قراصنة «روبرت» الإيرانيون يبيعون رسائل مسروقة من حملة ترمب

صورة تعبيرية تظهر شخصاً جالساً أمام جهاز كمبيوتر وخلفه مزج بين علمي إيران والولايات المتحدة (رويترز)
صورة تعبيرية تظهر شخصاً جالساً أمام جهاز كمبيوتر وخلفه مزج بين علمي إيران والولايات المتحدة (رويترز)
TT

قراصنة «روبرت» الإيرانيون يبيعون رسائل مسروقة من حملة ترمب

صورة تعبيرية تظهر شخصاً جالساً أمام جهاز كمبيوتر وخلفه مزج بين علمي إيران والولايات المتحدة (رويترز)
صورة تعبيرية تظهر شخصاً جالساً أمام جهاز كمبيوتر وخلفه مزج بين علمي إيران والولايات المتحدة (رويترز)

نجحت مجموعة قرصنة إيرانية، متهمة باعتراض رسائل البريد الإلكتروني لحملة المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترمب، أخيراً في نشر المواد التي سرقتها، بعد أن فشلت في بادئ الأمر في إثارة اهتمام وسائل الإعلام التقليدية.

وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، بدأ القراصنة في بيع رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بترمب إلى أحد المعاونين السياسيين في الحزب الديمقراطي، الذي نشر مجموعة من المواد على الموقع الإلكتروني لحملته للعمل السياسي المعروفة باسم «أميركان ماكراكرز».

وباع المتسللون أيضاً الرسائل لصحافيين مستقلين، ونشر أحد الصحافيين على الأقل تلك الرسائل على منصة المنشورات المكتوبة «صب ستاك».

وتظهر هذه المواد عمليات تواصل لحملة ترمب مع مستشارين خارجيين وحلفاء آخرين لبحث مجموعة من الموضوعات قبل انتخابات 2024.

المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية دونالد ترمب (أ.ف.ب)

وتتيح أنشطة المخترقين، التي تتبعتها وكالة «رويترز»، لمحة نادرة عن جهود التأثير في الانتخابات. وتظهر أيضاً أن إيران لا تزال مصممة على التأثير في الانتخابات، على الرغم من لائحة اتهام أصدرتها وزارة العدل الأميركية في سبتمبر (أيلول) تتهم قراصنة إلكترونيين بالعمل لصالح طهران وانتحال شخصيات مزيفة.

وذكرت لائحة الاتهام أن مجموعة قرصنة ذات صلة بالحكومة الإيرانية، معروفة باسم «مينت ساندستورم» أو «إيه بي تي 42»، قامت بسرقة كلمات المرور الخاصة بكثير من موظفي حملة ترمب بين مايو (أيار) ويونيو (حزيران) .

وحذّرت وزارة الأمن الداخلي، في مذكرة إرشادية منشورة في وقت سابق هذا الشهر، من أن القراصنة يواصلون استهداف موظفي الحملة. وسيواجه القراصنة أحكاماً بالسجن وغرامات إذا ثبتت إدانتهم.

وقالت لائحة الاتهام الصادرة عن وزارة العدل إن مسربي المعلومات هم 3 قراصنة إيرانيين يعملون مع قوات «الباسيج» الإيرانية.

المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية دونالد ترمب (أ.ف.ب)

وفي محادثات مع وكالة «رويترز»، لم يتناول مسربو المعلومات، ويُعرفون جميعاً باسم مزيف هو «روبرت»، الاتهامات الأميركية بشكل مباشر، وقال أحدهم: «أتتوقعون أن أجيب حقاً؟».

وذكرت رسائل بريد إلكتروني من مكتب التحقيقات الاتحادي (إف بي آي)، مرسلة إلى صحافيين، واطلعت عليها «رويترز»، أن الاسم «روبرت» هو الاسم المزيف نفسه المشار إليه في لائحة الاتهام الأميركية.

