حروب أميركا و«لغز» وزير الدفاع

دعوات للمحاسبة «بالإقالة أو الاستقالة»

وزير الدفاع في المركز السادس على خط خلافة الرئيس (رويترز)
وزير الدفاع في المركز السادس على خط خلافة الرئيس (رويترز)
TT

حروب أميركا و«لغز» وزير الدفاع

وزير الدفاع في المركز السادس على خط خلافة الرئيس (رويترز)
وزير الدفاع في المركز السادس على خط خلافة الرئيس (رويترز)

​في الوقت الذي تنهمك الولايات المتحدة بأزمات المنطقة التي شهدت تصعيداً في الأيام الأخيرة مع تكثيف الحوثيين اعتداءاتهم في البحر الأحمر، والضربات الأميركية البريطانية في اليمن، ناهيك بالهجمات المتتالية من وكلاء إيران على المصالح الأميركية في المنطقة، تعيش الإدارة في دوامة فضائح داخلية مصدرها هذه المرة: البنتاغون، تحديداً وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن.

السؤال: هل سلّم أوستن الواجبات والمسؤولية بشكل صحيح إلى نائبته لكي لا تُكسر سلسلة القيادة خلال هذه الفترة؟ (أ.ف.ب)

فلغز إخفاء أوستن وضعه الصحي المتدهور أياماً عن الرئيس الأميركي جو بايدن، وغيره من المسؤولين، في وقت حساس للغاية من الناحية الأمنية، زعزع توازن البيت الأبيض ودفع بالكثيرين إلى المطالبة باستقالته.

يستعرض تقرير واشنطن وهو ثمرة تعاون بين «الشرق الأوسط» و«الشرق»، أسباب إخفاء أوستن وضعه الصحي عن البيت الأبيض وما إذا كان «سوء تقديره» سيؤدي إلى إقالته أو استقالته، بالإضافة إلى تأثير غيابه غير المعلن على أمن الولايات المتحدة.

يواجه لويد أوستن دعوات بالاستقالة بسبب إخفائه وضعه الصحي (رويترز)

لماذا أخفى أوستن وضعه الصحي؟

يقول جيم تاونسند، نائب مساعد وزير الدفاع السابق وكبير الباحثين في مركز الأمن الأميركي الجديد، إنه على ما يبدو فإن الموظفين في البنتاغون الذين قرروا الالتزام بتعليمات أوستن وعدم الإبلاغ عن وضعه الصحي ظنوا أن مجريات الأمور ستكون سريعة وأنهم سيتمكنون من عدم تسليط الوضع على القضية، «إلا أنه ومع تطوّر الأحداث، أصبح هذا الأمر مستحيلاً ولم يتمكّن الموظفون من التحكّم بمجريات الأمور».

ويشير الجنرال المتقاعد مارك كيميت، مساعد وزير الخارجية السابق، والنائب السابق لمساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط، إلى معرفته الوطيدة بأوستن خلال خدمتهما في الجيش الأميركي فيقول: «برأيي لم يكن هناك أي سوء تقدير من ناحية لويد أوستن، فأنا أعرفه منذ سنوات كثيرة وخدمنا معاً في الجيش... أعتقد أن سبب رغبته في التكتم على هذا الأمر هو أنه لم يكن يرغب في إثقال كاهل الرئيس».

لكن رغم هذا التقييم، يرى كيميت أنه إن صحَّت التقارير ولم يتواصل الموظفون في البنتاغون مع نظرائهم في البيت الأبيض لإطلاعهم على مجريات الأحداث، «فهذا يدل على نوع من الانهيار في إجراءات البروتوكول الخاصة بالموظفين».

أما ليستر مانسن، كبير الموظفين في اللجنة الخارجية في مجلس الشيوخ سابقاً والشريك في مجموعة «BGR» للعلاقات الحكومية، فيرفض النظرية القائلة إن أوستن رجل يحب الخصوصية تحديداً في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة تحديات خارجية كبيرة، فيقول: «هناك تصوّر خاطئ لدى الوزير عن طبيعة مسؤولياته، فليس هناك ما تُعرف بالخصوصية عندما تكون وزيراً، وبالتأكيد ليس هناك مكان لأي خصوصية بالنسبة لشخص في هذا المنصب الرفيع بينما تتعرّض القوات الأميركية للهجوم حول العالم».

