هل يتخلى الديمقراطيون عن بايدن؟

استطلاعات رأي موجعة للرئيس الحالي تطرح سيناريوهات انتخابية جديدة

تظهر استطلاعات الرأي تراجع شعبية بايدن في الولايات المتأرجحة (د.ب.أ)
تظهر استطلاعات الرأي تراجع شعبية بايدن في الولايات المتأرجحة (د.ب.أ)
TT

هل يتخلى الديمقراطيون عن بايدن؟

تظهر استطلاعات الرأي تراجع شعبية بايدن في الولايات المتأرجحة (د.ب.أ)
تظهر استطلاعات الرأي تراجع شعبية بايدن في الولايات المتأرجحة (د.ب.أ)

قبل عام تقريباً من الانتخابات الرئاسية الأميركية، تتصاعد الخلافات والتجاذبات بين المرشحين المتنافسين على مقعد الرئاسة في البيت الأبيض. أما بالنسبة إلى قاطنه الحالي جو بايدن، فالأرقام لا تبشر بالخير؛ إذ أظهرت الاستطلاعات الأخيرة تقدم منافسه الأبرز دونالد ترمب عليه في ولايات متأرجحة. السبب، بحسب الأرقام، سياساته الاقتصادية والأمنية والخارجية تحديداً الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

يأتي هذا في حين يواجه الرئيس السابق سلسلة من القضايا الموجهة ضده، أبرزها في الوقت الحالي قضية الاحتيال المالي في نيويورك التي قد تكلفه إمبراطوريته العقارية. وبينما يحتدم الصراع بين الرجلين، يسعى المرشحون الجمهوريون جاهدين لإثبات أنفسهم في أرض المعركة الانتخابية، فحضروا لمرة ثالثة على مسرح واحد في المناظرة الجمهورية التي غاب عنها، كما جرت العادة، ترمب.

يستعرض «تقرير واشنطن» وهو ثمرة تعاون بين «الشرق الأوسط» و«الشرق»، دلالة أرقام الاستطلاعات الموجعة لبايدن، ودعوات بعض الديمقراطيين البارزين لانسحابه من السباق، كما يستعرض الخيارات أمام الناخب الأميركي، بالإضافة إلى حظوظ المرشحين الجمهوريين في انتزاع لقب ترشيح الحزب الرسمي.

بايدن يتحدث أمام اتحاد عمال السيارات بولاية إلينوي في 9 نوفمبر 2023 (أ.ب)

«انقلاب» ديمقراطي على بايدن

رأى مستشار الرئيس السابق باراك أوباما، دايفد أكسلرود، أن أرقام الاستطلاعات التي أظهرت تراجعاً لبايدن أمام ترمب «نشرت بذور الشك في الحزب الديمقراطي» وطرح احتمال سحب الرئيس الحالي ترشيحه من الرئاسة.

تصريح لافت من ديمقراطي بارز، لكنه أثار غضب مناصري بايدن كالأستاذ في جامعة جون هوبكنز، البروفسور روبرت غوتمان، الذي أعرب عن استيائه الشديد من أكسلرود، قائلاً: «من يحتاج إلى أعداء عندما يكون لديك أصدقاء مثل هؤلاء؟... يجب أن يدعم الحزب بايدن، خاصة في العام الذي يسبق الانتخابات»، وانتقد غوتمان ترشح النائب الديمقراطي عن ولاية مينيسوتا دين فيليبس ضد بايدن، عادّاً أن هذا سيزيد من حظوظ ترمب بالفوز.

أما ستيف هيرمان، كبير المراسلين في صوت أميركا، فحذّر من استطلاعات الرأي التي تجري قبل وقت طويل من الانتخابات، إلا أنه عدّ في الوقت نفسه أن الأرقام تشير بشكل واضح إلى «غياب روح الحماسة تجاه بايدن والقلق العام حول سنّه المتقدّمة»، ويضيف هيرمان: «إنه أكبر سناً من دونالد ترمب ببضع سنوات فقط، لكن لا يبدو أنه هناك أي قلق حيال سن ترمب...».

ويرى براين سايتشيك، مدير حملة ترمب السابق في ولاية أريزونا، أن «هناك تراجعاً ذهنياً فعلياً لدى جو بايدن وأعتقد أن الكثير من الناخبين لاحظوا ذلك». لكنه أشار إلى أن الديمقراطيين سيصوّتون في نهاية المطاف لجو بايدن كما أن الجمهوريين سيصوتون لصالح دونالد ترمب، مضيفاً: «سيتم الفوز بهذا السباق بفضل أصوات الناخبين الذين يحملون شهادات جامعية من الضواحي والذي دعموا ترمب في 2016، لكنهم تخلوا عن الحزب الجمهوري منذ ذلك الحين». وأعرب سايتشيك عن امتعاضه من عدم وجود وجوه أخرى في مقدمة السباق، مشيراً إلى أن «هناك عدداً قليلاً جداً من الناخبين الذين يرغبون في رؤية مواجهة ثانية بين ترمب وبايدن، باستثناء دونالد ترمب وجو بايدن نفسيهما».

