تقرير: على هاريس التغلب على «نحس فان بيورين» لتهزم ترمب في الانتخابات

صورة مركبة جامعة للمرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس ومنافسها الرئيس السابق دونالد ترمب (أ.ف.ب)
صورة مركبة جامعة للمرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس ومنافسها الرئيس السابق دونالد ترمب (أ.ف.ب)
TT

تقرير: على هاريس التغلب على «نحس فان بيورين» لتهزم ترمب في الانتخابات

صورة مركبة جامعة للمرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس ومنافسها الرئيس السابق دونالد ترمب (أ.ف.ب)
صورة مركبة جامعة للمرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس ومنافسها الرئيس السابق دونالد ترمب (أ.ف.ب)

نصحت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، المرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية كامالا هاريس، التي تشغل منصب نائبة الرئيس، بأن تتغلّب على ما وصفته بـ«نحس فان بيورين»، في إشارة إلى نائب الرئيس السابق.

وقالت الصحيفة إنه في عام 1836 فاز نائب الرئيس مارتن فان بيورين بالانتخابات الرئاسية، وهو إنجاز لم يتمكّن أي نائب رئيس حالي من تكراره، حتى جورج بوش الأب في عام 1988، بعد حوالي 150 عاماً.

وأضافت أن هذين هما نائبا الرئيس الوحيدان اللذان فازا بالانتخابات خلال القرنين الماضيين.

جورج بوش الأب خلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض (أ.ب)

وقالت إن هذه ظاهرة غريبة في التاريخ السياسي الأميركي، وتبدو في ظاهرها غير بديهية؛ نظراً للمزايا التي يتمتّع بها نواب الرئيس، مثل سنوات الخبرة في السلطة التنفيذية، ولكن خوض السباق بوصف المرشح نائباً للرئيس له تحدياته.

فعلى مدى القرن الماضي خسر 3 نوّاب رئاسيين في الانتخابات الرئاسية: الجمهوري ريتشارد نيكسون في عام 1960، والديمقراطيان هيوبرت همفري في عام 1968، وآل غور في عام 2000.

وهاريس، مثل أولئك الذين سبقوها، عليها أن تسير على حبل مشدود بين احترام الرئيس المنتهية ولايته وإظهار الولاء له، في حين تُثبت نفسها بوصفها شخصيةً مستقلةً، وكان هذا واضحاً تماماً في مقابلة عندما سألها أحد المذيعين عما إذا كانت ستفعل شيئاً مختلفاً عن الرئيس جو بايدن خلال السنوات الأربع الماضية. أجابت هاريس: «لا يوجد شيء يتبادر إلى ذهني فيما يتعلق بذلك، فقد كنت جزءاً من معظم القرارات التي كان لها تأثير»، مما أعطى خصمها دونالد ترمب والجمهوريين فرصةً لمهاجمتها؛ نظراً لعدم شعبية بايدن.

وفي الأسبوع التالي حاولت فصل نفسها عن بايدن، قائلةً لشبكة «فوكس نيوز»: «اسمحوا لي أن أكون واضحة جداً، لن تكون رئاستي استمراراً لرئاسة جو بايدن، ومثل كل رئيس جديد يتولى منصبه، سأحضر تجارب حياتي وتجاربي المهنية، وأفكاراً جديدة، أنا أمثّل جيلاً جديداً من القيادة».

واستشهدت هاريس باقتراحها لتوسيع برنامج الرعاية الطبية الذي من شأنه أن يوفر خدمات الرعاية الصحية المنزلية لكبار السن، مثالاً على شيء جديد ستسعى إليه بصفتها رئيسة.

ولكن بعد يومين فقط عندما ضغطت عليها شبكة «إن بي سي» لتحديد سياسة واحدة كانت ستتعامل معها بشكل مختلف عن بايدن، وصفت هاريس بصراحة المأزق الذي يجد نواب الرئيس أنفسهم فيه: «لأكون صريحةً معك، حتى بما في ذلك مايك بنس، فإن نواب الرئيس لا ينتقدون رؤساءهم، أعتقد أنه في الواقع، من حيث التقليد، وأيضاً في المستقبل، فإن هذا لا يؤدي إلى علاقة مثمرة ومهمة».