وقالت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة، في بيان، إن تقارير تورط البلاد في عملية اختراق لتقويض الانتخابات الأميركية «لا أساس لها أصلاً وغير مقبولة كلياً»، مضيفة أنها «تستنكر مثل هذه الاتهامات بشكل قاطع».

وأحجم مكتب التحقيقات الاتحادي عن التعليق، ويحقق المكتب في نشاط الاختراق الإيراني ضد كل من الحملتين الرئاسيتين في هذه الانتخابات.

وقال ديفيد ويلر، مؤسس «أميركان ماكراكرز»، إن الوثائق التي شاركها أصلية، وفي مصلحة الجمهور. وأضاف ويلر أن هدفه «كشف مدى يأس حملة ترمب لمحاولة الفوز» وتقديم معلومات حقيقية للجمهور. وأحجم عن مناقشة أصل المواد.

وقالت حملة ترمب، في وقت سابق هذا الشهر، دون أي إشارة محددة، إن عملية الاختراق الإيرانية «هدفها التدخل في انتخابات 2024 وزرع بذور الفوضى في عمليتنا الديمقراطية»، مضيفة أن أي صحافي سيعيد طباعة الوثائق المسروقة «ينفذ محاولات أعداء أميركا».

وفي 2016، كان موقف ترمب مختلفاً حينما حرّض روسيا على اختراق رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهيلاري كلينتون وتقديمها إلى الصحافة.

عملية تسريب

ذكر شخصان مطلعان أن عملية التسريب بدأت قرب يوليو (تموز) حينما شرع حساب بريد إلكتروني مجهول، يستخدم العنوان [email protected]، في مراسلة صحافيين في عدة منافذ إعلامية باستخدام الاسم «روبرت».

وتواصلوا في بادئ الأمر مع صحيفة «بوليتيكو»، وصحيفة «واشنطن بوست»، وصحيفة «نيويورك تايمز»، ووعدوا بتقديم معلومات داخلية تدين حملة ترمب.

وقال الشخصان إن القراصنة الإيرانيين المتهمين استخدموا في أوائل سبتمبر (أيلول) عنوان بريد إلكتروني ثانياً، هو [email protected]، في جولة جديدة من عمليات التواصل تضمنت وكالة «رويترز» وما لا يقل عن منفذين إخباريين آخرين.

وفي ذلك الوقت، قدّموا أبحاثاً تم إعدادها بمعلومات عامة من حملة ترمب عن السياسيين الجمهوريين «جيه دي فانس» و«ماركو روبيو» و«دوج بيرجم»، وكانوا جميعاً موضع نظر من ترمب للترشح معه على مقعد نائب الرئيس.

وقال شخص مقرب من حملة ترمب، لوكالة «رويترز»، إن التقارير عن نائب الرئيس كانت أصلية. ولم تنشر «بوليتيكو» أو «واشنطن بوست» أو «نيويورك تايمز» أو «رويترز» قصصاً مستندة إلى التقارير.

وقالت دانييل رودز، المتحدثة باسم «نيويورك تايمز»، إن الصحيفة لا تنشر مقالات استناداً إلى المواد المقرصنة إلا «إذا وجدنا معلومات ذات أهمية إخبارية في المواد، وإذا تمكنا من التحقق من صحتها».

وأشارت «واشنطن بوست»، في بريد إلكتروني، إلى تعليقات سابقة أدلى بها محررها التنفيذي، مات موراي، الذي قال إن الحدث يعكس حقيقة أن المؤسسات الإخبارية «لن تنشر بلا تحقق أي معلومات مقرصنة» مقدمة لهم. وقال متحدث باسم «بوليتيكو» إن منشأ الوثائق أكثر أهمية من الناحية الإخبارية من المواد المسربة.

وقال متحدث باسم «رويترز» إن وكالة الأنباء لم تنشر هذه المواد، لأنها لم ترَ فيها أهمية إخبارية. وقال شخصان مطلعان على التحقيق إن حسابَي البريد الإلكتروني على منصة «إيه أو إل»، اللذين حددتهما «رويترز»، أغلقتهما شركة «ياهو» المالكة للمنصة في سبتمبر، وعملت «ياهو» مع مكتب التحقيقات الاتحادي قبل صدور لائحة الاتهام ليقودهما عنوانا البريد الإلكتروني إلى مجموعة القرصنة الإيرانية.

