حرب غزة: بايدن يواجه غضب المسلمين والعرب الأميركيين

مسؤولون يتحدثون لـ«الشرق الأوسط» عن مقاطعتهم للرئيس الديمقراطي

متظاهرون يدعون إلى وقف إطلاق النار في غزة أمام البيت الأبيض في 2 أبريل 2024 (أ.ف.ب)
متظاهرون يدعون إلى وقف إطلاق النار في غزة أمام البيت الأبيض في 2 أبريل 2024 (أ.ف.ب)
TT

حرب غزة: بايدن يواجه غضب المسلمين والعرب الأميركيين

متظاهرون يدعون إلى وقف إطلاق النار في غزة أمام البيت الأبيض في 2 أبريل 2024 (أ.ف.ب)
متظاهرون يدعون إلى وقف إطلاق النار في غزة أمام البيت الأبيض في 2 أبريل 2024 (أ.ف.ب)

يواجه الرئيس الأميركي جو بايدن سخط عدد متزايد من الناخبين الغاضبين من تعامله مع ملف حرب غزة. ورغم مساعي الإدارة للتقرب من الجالية العربية والمسلمة في الولايات المتحدة واسترضائها، فإن هذه المحاولات اصطدمت بحائط مسدود إثر دعوة البيت الأبيض لعدد من الممثلين عن هذه الجالية لحضور حفل إفطار مع الرئيس الأميركي. دعوة قوبلت برفض عدد منهم الحضور، احتجاجاً على سياسة بايدن تجاه إسرائيل ليتحول حفل الإفطار إلى اجتماع مغلق مع الرئيس الأميركي، بحضور عدد مصغر من الأشخاص الذين لبّوا الدعوة.

مظاهرات خارج مبنى الكونغرس بواشنطن تدعو لوقف إطلاق النار في غزة 18 أكتوبر (أ.ب)

مقاطعة ومطالب

من هؤلاء المحتجين وائل الزيات، المدير التنفيذي لمنظمة «إيمغايج» المعنية بتنسيق جهود الناخبين الأميركيين المسلمين والمستشار السابق للمندوبة الأميركية في الأمم المتحدة، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن أسباب مقاطعته حفل الإفطار وخلفياتها. وقال الزيات إن البيت الأبيض دعاه لحضور حفل إفطار مع مجموعة صغيرة من المسلمين الأميركيين، لكنه رفض الحضور؛ «لأن عقد حفل إفطار فيما يعيش الفلسطينيون مجاعة هو أمر غير مناسب أبداً». ويقول الزيات إن البيت الأبيض حينها غيّر من مقاربته، فعرض تحويل الإفطار إلى اجتماع مع ممثلين عن الأميركيين المسلمين، لكنه رفض الحضور كذلك مشيراً إلى أن سرعة ترتيب الاجتماع تعني أنه «لم تكن هناك ترتيبات كافية، ولا تخطيط وافٍ لعقد اجتماع بنّاء، يتطرق إلى السياسات».

ودعا الزيات البيت الأبيض إلى «السماح لمجموعات المجتمع المسلم باختيار الممثلين عنهم»، مضيفاً: «من إحدى المشاكل التي نواجهها باستمرار هي أن البيت الأبيض هو الذي يحدد الأشخاص الذين يريد لقاءهم... ونحن بحاجة إلى تمثيل أفضل يتم اختياره من قبل المجتمع المسلم. كما يجب وضع جدول أعمال وتحديد التوقعات بخصوص ما سيدور الحديث عنه، وما هي الإمكانيات المطروحة».

وشدّد الزيات على أنه لا يريد المشاركة في اجتماع لهدف ترويجي فحسب، قائلاً عن السياسة الأميركية حيال حرب غزة إن «السياسة لا تتغير، وقد مضى ستة أشهر. نحن في الواقع ندور في حلقة مفرغة».

الزيات لم يكن المسؤول الوحيد الذي رفض لقاء بايدن، فقد سبقه في قرار من هذا النوع مسؤولون من العرب الأميركيين في ولاية ميشيغان، منهم سام بيضون وهو مسؤول ديمقراطي في مقاطعة واين في الولاية. بيضون وجّه خلال حديثه مع «الشرق الأوسط» انتقادات لاذعة للبيت الأبيض بسبب دعوته للمسلمين الأميركيين لحفل إفطار، «في وقت لا تزال فيه حرب الإبادة الجماعية مستمرّة ضد الفلسطينيين، ومن دون أي وقف لإطلاق النار». وأضاف بيضون: «أنا متفاجئ أنهم فكّروا حتى في دعوة أشخاص إلى البيت الأبيض لتناول الطعام، فيما يتضور الفلسطينيون جوعاً».

