مناظرة بايدن - ترمب: رهان على الناخبين المترددين وسط استقطاب سياسي حاد

الاقتصاد والهجرة والحقوق الإنجابية في قلب المواجهة

مقر المناظرة الرئاسية الأولى التي تستضيفها «سي إن إن» في أتلانتا (د.ب.أ)
مقر المناظرة الرئاسية الأولى التي تستضيفها «سي إن إن» في أتلانتا (د.ب.أ)
TT

مناظرة بايدن - ترمب: رهان على الناخبين المترددين وسط استقطاب سياسي حاد

مقر المناظرة الرئاسية الأولى التي تستضيفها «سي إن إن» في أتلانتا (د.ب.أ)
مقر المناظرة الرئاسية الأولى التي تستضيفها «سي إن إن» في أتلانتا (د.ب.أ)

تتجه أنظار الأميركيين والعالم، مساء الخميس، إلى المناظرة الرئاسية الأولى لانتخابات عام 2024، التي ستشهد المواجهة المباشرة الأولى من نوعها بين الرئيس جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترمب منذ عام 2020.

وتُعدّ هذه المناظرة سابقة من نوعها، إذ إنها تنعقد قبل أسابيع من تنصيب الحزبين الديمقراطي والجمهوري، رسمياً، لمرشّحيهما. كما أنها قد تشكّل منعطفاً في انتخابات 2024 الرئاسية، فيما يتوقع بأن يتابعها ملايين الناخبين.

وتؤذن المواجهة بين الرئيس الأكبر سناً في تاريخ الولايات المتحدة، وسلفه المدان في قضية جنائية، بانطلاق ما يعد بأن يكون صيفاً انتخابياً حافلاً، في بلاد تعاني من الاستقطاب الشديد، بلغ أوجه في أحداث اقتحام الكونغرس في يناير (كانون الثاني) 2021.

الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب والمرشح الديمقراطي للرئاسة جو بايدن خلال مناظرتهما الرئاسية الأولى في 29 سبتمبر 2020 (أ.ب)

ويصف فريق بايدن المناظرة الرئاسية بأنها الأكثر أهمية منذ سنوات، لأنها «ستبرز التناقض الكبير في شخصية المرشحين، وسياستهما، التي تحدد مسار انتخابات 2024».

ورغم زلات بايدن المتكررة، التي يستغلها منافسه الجمهوري لمهاجمة «لياقته الجسدية والعقلية»، جاءت هذه المناظرة المبكرة بمبادرة من الحملة الديمقراطية التي تسعى لتحقيق اختراق بين الناخبين المترددين.

وتعكس استطلاعات الرأي الحالية تقارباً شديداً بين ترمب وبايدن، فيما تُرجّح استطلاعات أخرى ميول بعض الولايات المتأرجحة لكفّة الرئيس السابق، في اقتراع يُرجّح بأن تحسمه بعض الولايات ومئات آلاف الأصوات فقط.

استعدادات الرئيسين

مع وضع المرشّحَين اللمسات الأخيرة على استراتيجية مناظرتهما، يبقى السؤال إن كان ترمب سيضبط هجماته الحادّة، والعدوانية أحياناً، أم أنه سيكرر مشهد أول مناظرة جمعتهما قبل أربع سنوات.

وقال ترمب في مقابلة مع شبكة «نيوزماكس» اليمينية، بشأن التحضير للمناظرة: «أعتقد أنني كنت أستعد لها طوال حياتي... سنقوم بعمل جيد جداً».

أما بايدن، فسيحاول جاهداً تجنّب أي زلّات لسان كبيرة.

في الأثناء، بدا بأنه لا يتوانى عن تسديد الهجمات الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي على الأقل، حيث قال إن «دونالد ترمب أكبر تهديد لديمقراطيتنا»، وهي رسالة سيسعى بلا شك للتأكيد عليها أثناء المناظرة، كما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية».

ويصل بايدن، خلال ساعات، على متن طائرة «إير فورس وان» إلى أتلانتا، عاصمة جورجيا التي تحمل أهمية بالغة بالنسبة للانتخابات في جنوب شرقي البلاد، للمشاركة في المناظرة التي يستضيفها مقر شبكة «سي إن إن». أما خصمه الجمهوري، فسيصل على متن طائرته الخاصة المعروفة باسم «ترمب فورس وان».

وأمضى بايدن الأسبوع بعيداً عن الأنظار في منتجع «كامب ديفيد»، قرب واشنطن، للتدرب وإجراء مناظرات وهمية. أما استعدادات ترمب، فاقتصرت على المشاركة في طاولات مستديرة غير رسمية، متجنّباً أي نوع من التدريبات الرسمية.

