دونالد ترمب... من عالم الثروة والعقارات إلى البيت الأبيض

«أميركا العظيمة» تُلهمه القتال ولو تحت أزيز الرصاص

TT

دونالد ترمب... من عالم الثروة والعقارات إلى البيت الأبيض

دونالد ترمب... من عالم الثروة والعقارات إلى البيت الأبيض

يوصَف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، بأنه «سريع البديهة»، حتى مع أزيز الرصاص.

في اللحظة التي تعرض فيها لمحاولة اغتيال، في يوليو (تموز) الماضي في بنسلفانيا، ارتمى أرضاً فَنَجا. ثم نهض مُدمىً، ليرفع قبضته هاتفاً لجمهوره الواسع: «قاتِلوا، قاتِلوا، قاتِلوا!» من أجل «فوزي» في انتخابات 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، و«عودتي» إلى البيت الأبيض.

لم تكن هذه المرة الوحيدة التي ينجو فيها مرشح الحزب الجمهوري للانتخابات المقبلة. لكن صاحب الشخصية الاستثنائية، الذي وفد من عالم الأعمال والعقارات في نيويورك إلى الحياة السياسية الأميركية في واشنطن، لم تربكه حتى الرصاصة التي لامست الجزء الأعلى من أذنه اليمنى بدل أن تخترق رأسه وتصرعه. بل أعطت ربما الصورة الأوضح عنه لأنصاره، بصموده مهما بلغت محاولات إسقاطه سياسياً وقضائياً ومالياً وحتى اجتماعياً.

ولم يعد غريباً أن يواجه ترمب الكثير من التحديات، وعدداً قياسياً من المتاعب القانونية والقضائية منذ اقتحامه الحلبة السياسية.

يقرأ الأميركيون الذين يشكلون قاعدة ترمب الشعبية، وغالبيتهم من البيض الذي يمثّلون 61 في المائة من مجموع الشعب الأميركي، شعاراته الشعبوية بشكل متمايز. يعكس شعاره الرئيسي «فلنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى»، («ماغا» اختصاراً)، وجهة نظر تفيد بأن «عظمة» الولايات المتحدة تَضمر ليس بسبب صعود الأمم الأخرى، ومنها الصين وروسيا خصوصاً، بل بسبب «مؤامرة» متواصلة لـ«تسميم» المجتمعات الأميركية بموجات مهاجرين غير شرعيين من ألوان مختلفة، يطغى عليهم «المجرمون» و«العاطلون عن العمل» و«المتاجرون» بالبشر وبالمخدرات و«الهاربون» من بلدانهم الفاشلة عبر الحدود «السائبة» لأميركا. يعتقد بعضهم أن التغيّر الديمغرافي أدى عام 2008 إلى وصول رجل أسود (باراك أوباما) إلى البيت الأبيض، ويُنذر عام 2024 بوصول امرأة من أصول أفريقية وآسيوية (كامالا هاريس) إلى الوظيفة التي لطالما كانت مخصصة للرجال البيض. في المقابل، يُفضّل بعض ناخبيه تجاوز تصريحاته وتصرفاته «المثيرة للجدل»، ليركّزوا بدل ذلك على إنجازاته الاقتصادية وسياساته في ملفّات الأمن والسياسة الخارجية.

إجلاء ترمب من فوق المنصة بعد إصابته خلال التجمع الانتخابي في بنسلفانيا بعد إطلاق النار عليه وإصابته بأذنه يوليو 2024 (رويترز)

«دون كيشوتي»

تثير سيرة ترمب الكثير من علامات التعجب والتساؤل، وأحياناً السخرية بين خصومه، في عدد من المسائل والمواضيع التي يقاربها. يتهمونه بأنه «دون كيشوتي»، لكنه لا يكترث إلا قليلاً بالأمور والقضايا التي لا تخصه مع هذه الشريحة الاجتماعية من الأميركيين. وعندما يفعل، يرد غالباً بتغريدة حادة، أو بتصريحات مثيرة.

