تمويل أوكرانيا يهدد مستقبل جونسون رئيساً لمجلس النواب الأميركي

المسؤول الجمهوري يدرس خيارات بينها إقراض كييف ومصادرة أصول روسية مجمدة

رئيس مجلس النواب مايك جونسون بالكونغرس في 7 مارس 2024 (رويترز)
رئيس مجلس النواب مايك جونسون بالكونغرس في 7 مارس 2024 (رويترز)
TT

تمويل أوكرانيا يهدد مستقبل جونسون رئيساً لمجلس النواب الأميركي

رئيس مجلس النواب مايك جونسون بالكونغرس في 7 مارس 2024 (رويترز)
رئيس مجلس النواب مايك جونسون بالكونغرس في 7 مارس 2024 (رويترز)

مع التخبط الأميركي في إقرار تمويل أوكرانيا، يواجه رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون خطر العزل من منصبه. ودفع تنامي المعارضة الجمهورية الشرسة للتمويل بالبعض من أعضاء حزبه إلى التلويح بسلاح العزل، الذي أطاح في السابق بسلفه كيفين مكارثي.

وبمواجهة هذه التهديدات، يقف جونسون حائراً أمام خيارات متعددة متعلقة بالتمويل؛ من تحويل المساعدات إلى قروض، تلبية لدعوات الرئيس السابق دونالد ترمب، إلى مصادرة أملاك روسيا المجمدة، وتخصيصها لإعادة إعمار أوكرانيا، وكلها خيارات مختلفة كل الاختلاف عن النسخة التي أقرها مجلس الشيوخ والتي يصفها المعارضون بـ«الشيك على بياض».

يستعرض برنامج «تقرير واشنطن»، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، احتمالات توصل الكونغرس إلى تسوية لإقرار المساعدات لكييف في موسم انتخابي حاسم أصبح الناخب فيه يتململ من الدعم الأميركي لأوكرانيا، وما إذا كان جونسون سيدفع الثمن في حال سعى إلى إقرار التمويل، بالإضافة إلى الخيارات المطروحة من قبل المعارضين.

النائبة الجمهورية مارجوري غرين هددت بعزل جونسون (أ.ف.ب)

جونسون وشبح العزل

يقول سكوت كوليناين، مدير الشؤون الحكومية في مؤسسة «رازوم» لأوكرانيا المعنية ببناء العلاقات الأميركية - الأوكرانية، إن التحدي الأساسي في إقرار تمويل أوكرانيا يكمن في المعارضة التي يواجهها رئيس مجلس النواب مايك جونسون في صفوف حزبه الجمهوري.

ويشير كولينين إلى أن جونسون يتمتع بأغلبية ضئيلة جداً في مجلس النواب، ستصل إلى مقعد واحد فقط، الأسبوع المقبل، بسبب استقالة بعض الجمهوريين من مقاعدهم. وأوضح أن «معظم الجمهوريين يدعمون أوكرانيا، لكن هناك أقلية لا تدعمها، ويحاول رئيس المجلس جونسون أن يوفق بين إقرار دعم أوكرانيا والمحافظة على دعمه من قبل الجمهوريين في المجلس وعدم خسارة منصبه».

يتحدث كوليناين هنا عن النائبة الجمهورية مارجوري تايلور غرين، التي هددت بطرح عزل جونسون رسمياً على التصويت في حال أقر تمويل أوكرانيا. وتشير ناومي ليم، مراسلة البيت الأبيض في صحيفة «واشنطن إيكزامينر»، إلى أنه لهذا السبب يحاول البيت الابيض «إعطاء جونسون مساحة في التصرف». وتفسر قائلة: «قبل انطلاق مفاوضات التمويل، جرى انتقاد رئيس المجلس بشدّة، وهوجم شخصياً. لكن البيت الأبيض تراجع عن هذه الاستراتيجية الآن، لأن انتقاد رئيس المجلس لن يساعدهم، خصوصاً مع تمتع اليمين المتطرف في حزبه بالقوة لعزله».

