هل ينجح المبعوث الخاص إلى السودان في مهمته؟

مسؤولون سابقون يتحدثون إلى «الشرق الأوسط» عن التحديات ودور مولي في «المعرقل»

لاجئون سودانيون يفرّون من مناطق النزاع في 14 فبراير 2024 (أ.ف.ب)
لاجئون سودانيون يفرّون من مناطق النزاع في 14 فبراير 2024 (أ.ف.ب)
TT

هل ينجح المبعوث الخاص إلى السودان في مهمته؟

لاجئون سودانيون يفرّون من مناطق النزاع في 14 فبراير 2024 (أ.ف.ب)
لاجئون سودانيون يفرّون من مناطق النزاع في 14 فبراير 2024 (أ.ف.ب)

مع تخبط السودان في أزماته وتنامي التحذيرات الدولية من تدهور الوضع الأمني والإنساني هناك، تسعى الإدارة الأميركية جاهدة لاحتواء الانتقادات الداخلية المتنامية لها حيال تعاطيها مع الأزمة. فعمدت إلى الاستجابة جزئياً إلى مطالب المشرعين الأميركيين الحثيثة عبر تعيين مبعوث خاص إلى السودان، هو السابع في غضون 23 عاماً، ليقع الخيار هذه المرة على توم بيريللو، نائب ديمقراطي سابق ومبعوث خاص سابق لمنطقة بحيرات أفريقيا العظمى في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.

المبعوث الخاص توم بيريللو (صورة رسمية من مجلس النواب)

وبطبيعة الحال، قوبل تعيين بيريللو في خضمّ الأزمة بالترحيب والتهليل من حلفاء الرئيس الأميركي جو بايدن، فسارع مستشاره للأمن القومي جايك سوليفان، إلى تسليط الضوء على «التزام الإدارة العميق بإنهاء النزاع والتطرق إلى الوضع الإنساني المتدهور بسرعة في السودان والمنطقة».

فيما أكّد وزير الخارجية أنتوني بلينكن، أن بيريللو سوف «ينسّق سياسة أميركا تجاه السودان، ويقدم جهود الولايات المتحدة لإنهاء الأعمال العدائية وتأمين وصول المساعدات الإنسانية ودعم الشعب السوداني في سعيه إلى تحقيق تطلعاته نحو الحرية والسلام والعدالة...».

تحديات وعراقيل

كلمات تحمل في واجهتها التزاماً لا لبس فيه لحل النزاع لكنها تُخفي في طياتها تعقيدات كثيرة تعكسها السياسة الأميركية تجاه السودان، التي لم تنجح حتى الساعة في حلحلة الأزمة، وهذا ما تحدث عنه كاميرون هادسون، كبير الموظفين السابق في مكتب المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، فقال لـ«الشرق الأوسط»: «رغم أن تعيين مبعوث خاص مخصص للسودان هو الخطوة الدبلوماسية الصحيحة في الوقت الحالي، فإنها لن تكون مؤثرة بالشكل اللازم إن لم يتم تعزيز سلطات المبعوث لقيادة المسار الداخلي للحكومة الأميركية والمحادثات الدبلوماسية مع السودان وأصحاب المصلحة هناك».

كبير الموظفين السابق في مكتب المبعوث الخاص للسودان كاميرون هادسون (معهد الدراسات الاستراتيجية الدولية)

وتابع هادسون محذراً: «إذا كان هدف هذه الخطوة مجرد محاولة من الإدارة لتهدئة الانتقادات المستمرة لواشنطن بسبب عدم تخصيصها الانتباه الكافي للأزمة، فهي لن تفشل فحسب بل ستجعل الوضع الميداني أسوأ بكثير».

ويوافق القائم بأعمال السفارة الأميركية في السودان سابقاً ألبرتو فرنانديز على مقاربة هادسون، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «أنا أشكك في تعيين المبعوثين الخاصِّين بشكل عام. فقد أصبحوا يجسدون محاولة واشنطن الظهور كأنها تهتمّ بملف معيّن من دون تحقيق الكثير فعلياً». ويفسر فرنانديز: «إن تعيينهم يهدف إلى إظهار صورة التقدم لكن من دون تحقيق نتائج فعلية...».

