يقف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الاثنين المقبل، متهماً بارتكاب جرائم جنائية تحت قوس المحكمة في نيويورك، مسجلاً سابقة ضد رئيس سابق سيكون عليه انتظار عملية اختيار 12 شخصاً يشكلون هيئة المحلفين الكبرى في القضية المرفوعة ضده بدفع مبالغ مالية لإسكات الممثلة الإباحية ستورمي دانيالز، ومنعها من الإدلاء بمعلومات عن علاقة معها خارج الزواج، خلال حملته للانتخابات الرئاسية عام 2016.
وإذا لم تطرأ مفاجآت غير متوقعة خلال الأيام القليلة المقبلة حتى موعد بدء المحاكمة في 15 أبريل (نيسان)، فسيحضر المئات من سكان نيويورك إلى قاعة المحكمة في مانهاتن لمباشرة عملية اختيار المحلفين من قبل المدعين العامين ووكلاء الدفاع، لتكون لهيئة المحلفين كلمة الفصل النهائية في المحاكمة الجنائية التي يواجهها المرشح الرئاسي المفضل لدى الجمهوريين.
وسيحاول الطرفان اكتشاف أي تحيز سياسي غير معلن لدى أي من المحلفين المحتملين، بالإضافة إلى آرائهم حول تطبيق القانون وغيرها من الأجندات الخفية، فضلاً عن تأثرهم المحتمل بالغضب العام والتهديدات، وقدرتهم على أن يكونوا منصفين إذا جرى اختيارهم.
وقال محامي الدفاع آرثر إيدالا الذي كان لدى شركته كثير من العملاء البارزين، وبينهم وكيل الدفاع السابق عن ترمب، رودي جولياني، إن «الجزء الأكثر أهمية، والجزء الأصعب أيضاً» هو اختيار المحلفين الـ12 الذين سيقررون ما إذا كان ترمب زوّر سجلات شركته لإخفاء طبيعة المدفوعات لوكيل الدفاع عنه سابقاً المحامي مايكل كوهين، الذي ساعده في دفن قصص سلبية خلال حملته الانتخابية لعام 2016، أم لا. وتضمنت نشاطات كوهين دفع مبلغ 130 ألف دولار للممثلة الإباحية ستورمي دانيالز لوقف ادعاءاتها عن علاقة أقامها ترمب معها خارج نطاق الزواج قبل سنوات.
ودفع ترمب العام الماضي بأنه غير مذنب في 34 تهمة جنائية تتعلق بتزوير سجلات الأعمال. ونفى وجود لقاء عاطفي مع دانيالز. ويفيد محاموه الآن بأن المدفوعات لكوهين كانت نفقات قانونية مشروعة.
محاولات تأجيل
وكانت قاضية محكمة الاستئناف في نيويورك سينثيا كيرن، رفضت الثلاثاء، أحدث محاولة من ترمب لتأجيل محاكمته الجنائية، في حكم هو الثاني من نوعه خلال أيام، فيما يضيق على الرئيس السابق أي مسار معقول للتأخير الذي يسعى إليه.
وكانت القاضية المساعدة في محكمة الاستئناف إليزابيث غونزاليس رفضت الاثنين، الطلب الأول من محامي ترمب لتأجيل المحاكمة.
وأراد وكلاء الدفاع عن ترمب إرجاء المحاكمة حتى تتمكن لجنة كاملة من قضاة محكمة الاستئناف من الاستماع إلى المرافعات، بخصوص رفع أو تعديل أمر حظر النشر الذي يمنعه من الإدلاء بتصريحات عامة عن المحلفين والشهود وغيرهم من الأشخاص المرتبطين بقضية دفع «أموال الصمت» خلال الحملات لانتخابات عام 2016.
وقال محامي ترمب، أميل بوف، في جلسة استماع طارئة الثلاثاء، إن «الأضرار» المحتملة للتعديل الأول من الدستور الأميركي الذي يكفل حرية التعبير بسبب أمر حظر النشر «لا يمكن إصلاحها»، مضيفاً أنه «لا ينبغي تكميم ترمب بينما يهاجمه منتقدوه بشكل روتيني»، وبينهم كوهين ودانيالز.
ورد رئيس الاستئناف في مكتب المدعي العام لمنطقة مانهاتن ستيفن وو، بالإشارة إلى «تاريخ المدعى عليه الذي لا جدال فيه في الإدلاء بتعليقات تحريضية ومشوهة لسمعة الأشخاص المعنيين بالقضية. هذا ليس نقاشاً سياسياً. هذه إهانات». وأوضح أن حظر النشر لا يزال يمنح ترمب «حرية الحديث عن مجموعة من القضايا»، فضلاً عن التعليق على القاضي خوان ميرشان والمدعي العام ألفين براغ، و«إثارة الحجج السياسية كما يراها مناسبة».
