كيف يمكن أن يؤثر الشرق الأوسط والانتخابات الأميركية أحدهما على الآخر؟

الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أرشيفية - رويترز)
TT

كيف يمكن أن يؤثر الشرق الأوسط والانتخابات الأميركية أحدهما على الآخر؟

الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أرشيفية - رويترز)

تناولت صحيفة «الغارديان» البريطانية العلاقة بين أزمة الشرق الأوسط والانتخابات الرئاسية الأميركية وطرحت سؤالاً بشأن تأثير أحدهما على الآخر، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني).

وقالت الصحيفة إنه نادراً ما تكون السياسة الخارجية مهمة كثيراً في الانتخابات الرئاسية الأميركية، ولكن هذا العام قد يكون استثناءً، ففي منافسة من المرجح أن تُحسم بهامش ضئيل في تصويت الولايات، والتداعيات الناجمة عن الصراعات في غزة والضفة الغربية ولبنان، مع احتمال اندلاع حرب مع إيران، قد يكون لها تأثير كبير على المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس.

وأضافت أن العام الذي مرّ منذ هجوم «حماس» على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) أظهر مدى التشابك بين السياسة الرئاسية الأميركية ومسار الأحداث في الشرق الأوسط. فكل منهما يمارس قوة جذب على الآخر، وغالباً بطرق ضارة لكليهما.

من ناحية أخرى، ستؤثر نتيجة الانتخابات على الشرق الأوسط بطرق غير متوقعة، لكنها قد تكون بالغة الأهمية، فعلى الرغم من القيود الواضحة على قدرة واشنطن على السيطرة على إسرائيل، شريكتها الأقرب، تظل الولايات المتحدة القوة الخارجية الأكثر نفوذاً في المنطقة.

ولفتت إلى أن دعم الرئيس الأميركي جو بايدن لإسرائيل في مواجهة الخسائر المدنية في غزة، وتحدي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الواضح للجهود التي تقودها الولايات المتحدة للتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، أدى إلى تنفير الكثير من الديمقراطيين التقدميين.

وأضافت «الغارديان» أنه كما يمكن للشرق الأوسط أن يؤثر على السياسة الأميركية أكثر من أي جزء أجنبي آخر من العالم، فإن السياسة الأميركية تمارس تأثيراً واضحاً وثابتاً على الشرق الأوسط، فقد أصبح دعم إسرائيل شعاراً لكل من المرشحين الرئاسيين الجمهوريين والديمقراطيين، بغض النظر تقريباً عن تصرفات إسرائيل.

صورة للرئيس السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترمب ونائبة الرئيس والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس (أ.ب)

وبحسب «الغارديان»، لم تنأَ كامالا هاريس بنفسها بأي شكل من الأشكال عن سياسة بايدن في الشرق الأوسط، وهي تواجه الآن معركة صعبة بشكل خاص في ولاية ميشيغان، موطن جالية عربية - أميركية كبيرة. ومن شأن خسارة هذه الولاية أن تعقّد بشكل كبير مسار هاريس إلى الرئاسة، فمن المرجح أن يؤثر اندلاع الصراع المفتوح بين إسرائيل وإيران على الحملة الرئاسية إلى ما هو أبعد من ميشيغان، حيث ستجتمع الشكوك حول كفاءة فريق بايدن - هاريس في السياسة الخارجية والتهديدات بارتفاع أسعار النفط في أسوأ وقت ممكن لهاريس، وقد تكون هذه بمثابة «مفاجأة أكتوبر» القاتلة في هذه الانتخابات.

وقال دانييال ليفي، رئيس معهد سياسة مشروع الولايات المتحدة والشرق الأوسط: «إنك ترى إجلاء الأميركيين من بيروت الآن، وهذا يساعد حقاً في تعزيز رواية ترمب عن أن العالم مكان أكثر فوضوية مع هؤلاء الضعفاء».

وأشارت دانا ألين، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إلى أن عدم قابلية إسرائيل للمساس في الساحة السياسية الأميركية قد تطور بمرور الوقت.

