شاهد ملايين الأميركيين أوضح صورة حتى الآن عن خطط المرشحين للانتخابات الرئاسية، بعد 8 أسابيع، خلال مناظرة حامية الوطيس، هي الأولى، وربما تكون الأخيرة، بين نائبة الرئيس كامالا هاريس، والرئيس السابق دونالد ترمب، اللذين قدما رؤيتين متعارضتين تماماً في شأن قضايا أساسية، مثل الاقتصاد والإجهاض والهجرة والديمقراطية في الولايات المتحدة، فضلاً عن مكانة القيادة الأميركية عبر العالم.
التقى المرشحان في مدرج صغير مضاء بالأزرق، جرى تحويله إلى استوديو لمناظرة من دون جمهور. وعند الدخول إليه، تقدمت هاريس بضع خطوات لمصافحة ترمب. وبعد بداية ظهرت فيها علامات التشنج، انطلقت المناظرة التي استمرت 90 دقيقة في مدينة فيلادلفيا، خلال وقت الذروة، عبر شبكة «إيه بي سي» الأميركية للتلفزيون.
وتمكنت هاريس خلال المناظرة من استدراج ترمب واستفزازه لوضعه في موقف دفاعي، بما في ذلك عبر تذكيره بخسارة انتخابات عام 2020 التي لا يزال ينكر نتائجها، وتقديم تعليقات ساخرة على ادعاءاته الأخرى. وهذا ما دفع ترمب إلى شن هجمات شخصية حاول مستشاروه وأنصاره إبعاده عنها.
وحملت هاريس بشدة على ترمب بسبب إداناته الجنائية، وطريقة تعامله مع جائحة «كوفيد 19»، واستفزّته بحجم الحشود في التجمعات الانتخابية، وصولاً الى «الانتقادات» التي سمعتها من القادة الأجانب والعسكريين الذين قالت إنهم وصفوه بأنه «عار». ولكنها توجت هذا الإداء العدائي باستلهام من حياتها كمدعية عامة، إذ قالت: «حان الوقت لطي الصفحة».وغالبا ما كان ترمب المتجهم يبتلع الطُعم، ويرد على انتقادات هاريس بوابل من الادعاءات غير الصحيحة أو المعلومات المضللة والهجمات الشخصية.
تايلور سويفت مع هاريس
ولكن رغم وجود كثير من نقاط النقاش الحامي الوطيس، لم تكن هناك ضربة قاضية يمكن أن تغير بشكل أساسي ديناميكيات الانتخابات المتقاربة للغاية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، بما في ذلك خيارات الناخبين، علماً بأن المناظرة تزامنت مع إعلان نجمة «البوب» الأميركية تايلور سويفت في حسابها على «إنستغرام» لمتابعيها البالغ عددهم 283 مليوناً، أنها تدعم نائبة الرئيس، وستصوت لها في الانتخابات.
وبالنسبة للسيدة هاريس، كانت مناظرة يوم الثلاثاء فرصة لتعريف نفسها بشكل أكبر في عيون الناخبين؛ حيث قال كثيرون إنهم يريدون معرفة المزيد عن أهداف سياستها.
بالنسبة للسيد ترمب، قدمت الأمسية فرصة لإظهار الانضباط في مهاجمة نائب الرئيس، دون اللجوء إلى الطعنات الجنسية والعنصرية التي فضلها غالباً في مسار الحملة الانتخابية. لقد تمكن إلى حد بعيد من تجنب تكرار تلك الإهانات، حتى عندما سأله المنسقون عن التعليقات التي أدلى بها، والتي شكك فيها في الهوية العرقية للسيدة هاريس. وكذلك حدد المرشحان رؤى متعارضة بشكل حاد حول مكان الولايات المتحدة، وأين يعتزمان أخذها إذا انتُخبا. ووعدت هاريس بتخفيضات ضريبية تستهدف الطبقة المتوسطة، مضيفة أنها ستدفع لاستعادة الحق الفيدرالي المضمون في الإجهاض الذي ألغته المحكمة العليا قبل عامين؛ بينما قال ترمب إن التعريفات الجمركية التي اقترحها ستساعد الولايات المتحدة على منع خداع الحلفاء في التجارة. وأكد أنه سيعمل على إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا بسرعة، حتى لو كان ذلك يعني أن أوكرانيا لم تحقق النصر في ساحة المعركة.