ويعكس كلام كلٍّ من هادسون وفرنانديز مشاعر ومخاوف الكثيرين في واشنطن من الذين يدعون منذ اندلاع الأزمة إلى تكثيف الجهود الدبلوماسية من جهة، والدفع باتجاه فرض العقوبات التي أقرها الكونغرس من جهة أخرى، بحق الجهات المسؤولة عن النزاع. فأغلبية المشرعين الأميركيين لا يريدون مبعوثاً خاصاً فحسب، بل يطالبون بمبعوث رئاسي يتمتع بالصلاحيات المطلوبة لتنفيذ مهامه، وبدا غضبهم واضحاً في بيان لاذع اللهجة من مشرعين جمهوريين على رأسهم كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية في الشيوخ جيم ريش، بعد الإعلان عن بيريللو، قال: «إن التعيين المؤقت لمبعوث خاص إلى السودان بعد 10 أشهر من بدء الحرب يجب ألا يُنظر إليه بوصفه اعترافاً من إدارة بايدن بأهمية الأزمة. على العكس فهو يدل على فشل آخر في تجاوبها مع الأزمة».

ويشرح البيان مقاربة المشرعين الذين دعوا الإدارة إلى تعيين مبعوث رئاسي يخضع لمصادقة الكونغرس بهدف إعطائه صلاحيات كافية للتصرف في الملف، فيقول: «الحرب لديها نتائج ضخمة على السودانيين الأبرياء وعلى كل المنطقة. لهذا السبب فقد بدأ الكونغرس بالدعوة لتعيين مبعوث خاص يتواصل مباشرةً مع الرئيس بتوافق بين الحزبين مباشرةً بعد بدء الحرب. ونأسف أنه وبعد مرور هذه الأشهر، فإن الإدارة فشلت في تعيين مبعوث رئاسي منصبه مستدام أكثر».

المبعوث الخاص السابق إلى السودان دونالد بوث (معهد ويلسون)

ويتحدث المبعوث الخاص السابق إلى السودان وجنوب السودان، دونالد بوث، إلى «الشرق الأوسط» عن دور المبعوث الخاص، فيشير إلى أنه «يجب أن يكون الشخص الأساسي للحديث مع أطراف النزاع بهدف انخراطهم، وهذا يشمل الأطراف المتقاتلة والمتأثرة بالنزاع، بالإضافة إلى الأطراف الخارجية التي تدعم الأطراف المتنازعة أو تحاول التوسط بينها أو تسهيل المفاوضات»، ويتابع بوث متحدثاً عن مثال السودان تحديداً فيقول: «في حالة السودان، من الصعب أن نرى القوات المسلحة السودانية و(قوات الدعم السريع) توافق على وقف القتال والالتزام بمسار سياسي إلى أن يصبح داعموهم مستعدين للضغط عليهم لفعل ذلك».

مولي في أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ أكتوبر 2023 (مجلس الشيوخ)

مولي في و«الدور المعرقِل»

وتتحدث مصادر في الكونغرس، رفضت الكشف عن اسمها نظراً لحساسية الموضوع، عن دور مولي في، مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية «المعرقل» في ملف السودان، مشيرةً إلى سيطرتها الكاملة على الملف، ومقاومتها لتسلم أي شخص آخر دفة إدارته. لكن رغم تحفظات المصادر هذه في الكشف عن اسمها، فإن فرنانديز لم يتردد في انتقاد في بشكل علني، فقال: «أنا شخصياً أعتقد أن الدور الذي لعبته مولي في كان مضراً جداً للسودان منذ الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021». وأضاف فرنانديز أنه ومع تعيين بيريللو اليوم سيكون السؤال: «مَن صاحب القرار الأخير في ملف السودان؟ بيريللو أم في التي تتمتع بنفوذ أكثر في وزارة الخارجية وفي الحكومة بشكل عام لتحديد سياسة السودان؟»، وأعرب فرنانديز عن مخاوفه من أن «يضطر بيريللو إلى إمضاء معظم وقته في مواجهة معارك بيروقراطية في واشنطن بدلاً من العمل على وقف المعارك الفعلية في السودان».

القائم بأعمال السفارة في السودان سابقاً ألبرتو فرنانديز (وزارة الخارجية)

وبالفعل فقد أدت هذه البيروقراطية إلى تأخير تعيين المبعوث الخاص رغم كل الدعوات من الحزبين في الكونغرس لضرورة حسم المسألة وتعيين شخص مسؤول رفيع المستوى عن الملف يحظى بمصادقة مجلس الشيوخ، ويتواصل مباشرة مع وزير الخارجية والبيت الأبيض.

