شيكاغو تستضيف هاريس… مع كوكبة من النجوم والمشاهير

المؤتمر الوطني الديمقراطي يستعد لاستقبال 50 ألف شخص وسط تعزيزات أمنية

هاريس ووالز في فعالية انتخابية بويسكونسن يوم 7 أغسطس (رويترز)
هاريس ووالز في فعالية انتخابية بويسكونسن يوم 7 أغسطس (رويترز)
TT

شيكاغو تستضيف هاريس… مع كوكبة من النجوم والمشاهير

هاريس ووالز في فعالية انتخابية بويسكونسن يوم 7 أغسطس (رويترز)
هاريس ووالز في فعالية انتخابية بويسكونسن يوم 7 أغسطس (رويترز)

يتدفق عشرات الآلاف إلى شيكاغو، هذا الأسبوع، بدءاً من الاثنين، بمناسبة انعقاد المؤتمر الوطني الديمقراطي، الذي يستمر حتى الخميس، في تظاهرة ضخمة لمشاهير ونجوم في عالمَي السياسة والفن؛ سعياً إلى مضاعفة الزخم الذي حظيت به نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، بصفتها مرشحة رئاسية منذ انسحاب الرئيس جو بايدن من السباق ضد مرشح الجمهوريين، الرئيس السابق دونالد ترمب.

ويتوقّع أن يحضر المؤتمر في شيكاغو نحو 50 ألف شخص، بينهم 4696 مندوباً، و15 ألفاً من الضيوف والصحافيين، فضلاً عن آلاف الناشطين الحزبيين والمتطوعين. وتشهد المدينة أيضاً احتجاجات يُرتقب أن يشارك فيها عدد غير محدد من المتظاهرين، خلال الأيام الأربعة للمؤتمر.

ولم ينشر الحزب الديمقراطي تفاصيل كثيرة عن جدول الأعمال، الذي يتضمّن اجتماعات بشأن المحاربين القدامى والشباب والفقر وقضايا العلاقات بين الأديان، بموازاة الحدث الرئيسي الذي يتضمن الخطابات الرئيسية والنشاطات الأخرى التي ستُبثّ مباشرة في وقت الذروة على القنوات التلفزيونية.

وفي حين يرجح أن تتحدث هاريس، في اليوم الختامي، الخميس، يسبقها مرشحها لمنصب نائب الرئيس، حاكم مينيسوتا تيم والز، إلى الكلام، الأربعاء.

بين بايدن وأوباما

الرئيسان الأسبق باراك أوباما والحالي جو بايدن في لقطة لهما عام 2008 حين كانا لا يزالان مرشحين لمنصبي الرئيس ونائب الرئيس (أ.ب)

أكّد البيت الأبيض، الأسبوع الماضي، أن الرئيس بايدن «يتطلع (...) إلى التحدث مباشرة إلى الشعب الأميركي». ونقلت شبكة «إيه بي سي» للتلفزيون أن بايدن سيلقي خطاباً رئيسياً، ليلة الاثنين، بينما أفاد موقع «بوليتيكو» أن الرئيس لن يبقى لبقية احتفالات الأسبوع، مما أثار تكهنات عن استمرار استياء بايدن من طريقة دفعه إلى التنحي عن السباق الانتخابي، بعد أدائه الكارثي خلال ​​​​المناظرة مع ترمب في يونيو (حزيران) الماضي. وأفادت تسريبات بأن الرئيس الأسبق باراك أوباما، وزوجته ميشال، سيظهران، الثلاثاء، على منصة المؤتمر في شيكاغو، وسط شائعات عن أن بايدن لا يزال يشعر بالإحباط من أوباما، الذي يصفه البعض بأنه «سيد الدمى» وراء الكواليس لدفع بايدن إلى الانسحاب، وفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز». وإذا غادر بايدن شيكاغو بالفعل بعد خطابه، الاثنين، فيرجح أن يؤدي ذلك إلى تأجيج التكهنات بأنه يتجاهل أوباما.