ووفقاً للصحيفة، فرض نتنياهو بقوة المحرمات الأميركية ضد استخدام نفوذها على إسرائيل، ففعل ذلك من خلال حشد المشاعر المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة ضد أي رئيس حاول كبح جماح، فعندما أعلن باراك أوباما أنه يجب وقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية، تجاهله نتنياهو، وعندما أوقف بايدن تسليم القنابل الأميركية الصنع التي تزن 2000 رطل والتي كانت تستخدم لتدمير المناطق السكنية في غزة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي أن هذا «غير مقبول»، وقبِل لاحقاً دعوة من الجمهوريين لمخاطبة الكونغرس والاجتماع مع ترمب وانقلب على بايدن عند أول علامة شك.

وكانت رسالة نتنياهو واضحة: أي تردد في توفير الأسلحة أو الدعم الدبلوماسي سوف يتسبب في تكلفة سياسية باهظة، وسيتم تصوير الرئيس الأميركي على أنه خائن لإسرائيل.

وقالت «الغارديان» إنه نتيجة هذا التكتيك كان هناك تردد عميق من جانب الرؤساء المتعاقبين في استخدام نفوذ الولايات المتحدة، بوصفها أكبر مورّد للأسلحة لإسرائيل على الإطلاق، للحد من تجاوزات حكومة نتنياهو بأي طريقة ذات مغزى، في غزة أو الضفة الغربية أو لبنان ومن دون هذا النفوذ، فإن سلسلة من مبادرات وقف إطلاق النار الأميركية هذا العام لن تكون كافية.

لكن في الواقع، لم تسفر هذه الجهود عن شيء، حيث تجاهلها نتنياهو بطرق كانت في بعض الأحيان مهينة للغاية للولايات المتحدة كقوة عظمى وشريك.

وقالت داليا شيندلين، المحللة السياسية المقيمة في تل أبيب: «لقد أمضى نتنياهو جزءاً طويلاً من حياته المهنية في تحويل أميركا إلى قضية حزبية، محاولاً إقناع الإسرائيليين بأن إسرائيل مرتبطة بزعماء الحزب الجمهوري».

ومن غير الواضح ما إذا كانت إدارة هاريس ستتبع مساراً مختلفاً بشكل كبير عن إدارة بايدن، فمن ناحية أخرى، ليس لدى هاريس التاريخ الشخصي نفسه مع إسرائيل مثل بايدن، وإذا فازت، فستكون أكثر حرية في تجربة تغيير في السياسة.

من ناحية أخرى، فإن الفوز في الانتخابات في مواجهة السخط الديمقراطي الواسع بشأن الشرق الأوسط قد يقنع هاريس بأن التهديد التقدمي بشأن هذه القضية يمكن تجاهله.

وأضافت شيندلين: «أحد السيناريوهات هو أن تفوز كامالا هاريس وتواصل سياسات جو بايدن، التي هي نوع من: نريد أن نفعل الشيء الصحيح، لكننا في الأساس سنسمح لإسرائيل أن تفعل ما تريد، أو قد تصبح أكثر صرامة قليلاً، بما يتماشى مع جناح أكثر تقدمية في الحزب الديمقراطي، وتقول: سنبدأ في تطبيق القانون الأميركي على تصدير أسلحتنا، وهو ما أشك فيه بصراحة».

وبحسب الصحيفة، فمع عودة ترمب إلى البيت الأبيض، لن يضطر نتنياهو إلى التعامل مع مقاومة الولايات المتحدة للسيطرة الإسرائيلية الأكبر، حتى ضم الضفة الغربية.

ففي عام 2019، اعترفت إدارة ترمب بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان التي ضمتها.

وقال خالد الجندي، وهو زميل بارز في معهد الشرق الأوسط: «مع وجود ترمب في البيت الأبيض، يصبح الضم احتمالاً أكثر نشاطاً إنها إدارة ستكون أقل اهتماماً بحياة الفلسطينيين من الإدارة الحالية».

ترمب مستقبلاً نتنياهو في «بالم بيتش» يوليو الماضي (د.ب.أ)

وهناك قدر أقل من اليقين بشأن ما إذا كان ترمب سيساعد نتنياهو في تحقيق هدفه الاستراتيجي الطويل الأمد: تجنيد الولايات المتحدة لشن هجوم حاسم على البرنامج النووي الإيراني.