هاريس وبايدن بمؤتمر الحزب الديمقراطي في 19 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

كان لدى فان بيورين وبوش وهاريس جميعاً مسيرة طويلة في السياسة قبل أن يصبحوا نواباً، فقد شقّ فان بيورين طريقه من عضو مجلس الشيوخ في ولاية نيويورك، إلى حاكم وعضو مجلس الشيوخ الأميركي، قبل أن يعيّنه الرئيس أندرو جاكسون وزيراً للخارجية في ولايته الأولى، ثم نائباً له في انتخابات عام 1832.

وكان بوش عضواً سابقاً في الكونغرس، وسفيراً لدى الأمم المتحدة، ومديراً لوكالة الاستخبارات المركزية.

ولكن لم يكن لدى فان بيورين ولا بوش رئيس غير شعبي يُثقل كاهلَيهما في الواقع، فخاض كل منهما الانتخابات على أساس سجل من شاغلي المنصب الشعبيين الذين شغلوا المنصب لفترتين: جاكسون الديمقراطي، ورونالد ريغان الجمهوري، وكلاهما خدم في أوقات مزدهرة نسبياً.

وعلى النقيض من ذلك، وجد استطلاع رأي حديث أجرته شبكة «إيه بي سي»، أن 74 في المائة من الأميركيين يريدون من هاريس أن تأخذ البلاد في اتجاه مختلف عن رئاسة بايدن التي استمرت لفترة واحدة، وإن كان معظم هؤلاء لا يتوقعون منها أن تفعل ذلك.

وكان بوش مدركاً تماماً للرياح المعاكسة التاريخية التي واجهها في الترشح بصفته نائب رئيس حالي في عام 1987، قبل بضعة أشهر من إعلان ترشحه رسمياً، قال في حملة لجمع التبرعات: «ستنهار أسطورة مارتن فان بيورين في عام 1988»، كما قال إنه سيترشّح على أساس إنجازات إدارة ريغان بعد فوزه في الانتخابات، واستمتع بوش بالتغلب على الصعاب التاريخية.

وقال: «أريد أيضاً أن أشكر مارتن فان بيورين لتمهيد الطريق»، واستمر في الاعتماد على المقارنة، والحديث عن «انتقال فان بيورين الرائع» الذي مهّد إلى تنصيبه.

وكان نيكسون يشغل منصب نائب الرئيس أيزنهاور من عام 1953 إلى عام 1961، ولكن في عام 1956 شنّ بعض الجمهوريين حملة لإبعاده عن الانتخابات في ذلك الوقت، وتساءل بعض المعلقين عما إذا كان من الأفضل له أن يتحوّل إلى عضو في الإدارة.

ولكن في عام 1960 كان من الواضح أن نيكسون كان ينوي أن يترشح لولاية ثانية، وعلى أية حال كان من المفترض أن يمنحه هذا المنصب الأفضلية ليترشح في عام 1960، مشيرين إلى أنه مرّ وقت طويل منذ فاز نائب الرئيس بالرئاسة.

وظل نيكسون في السباق، وعندما ترشح للرئاسة في عام 1960 جعل عمله في إدارة أيزنهاور محور حملته.

ولكن خصمه الديمقراطي جون كينيدي، الشاب الوسيم، لعب على رؤيته لـ«الحدود الجديدة»، وهو تناقُض ضمني مع أيزنهاور المنتهية ولايته الذي ترك منصبه في سن السبعين، وهو أكبر رئيس في التاريخ سِناً حتى تلك النقطة.

ولم يقدّم أيزنهاور أي خدمة لوريثه الواضح عندما قام بتقويض نيكسون في مؤتمر صحافي، ففي ردّه على سؤال حول «القرارات الكبرى» التي ساعده نيكسون في اتخاذها، قال أيزنهاور: «لا أرى سبباً يمنع الناس من فهم هذا، لا أحد يستطيع اتخاذ قرار غيري إذا كان في المجال الوطني».

وبعد بعض المشاورات مع المراسلين طلب مراسل مجلة «تايم»، تشارلز موهر، من أيزنهاور مثالاً لفكرة رئيسية من نيكسون تبنّاها، أجاب أيزنهاور ضاحكاً: «إذا أعطيتني أسبوعاً فقد أفكر في واحدة، لا أتذكر»، ضحك المراسلون معه، واستغلت حملة كينيدي هذا، وانتهى الأمر بفوز كينيدي في الانتخابات.