كلينتون... وحتى كارتر

أُشيع أيضاً أن وزيرة الخارجية سابقاً، هيلاري كلينتون، ستلقي كلمة، الاثنين، على أن يظهر زوجها، الرئيس الأسبق بيل كلينتون، لتقديم الحاكم تيم والز، الأربعاء. وكان آل كلينتون من أول مَن أيّد ترشيح هاريس، وأشاد بقرار بايدن التنحي. وقالا، في بيان: «ننضم إلى ملايين الأميركيين في شُكر الرئيس بايدن على كل ما أنجزه». وأضافا: «يُشرّفنا أن ننضمّ إلى الرئيس في تأييد نائبة الرئيس هاريس، وسنفعل كل ما في وسعنا لدعمها».

عمال يُنشئون جدارية للمرشحة الديمقراطية هاريس عشية المؤتمر الوطني الديمقراطي في شيكاغو بإلينوي (أ.ف.ب)

ونقلت صحيفة «نيويورك بوست» عن مصادر لم تحددها، أن ابنتهما تشيلسي تسعى إلى أن تكون السفيرة الأميركية لدى المملكة المتحدة إذا فازت هاريس بالرئاسة. وعدَّت أن «هناك سبباً وراء خروج بيل وهيلاري، في أول خمس دقائق، لدعم ترشح كامالا للرئاسة».

وأفادت شبكة «إن بي سي» بأن حفيد الرئيس الأسبق جيمي كارتر، جايسون كارتر، سيُمثّل جدّه المُسنّ في المؤتمر. وأوردت صحيفة «أتلانتا جورنال كونستيتيوشن»، أن أقدم رئيس أميركي سابق على قيد الحياة، والذي سيبلغ من العمر 100 عام في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ويعيش منذ أكثر من عام في مؤسسة لرعاية المُسنين، قال لنجله: «أحاول فقط التصويت لكامالا هاريس».

ويُتوقع أن يقوم دوغ أيمهوف بتقديم زوجته كامالا هاريس لإلقاء خطابها، الخميس.

لائحة طويلة من النجوم

بسبب ندرة المعلومات الرسمية من الحزب الديمقراطي حول لائحة المشاركين، يحاول كثيرون التحقق مما إذا كانت بيونسيه ستظهر، خلال المؤتمر في شيكاغو، علماً بأنها وزوجها جاي زي دعّما الديمقراطيين في الماضي. وعلى الرغم من أن بيونسيه، الملقبة أيضاً «كوين باي»، لم تؤيد أي مرشح علناً، هذا العام، فقد وافقت على دعم بطاقة بايدن - هاريس عام 2020. كما غنت في حفل تنصيب الرئيس السابق باراك أوباما بأغنية إيتا جيمس الشهيرة «في النهاية». والآن منحت حملة ​​هاريس الحق في استخدام أغنيتها «حرية» نشيداً رسمياً لها.

تكهنات حول مشاركة بيونسيه وتايلور سويفت في المؤتمر الوطني الديمقراطي (أ.ب)

وبالإضافة إلى نجمة موسيقى البوب، صرّحت نجمة مسلسليْ «ساينفيلد» و«فيب»، جوليا لويس درايفوس، لصحيفة «ذي تايمز» اللندنية، بأنها «منخرطة بشكل إضافي» في حملة هاريس. وبوصفها ناشطة ديمقراطية، من المقرر أن تستضيف حلقة نقاشية مع عدد من حاكمات الولايات الديمقراطيات؛ وبينها حاكمة أريزونا كاتي هوبز، وكانساس لورا كيلي، وماين جانيت ميلز، وماساتشوستس ماورا هيلي، وميشيغان غريتشن ويتمر، ونيو مكسيكو ميشال لوجان غريشام، ونيويورك كاثي هوكول، وأوريغون تينا كوتيك.

وقالت أخيراً إنه «طوال فترة تولّيهن مناصبهن، صنعت حاكمات الولايات الديمقراطيات التاريخ، وغيّرن الحوار المحيط بالنساء في الأدوار التنفيذية، وأنجزن أشياء كبيرة لصالح الناس الطيبين في ولاياتهن. حطّمن الأسقف الرخامية، وأظهرن قيادة ممتازة. أصواتهن ضرورية».

وكانت ويتمر، وهي نجمة صاعدة في الحزب الديمقراطي، تُعدّ من بين المرشحين الأكثر احتمالاً للرئاسة إذا انسحب بايدن. كما اقترحت لمنصب نائبة الرئيسة على بطاقة هاريس، لكنها تراجعت بسرعة وأعلنت دعمها هاريس.