وكانت سياسة الشرق الأوسط في ولاية ترمب الأولى مبنية حول العداء لإيران، في الأسابيع الأخيرة من ولايته، أعطى ترمب الضوء الأخضر لاغتيال قائد «الحرس الثوري» قاسم سليماني، ومن ناحية أخرى، ألغى ترمب ضربة صاروخية على إيران في 2019 لأنه اعتقد أن الخسائر المدنية المحتملة كانت غير متناسبة مع الرد على إسقاط طائرة أميركية من دون طيار.

وقد يأمل نتنياهو في فوز ترمب، لكن الدعم من واشنطن من المرجح أن يكون أكثر عملية وأقل عاطفية من دعم بايدن.

ويخشى رام بن باراك، رئيس الاستخبارات الإسرائيلية السابق، من أن يؤدي الجمع بين ترمب ونتنياهو في الأمد البعيد إلى تسميم العلاقة الأساسية بين بلديهما.

وقال بن باراك: «ما يجعل علاقتنا بأميركا هي تقاسم القيم نفسها. في اللحظة التي يكون فيها لديك رئيس وزراء إسرائيلي بلا قيم، كما لدينا اليوم، ورئيس أميركي بلا قيم مثل ترمب، لست متأكداً من أن هذه الروابط ستستمر».


مقالات ذات صلة

الولايات المتحدة​ بايدن في اتصال هاتفي مع نتنياهو في 4 أبريل 2024 (رويترز)

التصعيد في الشرق الأوسط يطغى على الانتخابات الأميركية

يستعرض «تقرير واشنطن»؛ ثمرة التعاون بين «الشرق الأوسط» و«الشرق»، الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، ومدى تأثير الموسم الانتخابي على رسم استراتيجيات واضحة هناك.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما يتحدث في تجمع جماهيري لدعم حملة نائبة الرئيس كامالا هاريس في بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا (د.ب.أ)

أوباما يحشد الدعم لهاريس في بنسلفانيا

حضّ الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، الأميركيين على التصويت بكثافة لمرشحة الديمقراطيين نائبة الرئيس كامالا هاريس، مُوبّخاً الذين يُفكّرون في البقاء خارج.

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ أحد عناصر جهاز الخدمة السرية وخلفه المرشح الجمهوري دونالد ترمب خلال تجمع انتخابي (أ.ف.ب)

حملة ترمب تطلب طائرات حربية وآليات عسكرية لتأمينه وسط تهديدات إيرانية

طلبت حملة المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترمب توفير طائرات عسكرية لنقل ترمب خلال الأسابيع الأخيرة من الحملة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما يتحدث في تجمع جماهيري لدعم حملة نائبة الرئيس كامالا هاريس في بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا (د.ب.أ)

أوباما يحض الناخبين السود على عدم التردد في التصويت لهاريس

شنّ الرئيس الأميركي السابق هجوماً حادّاً على المرشّح الجمهوري دونالد ترمب.

علي بردى (واشنطن)

ترمب يكثّف هجماته على هاريس عبر «تروث سوشال» مع اقتراب الانتخابات

ترمب متحدّثاً خلال فعالية انتخابية في ريدينغ، بنسلفانيا، 9 أكتوبر (رويترز)
ترمب متحدّثاً خلال فعالية انتخابية في ريدينغ، بنسلفانيا، 9 أكتوبر (رويترز)
TT

ترمب يكثّف هجماته على هاريس عبر «تروث سوشال» مع اقتراب الانتخابات

ترمب متحدّثاً خلال فعالية انتخابية في ريدينغ، بنسلفانيا، 9 أكتوبر (رويترز)
ترمب متحدّثاً خلال فعالية انتخابية في ريدينغ، بنسلفانيا، 9 أكتوبر (رويترز)

«كامالا الكاذبة والمختلة عقلياً» و«الغبية»، هي بعض العبارات التي تتكرّر في منشورات الرئيس السابق الأميركي السابق والمرشّح الجمهوري للانتخابات الرئاسية، دونالد ترمب، على منصّة «تروث سوشال» التي يملكها. وكثّف ترمب، الشهر الماضي، من حدّة هجومه على منافسته الديمقراطية في الانتخابات الرئاسية، في مسعى لحشد دعم قاعدته قبل أيام من موعد الاقتراع.