وهذا ما أشار إليه بيان الجمهوريين الذين قالوا بشكل واضح: «وزارة الخارجية سوف تقول إنها اختارت تجنب مصادقة مجلس الشيوخ بسبب الوضع الطارئ (في السودان) لكنها أخّرت هذا القرار بسبب نقاشات داخلية حول الموارد والتراتبية وكيفية توظيف المنصب».

ويرى هادسون أن عدم انخراط مسؤولين رفيعي المستوى، مثل وزير الخارجية، لحل النزاع في السودان، وتكليف أشخاص مثل مولي في وغيرها، هو الذي أدى إلى غياب الحلحلة في الأزمة، فقال: «المشكلة هو أن ملف السودان ما كان يجب أن يتم تسليمه لدبلوماسيين متوسطي المستوى، الكثيرون منهم لا يتمتعون بأي خبرة في إدارة العمليات الانتقالية، أو يملكون سجلات ضعيفة في التجاوب مع النزاعات». وتابع هادسون: «السودان كبير جداً ومهم جداً ومعقد جداً وواشنطن لديها تاريخ كبير هناك كي تتركه بيد دبلوماسيين من المستوى الثاني...».

غودفري يؤدي قَسم اليمين لدى تسلمه منصبه في أغسطس 2022 (حساب السفارة الأميركية لدى السودان)

استقالات متتالية

ويشير المنتقدون لدور مولي في إلى الاستقالات المتتالية لمسؤولين في ملف السودان، من المبعوثين للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان، وديفيد ساترفيلد، وصولاً إلى السفير الأميركي لدى السودان جون غودفري الذي غادر منصبه بهدوء عبر إعلان خافت على موقع السفارة الأميركية لدى السودان، قال إنه «أنهى فترة خدمته». ليعود بلينكن بعد مرور أكثر من 24 ساعة على الإعلان ويشكر غودفري على خدمته بشكل مقتضب ضمن بيان الإعلان عن تعيين بيريللو، قال فيه: «السفير غودفري كان أساسياً في تقديم المصالح الأميركية في السودان».

ويقول هادسون إن «الباب الدوار الذي يخرج منه الدبلوماسيون الذين يزعمون الحديث عن السودان أظهر ضعفاً في الالتزام والتماسك من واشنطن، مما يهدد بالتالي ما نحاول تحقيقه في السودان».

وعن مغادرة غودفري، وهو أول سفير أميركي إلى السودان منذ أكثر من ربع قرن، يعقّب هادسون: «لقد أتى إلى منصبه بضجيج وغادر بأنين. إنه تقارُب صارخ بين طريقة الاحتفال بوصوله إلى السودان بوصفه بداية عهد جديد في العلاقات الثنائية، وبين طريقة الإعلان عن مغادرته، مما يُظهر التراجع الكبير في العلاقات...».

وحول حظوظ المبعوث الخاص الجديد في تحقيق أي انفراجة في الملف، يقول فرنانديز: «عملت مع 3 مبعوثين خاصين إلى السودان. وهناك تحديات كثيرة: معرفة المبعوث وخبرته، والوقت والجهد اللذين سيخصصهما للملف والدعم الذي تعطيه الإدارة للمبعوث، وهو أساسي». ويختم فرنانديز: «يمكن أن تكون هناك سياسات جيدة ومبعوث سيئ، لكن الحقيقة عادةً ما تعكس واقعاً معاكساً: السياسات غير واضحة أو غير واقعية، والصفات الشخصية للمبعوث لا تهم لأن المشكلة في السياسة».

أما المبعوث السابق دونالد بوث، فيشير إلى وظيفة مهمة في مهام المبعوث الخاص وهي «تنسيق مقاربة الولايات المتحدة للمساعدة على حل الصراع»، مضيفاً أنه كي ينجح في فعل ذلك فإنه يحتاج إلى أن يكون منخرطاً في المحادثات التي ترسم السياسات، وأن يتمتع بدعم مسؤولين رفيعي المستوى في الإدارة وبعلاقة جيدة مع مشرعين أساسيين وموظفيهم، بالإضافة إلى جالية مهمة من مجموعات المجتمع المدني.