وقالت، في حديث بودكاست أخيراً، إن «أحد الأمور التي أعتقد أنها بالغة الأهمية (...) هو رؤية الإنسانية في الناس - الظهور والاستماع وتمكين الأصوات. عندما تكون حقوق الإنجاب معلّقة بخيط رفيع في هذا البلد، فمن الأهمية بمكان أن نرفع أصوات النساء والأصوات الطبية أيضاً - في هذا النقاش».

صورة التقطتها طائرة درون تُظهر مركز يونايتد حيث ينعقد المؤتمر الوطني الديمقراطي في شيكاغو بإلينوي (رويترز)

وكثيراً ما جرى التداول أيضاً باسم لوجان غريشام، وهي نجمة أخرى صاعدة في الحزب، بصفتها مرشحة محتملة لمنصب نائب الرئيس مع هاريس، التي أشرفت على حفل زفاف لوجان غريشام عام 2022. وبعد يوم من انسحاب بايدن من السباق، أعلنت لوجان غريشام تأييد هاريس «بكل إخلاص»؛ لأنها «موظفة عامة ذكية وواعية وذات خبرة عالية ومؤهلة بشكل فريد لهزيمة دونالد ترمب».

ومن المقرر أن يعود حاكم إلينوي، جاي بي بريتزكر، الذي طُرح اسمه بصفته مرشحاً رئاسياً محتملاً، إلى مسقط رأسه شيكاغو لاستضافة حدث الثلاثاء يشارك فيه المغني جون ليجيند. وكان بريتزكر، وهو ملياردير ورث سلسلة فنادق «هايات»، واحداً من كثير من الديمقراطيين الذين أيدوا هاريس بسرعة.

وطبقاً لما نشره موقع «سيمافور»، تلقَّى عضو مجلس بلدية نيويورك، يوسف سلام، دعوة لإلقاء كلمة في شيكاغو، علماً بأن سلام سُجن ظلماً بوصفه عضواً في مجموعة «الخمسة في سنترال بارك»، والتي تسمى الآن مجموعة «الخمسة المبرئين»، بعدما أُدينوا باغتصاب امرأة بيضاء عمرها 18 عاماً أثناء ممارستها رياضة الجري في حديقة سنترال بارك عام 1989. ونشر ترمب، الذي كان لا يزال رجل أعمال في نيويورك آنذاك، إعلاناً في إحدى الصحف يطالب فيه بإعدام المراهقين الخمسة. واعترف المراهقون أولاً بالاعتداء، لكنهم أكدوا لاحقاً أن اعترافهم كان بالإكراه. وأُطلق سلام من السجن عام 1997، وأُلغيت إدانته عام 2002. وفي عام 2014، دفعت مدينة نيويورك 41 مليون دولار لتسوية دعوى قضائية رفعها الخمسة.

الممثل جورج كلوني في لوس أنجليس 17 أكتوبر 2022 (أ.ب)

ويترقب كثيرون حضور الممثل الشهير جورج كلوني، الذي اضطلع بدور كبير في هذه الانتخابات. وقد كتب مقالاً في «نيويورك تايمز»، الشهر الماضي، يدعو فيه بايدن إلى الانسحاب من السباق؛ لأن «أداءه البائس» في المناظرة مع ترمب، في يونيو الماضي، كان مشابهاً لما رآه كلوني بنفسه في حملة لجمع التبرعات مع بايدن. وقد عُدَّ المقال، على نطاق واسع، نقطة تحول ساعدت الديمقراطيين البارزين على التوحد وراء الدفع لإقناع بايدن بإلغاء ترشحه.

ومع ذلك، أفاد موقع «تي إم زي» بأن حملة هاريس حذرة من حشو المؤتمر الوطني الديمقراطي بعدد من المشاهير؛ خشية أن يبدو كأنه حدث لـ«النخبة الليبرالية في هوليوود».

جدارية لنجمة البوب الأميركية تايلور سويفت في مانشستر ببريطانيا (رويترز)

وربما تكون نجمة البوب، تايلور سويفت، ​​من أكثر المشاهير الذين يمكن أن يحوّلوا الانتباه في شيكاغو، إذا وُضعت على جدول المشاركين، لكنها لم تنبس حتى الآن ببنت شفة، علماً بأنها اتجهت نحو النشاط السياسي، خلال سنوات حكم ترمب، بعدما بقيت بعيدة إلى حد كبير عن السياسة، وأعلنت أول تأييد رسمي لها عام 2020، حين دعمت بايدن.