عكس بايدن
وكانت هذه المناظرة السابعة لترمب بوصفه مرشحاً رئاسياً، في ثالث سباق له إلى البيت الأبيض، مقابل أول سباق لهاريس، وربما أفضل فرصة لها لتعريف نفسها وتقديم خططها للناخبين. وانتهت مناظرتهما قبل ساعات من بدء إرسال بطاقات الاقتراع الأولى للانتخابات بالبريد، اليوم (الأربعاء) في ألاباما، أي قبل 55 يوماً من الانتخابات، في 5 نوفمبر المقبل.
وبكل المقاييس تقريباً، بدا أداء هاريس عكس الأداء البائس للرئيس جو بايدن في يونيو (حزيران) الماضي؛ إذ إن نائبة الرئيس قدَّمت إجابات حادة ومركزة، مصممة للضرب على الأوتار الحساسة لترمب، خلافاً لحال التشوش التي ظهرت على بايدن خلال مواجهته ترمب. واستخدمت هاريس تعبيرات وجهها لمواجهة ترمب، والتعبير عن استيائها من إجاباته «السخيفة» أو غير ذات القيمة.
وفي لحظة، التفتت هاريس إلى ترمب وقالت له إنها تحدثت بوصفها نائبة للرئيس مع زعماء أجانب «وصفوك بأنك عار». وحاول ترمب بدوره ربط هاريس ببايدن، متسائلاً عن سبب عدم تحركها بوصفها نائبة للرئيس. وسألها: «لماذا لم تفعلي شيئاً» للتعامل مع الأسباب الجذرية للهجرة غير الشرعية؟ ووصفها مراراً بأنها وبايدن «ضعيفان». واستشهد بثناء رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، لإظهار أنه يحظى باحترام كبير ورهبة واسعة النطاق من القادة في كل أنحاء العالم.
ونفى ترمب مجدداً حقيقة أنه خسر الانتخابات أمام بايدن قبل 4 سنوات، عندما ألهمت جهوده لقلب النتيجة تمرد «الكابيتول» في 6 يناير (كانون الثاني) 2021. وقالت هاريس: «جرى طرد دونالد ترمب (من البيت الأبيض) من قبل 81 مليون شخص، لذا دعونا نكون واضحين في شأن ذلك. ومن الواضح أنه يواجه وقتاً عصيباً للغاية في معالجة ذلك». ومع ذلك أكدت أن «الوقت حان لقلب الصفحة»، مناشدة الجمهوريين والمستقلين الذين انزعجوا من أسلوب ترمب وجهوده قبل 4 سنوات لقلب الانتخابات الرئاسية لعام 2020، قائلة إن هناك مكاناً لهم في حملتها من أجل «الدفاع عن البلاد، والدفاع عن ديمقراطيتنا، والدفاع عن سيادة القانون، وإنهاء الفوضى».
ورفض ترمب مرتين القول إنه من مصلحة الولايات المتحدة أن تنتصر أوكرانيا في حربها ضد روسيا. وقالت هاريس إن هذا مثال على سبب امتنان حلفاء أميركا في حلف شمال الأطلسي لعدم وجوده في منصبه؛ حيث أرسلت هي وبايدن عشرات المليارات من الدولارات لمساعدة كييف في صد الغزو الروسي.
يأكلون القطط والكلاب!
وبينما أدلى الرئيس السابق بسلسلة من الادعاءات حول المهاجرين، ومنها أنهم يأكلون الكلاب والقطط، كانت هاريس تبتسم بسخرية عندما قال إن المهاجرين «يأخذون الوظائف التي يشغلها الآن الأميركيون من أصل أفريقي واللاتينيون». وردت: «يتحدث عن التطرف؟!»، مشيرة إلى ادعاءاته غير المسندة حول أن المهاجرين في أوهايو يأكلون كلاب وقطط جيرانهم. وبينما بدا أن هاريس تحاول التدخل خلال أحد ردوده، قال ترمب: «أنا أتحدث الآن، هل يبدو ذلك مألوفاً؟»، في إشارة إلى اللحظة التي أوقفت فيها هاريس مقاطعة من نائب الرئيس آنذاك مايك بنس.