مقالات ذات صلة

«الدعم السريع» تتهم الجيش السوداني بالاستعانة بخبراء من «الحرس الثوري» الإيراني

شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

«الدعم السريع» تتهم الجيش السوداني بالاستعانة بخبراء من «الحرس الثوري» الإيراني

توعدت «الدعم السريع» بمواصلة «العمليات الخاصة النوعية»، لتشمل «جميع المواقع العسكرية لميليشيات البرهان والحركة الإسلامية الإرهابية»، واعتبارها أهدافاً بمتناولها

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

تكثف مصر دعمها للسودان في إعادة الإعمار... وناقش ملتقى اقتصادي في القاهرة الاستثمارات المشتركة بين البلدين، والتعاون الاقتصادي، لتقليل تأثيرات وخسائر الحرب.

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

الجيش السوداني يعلن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من «قوات الدعم السريع»

أعلن الجيش السوداني، اليوم السبت، «تحرير» مدينة سنجة، عاصمة ولاية سنار، من عناصر «قوات الدعم السريع».

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أعلن الجيش السوداني اليوم (السبت) «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

TT

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)
تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)

ترمب «رمز للسلام وقاهر الحروب»، هكذا صوّر الرئيس المنتخب نفسه في حملته الانتخابية التي مهّدت لولايته الثانية في البيت الأبيض. فالرئيس الـ47 انتزع الفوز من منافسته الديمقراطية، بانياً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية وهي على مشارف عامها الثالث.

يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، خطط ترمب لإنهاء النزاعات، ودلالات اختياره وجوهاً معيّنة في إدارته لديها مواقف متناقضة بعض الأحيان في ملفات السياسة الخارجية.

التصعيد في المنطقة

دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز)

تعهّد الرئيس الأميركي المنتخب بإنهاء الحروب ووقف التصعيد المستمر في المنطقة. ومع استمرار الحرب في غزة ولبنان، تعتبر دانا ستراول، نائبة وزير الدفاع سابقاً لشؤون الشرق الأوسط ومديرة الأبحاث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أنه لا يزال من المبكّر قراءة المشهد في إدارة ترمب المستقبلية، مشيرة إلى أن الرئيس المنتخب «وعد بإحلال سلام في منطقة لم تنعم بالسلام أبداً». وتقول ستراول: «دونالد ترمب يعد بإحلال السلام في المنطقة من جهة، لكنه يعد من جهة أخرى بالدعم القاطع لإسرائيل. وهذا يُعدّ مشكلةً حقيقية؛ لأن من الأمور التي يجب أن تحصل لتحقيق السلام إعطاء الأولوية للمدنيين الفلسطينيين في غزة، والمدنيين اللبنانيين في لبنان، والحرص على وصول المساعدات الإنسانية لهؤلاء وتوفير الأمن لهم وما يحتاجون إليه من قادتهم. لكن ذلك سيتطلّب قرارات صعبة في إسرائيل. والسؤال الأكبر برأيي هو ما إذا كان دونالد ترمب يستطيع دفع هؤلاء القادة على الاتفاق هذه المرة، وهم لم يتفقوا أبداً في السابق».

ويتحدث كيفن بارون، الصحافي المختص بالشؤون العسكرية والمدير التحريري السابق في «Politico Live»، عن تحديات كثيرة يواجهها فريق ترمب الذي اختاره لقيادة السياسة الخارجية، مشيراً إلى أنه مؤلّف من «مزيج من التقليديين الذين يرغبون في علاقات قديمة الطراز مع الشرق الأوسط والقادة هناك، وبين من هم أكثر تقدماً ويبحثون عن مهاجمة إيران، والرد بالمثل وتغيير الديناميكية التي برأيهم كانت لينة جداً خلال السنوات الأربع الماضية تحت جو بايدن».

ويتساءل بارون: «هل ستتمكن هاتان المجموعتان من الالتقاء في الوسط؟» ويعطي بارون مثالاً «معرقلاً للسلام» في فريق ترمب، وهو السفير الأميركي المعيّن في إسرائيل، مايك هاكابي، الداعم بشدة لتل أبيب والرافض للاعتراف بالضفة الغربية وحقوق الفلسطينيين. ويقول بارون: «إن تعيين مايك هاكابي مثال جيد هنا، فهو داعم قوي لدولة إسرائيل مهما كلّف الأمر. لكنه يدعمها من وجهة نظر معينة؛ فهو مسيحي قومي وهو جزء من حركة متنامية ومجموعة من الأميركيين المسيحيين الذين يشعرون بأن وجود علاقة قوية مع دولة إسرائيل اليهودية أفضل من عدم وجودها لأسباب دينية».