الهاجس الأمني

يُتوقع أن تشهد النسخة السادسة والعشرون للمؤتمر الديمقراطي مواكبة أمنية كثيفة لم يسبق أن شهدتها ثالث أكبر مدينة في الولايات المتحدة، رغم أنها تعودت استضافة أحداث سياسية كبرى.

جانب من الاستعدادات في المركز الرياضي «يونايتد» عشية استضافته أعمال المؤتمر الوطني الديمقراطي بشيكاغو (أ.ف.ب)

فبين تظاهرات حاشدة محتملة مناهضة لحرب غزة، والاستقطاب الداخلي الحاد، والتهديدات الأمنية المحدّقة بالمسؤولين الأميركيين، بعد أسابيع من محاولة اغتيال ترمب، تكثر التحديات الأمنية التي تحيط بالمؤتمر الوطني العام للحزب الديمقراطي. وأمضى مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي»، ووحدة النخبة في جهاز الخدمة السرية والشرطة المحلية، عاماً كاملاً في إعداد منظومة أمنية كبيرة بالمركز الرياضي المترامي، الذي يستضيف الحدث. وسيتولى ضمان أمن الحدث نحو 2500 عنصر من الشرطة المحلية، يدعمهم مئات من العناصر استُقدموا من خارج الولاية.

نشرت شيكاغو 2500 عنصر من الشرطة المحلية لضمان أمن المؤتمر (رويترز)

وأثارت محاولة الاغتيال، التي استهدفت المرشح الجمهوري ترمب، في 13 يوليو (تموز)، خلال تجمع انتخابي، انتقاداتٍ شديدة طالت الإجراءات المتخذة لضمان سلامة الشخصيات السياسية، وسط مناخ من الاستقطاب الحاد. وإذا كانت دوافع مُطلق النار، الذي قُتل بيدِ عناصر الخدمة السرية، لا تزال غير واضحة، فإن الاستخبارات الأميركية تخشى «أعمالاً انتقامية» عنيفة، خلال مؤتمر الحزب الديمقراطي، وفق ما ذكره تقرير اطّلعت عليه وسائل إعلام أميركية عدة. وأفاد التقرير بأن أحد أخطر التهديدات قد يتجلى في «أفراد معزولين»، مدفوعين بأفكار مناهضة للحكومة، أو بشعور بمظلومية سياسية أو بمواقف آيديولوجية.


مقالات ذات صلة

قناص من الشرطة عطّل الهجوم... تفاصيل جديدة في محاولة اغتيال ترمب

الولايات المتحدة​ إجلاء ترمب من فوق المنصة بعد إصابته خلال التجمع الانتخابي في بنسيلفانيا بعد إطلاق النار عليه وإصابته في أذنه (أرشيفية - رويترز)

قناص من الشرطة عطّل الهجوم... تفاصيل جديدة في محاولة اغتيال ترمب

ذكرت تحقيقات أن قناصاً من الشرطة ربما أنقذ أرواحاً بإطلاق النار على بندقية توماس ماثيو كروكس، الذي أطلق النار على دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب ونائبة الرئيس الحالي كامالا هاريس (أ.ف.ب)

ترمب يهاجم هاريس مع تقدّمها وفق أحدث استطلاع

تشهد ولاية بنسلفانيا في نهاية الأسبوع تجمّعات انتخابية لترمب وهاريس، في حين أظهرت نتائج استطلاع أجري مؤخراً تحقيق نائبة الرئيس الأميركي تقدماً كبيراً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ كامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأميركية 16 أغسطس 2024 (إ.ب.أ)

كامالا هاريس وشهرٌ غيّر كل شيء في الولايات المتحدة

ستكون تسمية كامالا هاريس رسمياً مرشحة الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأميركية في شيكاغو تتويجاً لشهر حافل بالأحداث في التاريخ السياسي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ المرشح الجمهوري للانتخابات الأميركية دونالد ترمب ومرشحة الديمقراطيين كامالا هاريس (أ.ف.ب)