ومن ناحيته، يتحدث غريغ كيلر، المدير التنفيذي السابق لاتحاد المحافظين الأميركيين، عن «الموقف الصعب» الذي يواجهه جونسون، خصوصاً في ظل الأغلبية الضعيفة جداً في مجلس النواب. ويشير جونسون إلى أن الجمهوريين المحافظين الذين يعارضون تمويل أوكرانيا ينظرون إلى «الفوضى على الحدود الجنوبية، ويقولون: لا يمكننا مراقبة حدودنا الخاصة حالياً، فلماذا نهتم بالحدود بين أوكرانيا وروسيا؟». وأضاف: «لا أقول بأن الأمر صحيح أو عادل، لكن هذه طريقة تفكير الجمهوريين المحافظين اليوم، خصوصاً عندما يطلب البيت الأبيض مئات المليارات من الدولار لحرب خارجية، في دولة لا نملك تاريخاً طويلاً معها؛ وهي أوكرانيا».

ويردّ كوليناين على مقارنة أوكرانيا بأمن الحدود، مشيراً إلى أنها نقطة يسمعها كثيراً بحكم عمله المقرب مع المشرعين بهدف إقناعهم لإقرار التمويل. ويقول: «أعتقد أن الولايات المتحدة بصفتها دولة كبيرة وغنية وقوية، تستطيع القيام بالأمرين. وأنا أقول دوماً لأعضاء الكونغرس القلقين حول حدودنا بأننا يجب أن نحل أزمة الحدود، لكننا دولة عظيمة وكبيرة، ويمكننا القيام بالأمرين معاً».

أما ليم، فتحذر من أن الأغلبية الصغيرة في مجلس النواب سوف تدفع جونسون إلى التماس المساعدة من الديمقراطيين لإقرار أي مشروع قانون، مضيفة: «لدى رئيس مجلس النواب هامش صغير جداً لمحاولة تفعيل هذا التشريع، ومنصبه سيعتمد على ذلك».

ويوافق كيلر على هذا التقييم، مضيفاً أن «رئيس المجلس سيضطر إلى اتخاذ القرار بنفسه، تماماً كما فعل مكارثي، أي إن كان يريد المراهنة بمنصبه أو إن كانت أوكرانيا تستحق أن يتخلى عن منصبه».

وزير الخارجية الأميركي ونظيره الأوكراني ببروكسل في 4 أبريل 2024 (أ.ف.ب)

إدارة بايدن والرسائل «المبهمة»

في ظل هذه التجاذبات الحزبية والاختلافات على إقرار المساعدات الطارئة بقيمة 60 مليار دولار، والتي أرسلتها إدارة بايدن إلى الكونغرس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ووافق عليها مجلس الشيوخ في فبراير (شباط)، يوجّه البعض انتقادات للبيت الأبيض بسبب عدم وجود استراتيجية واضحة في أوكرانيا، وهذا ما تتحدث عنه ليم التي قالت إن «المشكلة بالنسبة إلى إدارة بايدن، هي القول بأنها تريد دعم أوكرانيا مهما كلّف الأمر. وهذا يشير إلى التزام طويل الأمد بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وفكرة الحروب الأبدية لا تستقطب الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء». وتشير ليم إلى أن الإدارة قد تعمد الأيام المقبلة إلى تسليط الضوء على فكرة أن معظم حزمة الدعم هذه سيجري إنفاقها في الولايات المتحدة لتصنيع الأسلحة التي سيجري إرسالها إلى الخارج.

لكن هذا ليس كافياً على حد تعبير كيلر، مشيراً إلى أن إدارة بايدن تحاول إقناع الأميركيين بأنها تدرك كيفية إدارة حرب خارجية، والفوز بها، ثم الخروج منها. وأضاف: «المشكلة في ذلك هو أن هذه لم تكن الحال عبر تاريخ تدخل الولايات المتحدة في هذا النوع من النزاعات الخارجية. فلم تكن هذه الحال في أفغانستان، وبالطبع ليست في العراق. والناخبون الأميركيون، خصوصاً الجمهوريين يعلمون ذلك».