«وظيفة بلا أهمية»

وأظهر تعليق أيزنهاور اللاذع على نيكسون أحد التحديات الأخرى التي يواجهها نواب الرئيس، فهم ليسوا مَن يتخذون القرارات.

وقال نورمان شيرمان، الذي كان المتحدث باسم همفري أثناء فترة نيابته، في مقال رأي في صحيفة «واشنطن بوست» عام 1988، إن «وظيفة نائب الرئيس تعُدّك لتكون رئيساً فقط، بمعنى أنك موجود في حالة وفاة الرئيس، أما الباقي فهو روبوتات، إنها وظيفة بلا أهمية».

وفي انتخابات عام 2000 نأى نائب الرئيس آل غور بنفسه عن الرئيس بيل كلينتون في أعقاب فضيحة مونيكا لوينسكي، وطلبت حملة غور من كلينتون أن يبتعد عن الولايات المتأرجحة في الأيام الأخيرة من الحملة ضد الجمهوري جورج بوش.

وانتهى الأمر بخسارة غور في سباق متقارب بشكل غير عادي أمام بوش - نجل جورج بوش الأب - على الرغم من فوزه بالتصويت الشعبي، عندما أوقفت المحكمة العليا إعادة فرز الأصوات في فلوريدا.

وبعد الانتخابات أجرى غور وكلينتون محادثة صريحة وجهاً لوجه، حيث قال نائب الرئيس إن فضيحة كلينتون الجنسية، وانخفاض معدلات الموافقة الشخصية، كانت عقبة رئيسية في الحملة، وأخبر كلينتون غور أنه أضرّ بحملته الانتخابية بعدم ترشّحه على أساس نجاح إدارته.

وبعد حوالي ربع قرن من الزمان يشارك كلينتون في حملة هاريس الانتخابية، وحتى لو كانت هاريس قادرةً على مضاهاة النجاح الانتخابي غير المعتاد الذي حقّقه فان بيورين وجورج بوش الأب، فهناك مصير واحد ستحاول تجنّبه، فقد خسر كلاهما محاولات إعادة انتخابهما بعد 4 سنوات.

وفي الوقت نفسه، فإن فان بيورين، المعروف باسم «الساحر الصغير» لمهاراته السياسية، لديه أيضاً شيء مشترك مع ترمب، فقد ترشّح للرئاسة بعد خسارته إعادةَ انتخابه.

وفي حالة فان بيورين، بعد هزيمته في عام 1840، فشل في الحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي في عام 1844، ثم ترشّح في عام 1848 بصفته مرشحاً لحزب جديد مناهض للعبودية، ولم يفُز فان بيورين بأي أصوات انتخابية، لكنه فاز بنحو 10 في المائة من الأصوات الشعبية.


مقالات ذات صلة

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

العالم عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

أعلن مايك والتز، المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي الأميركي، أن فريق ترمب يريد العمل منذ الآن مع إدارة الرئيس بايدن للتوصل إلى «ترتيب» بين أوكرانيا وروسيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية ترمب ونتنياهو يتصافحان في «متحف إسرائيل» بالقدس يوم 23 مايو 2017 (أ.ب)

فريق ترمب للشرق الأوسط... «أصدقاء لإسرائيل» لا يخفون انحيازهم

اختصر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب سياسته المحتملة في الشرق الأوسط باختياره المبكر شخصيات لا تخفي توجهها اليميني وانحيازها لإسرائيل.

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ د. جانيت نشيوات (أ.ف.ب)

ترمب يستكمل تعيينات حكومته الجديدة

أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب عن أسماء جديدة لشغل مناصب رفيعة ضمن حكومته المقبلة. واختار ترمب سكوت بيسنت، مؤسس شركة الاستثمار «كي سكوير غروب»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد الملياردير إيلون ماسك يظهر أمام الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)

إيلون ماسك أكثر ثراءً من أي وقت مضى... كم تبلغ ثروته؟

أتت نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024 بفوائد على الملياردير إيلون ماسك بحسب تقديرات جديدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

TT

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)
تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)

ترمب «رمز للسلام وقاهر الحروب»، هكذا صوّر الرئيس المنتخب نفسه في حملته الانتخابية التي مهّدت لولايته الثانية في البيت الأبيض. فالرئيس الـ47 انتزع الفوز من منافسته الديمقراطية، بانياً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية وهي على مشارف عامها الثالث.

يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، خطط ترمب لإنهاء النزاعات، ودلالات اختياره وجوهاً معيّنة في إدارته لديها مواقف متناقضة بعض الأحيان في ملفات السياسة الخارجية.

التصعيد في المنطقة

دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز)

تعهّد الرئيس الأميركي المنتخب بإنهاء الحروب ووقف التصعيد المستمر في المنطقة. ومع استمرار الحرب في غزة ولبنان، تعتبر دانا ستراول، نائبة وزير الدفاع سابقاً لشؤون الشرق الأوسط ومديرة الأبحاث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أنه لا يزال من المبكّر قراءة المشهد في إدارة ترمب المستقبلية، مشيرة إلى أن الرئيس المنتخب «وعد بإحلال سلام في منطقة لم تنعم بالسلام أبداً». وتقول ستراول: «دونالد ترمب يعد بإحلال السلام في المنطقة من جهة، لكنه يعد من جهة أخرى بالدعم القاطع لإسرائيل. وهذا يُعدّ مشكلةً حقيقية؛ لأن من الأمور التي يجب أن تحصل لتحقيق السلام إعطاء الأولوية للمدنيين الفلسطينيين في غزة، والمدنيين اللبنانيين في لبنان، والحرص على وصول المساعدات الإنسانية لهؤلاء وتوفير الأمن لهم وما يحتاجون إليه من قادتهم. لكن ذلك سيتطلّب قرارات صعبة في إسرائيل. والسؤال الأكبر برأيي هو ما إذا كان دونالد ترمب يستطيع دفع هؤلاء القادة على الاتفاق هذه المرة، وهم لم يتفقوا أبداً في السابق».

ويتحدث كيفن بارون، الصحافي المختص بالشؤون العسكرية والمدير التحريري السابق في «Politico Live»، عن تحديات كثيرة يواجهها فريق ترمب الذي اختاره لقيادة السياسة الخارجية، مشيراً إلى أنه مؤلّف من «مزيج من التقليديين الذين يرغبون في علاقات قديمة الطراز مع الشرق الأوسط والقادة هناك، وبين من هم أكثر تقدماً ويبحثون عن مهاجمة إيران، والرد بالمثل وتغيير الديناميكية التي برأيهم كانت لينة جداً خلال السنوات الأربع الماضية تحت جو بايدن».

ويتساءل بارون: «هل ستتمكن هاتان المجموعتان من الالتقاء في الوسط؟» ويعطي بارون مثالاً «معرقلاً للسلام» في فريق ترمب، وهو السفير الأميركي المعيّن في إسرائيل، مايك هاكابي، الداعم بشدة لتل أبيب والرافض للاعتراف بالضفة الغربية وحقوق الفلسطينيين. ويقول بارون: «إن تعيين مايك هاكابي مثال جيد هنا، فهو داعم قوي لدولة إسرائيل مهما كلّف الأمر. لكنه يدعمها من وجهة نظر معينة؛ فهو مسيحي قومي وهو جزء من حركة متنامية ومجموعة من الأميركيين المسيحيين الذين يشعرون بأن وجود علاقة قوية مع دولة إسرائيل اليهودية أفضل من عدم وجودها لأسباب دينية».