ترمب يستعد لمهرجان انتخابي وهاريس تبدأ جولة تسبق مؤتمر الديمقراطيين

يعقد دونالد ترمب تجمعاً انتخابياً في بنسلفانيا تراقبه كامالا هاريس، التي تبدأ جولة على متن حافلة في ولايات حاسمة، قبل أيام من المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد نائبة الرئيس كامالا هاريس على اليسار والمرشح الرئاسي الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب (أ.ب)

شركات أميركية معرضة لخسائر جمة مع قرب الانتخابات الرئاسية

بينما بات المناخ السياسي أكثر استقطابا من أي وقت مضى في أميركا، تجد الشركات الكبرى نفسها في مرمى نيران الانتقادات والاتهامات بدعم مرشح ما في الانتخابات الرئاسية

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ما خيارات أوكرانيا بعد نجاح هجومها المفاجئ على روسيا؟

جنود أوكرانيون على ظهر دبابة في منطقة سومي بالقرب من الحدود مع روسيا (رويترز)
جنود أوكرانيون على ظهر دبابة في منطقة سومي بالقرب من الحدود مع روسيا (رويترز)
TT

ما خيارات أوكرانيا بعد نجاح هجومها المفاجئ على روسيا؟

جنود أوكرانيون على ظهر دبابة في منطقة سومي بالقرب من الحدود مع روسيا (رويترز)
جنود أوكرانيون على ظهر دبابة في منطقة سومي بالقرب من الحدود مع روسيا (رويترز)

أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، أنّ الجيش «يعزّز» مواقعه في منطقة كورسك، بعد أكثر من عشرة أيام على بدء هجوم كبير تشنّه القوات الأوكرانية على الأراضي الروسية. وقال زيلينسكي على «تلغرام» بعد اجتماع مع القائد الأعلى للجيش الأوكراني: «الجنرال (أولكسندر) سيرسكي أفاد بتعزيز مواقع قواتنا في منطقة كورسك، وتوسيع نطاق المنطقة المؤمنة».

جنود أوكرانيون في منطقة سومي بالقرب من الحدود مع روسيا (رويترز)

وأظهر ضعف الرد الروسي وتأخره على الهجوم الأوكراني المفاجئ على كورسك، أن كييف ربما تكون قد حققت ما أرادت الوصول إليه من هذا الهجوم. ومع تجاوز القوات الأوكرانية الدفاعات الروسية واتجاهها إلى منطقة بيلغورود المجاورة، بدا أن الضغط قد تعمق على القيادة الروسية، خصوصاً أن الضحايا من الجنود الروس الذين سقطوا في المعارك، أو الذين يدافعون عن بيلغورود، هم من مجنّدي التعبئة العامة عديمي الخبرة.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماعه مع أعضاء في مجلس الأمن القومي الروسي في نوف أوغاريوفو خارج موسكو الجمعة (إ.ب.أ)

يقول جون هاردي، كبير الباحثين في الشأن الروسي في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، إنه من المؤكد أن الهجوم يمثل صداعاً كبيراً للرئيس الروسي. وقال في حديث مع «الشرق الأوسط»، إن فشل روسيا في الدفاع عن حدودها وتقديم المساعدة الكافية للسكان المدنيين المتضررين، يقوض صورته (بوتين) ويغذي الاستياء. كما يعد أسر أوكرانيا أعداداً كبيرة من المجندين الروس قضية حساسة بالنسبة للكرملين، وكذلك لخطته المعلنة لنشر المزيد من المجندين لمواجهة الهجوم. (على عكس الجنود المحترفين والمتعاقدين، ليس من المفترض أن يضطر المجندون الشباب الذين يقضون سنة واحدة من الخدمة العسكرية الإجبارية، للقتال في الحرب، كما وعد بوتين في السابق).

وفي إشارة إلى الجنود الروس الذين أسرتهم أوكرانيا، قال زيلينسكي: «بدءاً من هذا الصباح، قمنا بتجديد صندوق التبادل لبلدنا». وأضاف: «أشكر جميع الجنود والقادة الذين يأسرون جنوداً روساً، وبالتالي يجعلون إطلاق جنودنا ومدنيينا المحتجزين لدى روسيا أقرب».