وتحدّث بيضون عن رفضه لقاء مسؤولين في إدارة بايدن لدى زيارتهم ميشيغان، قائلاً: «أرفض لقاء أي شخص في إدارة بايدن، رغم أني أؤمن بالحوار. لكن يبدو أن دعواتنا لوقف إطلاق النار لا تلقى آذاناً مصغية. وإلى أن يكون هناك وقف دائم لإطلاق النار واحترام لإنسانية الشعب الفلسطيني، ليس هناك أي شيء للحديث عنه».

شروط يتفق معها الزيات الذي عدّد لائحة من المطالب التي يجب على إدارة بايدن الالتزام بها. وقال: «أولاً، يجب أن يكون هناك وقف فوري ودائم لإطلاق النار. ثانياً، إيصال المساعدات الإنسانية. ثالثاً، نحتاج إلى إعادة تفعيل (الأونروا) واستئناف تمويلها الذي يعد قطعه كارثياً. ورابعاً، وهذا الأهم، إذا لم يتم التوقف عن استهداف المدنيين والحرص على إيصال المساعدات ووقف إطلاق النار، فعلى الولايات المتحدة أن تضع شروطاً على المساعدات لإسرائيل، وأن تُعلّق تسليم الأسلحة الهجومية».

بايدن ونتنياهو في تل أبيب في 18 أكتوبر 2023 (رويترز)

انتقادات وصفقات أسلحة

ويوجّه المعارضون لسياسة بايدن تجاه إسرائيل انتقادات لاذعة بخصوص الاستمرار في تزويد تل أبيب بالأسلحة والمساعدات العسكرية، رغم عدم التوافق العلني بين بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو ما تحدث عنه بيضون الذي قال بلهجة غاضبة: «كيف يمكن أن يستمع (نتنياهو) إلى الإدارة إذا كافأته بصفقة أسلحة جديدة؟!»، وذلك في إشارة إلى صفقة الأسلحة المرتقبة مع إسرائيل والتي وصلت قيمتها إلى 18 مليار دولار، مضيفاً: «ها نحن نرسل المساعدات الإنسانية عبر الجو إلى غزة، وفي الوقت نفسه نعطي إسرائيل القنابل ومقاتلات إف - 35. هذا نفاق، لا بل هذه قمة النفاق».

ويرى السفير الأميركي السابق إلى المغرب، إدوارد غابرييل الذي يترأس «مجموعة العمل الأميركية من أجل لبنان»، أن الحديث عن صفقة أسلحة جديدة مع إسرائيل في الوقت الحالي هو أمر «رهيب». ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «ما يجب على الإدارة فعله فوراً هو وضع شروط على المساعدات. والقول لإسرائيل: هذا يكفي».

وأشار غابرييل إلى أن نتنياهو «ليس صديق الرئيس الأميركي، ولا صديق الولايات المتحدة، فكل ما يفعله هو تحدينا».

من ناحيته، يشير بول سالم، مدير معهد الشرق الأوسط، إلى أن الإدارة الأميركية، ورغم التغيير في لهجتها تجاه إسرائيل، فإنها لم توظّف أي ضغوط على تل أبيب، خاصة فيما يتعلق بالأسلحة. وقال سالم لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الأميركية تدلي بتصريحات علنية، فتمتنع عن التصويت في الأمم المتحدة وتُشدّد على المساعدات الإنسانية وهذه أمور جيدة، لكن هذا لا يعد استعمالاً لأي نوع من الضغوط، كتعليق المساعدات مثلاً».

ويضيف سالم متحدثاً عن نتنياهو: «إنه يعرف أميركا جيداً، ويعرف الكونغرس والسياسة الأميركية، ويستمر في تحدي إدارة بايدن بشكل علني؛ لأنه يعرف أنه يستطيع فعل ذلك كما فعل مع أوباما من دون أي عواقب».