المتحدث باسم البنتاغون بات رايدر يواجه أسئلة الصحافيين حول صحة أوستن في 9 يناير 2024 (أ.ب)

خصوصية في عهد الأزمات؟

وشدد مانسن على أهمية الشفافية في هذه القضية مؤكداً ضرورة أن تكون هناك عواقب «يتحملها الموظفون الذين لم يتواصلوا مع زملائهم في البيت الأبيض وفي وكالات رئيسية أخرى حول ما يجري مع القيادة العليا لوزارة الدفاع». ويضيف: «من المهم أن نتذكّر أننا في خضمّ عدد من الأزمات حول العالم حالياً وليس هناك أي عذر لهذا الحد من الخصوصية. من أجل ضمان أفضل سير للأعمال في الحكومة الأميركية يجب أن تكون هناك مساءلة وشفافية وإلا فإننا سنقوم بأكبر الأخطاء وأكثرها سوءاً».

ويوافق تاونسند على أهمية الشفافية لكنه رجّح أن يكون الموظفون في البنتاغون قد فقدوا السيطرة على مجريات الأحداث لأنهم لم يتوقعوا المضاعفات في صحة أوستن، مضيفاً: «كما نعلم أن رئيسة الموظفين كانت تعاني الإنفلونزا، ونائبة وزير الدفاع كانت في إجازة... إذاً كان هناك بعض العوامل التي حالت دون تعزيز التواصل ضمن فريق العمل».

بايدن بين وزيرَي الخارجية والدفاع في البيت الابيض 2 أكتوبر 2023 (رويترز)

لكنّ كيميت يرفض إلقاء اللوم على وزير الدفاع ومطالبات البعض له في الكونغرس بالاستقالة فيقول: «إن وزير الدفاع هو في المركز السادس في خط خلافة الرئيس، بينما رئيس مجلس النواب في المركز الثالث، وأنا لست متأكداً أن أعضاء الكونغرس قد قاموا بالتدقيق نفسه الذي يدعون إليه الآن، فأنا لست متأكداً أنه جرى إعلامنا في كل مرة دخلت فيها نانسي بيلوسي المستشفى مثلاً...».

ويرفض مانسن هذه المقارنة فيشير إلى أن الأمر ليس متعلقاً بخط خلافة الرئيس الأميركي «لكنّه يتمحور حول طمأنة الكونغرس الذي يشرف على أعمال وزارة الدفاع والبيت الأبيض بالإضافة إلى طمأنة الشعب الأميركي إلى أن صناع السياسات في المناصب الرئيسية مستعدون للقيام بعملهم في أي لحظة».

ويضيف مانسن: «المشكلة الحقيقية هنا هي عدم كشف الحقائق، وعدم القيام بذلك قد أدى إلى طرح الأسئلة وتعريض الإدارة للانتقاد ليس من الجمهوريين فحسب، بل من حزب الرئيس في الكونغرس».

فتح الكونغرس تحقيقات للاطلاع على خلفيات قضية أوستن (أ.ف.ب)

تحقيقات ومحاسبة

في ظل هذه التجاذبات، يذكّر تاونسند بفتح سلسلة من التحقيقات حول مجريات الأحداث في الكونغرس والبنتاغون والبيت الأبيض للتوصل إلى معطيات واضحة والحرص على عدم تكرار أمر من هذا النوع مجدداً، ويضيف: «من المهم أن نرى أنه قد جرى اتخاذ إجراءات لمنع حصول ذلك مجدداً، وكما نعلم أنه في البنتاغون وفي الجيش، من المهم أن يحترَم تسلسل القيادة. من المهم جداً أن ندرك جميعاً أن ذلك لن يؤثر في عمل البنتاغون مهما جرى، لذا يجب أن ننتظر صدور نتائج التحقيق لرؤية الإجراءات التي ستُتَّخَذ حيال هذا الموضوع».