ترمب والسفير المعين في إسرائيل مايك هاكابي خلال حدث انتخابي في بنسلفانيا 12 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وهنا يسلّط ريتشارد لوبارون، السفير الأميركي السابق إلى الكويت ونائب مدير البعثة الأميركية إلى تل أبيب سابقاً وكبير الباحثين في معهد «ذي أتلانتيك»، الضوء على سياسة الرؤساء الأميركيين بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط، مذكراً بأنهم لا يريدون تورطاً عميقاً في المنطقة. ويتحدث عن ترمب بشكل خاص فيقول: «ترمب لم يُنتخب من قبل أشخاص يهتمون بالشرق الأوسط، بل انتخبه الأشخاص الذين يرغبون بجعل أميركا عظيمة مجدداً، وهذه وجهة نظر انعزالية. لذا أعتقد أنه سيضغط للتوصل إلى حلول تخرج الولايات المتحدة من مستوى تورطها الحالي في الشرق الأوسط، لا أعتقد أنه سيكون متعاطفاً مع التورط في صراعات كبرى، وسيرغب بالحفاظ على أسعار منخفضة للنفط بسبب تأثير ذلك على الداخل. لكنه سيفاجأ على غرار معظم الرؤساء الأميركيين بقدرة الشرق الأوسط على جذبهم إلى داخله رغم جهود البقاء بعيداً».

ترمب يعتمر قبعة تحمل شعار «اجعل أميركا عظيمة مجدداً» (أ.ف.ب)

وتوافق ستراول مع مقاربة الانعزالية في فريق ترمب، مشيرة إلى وجود وجوه كثيرة ضمن فريقه من الداعمين للانعزالية الذين يسعون للتركيز على الوضع الداخلي و«جعل أميركا عظيمة مجدداً»، وأن هؤلاء سيعملون على تقليص الدور العسكري للولايات المتحدة حول العالم، ومنح دولارات دافعي الضرائب الأميركيين لأي بلد.

لكن ستراول تُذكّر في الوقت نفسه بأن العامل المشترك في فريق ترمب الذي اختاره، هو أنه «يريد من الفريق المحيط به أن يفكّر فيه هو وفي ما يريده». وتفسر قائلة: «ما نعلمه من رئاسته الأولى هو أن ما يريده أو ما يفكّر به قد يتغير من يوم إلى آخر، ومن ساعة إلى أخرى. هذا النوع من الغموض عادة ما لا يكون جيداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وبالنسبة إلى الحلفاء والشركاء في أماكن مثل الشرق الأوسط، وهي أماكن نريد التعاون معها. فهم يطلبون قيادة أميركية يمكن الاتكال عليها ومستقرة. وبرأيي، استناداً إلى الفريق الذي يتم تشكيله حتى الآن، حيث يقوم أناس مختلفون بقول أشياء مختلفة وعقد اجتماعات مختلفة، فإنه من غير الواضح إن كانوا سيتمكنون في الواقع من العمل بعضهم مع بعض».

تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

وضمن الحديث عن حلول واستراتيجيات في المنطقة، يعرب لوبارون عن تشاؤمه من فرص التوصل إلى حلّ الدولتين، مُرجّحاً أن تقوم إسرائيل «بضم الأراضي المحتلة والضفة الغربية بموافقة أميركية، أو حتى من دونها». ويضيف السفير السابق: «هناك أيضاً احتمال استمرار وجود انقسام في إسرائيل حول هذه القضايا، وسنضطر إلى التدخل بسبب علاقتنا. أعتقد أن هناك مسائل وجودية بحتة ينبغي أن تواجهها إسرائيل حول ماذا تريد أن تصبح بعد 5 إلى 10 سنوات، أو حتى بعد 20 أو 50 سنة. هل تريد أن تصبح دولة ديمقراطية؟ أو أن تكون متورطة في صراع إلى الأبد في الشرق الأوسط؟ أو هل تريد التوصل إلى سلام حقيقي يحترم الآمال الفلسطينية؟».

ويُفسر لوبارون أسباب استمرار الحرب في لبنان وغزة فيقول: «من الأسباب المحزنة لاستمرار الحرب في لبنان وفي غزة أن نتنياهو لا يمكنه الاستغناء عن الحرب، وهذه إحدى مشاكل علاقته مع ترمب. فترمب لا يريد الحرب، لكن نتنياهو يحتاج إليها وسيكون من المثير للاهتمام مشاهدة كيف سيقوم الاثنان على الاتفاق خلال الـ6 أشهر أو السنة المقبلة. لكن لحظة الحساب قادمة في إسرائيل، وهي تأجلت بسبب النزاع. سيكون لها نتائج كبيرة، وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى إن كان ترمب سيقرر اللعب في السياسة الإسرائيلية المحلية كما فعل نتنياهو في السياسة المحلية الأميركية».