يحاول ترمب في انتخابات عام 2024 تكرار تجربته الانتخابية الناجحة عام 2016. ورغم «طرده» المؤقت من منصة «تويتر»، (الاسم السابق لـ«إكس»)، بعد خسارته انتخابات عام 2020، عثر ترمب على وسائل مختلفة لمهاجمة خصومه من الجمهوريين والديمقراطيين على السواء حاولوا من دون جدوى إقصاءه عن الحلبة السياسية الأميركية. وأنشأ منصته «تروث سوشيال»، واستخدم فيها بفاعلية استثنائية الكلمات الحادة لمواجهة الحملة الضارية ضده، من خلال عديد من القضايا التي تلاحقه منذ كان رئيساً عبر محاولتَي عزل فاشلتين في الكونغرس على خلفية دعمه المزعوم لمصالح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ثم بتهمة السعي إلى قلب نتائج الانتخابات التي فاز فيها الرئيس جو بايدن (واشنطن العاصمة وجورجيا)، وكذلك بتهمة النقل غير المشروع لوثائق سريّة للغاية من البيت الأبيض في واشنطن إلى بيته الخاص في مارالاغو (فلوريدا)، بالإضافة إلى إدانته بارتكاب جنايات على خلفية علاقة مزعومة مع ممثلة إباحية (نيويورك).

مَن ترمب؟

قبل أن يترشح في المرة الأولى للانتخابات الرئاسية، كان ترمب من أشهر المليارديرات الأميركيين وأكثرهم حيوية. ورث الثروة عن أبيه وصنع الشهرة من خلال برنامجه «ذا أبرانتيس» للمبتدئين والمبتدئات في تلفزيون الواقع. وعندما بدأ يتحدث عن طموحاته الرئاسية قبل عام 2016، رأى القريبون منه أن هذا الطموح «بعيد المنال» أمام كل السياسيين الذين نافسوه، وغالبهم أكثر حنكة منه سياسياً في السباق التمهيدي للجمهوريين، وكذلك أمام منافسته الديمقراطية عامذاك هيلاري كلينتون. ورغم إسقاطه في المواجهة الرئاسية التالية عام 2020 مع منافسه جو بايدن، عاد عام 2024 إلى الحلبة ليستعيد «النتائج المسروقة» منه قبل أربعة أعوام.

حياة مثيرة

في صغره، كان لدى ترمب، الطفل الرابع لرجل الأعمال العقاري في نيويورك فريد ترمب، طموح أن يتسلم وظيفة متدنية داخل شركة والده. لكن رغم ثروة الأسرة، أُرسل إلى الأكاديمية العسكرية عندما بلغ من العمر 13 عاماً، وبدأت تظهر علامات على سوء السلوك. ثم التحق بجامعة بنسلفانيا، وصار المرشح المفضل لخلافة والده بعدما قرر شقيقه الأكبر فريد الابن أن يصير طياراً. لكنّ هذا الأخير توفي عن 43 عاماً بسبب معاقرته الخمر. ويقول ترمب إنه دخل في سوق العقارات بقرض «صغير» قيمته مليون دولار من والده، قبل أن ينضم الى الشركة ليساعد في إدارة المحفظة الواسعة لوالده من مشاريع الإسكان في أحياء مدينة نيويورك، ثم سيطر على الشركة وسماها «منظمة ترمب» عام 1971.

بعد وفاة والده عام 1999، غيّر ترمب أعمال عائلته من وحدات الإسكان في بروكلين وكوينز إلى المشاريع الجذابة في مانهاتن، فبنى فندق «غراند هايات» على أنقاض فندق الكومودور المتهدم و«برج ترمب» الفاخر والمكون من 68 طابقاً في الجادة الخامسة. ثم أنشأ علامات تجارية عديدة، وأبرزها بين عامي 1996 و2015، حين كان مالكاً لمسابقات ملكة جمال الكون وملكة جمال الولايات المتحدة وملكة جمال المراهقات. وخلال هذه المرحلة، ظهر للمرة الأولى عام 2003 في برنامج تلفزيون الواقع على شبكة «إن بي سي»، حيث يتنافس المتسابقون للحصول على وظيفة إدارية داخل مؤسسة ترمب.