ويشدد الزيات على أن نتنياهو قد يتجاهل بايدن «ويقوم بما يحلو له»، لكن على الإدارة ألا تعزز هذا التصرف، وأن تفرض شروطاً على المساعدات العسكرية «التزاماً بالقوانين الأميركية والدولية».

يواجه بايدن غضب الناخبين المسلمين والعرب بسبب سياسته في غزة (رويترز)

هل يخسر بايدن الأصوات العربية والمسلمة؟

ومع تنامي معارضة الأميركيين العرب والمسلمين لسياسة بايدن تجاه إسرائيل، يُحذّر الكثيرون من تداعيات هذه المعارضة على الانتخابات الأميركية، وحظوظه في انتزاع ولاية ثانية.

وينقل غابرييل صورة الوضع عبر حديثه مع الجالية العربية الأميركية، فيقول: «إنهم غاضبون جداً. لا أعتقد أنه يريدون التصويت لترمب، لكنهم كانوا واضحين بأنهم لن يصوتوا لبايدن في حال لم يكن هناك تغيير جذري في سياسته». ويشير غابرييل إلى أن المسؤولين الذين تحدث معهم في إدارة بايدن «لا يبدو أنهم يفهمون جدية الوضع، وخطورة رد الفعل في الولايات المتحدة على سياسة الإدارة في إسرائيل وغزة».

وهذا ما يتحدث عنه بيضون الذي أشار إلى غياب الدعم لبايدن في صفوف العرب والمسلمين في ميشيغان. فقال: «لأكون صريحاً، لا أرى أن أي أميركي عربي أو مسلم في ميشيغان سيصوت لصالح بايدن في نوفمبر (تشرين الثاني)، إلا إذا غيّر مساره بشكل جذري. وأنا لا أرى ذلك يحدث. وهذا أمر مؤسف».

ويشير سالم إلى أهمية الولايات المتأرجحة في هذا السباق المتقارب بين بايدن وترمب، متحدّثاً عن أهمية ولاية ميشيغان في هذا الإطار. ويوضّح: «تشير الاستطلاعات إلى تقدّم ترمب على بايدن، إذاً المخاطر بالنسبة للإدارة كبيرة جداً. ويبقى السؤال للمعارضين: إذا كان لديكم الخيار بين بايدن وترمب، فمن ستختارون؟».

وهذا ما يجيب عنه الزيات الذي شارك مع «الشرق الأوسط» تقييم منظمة «إيمغايج» حيال الانتخابات، مرجّحاً أن بايدن «سيخسر عدداً كبيراً من الناخبين المسلمين في نوفمبر؛ لأن منهم من سيبقى في المنزل ولن ينتخب، ومنهم من سيصوت لصالح مرشح حزب ثالث». ويُحذّر: «إن لم يغير من سياسته، فسوف يخسر المزيد»، مشيراً إلى وجود أكثر من مليوني ناخب مسلم في 12 ولاية.


مقالات ذات صلة

شبح هجوم إسرائيلي يخيّم على بغداد

المشرق العربي أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»

شبح هجوم إسرائيلي يخيّم على بغداد

يخيّم شبح هجوم إسرائيلي واسع على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شن ضربات جوية على البلاد.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي مقر المحكمة الجنائية في لاهاي (أ.ف.ب)

تقرير: ترمب قد يفرض عقوبات على مدعي «الجنائية الدولية» رداً على مذكرة اعتقال نتنياهو

قالت صحيفة «تليغراف» البريطانية إن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يفكر في فرض عقوبات على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية البريطاني كريم خان

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

تقرير: ترمب سيشرف شخصياً على المفاوضات بشأن أزمة غزة

قالت كارولين ليفيت، التي أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب أنها ستكون متحدثةً باسم البيت الأبيض، لموقع «أكسيوس»، إن ترمب سيشرف شخصياً على المفاوضات

المشرق العربي مبنى مدمّر نتيجة القصف الإسرائيلي في جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

«القسام»: مقتل أسيرة في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة

أعلن المتحدث باسم «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» الفلسطينية، أبو عبيدة، اليوم (السبت)، مقتل أسيرة إسرائيلية في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»

«جرس إنذار» في العراق من هجوم إسرائيلي واسع

ينشغل الفضاء السياسي والشعبي العراقي بصورة جدية هذه الأيام باحتمالات توسيع إسرائيل دائرة حربها؛ لتشمل أهدافاً كثيرة في عموم البلاد.