ترمب والسفير المعين في إسرائيل مايك هاكابي خلال حدث انتخابي في بنسلفانيا 12 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وهنا يسلّط ريتشارد لوبارون، السفير الأميركي السابق إلى الكويت ونائب مدير البعثة الأميركية إلى تل أبيب سابقاً وكبير الباحثين في معهد «ذي أتلانتيك»، الضوء على سياسة الرؤساء الأميركيين بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط، مذكراً بأنهم لا يريدون تورطاً عميقاً في المنطقة. ويتحدث عن ترمب بشكل خاص فيقول: «ترمب لم يُنتخب من قبل أشخاص يهتمون بالشرق الأوسط، بل انتخبه الأشخاص الذين يرغبون بجعل أميركا عظيمة مجدداً، وهذه وجهة نظر انعزالية. لذا أعتقد أنه سيضغط للتوصل إلى حلول تخرج الولايات المتحدة من مستوى تورطها الحالي في الشرق الأوسط، لا أعتقد أنه سيكون متعاطفاً مع التورط في صراعات كبرى، وسيرغب بالحفاظ على أسعار منخفضة للنفط بسبب تأثير ذلك على الداخل. لكنه سيفاجأ على غرار معظم الرؤساء الأميركيين بقدرة الشرق الأوسط على جذبهم إلى داخله رغم جهود البقاء بعيداً».

ترمب يعتمر قبعة تحمل شعار «اجعل أميركا عظيمة مجدداً» (أ.ف.ب)

وتوافق ستراول مع مقاربة الانعزالية في فريق ترمب، مشيرة إلى وجود وجوه كثيرة ضمن فريقه من الداعمين للانعزالية الذين يسعون للتركيز على الوضع الداخلي و«جعل أميركا عظيمة مجدداً»، وأن هؤلاء سيعملون على تقليص الدور العسكري للولايات المتحدة حول العالم، ومنح دولارات دافعي الضرائب الأميركيين لأي بلد.

لكن ستراول تُذكّر في الوقت نفسه بأن العامل المشترك في فريق ترمب الذي اختاره، هو أنه «يريد من الفريق المحيط به أن يفكّر فيه هو وفي ما يريده». وتفسر قائلة: «ما نعلمه من رئاسته الأولى هو أن ما يريده أو ما يفكّر به قد يتغير من يوم إلى آخر، ومن ساعة إلى أخرى. هذا النوع من الغموض عادة ما لا يكون جيداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وبالنسبة إلى الحلفاء والشركاء في أماكن مثل الشرق الأوسط، وهي أماكن نريد التعاون معها. فهم يطلبون قيادة أميركية يمكن الاتكال عليها ومستقرة. وبرأيي، استناداً إلى الفريق الذي يتم تشكيله حتى الآن، حيث يقوم أناس مختلفون بقول أشياء مختلفة وعقد اجتماعات مختلفة، فإنه من غير الواضح إن كانوا سيتمكنون في الواقع من العمل بعضهم مع بعض».

تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

وضمن الحديث عن حلول واستراتيجيات في المنطقة، يعرب لوبارون عن تشاؤمه من فرص التوصل إلى حلّ الدولتين، مُرجّحاً أن تقوم إسرائيل «بضم الأراضي المحتلة والضفة الغربية بموافقة أميركية، أو حتى من دونها». ويضيف السفير السابق: «هناك أيضاً احتمال استمرار وجود انقسام في إسرائيل حول هذه القضايا، وسنضطر إلى التدخل بسبب علاقتنا. أعتقد أن هناك مسائل وجودية بحتة ينبغي أن تواجهها إسرائيل حول ماذا تريد أن تصبح بعد 5 إلى 10 سنوات، أو حتى بعد 20 أو 50 سنة. هل تريد أن تصبح دولة ديمقراطية؟ أو أن تكون متورطة في صراع إلى الأبد في الشرق الأوسط؟ أو هل تريد التوصل إلى سلام حقيقي يحترم الآمال الفلسطينية؟».

ويُفسر لوبارون أسباب استمرار الحرب في لبنان وغزة فيقول: «من الأسباب المحزنة لاستمرار الحرب في لبنان وفي غزة أن نتنياهو لا يمكنه الاستغناء عن الحرب، وهذه إحدى مشاكل علاقته مع ترمب. فترمب لا يريد الحرب، لكن نتنياهو يحتاج إليها وسيكون من المثير للاهتمام مشاهدة كيف سيقوم الاثنان على الاتفاق خلال الـ6 أشهر أو السنة المقبلة. لكن لحظة الحساب قادمة في إسرائيل، وهي تأجلت بسبب النزاع. سيكون لها نتائج كبيرة، وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى إن كان ترمب سيقرر اللعب في السياسة الإسرائيلية المحلية كما فعل نتنياهو في السياسة المحلية الأميركية».