وتفيد مجلة «فوربس» الأميركية بأن صافي ثروة ترمب يبلغ بضعة مليارات دولار، لكنه يُصرّ على أن قيمتها تستحق أكثر من عشرة مليارات دولار.

رغم أنه تزوج ثلاث مرات، لا تزال زوجته الأولى الرياضية وعارضة الأزياء التشيكية إيفانا زيلنيكوفا هي الأشهر. وأنجب منها ثلاثة أطفال، هم: دونالد جونيور وإيفانكا وإريك. وأدت دعوى الطلاق بينهما عام 1990، إلى ظهور عديد من القصص المثيرة عن ترمب في الصحف الشعبية. ثم تزوج من الممثلة مارلا مابلز عام 1993، وأنجب منها ابنة سمياها تيفاني، قبل أن ينفصلا عام 1999. وعام 2005، تزوج من العارضة ميلانيا كناوس وأنجب منها ابناً سمياه بارون وليام. ولا يزال أولاده من زواجه الأول يساعدون في إدارة شركته المعروفة باسم «منظمة ترمب».

ترمب يتفاعل مع أنصاره خلال فعالية انتخابية بأريزونا 23 أغسطس (د.ب.أ)

طموحات قديمة... جديدة

عبّر ترمب عن اهتمامه بالترشح للرئاسة الأميركية في وقت مُبكّر يعود إلى عام 1987، ودخل إلى هذا السباق للمرة الأولى عام 2000 مرشحاً عن حزب الإصلاح. وبعد عام 2008، صار الأكثر صراحةً بين أعضاء حركة «بيرث»، التي تساءلت عما إذا كان الرئيس باراك أوباما وُلد في الولايات المتحدة. وعندما دخل السباق إلى البيت الأبيض مجدداً عام 2016، قال في خطاب: «نحن بحاجة إلى شخص ما يتسلّم هذا البلد بالمعنى الحرفي للكلمة، ويجعله عظيماً مرة أخرى. يمكننا أن نفعل ذلك».

ووعد منذ ذلك الحين بأنه سيرفع شعار «فلنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى»، ثم أدار حملة مثيرة مبنية على وعود بتعزيز الاقتصاد الأميركي، وبناء جدار على الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة، وحظر هجرة مواطني دول ذات غالبية مسلمة.

منذ ذلك التاريخ، يحمل ترمب شعاره الذي ازداد بريقاً مع مصادقة الجمهوريين خلال مؤتمرهم في يوليو (تموز) الماضي في ميلووكي، ويسكونسن، على ترشيحه مع السيناتور جاي دي فانس، في المواجهة التي يتوقع أن تزداد حدة وقسوة مع تسلم نائبة الرئيس كامالا هاريس، شعلة الرئاسة مع مرشحها لمنصب الرئيس حاكم مينيسوتا تيم والز، من المؤتمر الوطني العام للحزب الديمقراطي في شيكاغو، إلينوي.

كما في السابق، يثابر ترمب لتحدي استطلاعات الرأي، التي كانت تُرجّح فوز هيلاري كلينتون عام 2016 وفوزه هو عام 2020، مؤكِّداً أن الوجه الآخر لشعاره، وهو «أميركا أولاً»، سيكون بمثابة «تجفيف المستنقع» السياسي الآسن في واشنطن.

بعد فوزه المذهل عام 2016، دخل ترمب التاريخ لأنه الرئيس الأميركي الأول الذي لم يتقلد منصباً منتخباً أو يخدم في الجيش قبل أن يؤدي اليمين الدستورية بوصفه الرئيس الـ45 للولايات المتحدة في 20 يناير (كانون الثاني) 2017. وإذا فاز هذه المرة، فسيدخل إلى البيت الأبيض، مُدركاً القدرات المذهلة التي يحظى بها أي رئيس أميركي.

كثيرون يعتقدون أن ترمب عائد. وهذا ما يدفعهم إلى نصح الآخرين بـ«شدّ الأحزمة».