ويتحدث كيميت عن وضع البنتاغون الخاص في هذه المسألة فيقول: «ننتمي أنا ولويد إلى منظمة يمكن للقائد في ساحة المعركة أن يقتَل ويجب على النائب أن يتولى المنصب مباشرةً. إذاً السؤال هنا، إنْ دخل أوستن المستشفى للخضوع لعملية جراحية بسيطة نوعاً ما، هل سلّم الواجبات والمسؤولية بشكل صحيح إلى نائبة وزير الدفاع لكي لا تُكسر سلسلة القيادة خلال هذه الفترة؟».

وأضاف كيميت: «آمل أن يسلط التحقيق الضوء على أمرين: هل استمرت مهام وزير الدفاع إمّا من الوزير نفسه وإما من نائبته؟ وإن كانت الإجابة لا، فهذا أمر في غاية الخطورة». ورأى كيميت أن المسؤولية هنا لا تقع على كاهل وزير الدفاع، بل على الموظفين الذين يحيطون به.

ويحمل كيميت معه صورة تجمعه بوزير الدفاع السابق بوب غايتس، يظهر فيها الأخير بذراع مكسورة، ويشرح سبب التقاط الصورة فيقول: «هذه صورة بسيطة جداً لكن المهم فيها هو أن ذراع الوزير مدعمة بحمّالة لأنها كانت قد كُسرت الليلة الماضية بعد أن انزلق على الجليد. ومباشرةً، أعلم رئيس موظفيه المسؤولين في البيت الأبيض، لكن الأهم من ذلك ومن أجل الحفاظ على الشفافية التي تحدثنا عنها سابقاً، جرى التقاط الصورة لكي يضمن للشعب الأميركي أنه قادر على تأدية واجباته وزيراً للدفاع. برأيي، هذا ما كان يجب أن يحدث هنا».

وزير الدفاع لويد أوستن أمام لجنة المخصصات المالية في «الشيوخ» 11 مايو 2023 (أ.ف.ب)

ويتفق مانسن مع كيميت في موضوع محاسبة الموظفين وليس وزير الدفاع فيقول: «من المهم جداً في واشنطن وفي هذه المناصب القيادية، أن يردّ الموظفون على رؤسائهم وتوجيه النصح إليهم حيال ما يجب أن يفعلوه في مواقف من هذا النوع»، ويضيف: «آمل أن يكون هذا ما جرى، لكن إن لم يحصل فيجب أن تكون هناك عواقب، وأعتقد أن الحديث في واشنطن حالياً يدور حول من ينبغي أن يتحمل المسؤولية».


مقالات ذات صلة

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

العالم عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

أعلن مايك والتز، المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي الأميركي، أن فريق ترمب يريد العمل منذ الآن مع إدارة الرئيس بايدن للتوصل إلى «ترتيب» بين أوكرانيا وروسيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقمة دول مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل (أ.ف.ب)

بايدن وماكرون يناقشان الصراعين في أوكرانيا والشرق الأوسط

قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ناقشا الصراعين الدائرين في أوكرانيا والشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ صورة مركّبة لدونالد ترمب وستورمي دانيالز (رويترز)

إرجاء إصدار الحكم في قضية ترمب بنيويورك إلى «أجل غير مسمى»

أمر القاضي في قضية الاحتيال المالي ضد دونالد ترمب، الجمعة، بتأجيل النطق بالحكم إلى أجل غير مسمى، ما يمثل انتصاراً قانونياً للرئيس المنتخب.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)

ميركل تعرب عن حزنها لعودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية

أعربت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل عن «حزنها» لعودة دونالد ترمب إلى السلطة وتذكرت أن كل اجتماع معه كان بمثابة «منافسة: أنت أو أنا».

«الشرق الأوسط» (برلين)
الولايات المتحدة​ البيت الأبيض (أرشيفية - رويترز)

واشنطن: لا نرى «أيّ سبب» لتعديل العقيدة النووية الأميركية

أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض اليوم الخميس أن الولايات المتحدة لا ترى «أيّ سبب» لتعديل عقيدتها النووية بعد ما قامت به روسيا في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

TT

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)
تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)

ترمب «رمز للسلام وقاهر الحروب»، هكذا صوّر الرئيس المنتخب نفسه في حملته الانتخابية التي مهّدت لولايته الثانية في البيت الأبيض. فالرئيس الـ47 انتزع الفوز من منافسته الديمقراطية، بانياً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية وهي على مشارف عامها الثالث.

يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، خطط ترمب لإنهاء النزاعات، ودلالات اختياره وجوهاً معيّنة في إدارته لديها مواقف متناقضة بعض الأحيان في ملفات السياسة الخارجية.

التصعيد في المنطقة

دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز)

تعهّد الرئيس الأميركي المنتخب بإنهاء الحروب ووقف التصعيد المستمر في المنطقة. ومع استمرار الحرب في غزة ولبنان، تعتبر دانا ستراول، نائبة وزير الدفاع سابقاً لشؤون الشرق الأوسط ومديرة الأبحاث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أنه لا يزال من المبكّر قراءة المشهد في إدارة ترمب المستقبلية، مشيرة إلى أن الرئيس المنتخب «وعد بإحلال سلام في منطقة لم تنعم بالسلام أبداً». وتقول ستراول: «دونالد ترمب يعد بإحلال السلام في المنطقة من جهة، لكنه يعد من جهة أخرى بالدعم القاطع لإسرائيل. وهذا يُعدّ مشكلةً حقيقية؛ لأن من الأمور التي يجب أن تحصل لتحقيق السلام إعطاء الأولوية للمدنيين الفلسطينيين في غزة، والمدنيين اللبنانيين في لبنان، والحرص على وصول المساعدات الإنسانية لهؤلاء وتوفير الأمن لهم وما يحتاجون إليه من قادتهم. لكن ذلك سيتطلّب قرارات صعبة في إسرائيل. والسؤال الأكبر برأيي هو ما إذا كان دونالد ترمب يستطيع دفع هؤلاء القادة على الاتفاق هذه المرة، وهم لم يتفقوا أبداً في السابق».

ويتحدث كيفن بارون، الصحافي المختص بالشؤون العسكرية والمدير التحريري السابق في «Politico Live»، عن تحديات كثيرة يواجهها فريق ترمب الذي اختاره لقيادة السياسة الخارجية، مشيراً إلى أنه مؤلّف من «مزيج من التقليديين الذين يرغبون في علاقات قديمة الطراز مع الشرق الأوسط والقادة هناك، وبين من هم أكثر تقدماً ويبحثون عن مهاجمة إيران، والرد بالمثل وتغيير الديناميكية التي برأيهم كانت لينة جداً خلال السنوات الأربع الماضية تحت جو بايدن».

ويتساءل بارون: «هل ستتمكن هاتان المجموعتان من الالتقاء في الوسط؟» ويعطي بارون مثالاً «معرقلاً للسلام» في فريق ترمب، وهو السفير الأميركي المعيّن في إسرائيل، مايك هاكابي، الداعم بشدة لتل أبيب والرافض للاعتراف بالضفة الغربية وحقوق الفلسطينيين. ويقول بارون: «إن تعيين مايك هاكابي مثال جيد هنا، فهو داعم قوي لدولة إسرائيل مهما كلّف الأمر. لكنه يدعمها من وجهة نظر معينة؛ فهو مسيحي قومي وهو جزء من حركة متنامية ومجموعة من الأميركيين المسيحيين الذين يشعرون بأن وجود علاقة قوية مع دولة إسرائيل اليهودية أفضل من عدم وجودها لأسباب دينية».

ترمب والسفير المعين في إسرائيل مايك هاكابي خلال حدث انتخابي في بنسلفانيا 12 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وهنا يسلّط ريتشارد لوبارون، السفير الأميركي السابق إلى الكويت ونائب مدير البعثة الأميركية إلى تل أبيب سابقاً وكبير الباحثين في معهد «ذي أتلانتيك»، الضوء على سياسة الرؤساء الأميركيين بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط، مذكراً بأنهم لا يريدون تورطاً عميقاً في المنطقة. ويتحدث عن ترمب بشكل خاص فيقول: «ترمب لم يُنتخب من قبل أشخاص يهتمون بالشرق الأوسط، بل انتخبه الأشخاص الذين يرغبون بجعل أميركا عظيمة مجدداً، وهذه وجهة نظر انعزالية. لذا أعتقد أنه سيضغط للتوصل إلى حلول تخرج الولايات المتحدة من مستوى تورطها الحالي في الشرق الأوسط، لا أعتقد أنه سيكون متعاطفاً مع التورط في صراعات كبرى، وسيرغب بالحفاظ على أسعار منخفضة للنفط بسبب تأثير ذلك على الداخل. لكنه سيفاجأ على غرار معظم الرؤساء الأميركيين بقدرة الشرق الأوسط على جذبهم إلى داخله رغم جهود البقاء بعيداً».