خلق معضلة لموسكو

حتى الآن، لا تزال الأهداف النهائية للهجوم الأوكراني غير واضحة. لكن المسؤولين الأميركيين، يقولون إنهم على اتصال مستمر مع المسؤولين الأوكرانيين، في محاولة «لفهم أفضل لتلك العملية». وقال المسؤولون الأوكرانيون إنهم أبلغوا كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين الأميركيين، إنها تهدف إلى خلق معضلة عملياتية للروس؛ لإجبار موسكو على تحويل قواتها التي تحرز منذ أسابيع تقدماً بطيئاً ولكنه ثابت، عن الخطوط الأمامية في منطقة دونيتسك شرق أوكرانيا.

وقال جون كيربي، منسق الاتصالات الاستراتيجية لمجلس الأمن القومي، إن روسيا بدأت في نشر قواتها في كورسك، رغم أنه لم يحدد من أين أتت تلك القوات.

رجال إطفاء يعملون على إخماد حريق في مركز تجاري تعرض لقصف أوكراني في دونيتسك (رويترز)

ورفض كيربي إعطاء تقييم للعملية الأوكرانية، لكنه قال إن الولايات المتحدة تراقب كيفية رد فعل روسيا وإعادة نشر قواتها. وقال: «في غضون ذلك، سنواصل التأكد من أن أوكرانيا تمتلك الأسلحة والقدرات التي تحتاج إليها للدفاع عن نفسها، وسنواصل التحدث مع الأوكرانيين».

من ناحيتها، أكدت نائبة المتحدث باسم «البنتاغون»، سابرينا سينغ، أن وزير الدفاع لويد أوستن، تحدث مع نظيره الأوكراني، رستم أوميروف، «في محاولة للحصول على فهم أفضل لأهدافهم». وأضافت أن هناك بعض الدلائل على أن الهجوم الأوكراني في روسيا يجذب القوات الروسية بعيداً عن المقاطعات الشرقية من أوكرانيا، مشيرة إلى أن هناك تقارير أولية عن تحرك بعض الوحدات الروسية نحو كورسك.

نوعية الأسلحة وشروطها لم تتغيرا

وفيما يواصل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي المطالبة بالسماح لقواته في استخدام أسلحة بعيدة المدى لضرب تجمعات القوات في عمق الأراضي الروسية، وهو ما تتهمه به موسكو اليوم، قالت سينغ إن نوعية الأسلحة وشروط استخدامها لم تتغيرا، لكنهما لم تَعُودا كما كانتا منذ بداية الغزو الروسي في فبراير (شباط) 2022.

وقالت إن الطيارين الأوكرانيين باتوا يحلقون الآن بطائرات «إف - 16»، وتلقى جنود المشاة تدريباً متطوراً، ويقودون دبابات «ليوبارد» الألمانية و«أبرامز» الأميركية والمزيد. وأضافت: «لقد رأيتمونا نعدل ونمنح قدرات مختلفة بمرور الوقت، ونحن نحتفظ بهذا الحق في الاستمرار في القيام بذلك».

جسر فوق نهر سيم تم تدميره في منطقة كورسك (صورة من مقطع فيديو بثته جهة أخرى وأعادت نشره وكالة رويترز)

وتواصل موسكو اتهام واشنطن وحلف «الناتو»، بأنهم يقفون وراء الهجوم الأوكراني وتنسيقه، محذرة من أنه قد يؤدي إلى اندلاع حرب عالمية.

قالت وزارة الخارجية الروسية إن أوكرانيا استخدمت صواريخ غربية من المرجح أنها أميركية الصنع من طراز «هيمارس» لتدمير جسر فوق نهر سيم في منطقة كورسك، مما أسفر عن مقتل متطوعين كانوا يحاولون إجلاء مدنيين.

وقالت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، في ساعة متأخرة من مساء الجمعة، على «تلغرام»: «للمرة الأولى، تعرضت منطقة كورسك لقصف بقاذفات صواريخ غربية الصنع، من طراز هيمارس الأميركي على الأرجح». وأضافت: «نتيجة للهجوم على الجسر فوق نهر سيم في منطقة جلوشكوفو، تم تدميره بالكامل، وقتل متطوعون كانوا يساعدون سكاناً مدنيين ممن جرى إجلاؤهم».