ويسلط كيلر الضوء على المعضلة الثانية التي تواجه الإدارة، وهي الجانب المالي، فيقول: «من أين سنأتي بمبلغ الـ110 أو 150 مليار دولار؟ ما نعلمه من إدارة بايدن، من الطريقة التي يجري بها تمويل مشاريع أخرى، هو أنه يجري طبع مزيد من المال؛ ما يؤدي إلى تضخم اقتصادي».

ترمب يتحدث في حدث انتخابي بويسكنسون في 2 أبريل 2024 (أ.ب)

مساعدات أم قروض؟

ومن هنا طرح بعض الجمهوريين فكرة تحويل المساعدات إلى قروض «من دون فائدة»، وهي فكرة روج لها الرئيس السابق دونالد ترمب، ودعمها السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام وغيره من مشرعين.

ويقول كوليناين إن فكرة تحويل المساعدات إلى قروض هي ليست فكرة سيئة «إذا كانت تضمن إقرار المبلغ المطلوب». وتابع: «إذا كان ذلك هو المطلوب للحصول على الموافقة من الكونغرس، فهذه مقايضة جيدة».

وتذكر ليم أن البيت الأبيض لا يشارك في المفاوضات المفتوحة بين الجمهوريين في مجلس النواب حول الخيارات المطروحة، لأنه يريد الحفاظ على قوته التفاوضية. وأشارت إلى أن الرئيس الأميركي يريد في نهاية المطاف إقرار أكبر قدر ممكن من المساعدات، وهذا يفتح الباب أمام التنازلات التي قد تشمل تحويل المساعدات إلى قروض.

وهنا يشير كيلر إلى سؤال يكرره الجمهوريون: «لماذا تعدّ هذه معركة أميركا؟ لماذا يجب أن نكون رأس الحربة؟ لماذا يجب أن نكون الشعب أو الدولة، التي دائماً ما تقود المجتمع العالمي في هذه الحروب؟». ويرى كيلر أن على دول حلف شمالي الأطلسي أن تستثمر الأموال والعتاد في هذه الحرب كما تفعل الولايات المتحدة، مذكراً بموقف ترمب حيال هذه القضية.

أوكرانيا ليست على لائحة أولويات الناخب الأميركي (أ.ب)

أوكرانيا والانتخابات الأميركية

ومع تراجع دعم الناخب الأميركي، خصوصاً الجمهوري، لتمويل أوكرانيا، يشير كوليناين إلى أنه «كلما مرّ الوقت، واقترب موعد الانتخابات الأميركية في نوفمبر، تراجعت حظوظ إقرار التمويل». ويفسر قائلاً: «بالنسبة إلى الناخبين الجمهوريين، تحتلّ أوكرانيا مرتبة متدنية للغاية في قائمة الأولويات. إذن، سوف يتطلب إقرار التمويل نوعاً من الشجاعة من قبل المشرعين».

وهذا ما يوافق عليه كيلر، الذي أشار إلى أنه رغم وجود شعور بالتعاطف مع الأوكرانيين، فإن وضع الاقتصاد والحدود يجعل من الصعب جداً إقناع الأميركيين خصوصاً الناخبين الجمهوريين أن أوكرانيا هي بين القضايا الأكثر أهمية بالنسبة إلى الولايات المتحدة.

ويتحدث كيلر عن تغيير في طبيعة الحزب الجمهوري منذ أيام عمله في حملة بوش- تشيني الانتخابية وحتى اليوم، فيقول: «من الواضح أن الحزب الجمهوري اليوم هو أكثر انعزالية مما كان عليه منذ 20 عاماً. وهو يشهد تغييراً هائلاً هذه الأيام، إذ أصبح حزباً أكثر شعبوية، كما لا يمكننا أن نتجاهل النفوذ الذي يملكه دونالد ترمب على هذا الحزب». وأضاف: «إذا جرت الانتخابات اليوم، فسيفوز ترمب، وستختلف السياسة الأميركية بشكل جذري مع أوكرانيا».