فاضل النشمي (بغداد)

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

TT

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)
تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)

ترمب «رمز للسلام وقاهر الحروب»، هكذا صوّر الرئيس المنتخب نفسه في حملته الانتخابية التي مهّدت لولايته الثانية في البيت الأبيض. فالرئيس الـ47 انتزع الفوز من منافسته الديمقراطية، بانياً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية وهي على مشارف عامها الثالث.

يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، خطط ترمب لإنهاء النزاعات، ودلالات اختياره وجوهاً معيّنة في إدارته لديها مواقف متناقضة بعض الأحيان في ملفات السياسة الخارجية.

التصعيد في المنطقة

دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز)

تعهّد الرئيس الأميركي المنتخب بإنهاء الحروب ووقف التصعيد المستمر في المنطقة. ومع استمرار الحرب في غزة ولبنان، تعتبر دانا ستراول، نائبة وزير الدفاع سابقاً لشؤون الشرق الأوسط ومديرة الأبحاث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أنه لا يزال من المبكّر قراءة المشهد في إدارة ترمب المستقبلية، مشيرة إلى أن الرئيس المنتخب «وعد بإحلال سلام في منطقة لم تنعم بالسلام أبداً». وتقول ستراول: «دونالد ترمب يعد بإحلال السلام في المنطقة من جهة، لكنه يعد من جهة أخرى بالدعم القاطع لإسرائيل. وهذا يُعدّ مشكلةً حقيقية؛ لأن من الأمور التي يجب أن تحصل لتحقيق السلام إعطاء الأولوية للمدنيين الفلسطينيين في غزة، والمدنيين اللبنانيين في لبنان، والحرص على وصول المساعدات الإنسانية لهؤلاء وتوفير الأمن لهم وما يحتاجون إليه من قادتهم. لكن ذلك سيتطلّب قرارات صعبة في إسرائيل. والسؤال الأكبر برأيي هو ما إذا كان دونالد ترمب يستطيع دفع هؤلاء القادة على الاتفاق هذه المرة، وهم لم يتفقوا أبداً في السابق».

ويتحدث كيفن بارون، الصحافي المختص بالشؤون العسكرية والمدير التحريري السابق في «Politico Live»، عن تحديات كثيرة يواجهها فريق ترمب الذي اختاره لقيادة السياسة الخارجية، مشيراً إلى أنه مؤلّف من «مزيج من التقليديين الذين يرغبون في علاقات قديمة الطراز مع الشرق الأوسط والقادة هناك، وبين من هم أكثر تقدماً ويبحثون عن مهاجمة إيران، والرد بالمثل وتغيير الديناميكية التي برأيهم كانت لينة جداً خلال السنوات الأربع الماضية تحت جو بايدن».

ويتساءل بارون: «هل ستتمكن هاتان المجموعتان من الالتقاء في الوسط؟» ويعطي بارون مثالاً «معرقلاً للسلام» في فريق ترمب، وهو السفير الأميركي المعيّن في إسرائيل، مايك هاكابي، الداعم بشدة لتل أبيب والرافض للاعتراف بالضفة الغربية وحقوق الفلسطينيين. ويقول بارون: «إن تعيين مايك هاكابي مثال جيد هنا، فهو داعم قوي لدولة إسرائيل مهما كلّف الأمر. لكنه يدعمها من وجهة نظر معينة؛ فهو مسيحي قومي وهو جزء من حركة متنامية ومجموعة من الأميركيين المسيحيين الذين يشعرون بأن وجود علاقة قوية مع دولة إسرائيل اليهودية أفضل من عدم وجودها لأسباب دينية».