يقول مايكل أوهانلن، كبير الباحثين في معهد بروكينغز في واشنطن، إن أوكرانيا هي التي اتخذت هذا القرار. وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن كييف اتخذت قراراً بتغيير سردية الحرب والزخم وخلق نفوذ في أي مفاوضات مستقبلية. وأضاف: «هذه فكرتها وليست فكرة واشنطن، ومع ذلك، هي فكرة جيدة، ولكنها ليست تغييراً أساسياً في قواعد اللعبة أيضاً».

جندي أوكراني يلقم ذخائر على دبابة في منطقة سومي بالقرب من الحدود مع روسيا (أ.ف.ب)

من ناحيته، يقول هاردي، مما لا شك فيه أن الرئيس بوتين غاضب، لكن تهديداته هي مجرد خطاب، وما زلت أعتقد أنه لن يشن هجوماً عسكرياً على إحدى دول حلف شمال الأطلسي. ومع ذلك، قد تقوم موسكو بتصعيد حملتها الأخيرة من التخريب وغيرها مما يسمى بـ«الإجراءات النشطة» ضد الغرب.

أوكرانيا نفسها بدت مندهشة من مدى النجاح الأولي الذي حققته العملية، وهي المرة الأولى التي تتعرض فيها روسيا، القوة النووية، لغزو منذ الحرب العالمية الثانية. ويقول هاردي: «هناك بُعد مهم آخر يتمثل في التأثير الذي خلّفه الهجوم على روسيا. ربما كان أحد أهدافه رفع الروح المعنوية وإعادة تنشيط الثقة والدعم الغربيين، وتغيير السرد السلبي الذي ساد منذ فشل هجوم أوكرانيا عام 2023».

خيارات كييف ومعضلاتها

وفيما يرى المراقبون أن أمام أوكرانيا العديد من الخيارات؛ من بينها مواصلة التوغل داخل روسيا، أو البدء في حفر الخنادق في الأراضي التي يسيطرون عليها الآن ومحاولة الدفاع عنها، أو، بعد تعرضهم للخسائر المستمرة في شرق أوكرانيا، فقد يقررون أنهم أوضحوا للغرب، ولروسيا، أنها ليست دولة لا تقهر، وفي هذه الحالة، يمكنهم الانسحاب بعد ذلك.

لكن العملية خلقت أيضاً نقطة ضعف بالنسبة لكييف التي اضطرت لنقل بعض جنودها الأكثر تدريباً والمتمرسين في القتال من خط المواجهة الذي يبلغ طوله ألف كيلومتر في شرق وجنوب أوكرانيا إلى كورسك. وقد أدى ذلك إلى إضعاف مواقعها في شرق أوكرانيا. وقال معهد دراسات الحرب، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، إن القوات الروسية حققت مكاسب نحو بلدة توريتسك الواقعة على خط المواجهة، والتي سيسهل الاستيلاء عليها الطريق أمام القوات الروسية في منطقة دونيتسك شرق أوكرانيا.

لكن زيلينسكي أكد أنّ الوضع على الجبهة الشرقية لأوكرانيا قرب بلدتي بوكروفسك وتوريتسك كان «تحت السيطرة»، وذلك بعدما أفادت روسيا بأنّها حقّقت تقدّماً كبيراً باتجاههما في الأسابيع الأخيرة. وقال الرئيس الأوكراني: «(كانت هناك) عشرات الهجمات الروسية على مواقعنا في اليوم الماضي. لكنّ جنودنا يبذلون كلّ ما في وسعهم لتدمير المحتل وصدّ الهجمات».

مركز تفتيش حدودي روسي تعرض للدمار في الهجوم الأوكراني على منطقة كورسك الروسية (إ.ب.أ)

يقول هاردي إن السيطرة على الأراضي الروسية من شأنها أن تمنح أوكرانيا المزيد من النفوذ في محادثات السلام السياسية. ومن الممكن أن تحاول كييف مقايضتها بالأراضي الأوكرانية. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح إلى متى ستكون قادرة على الاحتفاظ بالأراضي الروسية. وبدلاً من محاولة مقايضة الأراضي في نهاية الحرب، يمكنها القيام بمفاوضات محدودة على المدى القريب لمقايضتها بالمنطقة الواقعة في شمال خاركيف التي استولت عليها روسيا في مايو (أيار) ولكن في الوقت الحاضر، لا أعتقد أن الكرملين قد يوافق على مثل هذه الصفقة.