وتدفع الحملة الجمهورية مرشّحها إلى التركيز على مجالات يبرع فيها؛ مثل انتقاد أداء بايدن في الاقتصاد ومكافحة الجريمة، بينما يسعى بايدن إلى تصوير ترمب على أنه مضطرب وغير مؤهل للمنصب.

يترقّب الأميركيون مناظرة محتدمة بين ترمب وبايدن مساء الخميس (أ.ب)

وتخطط حملة بايدن لجعل القضايا الداخلية مثل الاقتصاد والحقوق الإنجابية محور حجة إعادة انتخاب الرئيس، لكن من المتوقع أن تُشكّل القضايا الخارجية والحرب الروسية - الأوكرانية والحرب الإسرائيلية في قطاع غزة تحدياً كبيراً لبايدن.

ويجهّز مستشارو حملة الرئيس ردّه على أي هجمات مرتبطة بهذه القضايا، ويتوقّع أن يركّز الرئيس على سجلّه في الوقوف في وجه الطغاة والدفاع عن الحريات. كما يُرجّح أن يعيد بايدن السؤال لمنافسه، ليسلّط الضوء على «تقاربه مع القادة المستبدين» كالرئيسين الكوري الشمالي والروسي، و«الابتعاد عن الحلفاء في الناتو»، و«تقويض الديمقراطية ومصداقية الولايات المتحدة» على الساحة الدولية، فضلاً عن سجلّه القانوني بعد إدانته في قضية «أموال الصمت».

فرص وتحديات

يُراهن مقرّبون من الحملة الديمقراطية على نجاح بايدن في استثارة غضب ترمب، ودفعه إلى التحدث عن انتخابات عام 2020 وإعادة طرح مزاعم تزوير الانتخابات، ويعتقدون أن ذلك سيصُبّ في مصلحة بايدن، إذ إنه سيضع ترمب في موقف الدفاع عن نفسه، ويتيح للرئيس تسليط الضوء على التهديد الذي يطرحه منافسه على الديمقراطية الأميركية.

المرشح الديمقراطي للرئاسة آنذاك جو بايدن يتحدث خلال المناظرة الرئاسية الأولى مع الرئيس دونالد ترمب في 29 سبتمبر 2020 (أ.ب)

في المقابل، فإن حملة ترمب لمّحت إلى استغلال «ضعف» بايدن وتراجع كفاءته، لكنها غيّرت استراتيجيتها في الأيام الأخيرة بعد تحذيرات من أن خفض مستوى التوقعات من بايدن قد يؤدي إلى مساعدته. وقال جيسون ميلر، كبير مستشاري حملة ترمب، للصحافيين: «نعلم أن جو بايدن، بعد حصوله على إجازة لمدة أسبوع كامل، سيكون جاهزاً لذلك».

وروّج ترمب وفريقه لنظرية أن بايدن سيكون حيوياً بسبب تناوله «منشطات» لتحسين أدائه، فيما صدرت عنهم تلميحات إلى أن قناة «سي إن إن» متحيّزة.

ولعل إحدى أبرز نقاط الضعف لدى بايدن هي أمن الحدود، إذ تعهد ترمب بمكافحة تدفق المهاجرين غير الشرعيين من المكسيك من خلال عمليات الترحيل الجماعي. كما يخطط فريق ترمب لتوجيه ضربات قوية إلى سجل بايدن الاقتصادي وفي معدّلات الجريمة، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى تفضيل الناخبين لترمب في المجال الاقتصادي.

وأوضح ميلر في هذا الصدد أن ترمب «سيركز على ارتفاع معدلات التضخم، والجرائم التي يرتكبها بعض المهاجرين غير القانونيين، باعتبارهما من القضايا التي يتألم منها الأميركيون، والتي يحتاج إلى التعامل معها».

الرئيس دونالد ترمب يتحدث خلال المناظرة الرئاسية الأولى في 29 سبتمبر 2020 في جامعة كيس ويسترن وكليفلاند كلينك في كليفلاند (أ.ب)

ويقول مستشارو الرئيس السابق إن ترمب يدرك خطورة مناظرة يوم الخميس وأهمية إيصال رسالة للناخبين، لكنهم يعترفون بوجود مخاطر أن ينجرف ترمب في تصريحات طويلة خارجة عن الموضوع.

ويقول كارل روف، الاستراتيجي والمستشار في حملة إعادة انتخابات الرئيس جورج بوش، إن ترمب لا يمكن أن يظهر بمظهر المضطرب أو الغاضب، ويجب ألا يستخدم عبارة انتخابات مزورة، وأن يحافظ على هدوئه.