إيران وسياسة الضغط القصوى

تعهد ترمب باستعادة سياسة الضغط القصوى مع إيران (أ.ف.ب)

تلعب إيران دوراً بارزاً في التصعيد في المنطقة، ومع استعداد ترمب لتسلُّم الرئاسة في العشرين من يناير (كانون الثاني)، تزداد التساؤلات حول ما إذا كان سيعود إلى سياسة الضغط القصوى التي اعتمد عليها في إدارته الأولى. وهنا يتساءل بارون: «ترمب يعد بالانسحاب من الحروب الخارجية بينما يخوض حروباً خارجية فيما يتعلق بإيران». ويضيف: «إذن، ماذا يعني الضغط الأقصى على الإيرانيين؟ أتوقع أموراً مثل دعم نتنياهو وإسرائيل بالكامل حين يقومون بهجمات في لبنان وغيره من دون أي انتقاد، ومن دون أي قيود. قد يعني أيضاً القتال في أماكن مثل سوريا والعراق ومناطق أخرى لم نسمع عنها كثيراً علناً».

وهنا تشدد ستراول على أن سياسة الضغط القصوى هي «نشاط»، وليس هدفاً، وتفسر قائلة: «ما لم نره بعد من فريق ترمب هو تحديد أو عرض الهدف المثالي: هل الهدف احتواء البرنامج النووي الذي تم الاستثمار فيه بشكل كبير؟ هل الهدف التراجع عن هذا البرنامج أو تفكيكه أو القضاء عليه؟ هل الهدف صد دعم إيراني للإرهاب؟ لتحقيق ذلك، سيحتاج إلى أكثر من سياسة ضغط قصوى، وسيحتاج للتعاون مع حلفاء وشركاء أي أنه سينبغي أن يبذل جهوداً دبلوماسية، لأن الأمر لا يتعلّق فقط بما يمكن أن نقوم به عسكرياً، فسيتوجب عليه أن يرغب بإقامة حوار مع النظام في طهران على بعض النقاط».

الحرب الروسية - الأوكرانية

ترمب يصافح بوتين في مؤتمر صحافي في هلسنكي 16 يوليو 2018 (أ.ف.ب)

من الوعود التي أطلقها ترمب إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية في 24 ساعة. ويصف لوبارون الوضع الحالي بمثابة «رقصة بين بوتين وترمب للوصول إلى طريقة لإنهاء هذا النزاع». وأوضح: «لقد انضم زيلينسكي إلى تلك الرقصة مؤخراً. يجب أن نتذكر أن هذين الخصمين قد أرهقتهما الحرب، لا يمكنهما العثور على المزيد من العناصر من شعبهم للقتال، كما يريان أن تسلُّم ترمب الرئاسة سيضع حدوداً على الفترة التي يستطيعان فيها الاستمرار بهذه الحرب». ويرجّح السفير السابق أن تنتهي الحرب «بحل دبلوماسي غير مناسب وغير مرض لن يسعد أياً من الأطراف، على غرار كل الحلول الدبلوماسية. وهذا سيشكل نقطة يعلن فيها ترمب عن نجاحه ليقول: لقد أنهيت الحرب في أوكرانيا».

ويشير بارون إلى رفع إدارة بايدن الحظر عن أوكرانيا لاستعمال الأسلحة الأميركية في روسيا، فيقول إن «ما تغيّر هو أن ترمب فاز بالانتخابات، وهناك فترة شهرين سيسعى بايدن خلالهما لتقديم كل ما بوسعه إلى أوكرانيا؛ لأن الأمور ستتغير في 20 يناير عندما يتولى ترمب منصبه». ويضيف: «إذن، الفكرة هي التوفير لأوكرانيا أكبر قدر من الدفاعات الآن لكي ينتقلوا إلى طاولة المفاوضات».

وتوافق ستراول مع هذا التقييم قائلة: «إن هذا التصعيد الذي يجري حالياً هو فرصة لكل من الطرفين لكي يعززا موقفهما قبل تنصيب دونالد ترمب، الذي بدوره صرّح بأنه سيطالب أن ينضم الجميع إلى طاولة المفاوضات. وسيعمل على تقليل سلطة التفاوض الأوكرانية عبر التهديد بإيقاف المساعدات العسكرية».