وقبل فقد القدرة على الوصول إلى البريد الإلكتروني، أشار «روبرت» إلى أن المراسلين ربما يحتاجون إلى وسيلة تواصل بديلة، وقدّم رقم هاتف على تطبيق الدردشات المشفرة (سيغنال). ولم يرد تطبيق «سيغنال» على رسائل بطلب التعليق، وتصعب على جهات إنفاذ القانون مراقبة «سيغنال».

ويقول مسؤولون كبار في المخابرات الأميركية وجهات إنفاذ القانون إن جهود التدخل الإيرانية في هذه الدورة من الانتخابات تركز على تشويه سمعة ترمب، إذ يحمّلونه مسؤولية اغتيال قاسم سليماني الجنرال السابق في الجيش الإيراني بطائرة مسيرة أميركية في 2020.

وحتى الآن، لا يبدو أن التسريبات المنشورة بالفعل غيّرت الآليات العامة لحملة ترمب.

«ماكراكرز»

في 26 سبتمبر، بدأت منظمة «أميركان ماكراكرز»، ومقرها ولاية نورث كارولاينا، في نشر رسائل البريد الإلكتروني الداخلية لحملة ترمب.

ولدى لجنة العمل السياسي، التي تعمل منذ 2021، تاريخ في نشر مواد غير لائقة عن شخصيات بارزة في الحزب الجمهوري. ووفقاً لتقارير إفصاح عامة، تحصل اللجنة على تمويلها من خلال متبرعين أفراد من جميع أنحاء البلاد.

وقالت «أميركان ماكراكرز»، على موقعها على الإنترنت، إن التسريبات جاءت من «مصدر»، ولكن قبل النشر الشهر الماضي، طلبت المجموعة علناً من «روبرت» التواصل. وقالت المجموعة، في منشور على منصة «إكس»: «هاكر روبرت، لماذا تستمر في إرسال معلومات ترمب إلى وسائل الإعلام المؤسسية؟ أرسلها إلينا وسننشرها».

وعند سؤاله عما إذا كان مصدره هو الشخصية الإيرانية المزعومة «روبرت»، قال ويلر: «هذا شيء سري للغاية»، وإنه «ليس لديه تأكيد على مكان المصدر». كما رفض التعليق على ما إذا كان مكتب التحقيقات الاتحادي قد حذّره من أن التواصل كان ناتجاً عن عملية تأثير أجنبية.

وفي أحد الأمثلة، نشر موقع «ماكراكرز» مواد في 4 أكتوبر (تشرين الأول) يقول إنها تظهر ترتيباً مالياً غير محدد مع محامين يمثلون المرشح الرئاسي السابق «روبرت ف. كينيدي» جونيور وترمب.

وقال سكوت ستريت، محامي روبرت ف. كينيدي جونيور، في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى وكالة «رويترز»، إنه لا يستطيع التحدث علناً عن الواقعة.

وتمكنت «رويترز» من التأكد من صحة المواد المنشورة. ونشرت «ماكراكرز» لاحقاً وثائق من «روبرت» حول سباقين انتخابيين رفيعي المستوى.

وتضمنت المادة اتصالات مزعومة تتعلق بالمرشح لمنصب حاكم ولاية نورث كارولاينا، الجمهوري مارك روبنسون، والعضوة بمجلس النواب عن ولاية فلوريدا من الحزب الجمهوري، آنا بولينا لونا، وكلاهما يحظى بتأييد ترمب.

كان الحديث حول روبنسون يتعلق بمحاولة المستشار الجمهوري، دبليو كيرك بيل، طلب النصح والتوجيه من حملة ترمب بعد تعليقات منسوبة إلى روبنسون في منتدى إباحي. ونفى روبنسون التعليقات في السابق.