استطلاعات الرأي

يتوقع أن تحظى المناظرة بمتابعة واسعة داخل الولايات المتحدة وخارجها. ورجّح استطلاع للرأي أجرته وكالة «أسوشيتد برس» أن يتابع 6 من كل 10 أميركيين المناظرة وأن يستمعوا إلى التعليقات الإعلامية حول أداء المرشحين على الشبكات الإخبارية، وعبر وسائل التواصل الاجتماع. ويقول 47 في المائة من الأميركيين إن المناظرة مهمة للغاية لنجاح حملة بايدن، بينما يقول 40 في المائة إنها مهمة للغاية لحملة ترمب.

وعبّر جزء كبير من المستطلعين عن شكوكهم حيال القدرات الذهنية والبدنية للمرشحين، ويرون أن أداء بايدن خلال المناظرة سيكون اختباراً مهماً له لإقناع الناخبين بقدرته على الاستمرار في تولي هذا المنصب لأربع سنوات قادمة.

ويقول 6 من كل 10 أميركيين إن لديهم وجهة نظر سلبية للغاية تجاه بايدن، والنسبة نفسها تجاه ترمب. كما يقول 3 من كل 10 أميركيين إنهم غير راضين عن انحصار السباق بين ترمب وبايدن، كمرشحين لحزبهما، ويعرب المستقلون والديمقراطيون عن عدم رضائهم عن ترمب وبايدن أكثر من الجمهوريين.

مؤيدة للرئيس السابق دونالد ترمب تلوح بأعلام في جورجيا في 13 يونيو 2024 (أ.ب)

ويتفوق ترمب بفارق نقطة أو نقطتين في ولايات مهمة؛ مثل بنسلفانيا وويسكونسن وميشيغن ونيفادا وأريزونا وجورجيا، وهي ولايات تكفي للرئيس السابق ترمب للفوز بأصوات المجمع الانتخابي، وبالتالي الفوز بالرئاسة. وفيما قد تكون هذه النتائج دقيقة إذا تم إجراء الانتخابات اليوم، إلا أن اتجاهات التصويت تتغير بمرور الوقت حتى يوم الاقتراع الرسمي.

ويشير مراقبون إلى أن نتائج اقتراع الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) ستعتمد إلى حد كبير على قدرة بايدن وترمب على جذب أصوات الناخبين المترددين، وعلى الحصول على أصوات الأقليات من الناخبين السود واللاتينيين، كما تلعب مجموعات انتخابية مثل الشباب والنساء دوراً مهماً.


مقالات ذات صلة

بايدن يحاول طمأنة المانحين بعد أدائه السيئ في المناظرة

الولايات المتحدة​ الرئيس جو بايدن وزوجته يصلان إلى قاعدة ماكجواير الجوية في نيوغيرسي (أ.ب)

بايدن يحاول طمأنة المانحين بعد أدائه السيئ في المناظرة

حضر الرئيس الأميركي جو بايدن ثلاث فعاليات لجمع التبرعات لحملته الانتخابية، وحاول طمأنة المانحين الأكثر سخاءً قائلاً إنه قادر على الفوز في الانتخابات الرئاسية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ جو وجيل بايدن خلال فعالية انتخابية برالي في نورث كارولاينا الجمعة (رويترز)

بايدن بعد المناظرة: أعلم كيفية تأدية مهمة الرئاسة

أكّد الرئيس الأميركي، جو بايدن، عزمه على مواصلة خوض السباق الرئاسي، رغم أدائه الذي وُصف بـ«الكارثي» في المناظرة التي خاضها أمام منافسه الجمهوري دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الخصمان بايدن وترمب في مناظرة «سي إن إن» (رويترز)

«برنامج واقعي» من «الفشل والكذب والعدوانية»... كيف قرأ العالم مناظرة ترمب وبايدن؟

رصدت شبكة «بي بي سي» تغطية وسائل الإعلام العالمية للمناظرة المثيرة للجدل بين الرئيس الأميركي جو بايدن وخصمه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ بايدن وترمب في مناظرة الـ«سي إن إن» (رويترز)

«إهانة عنصرية»... انتقادات لترمب لاستخدام كلمة «فلسطيني» في مناظرته مع بايدن

أدان مدافعون عن حقوق الإنسان أمس (الجمعة)، ما قاله الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب عن الفلسطينيين خلال مناظرة الخميس مع الرئيس جو بايدن.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ 
جانب من المناظرة التلفزيونية الأولى بين بايدن وترمب فجر أمس (أ.ف.ب)

أداء بايدن يهدد بإخراجه من السباق

أثار أداء الرئيس الديمقراطي جو بايدن، خلال المناظرة الرئاسية الأولى، ليل الخميس - الجمعة، ذُعرَ الديمقراطيين، وفاقم مخاوفهم من عمره المتقدّم وتراجع لياقتِه.

