تواجه نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، خلال مشاركتها في مؤتمر ميونيخ للأمن بألمانيا الذي يبدأ أعماله الجمعة، مهمة صعبة هي طمأنة الحلفاء إلى أن الولايات المتحدة «لا تزال ملتزمة بالدفاع عن أمن دول حلف (الناتو)» بعد تصريحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، المرشح الأوفر حظاً للفوز بترشيح الحزب الجمهوري لخوض السباق الرئاسي، من أنه «لن يدافع عن الدول الحلفاء في حلف (الناتو) في حال تعرضهم لهجوم من روسيا، إذا لم يدفعوا ما يكفي في الميزانيات الدفاعية».
ويطغى تهديد ترمب على أعمال مؤتمر ميونيخ، حيث يشكل الالتزام الأميركي بالدفاع حجر الزاوية في المعاهدة التأسيسية لحلف شمال الأطلسي وقفاً للمادة الخامسة من ميثاق الحلف، والتي اكتسبت أهمية إضافية منذ الهجوم الروسي الشامل على أوكرانيا في عام 2022.
وقد اختار الرئيس بايدن عدم المشاركة في المؤتمر السنوي، وأرسل نائبته التي ستلقي صباح الجمعة خطابات تحت عنوان «أهمية الوفاء بدور الولايات المتحدة في القيادة العالمية»، وتتناول في كلمتها ركائز السياسة الخارجية الأميركية فيما يتعلق بأمن حلف «الناتو»، والدفاع عن أوكرانيا، كما ستتطرق إلى الحرب الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة.
أوكرانيا وغزة والصين
وتشارك هاريس في المؤتمر للمرة الثالثة، بعد أن مثلت الولايات المتحدة في عامي 2022 و2023. وينظر قادة الدول المشاركة إلى رسالة الولايات المتحدة هذا العام باهتمام كبير؛ لأنها تأتي في خضم الاضطرابات السياسية التي تواجه الولايات المتحدة والسباق الانتخابي الساخن لتقرير من سيتولى القيادة خلال السنوات الأربع المقبلة في البيت الأبيض. وهناك مخاوف واسعة النطاق إزاء قدرة واشنطن على الاستمرار في تقديم مليارات الدولارات بوصفها مساعداتٍ دفاعية لأوكرانيا، والقلق حول السياسات الأميركية بشأن دعمها للحرب الإسرائيلية في غزة، وتصاعد الاضطرابات في الشرق الأوسط، إضافة إلى التساؤلات حول طموحات الصين العسكرية في تايوان.
وتتزايد مخاوف الدول الأعضاء في حلف «الناتو» مع استطلاعات الرأي التي تظهر تقارباً ومنافسة شديدة في مباراة العودة بين ترمب والرئيس جو بايدن في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، والتساؤلات في حال فوز ترمب أن يمضي في مسار يقوض جوهر العمل الدفاعي المشترك لحلف «الناتو».
وقد سارع الرئيس الأميركي جو بايدن إلى انتقاد تصريحات ترمب بشأن «الناتو»، ووصفها بأنها «خطيرة» و«غير أميركية»، وتثير الشكوك بين الشركاء حول موثوقية الولايات المتحدة في المستقبل على المسرح العالمي. وقال البيت الأبيض إن هاريس ستستغل ارتباطاتها في ميونيخ للتأكيد «على أن إدارة بايدن لا تزال تدعم بقوة حلف شمال الأطلسي».
وقال مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، يوم الأربعاء، لبايدن إن التحالف «أقوى وأكثر حيوية مما كان عليه منذ 75 عاماً، بعد أن أضيفت فنلندا للتو، وعلى وشك إضافة السويد». وأشار أيضاً إلى أنه منذ أن تولى بايدن منصبه، ارتفع التحالف من تسعة أعضاء أوفوا بالتزامهم بإنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، إلى 18 هذا الشهر.
وقد أثارت تصريحات ترمب كثيراً من الانتقادات اللاذعة، وهاجم المستشار الألماني أولاف شولتس ترمب قائلاً إن «أي تخفيض نسبي لضمان دعم (الناتو) هو أمر غير مسؤول وخطير، ويصب في مصلحة روسيا وحدها، ولا يمكن لأحد أن يتلاعب مع أمن أوروبا».
وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ إن تعليقات مثل دعوة ترمب للتشكيك في مصداقية الالتزام الأمني الجماعي لحلف «الناتو» - المادة 5 من المعاهدة التأسيسية للمنظمة، والتي تنص على أن أي هجوم على أي دولة عضو سيقابل برد من جميع الدول الأعضاء. وأضاف: «فكرة (الناتو) بأكملها هي أن الهجوم على حليف واحد سيؤدي إلى رد فعل من الحلف بأكمله، وما دمنا نقف وراء هذه الرسالة معاً، فإننا نمنع أي هجوم عسكري على أي حليف؛ أي إشارة إلى أننا لا ندافع عن بعضنا البعض، أو أننا لن نحمي بعضنا البعض، فهذا يقوض أمننا جميعاً».
وحينما سئل عما إذا كانت تصريحات ترمب تعني أن على الدول الأوروبية الاستعداد لانسحاب أميركي من حلف (الناتو) قال ستولتنبرغ «هذا سيعتمد على الكيفية التي ستنتهي بها الانتخابات الأميركية». ويعقد مؤتمر ميونيخ للأمن في الوقت الذي تدخل فيه حرب إسرائيل ضد حركة «حماس» في غزة شهرها الخامس، ومن المقرر أن يشارك الرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتسوغ، ورئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية في المؤتمر، إضافة إلى عائلات الرهائن الإسرائيليين المحررين وعائلات الرهائن الذين لا يزالون محتجزين.
ويرافق نائبة الرئيس كامالا هاريس، وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى المؤتمر ووزير الأمن الداخلي أليخاندرو مايوركاس، بعد أيام فقط من عزله من قبل مجلس النواب الذي يقوده الجمهوريون. ويعمل الثلاثة على التأكيد على القيادة الأميركية، وكيفية مواجهة التحديات غير المسبوقة للقواعد واللوائح العالمية التي دافعت عنها الولايات المتحدة. ويفتتح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أعمال المؤتمر والذي يشارك فيه كبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ بي، والمستشار الألماني أولاف شولتس، ورئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين، ورؤساء حكومات لبنان وقطر والعراق، ويعقد وزراء مجموعة السبع اجتماعاً على هامش المؤتمر، وسط درجة عالية من التشاؤم لدى الدول الغربية بشأن آفاق الأمن والازدهار الاقتصادي.