وجاءت الرسالة الأخرى من مستشار جمهوري، يشارك فيها معلومات مع حملة ترمب حول حياة لونا الخاصة.

وأحد الصحافيين القلائل الذين تواصل معهم «روبرت» ونشروا مواد، هو مراسل الأمن القومي المستقل، كين كليبنستاين، الذي نشر وثائق على «صب ستاك» أواخر الشهر الماضي. وأكد «روبرت»، لوكالة «رويترز»، أنه أعطى المواد لكليبنستاين.

وبعد نشر القصة، قال كليبنستاين إن عملاء مكتب التحقيقات الاتحادي اتصلوا به بشأن اتصالاته مع «روبرت»، محذرين من أنه جزء من «عملية تأثير أجنبي خبيث».

وفي منشور له، قال كليبنستاين إن المواد المسربة تستحق النشر، وإنه اختار نشرها لأنه يعتقد أن وسائل الإعلام لا ينبغي لها أن «تحجب ما ينبغي أن يعرفه الجمهور».

وقال متحدث باسم وكالة «رويترز» للأنباء، التي تلقت إخطارات مماثلة من مكتب التحقيقات الاتحادي: «لا يمكننا التعليق على تفاعلاتنا، إن وجدت، مع سلطات إنفاذ القانون».

ورفض متحدث باسم مكتب التحقيقات الاتحادي التعليق على جهود إخطار وسائل الإعلام. وقال ويلر إن ستكون لديه تسريبات جديدة «قريباً»، وإنه سيستمر في نشر وثائق مماثلة ما دامت «أصلية وذات أهمية».


مقالات ذات صلة

ماسك يتعهد بخفض تريليونَي دولار من الميزانية إذا فاز ترمب بالانتخابات

الولايات المتحدة​ إيلون ماسك يشارك في فعالية انتخابية لدعم المرشح الرئاسي دونالد ترمب خلال تجمع في بتلر يوم 5 أكتوبر (أ.ب)

ماسك يتعهد بخفض تريليونَي دولار من الميزانية إذا فاز ترمب بالانتخابات

قال الملياردير الأميركي إيلون ماسك، إنه يستطيع خفض تريليونَي دولار على الأقل من الميزانية الفيدرالية، في حال فوز ترمب بالانتخابات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد ترمب في أحد المقابلات الإعلامية قبيل الانتخابات (رويترز)

مخاوف من سياسات ترمب المالية تسيطر على قادة الاقتصاد العالمي

تصدرت قضايا النمو والديون والحروب والتوترات الجيوسياسية، جدول الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين؛ لكن ترمب استحوذ على نسبة كبيرة من المباحثات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي السابق والمرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة المقبلة دونالد ترمب (أ.ب)

حملة ترمب تستخدم صورة لاحتجاجات وقعت خلال رئاسته في إعلان ينتقد بايدن

أطلقت حملة دونالد ترمب إعلاناً للترويج لعودته للبيت الأبيض، قالت فيه إن البلاد تدهورت خلال إدارة بايدن لكنه تضمن صورة من احتجاجات شهدتها البلاد خلال رئاسة ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد تمثال ذهبي يصور ترمب بزيّ بطل خارق معروض في بالميتو بولاية فلوريدا (رويترز)

الذهب يتراجع مع صعود الدولار وترقب بيانات أميركية حاسمة

انخفضت أسعار الذهب، يوم الاثنين، مع ثبات الدولار الأميركي، بينما ينتظر المستثمرون بيانات اقتصادية أميركية جديدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ دونالد ترمب متحدثاً خلال تجمع انتخابي في ساحة «ماديسون سكوير غاردن» (أ.ب) play-circle 00:44

ترمب يتهم هاريس بتدمير الولايات المتحدة

اتَّهم المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترمب، منافسته الديمقراطية كامالا هاريس، بتدمير الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