وهذا أمر يعلمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ويراهن عليه، على حد قول كوليناين. وأوضح: «إذا كان كل ما على بوتين فعله للفوز هو الانتظار، فسيكمل الحرب لـ6 أو 8 أو 10 أشهر إضافية. أعتقد أن هذا ما يراهن عليه بوتين، وهذه استراتيجيته لتحقيق الفوز؛ فهو يعلم أنه لا يمكنه التغلب على الأوكرانيين في ساحة المعركة حالياً، بل إن فوزه يمر عبر واشنطن».


مقالات ذات صلة

اختلافات جوهرية في سياسات ترمب وهاريس الخارجية

الولايات المتحدة​ هاريس وزيلينسكي في البيت الأبيض في 26 سبتمبر 2024 (د.ب.أ)

اختلافات جوهرية في سياسات ترمب وهاريس الخارجية

استغلّ كل من ترمب وهاريس وجود قادة العالم في نيويورك لإثبات أهليتهما على صعيد السياسة الخارجية.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب يلتقي زيلينسكي في نيويورك. (أ.ب)

ترمب يلتقي زيلينسكي وسط مخاوف أوكرانية من عدم استمرار الدعم الأميركي

زيلينسكي يلتقي ترمب في نيويورك صباح الجمعة، وخطة النصر التي قدمها زيلينسكي تعدّ خطة مبادئ رمزية أكثر من كونها استراتيجية.

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يصافح الرئيس الأميركي جو بايدن على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك (أ.ف.ب)

بايدن يستبق لقاءه زيلينسكي بإعلانه عن 8 مليارات دولار مساعدات عسكرية جديدة لكييف

استبق الرئيس الأميركي، جو بايدن، الخميس، اجتماعه مع نظيره الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بإعلانه عن «زيادة» في الدعم لأوكرانيا.

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يتصافحان خلال اجتماع ثنائي في أثناء قمة الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس حلف شمال الأطلسي في واشنطن بالولايات المتحدة في 11 يوليو الماضي (رويترز)

بايدن يعلن «زيادة» في المساعدات العسكرية لأوكرانيا

أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن «زيادة» في المساعدات لأوكرانيا، بما في ذلك نحو 8 مليارات دولار من المساعدات العسكرية والذخائر الجديدة البعيدة المدى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي 
ألسنة الدخان تتصاعد بعد غارات إسرائيلية على قرية كفر رمان بجنوب لبنان أمس (أ.ب)

تحرك أميركي لتفادي الحرب الشاملة

تحركت الولايات المتحدة دبلوماسياً لتفادي الحرب الشاملة في المنطقة، إذ تعمل إدارة الرئيس جو بايدن على إعداد مبادرة جديدة تهدف إلى «إيقاف مؤقت» للقتال في لبنان.

ثائر عباس (بيروت ) علي بردى (نيويورك)

اختلافات جوهرية في سياسات ترمب وهاريس الخارجية

هاريس وزيلينسكي في البيت الأبيض في 26 سبتمبر 2024 (د.ب.أ)
هاريس وزيلينسكي في البيت الأبيض في 26 سبتمبر 2024 (د.ب.أ)
TT

اختلافات جوهرية في سياسات ترمب وهاريس الخارجية

هاريس وزيلينسكي في البيت الأبيض في 26 سبتمبر 2024 (د.ب.أ)
هاريس وزيلينسكي في البيت الأبيض في 26 سبتمبر 2024 (د.ب.أ)

شهدت نيويورك، هذا الأسبوع، اجتماعات مكثفة لقمة المستقبل تحت سقف الأمم المتحدة، شارك فيها زعماء العالم، وألقى خلالها الرئيس الأميركي جو بايدن خطابه الأخير أمام الجمعية العامة قبل مغادرته منصبه وتسليم الشعلة إما لكامالا هاريس أو لخصمها دونالد ترمب.