ترمب يعتمر قبعة تحمل شعار «اجعل أميركا عظيمة مجدداً» (أ.ف.ب)

وتوافق ستراول مع مقاربة الانعزالية في فريق ترمب، مشيرة إلى وجود وجوه كثيرة ضمن فريقه من الداعمين للانعزالية الذين يسعون للتركيز على الوضع الداخلي و«جعل أميركا عظيمة مجدداً»، وأن هؤلاء سيعملون على تقليص الدور العسكري للولايات المتحدة حول العالم، ومنح دولارات دافعي الضرائب الأميركيين لأي بلد.

لكن ستراول تُذكّر في الوقت نفسه بأن العامل المشترك في فريق ترمب الذي اختاره، هو أنه «يريد من الفريق المحيط به أن يفكّر فيه هو وفي ما يريده». وتفسر قائلة: «ما نعلمه من رئاسته الأولى هو أن ما يريده أو ما يفكّر به قد يتغير من يوم إلى آخر، ومن ساعة إلى أخرى. هذا النوع من الغموض عادة ما لا يكون جيداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وبالنسبة إلى الحلفاء والشركاء في أماكن مثل الشرق الأوسط، وهي أماكن نريد التعاون معها. فهم يطلبون قيادة أميركية يمكن الاتكال عليها ومستقرة. وبرأيي، استناداً إلى الفريق الذي يتم تشكيله حتى الآن، حيث يقوم أناس مختلفون بقول أشياء مختلفة وعقد اجتماعات مختلفة، فإنه من غير الواضح إن كانوا سيتمكنون في الواقع من العمل بعضهم مع بعض».

تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

وضمن الحديث عن حلول واستراتيجيات في المنطقة، يعرب لوبارون عن تشاؤمه من فرص التوصل إلى حلّ الدولتين، مُرجّحاً أن تقوم إسرائيل «بضم الأراضي المحتلة والضفة الغربية بموافقة أميركية، أو حتى من دونها». ويضيف السفير السابق: «هناك أيضاً احتمال استمرار وجود انقسام في إسرائيل حول هذه القضايا، وسنضطر إلى التدخل بسبب علاقتنا. أعتقد أن هناك مسائل وجودية بحتة ينبغي أن تواجهها إسرائيل حول ماذا تريد أن تصبح بعد 5 إلى 10 سنوات، أو حتى بعد 20 أو 50 سنة. هل تريد أن تصبح دولة ديمقراطية؟ أو أن تكون متورطة في صراع إلى الأبد في الشرق الأوسط؟ أو هل تريد التوصل إلى سلام حقيقي يحترم الآمال الفلسطينية؟».

ويُفسر لوبارون أسباب استمرار الحرب في لبنان وغزة فيقول: «من الأسباب المحزنة لاستمرار الحرب في لبنان وفي غزة أن نتنياهو لا يمكنه الاستغناء عن الحرب، وهذه إحدى مشاكل علاقته مع ترمب. فترمب لا يريد الحرب، لكن نتنياهو يحتاج إليها وسيكون من المثير للاهتمام مشاهدة كيف سيقوم الاثنان على الاتفاق خلال الـ6 أشهر أو السنة المقبلة. لكن لحظة الحساب قادمة في إسرائيل، وهي تأجلت بسبب النزاع. سيكون لها نتائج كبيرة، وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى إن كان ترمب سيقرر اللعب في السياسة الإسرائيلية المحلية كما فعل نتنياهو في السياسة المحلية الأميركية».