كيف دفعت إدارة بايدن إسرائيل إلى «دوزنة» ضرباتها على إيران؟

صورة التقطتها أقمار اصطناعية للضرر في قاعدة عسكرية إيرانية قرب طهران جراء الضربات الإسرائيلية (رويترز)
صورة التقطتها أقمار اصطناعية للضرر في قاعدة عسكرية إيرانية قرب طهران جراء الضربات الإسرائيلية (رويترز)
TT

كيف دفعت إدارة بايدن إسرائيل إلى «دوزنة» ضرباتها على إيران؟

صورة التقطتها أقمار اصطناعية للضرر في قاعدة عسكرية إيرانية قرب طهران جراء الضربات الإسرائيلية (رويترز)
صورة التقطتها أقمار اصطناعية للضرر في قاعدة عسكرية إيرانية قرب طهران جراء الضربات الإسرائيلية (رويترز)

بعد ساعات من سقوط الصواريخ الإيرانية على إسرائيل، في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، أرسلت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن رسالة عاجلة إلى إسرائيل: «تريَّثي».

ووفق تقرير نشرته وكالة «رويترز»، كانت واشنطن ترى أن إسرائيل تملك الوقت، ولديها الوقت لاتخاذ القرار بشأن أفضل طريقة للرد على ضربة إيرانية، والتي قدَّرت الولايات المتحدة أنها كانت ستقتل الآلاف لو لم تتمكن إسرائيل، بدعم عسكري أميركي، من صدّ هجوم عدوّتها اللدود.

وخشي المسؤولون من أن يؤدي مثل هذا الهجوم الإيراني الضخم إلى إثارة رد فعل إسرائيلي حاد وسريع، مما قد يدفع الشرق الأوسط إلى شفا صراع إقليمي شامل، قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية الأميركية.

تشرح هذه الرواية، الصادرة عن مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين، كيف سعت الولايات المتحدة إلى التأثير على إسرائيل، خلال أكثر من ثلاثة أسابيع، قبل أن يردَّ جيشها أخيراً، يوم السبت الماضي، بضربات جوية كانت موجهة أكثر بكثير نحو أهداف عسكرية مما كانت تخشى واشنطن في البداية.

ودمَّرت الضربات الإسرائيلية دفاعات جوية إيرانية رئيسية ومرافق لإنتاج الصواريخ، الأمر الذي يُضعف الجيش الإيراني. لكن الأهم من ذلك أنهم تجنبوا المواقع النووية الحساسة والبنية الأساسية للطاقة في إيران، مما أدى إلى تلبية المطلبين الرئيسيين لبايدن.

وقال جوناثان بانيكوف، النائب السابق للمسؤول المعنيّ بشؤون الشرق الأوسط في المخابرات الأميركية الوطنية، إن «الضغوط الأميركية كانت بالغة الأهمية».

وأضاف: «كانت عملية صنع القرار في إسرائيل ستكون مختلفة تماماً، لو لم تتخذ إدارة بايدن إجراءات لدفع إسرائيل إلى عدم ضرب المواقع النووية أو مواقع الطاقة».

ونفى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن تكون إسرائيل تجنبت ضرب منشآت الغاز والنفط الإيرانية بسبب الضغوط الأميركية.

وقال إن «إسرائيل اختارت مسبقاً أهداف الهجوم وفقاً لمصالحها الوطنية، وليس وفقاً للإملاءات الأميركية».

ويقول المسؤولون إن الخطوة الأولى التي اتخذتها إدارة بايدن كانت الاعتراف بأن إيران ستضطر إلى دفع ثمن الهجوم، الذي وقع في الأول من أكتوبر.

وقال مسؤول كبير في إدارة بايدن: «في الساعات التي أعقبت ذلك الهجوم، وعدنا بعواقب وخيمة على إيران».

وأجرى وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن نحو اثنتي عشرة مكالمة هاتفية مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت، منذ الأول من أكتوبر. وناقش أوستن وجالانت الرد المحتمل.

وقال مسؤول أميركي، معلقاً على محادثات أوستن وغالانت: «كنا نعلم أنهم يستعدون للقيام بشيء، وكان (أوستن) يحث على أن يكون متناسباً».

وأجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، مثل غيره من كبار المسؤولين في الإدارة، اتصالات هاتفية مع حلفاء أوروبيين وعرب، في الأيام التي أعقبت الهجوم الإيراني في الأول من أكتوبر، موضحاً أن إسرائيل ستضطر إلى الرد، لكنه أكد لهم أن واشنطن تعمل على ضبط ذلك.

لكن ما الرد المتناسب الذي يمكن أن يردع إيران عن شن هجوم آخر؟

رغم أن الضربة الإيرانية في الأول من أكتوبر لم تسفر إلا عن مقتل شخص واحد، وهو فلسطيني تُوفي بسبب سقوط حطام، فإن الدفاعات الجوية الإسرائيلية أو الأميركية لم تتمكن من اعتراض كثير من الصواريخ الإيرانية.

وقال جيفري لويس، الخبير في مجال الحد من الانتشار النووي بمعهد «ميدلبري» للدراسات الدولية، إن تحليل صور الأقمار الاصطناعية أظهر وقوع ما لا يقل عن 30 اصطداماً بقاعدة نيفاتيم الجوية الإسرائيلية وحدها.

وقال لويس إن هذا قد يشير إلى أن إسرائيل إما تحاول الحفاظ على دفاعاتها الجوية الآخذة في التراجع، أو أنها تعتقد ببساطة أن تكلفة إصلاح المنشأة المحصَّنة ستكون أقل من تكلفة صد كل قذيفة تطلقها إيران. وأضاف: «ربما قررت إسرائيل أن المخزونات بدأت النفاد، أو أن الصواريخ الاعتراضية أصبحت باهظة التكلفة جداً بحيث لا يمكن استخدامها ضد الصواريخ الباليستية».

إنفوغراف... إسرائيل تقصف أهدافاً عسكرية إيرانية

الدفاعات الجوية

قال مسؤول أميركي إن واشنطن عندما بدأت التحدث مع الإسرائيليين، كانت المواقع النووية والمواقع النفطية الإيرانية من بين الأهداف المحتملة، رغم تأكيده أن إسرائيل لم تقرر بشكل قاطع المُضي قُدماً في ضرب هذه الأهداف.

لكن المسؤولين الأميركيين عملوا على تقديم خيار بديل يتضمن مجموعة من التدابير المختلفة: عملت واشنطن على فرض عقوبات نفطية تستهدف ما يُعرف باسم «الأسطول الشبح» الإيراني؛ وذلك لتقديم بديل للإسرائيليين، الذين أرادوا إلحاق الضرر بعائدات النفط الإيرانية بضربة حركية.

وقال المسؤول الكبير في إدارة بايدن إن الولايات المتحدة عملت على تعزيز الدفاعات الجوية الإسرائيلية قبل هجومها على إيران، يوم السبت الماضي. وشمل ذلك نشراً أميركياً نادراً لمنظومة الدفاع الصاروخي للارتفاعات العالية «ثاد» في إسرائيل، إلى جانب نحو 100 جندي أميركي؛ لتشغيلها.

وقبل نشر المنظومة، أرادت الولايات المتحدة معرفة خطط الهجوم الإسرائيلية.

وقال مسؤولون إن بايدن أجرى اتصالاً هاتفياً مع نتنياهو، في التاسع من أكتوبر، مما أعطى الولايات المتحدة فكرة حول كيفية الرد الإسرائيلي، الأمر الذي سمح بالمضي في نشر منظومة «ثاد».

النووي محظور

وفي حين عَدَّه كثير من الخبراء رسالة إلى إيران، نفذ الجيش الأميركي أيضاً ضربة ضد الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن، باستخدام قاذفات الشبح بعيدة المدى من طراز «بي-2».

وقال أوستن، في ذلك الوقت، إن الضربة كانت تعد دليلاً فريداً على قدرة وزارة الدفاع الأميركية على ضرب منشآت يصعب الوصول إليها، «بغض النظر عن مدى عمقها تحت الأرض، أو مدى تحصينها».