في هذه الأثناء، لم يجلس هاريس وترمب ساكنين بانتظار نتيجة الانتخابات، فوجود قادة العالم على الأراضي الأميركية فرصة ذهبية لإثبات أهليتهما على صعيد السياسة الخارجية. وعقدا اجتماعات دلّت بشكل من الأشكال على أولوية كل منهما في ساحة الصراعات الدولية، التي لا تخلو من تحديات متزايدة، بدءاً من أوكرانيا مروراً بالمنافسة مع الصين، وصولاً إلى التصعيد المستمر في منطقة الشرق الأوسط.

يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، نقاط الاختلاف بين المرشحين في هذه الملفات المعقدة، بالإضافة إلى مدى اهتمام الناخب الأميركي بالسياسة الخارجية.

التصعيد في الشرق الأوسط

بايدن في مؤتمر صحافي في البيت الأبيض في 26 سبتمبر 2024 (أ.ب)

يُخيّم شبح التصعيد في المنطقة على الانتخابات الأميركية. ويقول جيمس جيفري، السفير السابق إلى العراق وسوريا والمبعوث الخاص السابق للتحالف الدولي لهزيمة «داعش»، إن المرشحين يركزان لدى تطرقهما إلى هذا الملف على السياسة الأميركية تجاه إيران. ويشير جيفري إلى أنه سيكون على المرشحين التعامل مع هذا الواقع في المنطقة، مضيفاً: «إن الفارق الرئيسي بينهما هو أن ترمب سيكون مصراً جداً على فرض العقوبات، بينما ستتبع هاريس سياسة بايدن، وربما موقف أوباما، لمحاولة التوصل إلى اتفاق من أجل مشاركة المنطقة مع إيران».

وتعدُّ لورا كيلي، مراسلة صحيفة «ذي هيل» للشؤون الخارجية، أن إيران تُشكّل قضية أساسية في حملتي كل من ترمب وهاريس، مشيرةً إلى أن ترمب يقدم نفسه على أنه «الرجل القوي» الذي يستطيع مواجهة إيران إن وصل إلى البيت الأبيض ويرغمها على القيام بما يريد وبالتراجع، بينما ستحرص هاريس على إكمال ما بدأت به إدارة بايدن، وهو محاولة التنسيق بين مختلف اللاعبين في الشرق الأوسط، مضيفة: «لكن كما نرى حالياً، ما يجري على أرض الواقع يتغلب على كافة الجهود الدبلوماسية».

ترمب يتحدث مع الصحافيين في نيويورك في 26 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

ويوافق روبرت فورد، السفير الأميركي السابق في سوريا والجزائر، على أن سياسة هاريس ستكون «استكمالاً لسياسة بايدن في الشرق الأوسط، على الأقل في البداية»، مضيفاً: «إنها لا تملك خبرة واسعة في العمل على قضايا المنطقة، ولا تعرف القادة كما كان يعرفهم بايدن، وبصراحة أعتقد أن اهتماماتها تصب أكثر على القضايا المحلية والصين وحتى روسيا». واستبعد فورد أن تتخذ هاريس أي مبادرات رئيسية فيما يتعلق بالشرق الأوسط. وفيما يتعلق بترمب، ذكّر فورد بأنه من الصعب توقّع مواقف الرئيس السابق في القضايا الدولية، مضيفاً: «لقد صرح مرتين خلال حملته هذا الشهر بأنه قد ينظر في رفع العقوبات عن طهران، ليس بسبب طريقة تصرّف هذه الأخيرة تحديداً، لكن لأنه قلق حول انتشار استخدام العملة الصينية في الأسواق العالمية».