ترمب والسفير المعين في إسرائيل مايك هاكابي خلال حدث انتخابي في بنسلفانيا 12 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وهنا يسلّط ريتشارد لوبارون، السفير الأميركي السابق إلى الكويت ونائب مدير البعثة الأميركية إلى تل أبيب سابقاً وكبير الباحثين في معهد «ذي أتلانتيك»، الضوء على سياسة الرؤساء الأميركيين بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط، مذكراً بأنهم لا يريدون تورطاً عميقاً في المنطقة. ويتحدث عن ترمب بشكل خاص فيقول: «ترمب لم يُنتخب من قبل أشخاص يهتمون بالشرق الأوسط، بل انتخبه الأشخاص الذين يرغبون بجعل أميركا عظيمة مجدداً، وهذه وجهة نظر انعزالية. لذا أعتقد أنه سيضغط للتوصل إلى حلول تخرج الولايات المتحدة من مستوى تورطها الحالي في الشرق الأوسط، لا أعتقد أنه سيكون متعاطفاً مع التورط في صراعات كبرى، وسيرغب بالحفاظ على أسعار منخفضة للنفط بسبب تأثير ذلك على الداخل. لكنه سيفاجأ على غرار معظم الرؤساء الأميركيين بقدرة الشرق الأوسط على جذبهم إلى داخله رغم جهود البقاء بعيداً».

ترمب يعتمر قبعة تحمل شعار «اجعل أميركا عظيمة مجدداً» (أ.ف.ب)

وتوافق ستراول مع مقاربة الانعزالية في فريق ترمب، مشيرة إلى وجود وجوه كثيرة ضمن فريقه من الداعمين للانعزالية الذين يسعون للتركيز على الوضع الداخلي و«جعل أميركا عظيمة مجدداً»، وأن هؤلاء سيعملون على تقليص الدور العسكري للولايات المتحدة حول العالم، ومنح دولارات دافعي الضرائب الأميركيين لأي بلد.

لكن ستراول تُذكّر في الوقت نفسه بأن العامل المشترك في فريق ترمب الذي اختاره، هو أنه «يريد من الفريق المحيط به أن يفكّر فيه هو وفي ما يريده». وتفسر قائلة: «ما نعلمه من رئاسته الأولى هو أن ما يريده أو ما يفكّر به قد يتغير من يوم إلى آخر، ومن ساعة إلى أخرى. هذا النوع من الغموض عادة ما لا يكون جيداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وبالنسبة إلى الحلفاء والشركاء في أماكن مثل الشرق الأوسط، وهي أماكن نريد التعاون معها. فهم يطلبون قيادة أميركية يمكن الاتكال عليها ومستقرة. وبرأيي، استناداً إلى الفريق الذي يتم تشكيله حتى الآن، حيث يقوم أناس مختلفون بقول أشياء مختلفة وعقد اجتماعات مختلفة، فإنه من غير الواضح إن كانوا سيتمكنون في الواقع من العمل بعضهم مع بعض».

تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

وضمن الحديث عن حلول واستراتيجيات في المنطقة، يعرب لوبارون عن تشاؤمه من فرص التوصل إلى حلّ الدولتين، مُرجّحاً أن تقوم إسرائيل «بضم الأراضي المحتلة والضفة الغربية بموافقة أميركية، أو حتى من دونها». ويضيف السفير السابق: «هناك أيضاً احتمال استمرار وجود انقسام في إسرائيل حول هذه القضايا، وسنضطر إلى التدخل بسبب علاقتنا. أعتقد أن هناك مسائل وجودية بحتة ينبغي أن تواجهها إسرائيل حول ماذا تريد أن تصبح بعد 5 إلى 10 سنوات، أو حتى بعد 20 أو 50 سنة. هل تريد أن تصبح دولة ديمقراطية؟ أو أن تكون متورطة في صراع إلى الأبد في الشرق الأوسط؟ أو هل تريد التوصل إلى سلام حقيقي يحترم الآمال الفلسطينية؟».

ويُفسر لوبارون أسباب استمرار الحرب في لبنان وغزة فيقول: «من الأسباب المحزنة لاستمرار الحرب في لبنان وفي غزة أن نتنياهو لا يمكنه الاستغناء عن الحرب، وهذه إحدى مشاكل علاقته مع ترمب. فترمب لا يريد الحرب، لكن نتنياهو يحتاج إليها وسيكون من المثير للاهتمام مشاهدة كيف سيقوم الاثنان على الاتفاق خلال الـ6 أشهر أو السنة المقبلة. لكن لحظة الحساب قادمة في إسرائيل، وهي تأجلت بسبب النزاع. سيكون لها نتائج كبيرة، وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى إن كان ترمب سيقرر اللعب في السياسة الإسرائيلية المحلية كما فعل نتنياهو في السياسة المحلية الأميركية».