إيران وسياسة الضغط القصوى

تعهد ترمب باستعادة سياسة الضغط القصوى مع إيران (أ.ف.ب)

تلعب إيران دوراً بارزاً في التصعيد في المنطقة، ومع استعداد ترمب لتسلُّم الرئاسة في العشرين من يناير (كانون الثاني)، تزداد التساؤلات حول ما إذا كان سيعود إلى سياسة الضغط القصوى التي اعتمد عليها في إدارته الأولى. وهنا يتساءل بارون: «ترمب يعد بالانسحاب من الحروب الخارجية بينما يخوض حروباً خارجية فيما يتعلق بإيران». ويضيف: «إذن، ماذا يعني الضغط الأقصى على الإيرانيين؟ أتوقع أموراً مثل دعم نتنياهو وإسرائيل بالكامل حين يقومون بهجمات في لبنان وغيره من دون أي انتقاد، ومن دون أي قيود. قد يعني أيضاً القتال في أماكن مثل سوريا والعراق ومناطق أخرى لم نسمع عنها كثيراً علناً».

وهنا تشدد ستراول على أن سياسة الضغط القصوى هي «نشاط»، وليس هدفاً، وتفسر قائلة: «ما لم نره بعد من فريق ترمب هو تحديد أو عرض الهدف المثالي: هل الهدف احتواء البرنامج النووي الذي تم الاستثمار فيه بشكل كبير؟ هل الهدف التراجع عن هذا البرنامج أو تفكيكه أو القضاء عليه؟ هل الهدف صد دعم إيراني للإرهاب؟ لتحقيق ذلك، سيحتاج إلى أكثر من سياسة ضغط قصوى، وسيحتاج للتعاون مع حلفاء وشركاء أي أنه سينبغي أن يبذل جهوداً دبلوماسية، لأن الأمر لا يتعلّق فقط بما يمكن أن نقوم به عسكرياً، فسيتوجب عليه أن يرغب بإقامة حوار مع النظام في طهران على بعض النقاط».

الحرب الروسية - الأوكرانية

ترمب يصافح بوتين في مؤتمر صحافي في هلسنكي 16 يوليو 2018 (أ.ف.ب)

من الوعود التي أطلقها ترمب إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية في 24 ساعة. ويصف لوبارون الوضع الحالي بمثابة «رقصة بين بوتين وترمب للوصول إلى طريقة لإنهاء هذا النزاع». وأوضح: «لقد انضم زيلينسكي إلى تلك الرقصة مؤخراً. يجب أن نتذكر أن هذين الخصمين قد أرهقتهما الحرب، لا يمكنهما العثور على المزيد من العناصر من شعبهم للقتال، كما يريان أن تسلُّم ترمب الرئاسة سيضع حدوداً على الفترة التي يستطيعان فيها الاستمرار بهذه الحرب». ويرجّح السفير السابق أن تنتهي الحرب «بحل دبلوماسي غير مناسب وغير مرض لن يسعد أياً من الأطراف، على غرار كل الحلول الدبلوماسية. وهذا سيشكل نقطة يعلن فيها ترمب عن نجاحه ليقول: لقد أنهيت الحرب في أوكرانيا».

ويشير بارون إلى رفع إدارة بايدن الحظر عن أوكرانيا لاستعمال الأسلحة الأميركية في روسيا، فيقول إن «ما تغيّر هو أن ترمب فاز بالانتخابات، وهناك فترة شهرين سيسعى بايدن خلالهما لتقديم كل ما بوسعه إلى أوكرانيا؛ لأن الأمور ستتغير في 20 يناير عندما يتولى ترمب منصبه». ويضيف: «إذن، الفكرة هي التوفير لأوكرانيا أكبر قدر من الدفاعات الآن لكي ينتقلوا إلى طاولة المفاوضات».

وتوافق ستراول مع هذا التقييم قائلة: «إن هذا التصعيد الذي يجري حالياً هو فرصة لكل من الطرفين لكي يعززا موقفهما قبل تنصيب دونالد ترمب، الذي بدوره صرّح بأنه سيطالب أن ينضم الجميع إلى طاولة المفاوضات. وسيعمل على تقليل سلطة التفاوض الأوكرانية عبر التهديد بإيقاف المساعدات العسكرية».