هبة القدسي (واشنطن)

بايدن يحاول طمأنة المانحين بعد أدائه السيئ في المناظرة

الرئيس جو بايدن وزوجته يصلان إلى قاعدة ماكجواير الجوية في نيوغيرسي (أ.ب)
الرئيس جو بايدن وزوجته يصلان إلى قاعدة ماكجواير الجوية في نيوغيرسي (أ.ب)
TT

بايدن يحاول طمأنة المانحين بعد أدائه السيئ في المناظرة

الرئيس جو بايدن وزوجته يصلان إلى قاعدة ماكجواير الجوية في نيوغيرسي (أ.ب)
الرئيس جو بايدن وزوجته يصلان إلى قاعدة ماكجواير الجوية في نيوغيرسي (أ.ب)

حضر الرئيس الأميركي جو بايدن ثلاث فعاليات لجمع التبرعات لحملته الانتخابية، السبت، وحاول طمأنة المانحين الأكثر سخاءً قائلاً إنه قادر على الفوز في الانتخابات الرئاسية على الرغم من أدائه السيئ في المناظرة ضد سلفه دونالد ترمب.

وقال المرشح الديموقراطي في إحدى فعاليات جمع التبرعات التي نظمت في ولايتي نيويورك ونيوجيرسي في شمال شرق الولايات المتحدة: «لم أمض ليلة رائعة لا أنا ولا حتى ترمب». وأضاف: «أعدكم بأننا سنفوز في هذه الانتخابات»، وفقاً لما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية.

من جهتها، دافعت جيل بايدن بقوة عن زوجها البالغ 81 عاماً، في مواجهة الدعوات لسحب ترشيحه، قائلة إن «جو ليس الشخص المناسب لهذا المنصب فحسب، بل إنه الشخص الوحيد لهذا المنصب».

وتوجه كلاهما إلى نيوغيرسي، السبت، للمشاركة في فعالية لجمع التبرعات حضرها أيضاً حاكم الولاية الديموقراطي فيل مورفي.

وقال الرئيس الأميركي: «أتفهم قلقكم بعد المناظرة»، مضيفاً: «سأقاتل بقوة أكبر».

وبات ترشيح بايدن موضع شكوك، منذ أدائه السيئ خلال المناظرة ضد ترمب ليل الخميس.

ودعت هيئة تحرير صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية العريقة، الجمعة، بايدن، إلى الانسحاب من السباق إلى البيت الأبيض غداة مناظرته مع ترمب.

وكتبت الصحيفة في افتتاحية نشرت مساء الجمعة: «بايدن كان رئيساً مثيراً للإعجاب. في ظل قيادته، ازدهرت الأمة وبدأت في معالجة سلسلة تحديات طويلة الأمد، وبدأت الجروح التي فتحها ترمب في الالتئام. لكن أعظم خدمة عامة يمكن أن يؤديها بايدن الآن هي أن يعلن أنه لن يستمر في الترشح لإعادة انتخابه».

وفي هذا المقال الافتتاحي بعنوان «لخدمة البلاد، يجب على الرئيس بايدن أن يغادر السباق» إلى البيت الأبيض، وصفت «نيويورك تايمز»، بايدن، بأنه «ظل زعيم»، بعد أن «فشل في اختباره الخاصّ».

يرى محللون أن اختيار الديموقراطيين بديلاً من بايدن سينطوي على مخاطر سياسية عدة، وسيتعين على بايدن أن يقرر بنفسه الانسحاب لإفساح المجال أمام مرشح آخر قبل مؤتمر الحزب.

إذا قرّر بايدن الانسحاب، سيجتمع الديموقراطيون في أغسطس (آب) في شيكاغو في ما يُعرف بالمؤتمر «المفتوح»، حيث سيعاد خلط الأوراق، لا سيما أصوات المندوبين الذي صوّتوا للرئيس.

وسيكون هذا السيناريو غير مسبوق منذ عام 1968 حين تعيّن على الحزب إيجاد بديل من الرئيس ليندون جونسون بعد أن سحب الأخير ترشّحه في خضم حرب فيتنام.

ولم تنضم أي شخصية في الحزب الديموقراطي حتى الآن إلى الأصوات التي تدعو بايدن إلى الانسحاب من السباق. وكرر الرئيسان السابقان باراك أوباما وبيل كلينتون دعمهما لبايدن الجمعة.