إيران وسياسة الضغط القصوى

تعهد ترمب باستعادة سياسة الضغط القصوى مع إيران (أ.ف.ب)

تلعب إيران دوراً بارزاً في التصعيد في المنطقة، ومع استعداد ترمب لتسلُّم الرئاسة في العشرين من يناير (كانون الثاني)، تزداد التساؤلات حول ما إذا كان سيعود إلى سياسة الضغط القصوى التي اعتمد عليها في إدارته الأولى. وهنا يتساءل بارون: «ترمب يعد بالانسحاب من الحروب الخارجية بينما يخوض حروباً خارجية فيما يتعلق بإيران». ويضيف: «إذن، ماذا يعني الضغط الأقصى على الإيرانيين؟ أتوقع أموراً مثل دعم نتنياهو وإسرائيل بالكامل حين يقومون بهجمات في لبنان وغيره من دون أي انتقاد، ومن دون أي قيود. قد يعني أيضاً القتال في أماكن مثل سوريا والعراق ومناطق أخرى لم نسمع عنها كثيراً علناً».

وهنا تشدد ستراول على أن سياسة الضغط القصوى هي «نشاط»، وليس هدفاً، وتفسر قائلة: «ما لم نره بعد من فريق ترمب هو تحديد أو عرض الهدف المثالي: هل الهدف احتواء البرنامج النووي الذي تم الاستثمار فيه بشكل كبير؟ هل الهدف التراجع عن هذا البرنامج أو تفكيكه أو القضاء عليه؟ هل الهدف صد دعم إيراني للإرهاب؟ لتحقيق ذلك، سيحتاج إلى أكثر من سياسة ضغط قصوى، وسيحتاج للتعاون مع حلفاء وشركاء أي أنه سينبغي أن يبذل جهوداً دبلوماسية، لأن الأمر لا يتعلّق فقط بما يمكن أن نقوم به عسكرياً، فسيتوجب عليه أن يرغب بإقامة حوار مع النظام في طهران على بعض النقاط».

الحرب الروسية - الأوكرانية

ترمب يصافح بوتين في مؤتمر صحافي في هلسنكي 16 يوليو 2018 (أ.ف.ب)

من الوعود التي أطلقها ترمب إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية في 24 ساعة. ويصف لوبارون الوضع الحالي بمثابة «رقصة بين بوتين وترمب للوصول إلى طريقة لإنهاء هذا النزاع». وأوضح: «لقد انضم زيلينسكي إلى تلك الرقصة مؤخراً. يجب أن نتذكر أن هذين الخصمين قد أرهقتهما الحرب، لا يمكنهما العثور على المزيد من العناصر من شعبهم للقتال، كما يريان أن تسلُّم ترمب الرئاسة سيضع حدوداً على الفترة التي يستطيعان فيها الاستمرار بهذه الحرب». ويرجّح السفير السابق أن تنتهي الحرب «بحل دبلوماسي غير مناسب وغير مرض لن يسعد أياً من الأطراف، على غرار كل الحلول الدبلوماسية. وهذا سيشكل نقطة يعلن فيها ترمب عن نجاحه ليقول: لقد أنهيت الحرب في أوكرانيا».

ويشير بارون إلى رفع إدارة بايدن الحظر عن أوكرانيا لاستعمال الأسلحة الأميركية في روسيا، فيقول إن «ما تغيّر هو أن ترمب فاز بالانتخابات، وهناك فترة شهرين سيسعى بايدن خلالهما لتقديم كل ما بوسعه إلى أوكرانيا؛ لأن الأمور ستتغير في 20 يناير عندما يتولى ترمب منصبه». ويضيف: «إذن، الفكرة هي التوفير لأوكرانيا أكبر قدر من الدفاعات الآن لكي ينتقلوا إلى طاولة المفاوضات».

وتوافق ستراول مع هذا التقييم قائلة: «إن هذا التصعيد الذي يجري حالياً هو فرصة لكل من الطرفين لكي يعززا موقفهما قبل تنصيب دونالد ترمب، الذي بدوره صرّح بأنه سيطالب أن ينضم الجميع إلى طاولة المفاوضات. وسيعمل على تقليل سلطة التفاوض الأوكرانية عبر التهديد بإيقاف المساعدات العسكرية».