الضغط القصوى هي «نشاط»، وليس هدفاً، وتفسر قائلة: «ما لم نره بعد من فريق ترمب هو تحديد أو عرض الهدف المثالي: هل الهدف احتواء البرنامج النووي الذي تم الاستثمار فيه بشكل كبير؟ هل الهدف التراجع عن هذا البرنامج أو تفكيكه أو القضاء عليه؟ هل الهدف صد دعم إيراني للإرهاب؟ لتحقيق ذلك، سيحتاج إلى أكثر من سياسة ضغط قصوى، وسيحتاج للتعاون مع حلفاء وشركاء أي أنه سينبغي أن يبذل جهوداً دبلوماسية، لأن الأمر لا يتعلّق فقط بما يمكن أن نقوم به عسكرياً، فسيتوجب عليه أن يرغب بإقامة حوار مع النظام في طهران على بعض النقاط».

الحرب الروسية - الأوكرانية

ترمب يصافح بوتين في مؤتمر صحافي في هلسنكي 16 يوليو 2018 (أ.ف.ب)

من الوعود التي أطلقها ترمب إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية في 24 ساعة. ويصف لوبارون الوضع الحالي بمثابة «رقصة بين بوتين وترمب للوصول إلى طريقة لإنهاء هذا النزاع». وأوضح: «لقد انضم زيلينسكي إلى تلك الرقصة مؤخراً. يجب أن نتذكر أن هذين الخصمين قد أرهقتهما الحرب، لا يمكنهما العثور على المزيد من العناصر من شعبهم للقتال، كما يريان أن تسلُّم ترمب الرئاسة سيضع حدوداً على الفترة التي يستطيعان فيها الاستمرار بهذه الحرب». ويرجّح السفير السابق أن تنتهي الحرب «بحل دبلوماسي غير مناسب وغير مرض لن يسعد أياً من الأطراف، على غرار كل الحلول الدبلوماسية. وهذا سيشكل نقطة يعلن فيها ترمب عن نجاحه ليقول: لقد أنهيت الحرب في أوكرانيا».

ويشير بارون إلى رفع إدارة بايدن الحظر عن أوكرانيا لاستعمال الأسلحة الأميركية في روسيا، فيقول إن «ما تغيّر هو أن ترمب فاز بالانتخابات، وهناك فترة شهرين سيسعى بايدن خلالهما لتقديم كل ما بوسعه إلى أوكرانيا؛ لأن الأمور ستتغير في 20 يناير عندما يتولى ترمب منصبه». ويضيف: «إذن، الفكرة هي التوفير لأوكرانيا أكبر قدر من الدفاعات الآن لكي ينتقلوا إلى طاولة المفاوضات».

وتوافق ستراول مع هذا التقييم قائلة: «إن هذا التصعيد الذي يجري حالياً هو فرصة لكل من الطرفين لكي يعززا موقفهما قبل تنصيب دونالد ترمب، الذي بدوره صرّح بأنه سيطالب أن ينضم الجميع إلى طاولة المفاوضات. وسيعمل على تقليل سلطة التفاوض الأوكرانية عبر التهديد بإيقاف المساعدات العسكرية».