ويوافق جيفري الذي عمل في إدارة ترمب على أنه من الصعب التكهن بمواقف الرئيس السابق، مُذكّراً بإعلانه مرتين عن نيته سحب القوات الأميركية من سوريا، وتراجعه عن ذلك، لكنه شدد على أهمية الفريق المحيط بالرئيس، عادّاً أن ترمب كان لديه فريق متميز في السياسة الخارجية. وأضاف: «عندما يكون لديك فريق عمل كهذا، من الأرجح أن نرى سلوكاً يسهل التنبؤ به في إطار رؤية دونالد ترمب للعالم».

وهنا عقّبت كيلي على تصرفات ترمب التي لا يمكن توقعها في بعض الأحيان، مشيرةً إلى تصريح أدلى به مؤخراً قال فيه إن إيران «ترغب بأن تكون طرفاً في اتفاقات إبراهام»، مضيفة: «لقد ألقى هذا التصريح ضوءاً مثيراً للاهتمام على طريقة تفكيره وشعوره حول كيفية تغيير الأوضاع في الشرق الأوسط». لكن كيلي أشارت في الوقت نفسه إلى أنه في حال وصول ترمب إلى البيت الأبيض، فإن عدداً كبيراً من مستشاريه السابقين لن يكونوا معه بسبب توتر العلاقات بينهم، أما بالنسبة لهاريس فثمّة توقعات بأن يتسلم مدير الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ويليام بيرنز منصب وزير الخارجية، على حد قولها.

«الضغط» على نتنياهو

تتزايد الدعوات لإدارة بايدن بوقف الأسلحة لاسرائيل (أ.ب)

وفيما تواجه إدارة بايدن انتقادات حول تعاطيها مع ملفات المنطقة، وفشلها في وقف التصعيد في غزة ولبنان، يعدُّ فورد أن سياسة بايدن تجاه إسرائيل هي انعكاس لآراء الرئيس «الذي يتمتع بتاريخ طويل مع منطقة الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أن القرارات المتعلقة بهذا الملف مرتبطة باعتقاداته.

وتحدث فورد عن التوتر في العلاقة بين بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فأشار إلى فارق أساسي في مقاربة الطرفين، قائلاً: «يبدو أن نتنياهو يؤمن بوجود حل أمني لمشكلة غزة، وللمشاكل في لبنان، ويعتقد أنه لا يجب أن يكون هناك وجود للدولة الفلسطينية، وأنه على إسرائيل أن تحكم هذه الأراضي إلى الأبد، وأن الفلسطينيين في هذه الأراضي لن يكون لهم الحق بتقرير مصيرهم. إنها ببساطة رؤية يملكها رئيس وزراء إسرائيل مع قسم كبير من حكومته، إن لم يكن معظمهم. إذن هذا هو الفارق الرئيسي مع العديد من الديمقراطيين، لكن هناك أيضاً جمهوريين يدعمون حل الدولتين، من حيث المبدأ على الأقل. وطالما هناك هذا الفارق بين الأميركيين الذين يدعمون حل الدولتين والحكومة الإسرائيلية المحافظة، دائماً ما سيكون هناك احتكاك في ما يتعلق بالاستراتيجيات والسياسات».

ويرجح فورد أن نتنياهو «يفضل عودة ترمب إلى البيت الأبيض»، لكن رغم ذلك «فهو مضطر إلى التعاون مع إدارة بايدن لقرابة الأربعة أشهر المتبقية في ولايته».

ترمب يتحدث أمام المجلس الأميركي الإسرائيلي في 19 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

ويواجه بايدن دعوات من أعضاء حزبه التقدميين لفرض قيود على المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، واستعمالها ورقة ضغط على نتنياهو، وهو ما رفضه بايدن ونائبته هاريس. وهنا، تقول كيلي إنه من غير المؤكد أن حجب الولايات المتحدة للأسلحة عن إسرائيل سوف يؤدي إلى دفع نتنياهو لاتخاذ قرارات تتماشى أكثر مع إدارة بايدن، مضيفة: «لكن إن نظرنا إلى إدارة ترمب، فهو قد يعطي المجال لنتنياهو لإطلاق العنان للقوة العسكرية على نطاق واسع دون أي قيود قد تفرضها إدارة بايدن».