وانتقدت هاريس ترمب بشدة بسبب حالة الاقتصاد والديمقراطية عندما ترك منصبه؛ حيث اجتاح وباء «كوفيد-19» البلاد، وبعد اقتحام أنصاره مبنى «الكابيتول». وقالت: «ما فعلناه هو تنظيف فوضى دونالد ترمب». وافتتحت إجابتها بقولها إنها تتوقع سماع «مجموعة من الأكاذيب والمظالم والشتائم» من خصمها الجمهوري.
غير أن ترمب سارع إلى مهاجمة هاريس لتخليها عن بعض مواقفها الليبرالية السابقة. وقال: «ستذهب إلى فلسفتي الآن. في الواقع، كنت سأرسل لها قبعة (ماغا)»، وهي شعاره المختصر لعبارة «فلنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى». وقابلت هاريس ذلك بابتسامة. وسعت هاريس للدفاع عن تحولاتها بعيداً عن القضايا الليبرالية إلى مواقف أكثر اعتدالاً في شأن استخراج النفط بتقنية التكسير الهيدروليكي، وتوسيع الرعاية الطبية للجميع، وبرامج إعادة شراء الأسلحة الإلزامية.
هاريس «ماركسية»
وفي تركيز على واحدة من أكبر نقاط ضعف ترمب الانتخابية، حملت هاريس ترمب مسؤولية إنهاء الحق الفيدرالي في الإجهاض، من خلال تعيينه 3 من قضاة المحكمة العليا الأميركية، تاركين أكثر من 20 ولاية في البلاد بما سمَّته «حظر ترمب للإجهاض».
واستخدمت هاريس سؤالاً حول خططها لتحسين الاقتصاد، قائلة إنها ستمدد التخفيض الضريبي للأسر التي لديها أطفال، والخصم الضريبي للشركات الصغيرة، بينما هاجمت خطط ترمب لفرض تعريفات جمركية واسعة النطاق باعتبارها «ضريبة مبيعات» على السلع التي سيدفعها الشعب الأميركي في النهاية. وتجمد وجه ترمب خلال إجابتها؛ لكنه رد: «ليست لدي ضريبة مبيعات. هذا بيان غير صحيح. وهي تعرف ذلك». واتهمها ترمب مجدداً بأنها «ماركسية»، وقال: «الجميع يعرفون أنها ماركسية».
تعاطف هاريس مع الفلسطينيين... وتحذير ترمب من زوال إسرائيل
واتهم ترمب منافسته الديمقراطية كامالا هاريس بأنها «تكره إسرائيل». وقال خلال المناظرة الرئاسية في فيلادلفيا إنه «في الوقت نفسه، وبطريقتها الخاصة، فهي تكره السكان العرب؛ لأن المكان بأكمله سينفجر: العرب، والشعب اليهودي، وإسرائيل. إسرائيل ستختفي».
من جهتها، حملت هاريس «حماس» عواقب هجومها على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وقالت: «سأمنح إسرائيل دوماً الفرصة للدفاع عن نفسها»، مضيفة أن كيفية حدوث ذلك مهمة أيضاً: «لأنه صحيح أيضاً، قُتل عدد كبير جداً من الفلسطينيين الأبرياء، من أطفال وأمهات، وما نعرفه هو أن هذه الحرب يجب أن تتوقف». واستطردت أنه يجب إنشاء دولة فلسطينية على أساس حل الدولتين. وقالت: «نحن بحاجة إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن». وادعى ترمب أن الحرب لم تكن لتحدث لو كان رئيساً. وقال: «سأقوم بتسوية هذا الأمر وبسرعة. سأقوم بذلك حتى قبل أن أصير رئيساً».