مقالات ذات صلة

ترمب سيشتري سيارة تسلا دعما لإيلون ماسك

الولايات المتحدة​ الرئيس دونالد ترمب يستمع إلى إيلون ماسك وهو يتحدث في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض (أرشيفية - أ.ب)

ترمب سيشتري سيارة تسلا دعما لإيلون ماسك

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب اليوم الثلاثاء إنه سيشتري سيارة من طراز تسلا التي تنتجها الشركة المملوكة للمسؤول عن الكفاءة الحكومية الأميركية إيلون ماسك.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم ستيف ويتكوف (أ.ب)

«بلومبرغ»: مبعوث ترمب يعتزم لقاء بوتين في موسكو هذا الأسبوع

أفادت وكالة «بلومبرغ»، اليوم الاثنين، بأن ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأميركي قد يتوجه إلى العاصمة الروسية موسكو هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

زيلينسكي: يمكننا تحقيق سلام عادل ودائم تحت قيادة أميركا وبالتعاون مع أوروبا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اليوم الاثنين، إنه يمكن تحقيق سلام عادل ودائم تحت قيادة الولايات المتحدة وبالتعاون مع أوروبا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين أمام المدخل الرئيسي لجامعة كولومبيا في نيويورك يوم 25 أغسطس 2024 (رويترز)

ترمب بعد اعتقال متظاهر مؤيد للفلسطينيين في جامعة كولومبيا: «سيتم توقيف المزيد»

قال دونالد ترمب إن احتجاز محمود خليل، أحد قادة الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في جامعة كولومبيا بنيويورك، هو «عملية التوقيف الأولى وسيتم توقيف المزيد».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص مقاتلون من «كتائب عز الدين القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» في خان يونس فبراير الماضي (إ.ب.أ) play-circle 03:03

خاص مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»: لم نلتزم مع أي طرف بنزع سلاحنا

وصفت مصادر مطلعة من حركة «حماس»، محادثات أجرتها مع ممثلين للإدارة الأميركية مؤخراً، بأنها «إيجابية»، لكنها ما زالت في حاجة إلى مزيد من الوقت حتى تنجح.

«الشرق الأوسط» (غزة)

إدارة ترمب تطلق تطبيقاً جديداً يخوّل المهاجرين غير الشرعيين ترحيل أنفسهم

مهاجرون غير شرعيين عبروا إلى الولايات المتحدة من المكسيك في جاكومبا هوت سبرينغز... كاليفورنيا 15 مايو 2024 (رويترز)
مهاجرون غير شرعيين عبروا إلى الولايات المتحدة من المكسيك في جاكومبا هوت سبرينغز... كاليفورنيا 15 مايو 2024 (رويترز)
TT

إدارة ترمب تطلق تطبيقاً جديداً يخوّل المهاجرين غير الشرعيين ترحيل أنفسهم

مهاجرون غير شرعيين عبروا إلى الولايات المتحدة من المكسيك في جاكومبا هوت سبرينغز... كاليفورنيا 15 مايو 2024 (رويترز)
مهاجرون غير شرعيين عبروا إلى الولايات المتحدة من المكسيك في جاكومبا هوت سبرينغز... كاليفورنيا 15 مايو 2024 (رويترز)

أطلقت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تطبيقا جديدا، اليوم (الاثنين)، يسمح للمهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة «بترحيل أنفسهم» بدلا من مواجهة احتمال إلقاء القبض عليهم واحتجازهم.

وقالت هيئة الجمارك وحماية الحدود الأميركية إن التطبيق الخاص بها سيوفر خيارا للأفراد للإشارة إلى «الرغبة في المغادرة»، وفق ما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقالت وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم في بيان: «يمنح تطبيق هيئة الجمارك وحماية الحدود الأميركية الأجانب خيار المغادرة الآن والترحيل الذاتي، لذلك ربما لا يزال لديهم الفرصة للعودة بشكل قانوني في المستقبل وعيش الحلم الأميركي. إذا لم يفعلوا ذلك، فسنعثر عليهم ونرحلهم ولن يعودوا أبدا».

ويحل التطبيق الجديد محل تطبيق آخر تم إطلاقه في عهد الرئيس الأميركي السابق جو بايدن. وتضمن تطبيق عهد بايدن ميزة سمحت لنحو مليون مهاجر في المكسيك بتحديد موعد لطلب الدخول عند معبر حدودي قانوني.