ويدعي ترمب أن القاضي ميرشان متحيز ضده، ولديه تضارب في المصالح بسبب عمل ابنته لورين كرئيسة لشركة «أوثانتيك كامبينز»، التي يوجد لديها عملاء بينهم الرئيس جو بايدن وديمقراطيون آخرون.
حكم بالسجن
إلى ذلك، واجه المدير التنفيذي السابق لإمبراطورية ترمب العقارية ألان ويسلبرغ (76 عاماً) حكماً بالسجن لـ5 أشهر بعدما اعترف الشهر الماضي، بأنه كذب تحت القسم، مدعياً أنه لا يعرف كيفية تحديد قيمة شقة ترمب في مانهاتن، والتي تفيد بياناته المالية بأن سعرها هو 3 أضعاف قيمتها الفعلية.
وخلال المحاكمة المدنية بالاحتيال التي ترأسها القاضي آرثر أنغورون، أفاد ترمب في بياناته المالية، بأن مساحة شقته تبلغ 30 ألف قدم مربع (2800 متر مربع)، وأن قيمتها 327 مليون دولار. وتبين أن الحجم الحقيقي هو 10996 قدماً مربعاً (1022 متراً مربعاً)، وقيمتها هي 117 مليون دولار. وانتهت المحاكمة بالحكم على ترمب بدفع مبلغ 455 مليون دولار. بينما أمر القاضي ويسلبرغ بدفع مليون دولار.
وهذه هي المرة الثانية التي يجد ويسلبرغ نفسه خلف القضبان، إذ أمضى مائة يوم في سجن جزيرة رايكرز سيئ السمعة في نيويورك خلال العام الماضي، بتهمة التهرب من دفع الضرائب على 1.7 مليون دولار من امتيازات الشركة، ومنها شقة مجانية في مانهاتن وسيارات فاخرة.
مخلص لترمب
وأدلى ويسلبرغ، وهو موالٍ مخلص لترمب منذ نحو 50 عاماً، بشهادته مرتين في محاكمات الرئيس السابق. وبذل في كل مرة قصارى جهده لتأكيد أن رئيسه لم يرتكب أي مخالفات جسيمة. ولا يتطلب اتفاق الإقرار بالذنب منه الإدلاء بشهادته في محاكمة ترمب الجنائية المتعلقة بأموال الصمت بدءاً من الاثنين.
وفي نيويورك، تعدّ شهادة الزور جناية يعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى 7 سنوات. واعترض وكلاء الدفاع عن ترمب على محاكمة ويسلبرغ بتهمة الحنث باليمين، متهمين مكتب المدعي العام في مانهاتن باستخدام «تكتيكات غير أخلاقية وقوية ضد رجل بريء في أواخر السبعينات من عمره»، بينما «غض الطرف» عن ادعاءات الحنث باليمين ضد محامي ترمب سابقاً مايكل كوهين، الذي صار الآن شاهد إثبات رئيسياً في قضية أموال الصمت.
شهود في فلوريدا
وفي فلوريدا، وافقت القاضية الفيدرالية أيلين كانون، التي تترأس قضية الوثائق السرية ضد الرئيس السابق على طلب للمدعين العامين هدفه حماية هويات الشهود الحكوميين المحتملين. غير أنها رفضت التقييد «الكاسح» و«الشامل» على إدراجهم في طلبات ما قبل المحاكمة.
ويركز الأمر المؤلف من 24 صفحة على نزاع بين فريق المستشار القانوني الخاص المعين من وزارة العدل جاك سميث، ووكلاء الدفاع عن ترمب حول مقدار المعلومات المتعلقة بالشهود وأقوالهم التي يمكن نشرها قبل المحاكمة. وهذا واحد من خلافات كثيرة تراكمت أمام القاضية كانون، ما أدى إلى إبطاء وتيرة القضية المرفوعة ضد ترمب.
ولا تزال القضية من دون موعد محدد للمحاكمة، رغم أن إعلان كل من الطرفين أنهما قد يكونان جاهزين هذا الصيف. وأوضحت كانون - التي واجهت سابقاً انتقادات لاذعة بسبب قرارها الموافقة على طلب ترمب تعيين محكم مستقل لمراجعة الوثائق التي جرى الحصول عليها أثناء تفتيش مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) لمقر إقامة ترمب في مارالاغو - شكوكها المستمرة بنظرية الادعاء الحكومية.
ومن خلال إعادة النظر في أمر سابق والوقوف إلى جانب المدعين العامين في شأن حماية هويات الشهود، يحتمل أن تتجنب كانون زيادة للتوترات مع فريق سميث، الذي وصف الأسبوع الماضي الأمر المنفصل الصادر عن القاضية بأنه «معيب بشكل أساسي».