وبينما تدور التكهنات حول ما إذا كانت إسرائيل قد تضرب المواقع النووية الإيرانية، كانت رسالة واشنطن إلى إسرائيل هي أنها تستطيع الاعتماد على مساعدتها إذا اختارت طهران، ذات يوم، صنع سلاح نووي، وهو الأمر الذي لا تعتقد دوائر المخابرات الأميركية أن طهران فعلته حتى الآن.

وقال بانيكوف: «كان المضمون هو أنه إذا كانوا يريدون، على المدى الطويل، مساعدة الولايات المتحدة لتدمير مثل هذه الأهداف، إذا جرى اتخاذ قرار للقيام بذلك، فسوف يتعين عليهم أن يكونوا أكثر تحفظاً، هذه المرة».

ويرى بلينكن أن الهجوم الإسرائيلي المضاد المدروس ضد إيران قد يفتح الفرصة لتحقيق أهداف دبلوماسية بعيدة المنال منذ فترة طويلة في منطقة تعاني بالفعل حرباً مستمرة منذ عام في غزة بين إسرائيل وحركة «حماس» المدعومة من إيران، وحرباً متصاعدة بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني؛ وهو حليف آخر لإيران.

وخلال جولة في الشرق الأوسط، الأسبوع الماضي، قال بلينكن، لوزراء الخارجية العرب، إن المناقشات الأميركية مع إسرائيل وصلت إلى مرحلة بحيث لن تضرب إسرائيل سوى أهداف عسكرية. وقال بلينكن، في رسالة يأمل أن تصل إلى طهران، إن إيران، في المقابل، ينبغي ألا تفعل أي شيء آخر.

وأمس، ومع استقرار الوضع بعد الهجوم، لم يُشِر أي من الجانبين إلى مزيد من التصعيد. وقال نتنياهو إن الهجمات الجوية الإسرائيلية «ضربت بقوة» دفاعات إيران وإنتاجها الصاروخي. وقال المرشد الإيراني علي خامنئي إنه ينبغي عدم تضخيم الأضرار الناجمة عن هجوم يوم السبت.

وفي حين أنه من المستحيل التنبؤ بما إذا كانت إسرائيل وإيران ستخفضان مستوى التصعيد، يقول المسؤولون الأميركيون إن إدارة بايدن عملت بجِد لخلق فرصة لوقف التبادل غير المسبوق للهجمات المباشرة والمضادة الذي بدأ في أبريل (نيسان) الماضي.

وقال المسؤول الكبير في إدارة بايدن: «إذا اختارت إيران الرد مرة أخرى، فسنكون مستعدين، وستكون هناك عقوبات لإيران مرة أخرى. ومع ذلك لا نريد أن نرى ذلك يحدث».

وتُواجه استراتيجية بايدن في محاولة كبح جماح إسرائيل منتقدين، بما في ذلك الجمهوريون المعارضون في الولايات المتحدة مثل مايك تيرنر، عضو الكونغرس الجمهوري، الذي يرأس لجنة المخابرات بمجلس النواب.

وقال تيرنر، لشبكة «فوكس نيوز»، إن «الإدارة الأميركية حدّت من قدرة إسرائيل على التأثير فعلياً على إيران وقدرتها على مواصلة تهديد إسرائيل».

وقال آرون ديفيد ميلر، الباحث الكبير بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، إن نتيجة الضربات المتبادلة هي، على نحو متناقض، توسع في القدرة على تحمل المخاطر في إسرائيل، والتي قد تتسع أكثر إذا فاز المرشح الجمهوري والرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية، في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وقال ميلر: «إذا فاز ترمب في هذه الانتخابات، فأعتقد أن الإسرائيليين ربما يبحثون عن فرص، في الأشهر المقبلة، بعد أن أثبتوا أنهم قادرون على الإفلات من العقاب بتفكيك أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، وإحداث قدر كبير من الضرر».