وعدد متابعي ترمب على «تروث سوشال»، الذي يبلغ 7.85 مليون شخص، يبقى أقل من متابعيه على حسابه في «إكس» (91.5 مليون شخص)، والذي تم منعه من استخدامه مؤقتاً بعد هجوم أنصار له على مبنى الكابيتول في 6 يناير (كانون الثاني) 2021 لمنع إقرار نتائج الانتخابات التي فاز بها الديمقراطي جو بايدن.

وتيرة منظمة

لكن وتيرة نشر ترمب للتدوينات لا تزال منتظمة، بأكثر من 30 مرة يومياً كمعدل خلال شهر سبتمبر (أيلول)، وغالباً ما تنشر في وقت متأخر من الليل، وفق تحليل أجرته «وكالة الصحافة الفرنسية». ويمكن قراءة تدوينات تصف كامالا هاريس بأنها «مذنبة بارتكاب جرائم» و«يجب طردها أو محاكمتها»، مع الحفاظ على منسوب الهجوم السياسي المرتفع الذي يظهره في خطاباته واجتماعاته.

ولا يتردد دونالد ترمب في وصف منافسته بأنها «مجنونة» أو «متخلفة عقليّاً»، أو أنها تدفع مقابلاً لمؤيديها. كما يعد أنصاره في حال فوزه بأن «يعاقب» بشدة من «غشّوا» في انتخابات 2020، التي لم يعترف بنتائجها قطّ، كما يواصل تشكيكه في إجراءات تنظيم انتخابات 2024. ويرى خبراء أن هذا الموقف، الذي يُكرّره في جميع تجمّعاته الانتخابية، يقدّم مؤشرات لرفض محتمل لنتائج انتخابات الشهر المقبل، من خلال مواصلة إطلاق التحذيرات من احتمال حدوث تزوير.

منشورات مضلّلة

ويعج حساب ترمب على «تروث سوشال» باستطلاعات رأي تمنحه تقدّماً، وبروابط لمواقع وسائل إعلام محافظة، وكذلك بمعلومات كاذبة حول ملفات مثل الإجهاض والهجرة. كما يحمّل في منشوراته كامالا هاريس المسؤولية عن الهجرة غير النظامية عبر الحدود مع المكسيك، ويستخدم في كثير من الأحيان إحصاءات قديمة أو مضلّلة حول الجريمة بين صفوف المهاجرين.

وبينما تتجاهل المرشّحة الديمقراطية معظم هذه الإهانات والهجمات، وتفضل استفزاز خصمها من خلال وصفه بـ«غريب الأطوار» والتشكيك في عدد المؤيدين الحاضرين في اجتماعاته الانتخابية، لكن حملتها لا تتردد في الإشارة إلى كل «معلومة كاذبة» ينشرها دونالد ترمب، وإن كان ذلك لا يوقف انتشارها.

وبعد تعرّضه لانتقادات بسبب إعادة نشره تدوينة لمّحت إلى أن كامالا هاريس حصلت على امتيازات سياسية مقابل «خدمات» جنسية، أكد دونالد ترمب مؤخراً في برنامج بودكاست أن «إعادة مشاركة (المنشورات) يخلق الأعداء». لكن ذلك لم يمنعه من مشاركة، ونشر نظريات مؤامرة أو نظريات عنصرية فجّة.

وإثر اعتقال مغني الراب «باف ديدي» بتهم الاتجار بالجنس، شارك دونالد ترمب صورة مفبركة تظهر كامالا هاريس بجانب هذا المغني الشهير. وشارك دونالد ترمب أيضاً على نطاق واسع في نشر الاتهامات الكاذبة لمهاجرين هايتيين في ولاية أوهايو بسرقة حيوانات أليفة لأكلها، ما أثار جدلاً ألقى بظلاله على الحملة الانتخابية لفترة طويلة. ونتيجة للاتهامات، أصبح المهاجرون الهايتيون عرضة للتهديدات في هذه الولاية الواقعة شمال شرقي البلاد.