أوكرانيا

زيلينسكي مع زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأميركي تشاك شومر (يمين)، وزعيم الأقلية ميتش ماكونيل (أ.ف.ب)

تحتل أوكرانيا مساحةً كبيرةً من النقاش في الموسم الانتخابي، وقد سلّطت زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي للولايات المتحدة الضوء على التجاذبات الداخلية الحادة المحيطة بالملف. ففيما اجتمع الزعيم الأوكراني بهاريس ومن المتوقع أن يلتقي ترمب، فإن مواقف كل منهما مختلفة فيما يتعلق بحل الصراع هناك.

وبينما يعرب جيفري عن تفاؤله في قضية أوكرانيا، مشيراً إلى أن روسيا لم تحقق الفوز «فهي متوترة وتحارب دولة أصغر منها»، على حد تعبيره، تشير كيلي إلى أن السباق الانتخابي الحالي يعكس «أوقاتاً عصيبةً جداً لأوكرانيا»، مشيرة إلى الجدل الذي ولدته زيارة زيلينكسي إلى بنسلفانيا لدى الجمهوريين الذين اتهموا الرئيس الأوكراني بمحاولة التدخل في الانتخابات الأميركية من خلال زيارته لولاية متأرجحة. وقالت كيلي إن هذه الخطوة ساهمت في «تغذية التعصب الحزبي المتزايد بشأن السياسة الأميركية تجاه أوكرانيا»، مشيرةً إلى أن زيلينكسي «تلقى أبرد استقبال على الإطلاق في الكونغرس خلال زيارته إلى واشنطن».

الناخب الأميركي والسياسة الخارجية

هاريس في حدث انتخابي في ويسكونسن في 20 سبتمبر 2024 (د.ب.أ)

رغم القضايا الخارجية العالقة والتوترات المتزايدة، فإن الناخب الأميركي لا يركز عادة على السياسة الخارجية لدى توجهه إلى صناديق الاقتراع. وهذا ما تحدث عنه فورد قائلاً: «عندما فكر كيف تنظر أميركا إلى العالم وهي على مشارف الانتخابات، أعتقد أن السؤال الأكبر هو ما مقدار الاهتمام الذي يريد الشعب الأميركي أن توليه واشنطن للسياسة الخارجية مقارنة بالقضايا الداخلية؟ وبرأيي هذه الانتخابات في 2024 تتمحور بشكل أساسي حول القضايا المحلية مثل الاقتصاد والهجرة، وهذا التفضيل الشعبي سيؤثر على الوقت الذي يمضيه إما الرئيس ترمب أو الرئيسة هاريس على السياسة الخارجية».

أما جيفري فلديه مقاربة مختلفة، ويقول «إن الأميركيين يتجاهلون السياسة الخارجية حتى تأتي هذه الأخيرة وتهز كيانهم». وأعطى مثالاً على ذلك في هجمات سبتمبر التي «جرّت أميركا إلى حرب كبيرة أدت إلى سقوط عدد هائل من الضحايا في العراق و أفغانستان». وأضاف جيفري: «في الواقع رغم التجاذبات التي نتحدث عنها لدينا سياسة حول العالم من خلال حلفائنا ومعهم، تسعى للحفاظ على هدوء العالم». ويحذر قائلاً: «إن تزعزع الأمن في العالم، يحدث أمران: أولاً التجارة والعولمة واستخدام الدولار الأميركي وغيرها من الفوائد التي يستفيد منها الأميركيون ستختفي. ثانياً وهي النقطة الأهم هناك 20 أو 30 دولة، إن لم تستطع الاعتماد على الولايات المتحدة في الحالات الطارئة، فهي ستجد بديلاً نووياً مما سيؤدي إلى عالم مسلح نووياً سينعكس سلباً على السلام العالمي وعلى فرص نجاة الولايات المتحدة».