إيران وسياسة الضغط القصوى

تعهد ترمب باستعادة سياسة الضغط القصوى مع إيران (أ.ف.ب)

تلعب إيران دوراً بارزاً في التصعيد في المنطقة، ومع استعداد ترمب لتسلُّم الرئاسة في العشرين من يناير (كانون الثاني)، تزداد التساؤلات حول ما إذا كان سيعود إلى سياسة الضغط القصوى التي اعتمد عليها في إدارته الأولى. وهنا يتساءل بارون: «ترمب يعد بالانسحاب من الحروب الخارجية بينما يخوض حروباً خارجية فيما يتعلق بإيران». ويضيف: «إذن، ماذا يعني الضغط الأقصى على الإيرانيين؟ أتوقع أموراً مثل دعم نتنياهو وإسرائيل بالكامل حين يقومون بهجمات في لبنان وغيره من دون أي انتقاد، ومن دون أي قيود. قد يعني أيضاً القتال في أماكن مثل سوريا والعراق ومناطق أخرى لم نسمع عنها كثيراً علناً».

وهنا تشدد ستراول على أن سياسة الضغط القصوى هي «نشاط»، وليس هدفاً، وتفسر قائلة: «ما لم نره بعد من فريق ترمب هو تحديد أو عرض الهدف المثالي: هل الهدف احتواء البرنامج النووي الذي تم الاستثمار فيه بشكل كبير؟ هل الهدف التراجع عن هذا البرنامج أو تفكيكه أو القضاء عليه؟ هل الهدف صد دعم إيراني للإرهاب؟ لتحقيق ذلك، سيحتاج إلى أكثر من سياسة ضغط قصوى، وسيحتاج للتعاون مع حلفاء وشركاء أي أنه سينبغي أن يبذل جهوداً دبلوماسية، لأن الأمر لا يتعلّق فقط بما يمكن أن نقوم به عسكرياً، فسيتوجب عليه أن يرغب بإقامة حوار مع النظام في طهران على بعض النقاط».

الحرب الروسية - الأوكرانية

ترمب يصافح بوتين في مؤتمر صحافي في هلسنكي 16 يوليو 2018 (أ.ف.ب)

من الوعود التي أطلقها ترمب إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية في 24 ساعة. ويصف لوبارون الوضع الحالي بمثابة «رقصة بين بوتين وترمب للوصول إلى طريقة لإنهاء هذا النزاع». وأوضح: «لقد انضم زيلينسكي إلى تلك الرقصة مؤخراً. يجب أن نتذكر أن هذين الخصمين قد أرهقتهما الحرب، لا يمكنهما العثور على المزيد من العناصر من شعبهم للقتال، كما يريان أن تسلُّم ترمب الرئاسة سيضع حدوداً على الفترة التي يستطيعان فيها الاستمرار بهذه الحرب». ويرجّح السفير السابق أن تنتهي الحرب «بحل دبلوماسي غير مناسب وغير مرض لن يسعد أياً من الأطراف، على غرار كل الحلول الدبلوماسية. وهذا سيشكل نقطة يعلن فيها ترمب عن نجاحه ليقول: لقد أنهيت الحرب في أوكرانيا».

ويشير بارون إلى رفع إدارة بايدن الحظر عن أوكرانيا لاستعمال الأسلحة الأميركية في روسيا، فيقول إن «ما تغيّر هو أن ترمب فاز بالانتخابات، وهناك فترة شهرين سيسعى بايدن خلالهما لتقديم كل ما بوسعه إلى أوكرانيا؛ لأن الأمور ستتغير في 20 يناير عندما يتولى ترمب منصبه». ويضيف: «إذن، الفكرة هي التوفير لأوكرانيا أكبر قدر من الدفاعات الآن لكي ينتقلوا إلى طاولة المفاوضات».

وتوافق ستراول مع هذا التقييم قائلة: «إن هذا التصعيد الذي يجري حالياً هو فرصة لكل من الطرفين لكي يعززا موقفهما قبل تنصيب دونالد ترمب، الذي بدوره صرّح بأنه سيطالب أن ينضم الجميع إلى طاولة المفاوضات. وسيعمل على تقليل سلطة التفاوض الأوكرانية عبر التهديد بإيقاف المساعدات العسكرية».