المرشحون الجمهوريون على مسرح المناظرة الثالثة بفلوريدا في 8 نوفمبر 2023 (أ.ف.ب)

الحزب الجمهوري «حزب الخاسرين»؟

رغم أرقام الاستطلاعات المؤلمة لبايدن، تمكن الحزب الديمقراطي من تحقيق مكاسب انتخابية كبيرة في السباق المحلي لولاية فيرجينيا، حيث سيطر الحزب على مجلسي الولاية؛ الأمر الذي دفع بالمرشح الجمهوري فيفيك راماسوامي إلى وصف حزبه بـ«حزب الخاسرين»، وهو توصيف اعترض عليه سايتشيك قائلاً: «لن أقول إنه حزب الخاسرين، لكنه حزب يمر بحرب أهلية. هناك انقسام حقيقي هنا بين جناح ترمب والذي يضم شقاً شعبوياً وبين الجمهوريين التقليديين، والحزب في حالة حرب. وهذا يكلّفنا الانتخابات؛ إذ إن الحزب الجمهوري لم يحظ بانتخابات عامة جيدة منذ 2016. خسرنا في 2018 وفي 2022، وأعتقد بأنه يمكننا أن نضيف انتخابات مساء الثلاثاء على اللائحة».

أما غوتمان فعدّ أن ترمب «أنهك الحزب الجمهوري»، مشيراً إلى أن «الحزب تدهور بشكل أساسي ولن يعود إلى ما كان عليه».

من ناحيته، رأى هيرمان أن ما حدث هذا الأسبوع في فيرجينيا أمر «مشجّع جداً للديمقراطيين»، مشيراً إلى طريقة إدارة الجمهوريين حملاتهم الانتخابية في ولايات مثل فيرجينيا، في ملفات كالإجهاض، مضيفاً: «يبدو أن هذه المواقف الصارمة تبعد الكثير من الناخبين وليس فقط الناخبين الديمقراطيين والمستقلين».

السيناتور الديمقراطي جو مانشين أعلن عدم ترشحه لولاية ثانية (أ.ب)

بديل لبايدن؟

ومع تململ بعض الديمقراطيين والجمهوريين من الخيارات المتوفرة أمامهم في الانتخابات الرئاسية، يشير هيرمان إلى أن مرشح حزب ثالث قد يغير من المعادلة، «خاصة في الولايات المتأرجحة، حيث يتوقع أن تكون نتائج الانتخابات متقاربة جداً... هناك احتمال بسيط جداً لتغيير بايدن إذا أصبح عاجزاً عن تأدية عمله. والأمر نفسه بالنسبة إلى الجمهوريين في حال إدانة ترمب».

من ناحيته، أشار غوتمان إلى احتمال طرح أسماء بديلة، كالسيناتور الديمقراطي المعتدل جو مانشين، الذي أعلن عدم ترشحه لولاية ثانية كسيناتور عن ولاية ويست فيرجينيا، ما قد يكون مؤشراً على استعداده لخوض السباق في حال تغيرت المعطيات مع بايدن، وقال غوتمان: «لا يزال أمامنا عام قبل الانتخابات وشخص مثل السيناتور مانشين يتمتّع بسمعة جيدة، وقد يغير ديناميكية الانتخابات».

ويوافق هيرمان مع هذا الطرح، مشيراً إلى تجمع انتخابي جديد بعنوان «نو لايبلز»سيعقد تجمعاً لاختيار مرشح في تكساس العام المقبل، وقد يكون مانشين هو المرشح المذكور.

المرشح المستقل روبرت كينيدي جونيور في حدث انتخابي بولاية بنسلفانيا في 9 أكتوبر 2023 (رويترز)

أما سايتشيك فيسلّط الضوء على المرشح روبرت كينيدي جونيور، الذي قرر خوض السباق مستقلاً بعد أن حاول منافسة بايدن في انتخابات الحزب الديمقراطي. وأشار سايتشاك إلى أن روبرت كينيدي من شأنه أن يهدد حظوظ ترمب بالفوز بسبب مواقفه المثيرة للجدل كـ«معارضة اللقاحات، ونشر نظريات المؤامرة».

واستبعد سايتشاك ما يتردد من أنباء عن احتمال ترشح حاكم ولاية كاليفورنيا، كيفين نيوزم، أو ميشيل أوباما، زوجة الرئيس السابق لمنافسة بايدن، وهما اسمان كررهما راماسوامي في المناظرة الجمهورية، عادّاً أنه يسعى لاستقطاب الأنظار فحسب.

ترمب يدلي بإفادته أمام محكمة نيويورك في 6 نوفمبر 2023 (رويترز)

ترمب والقضايا

بالتزامن مع كل هذه المعطيات، لا يزال ترمب بمواجهة عدد من الدعاوى القضائية في المحاكم الأميركية، وقد أشار استطلاع أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» بالتعاون مع جامعة «سيينا» إلى انه في حال تمت إدانته، فسوف يغير 6 في المائة من الناخبين في الولايات المتأرجحة تصويتهم لصالح بايدن.

ووصف غوتمان، الذي يعمل في المجال السياسي منذ عام 1970، الحملة انتخابية الحالية بـ«غير الاعتيادية»، وفسر قائلاً: «ترمب سيكون في قاعة المحكمة معظم الوقت، وما زال لديه قاعدة من المؤيدين، الذين سيدعمونه حتى إذا أطلق النار على شخص ما في الجادة الخامسة، كما قال من قبل، لكن إن تمت إدانته في إحدى هذه المحاكمات، ستختلف الأمور وقد ينقلب الناس ضدّه».

ويوافق سايتشاك مع هذه النقطة، مشيراً إلى أن القضية الأبرز التي ستزعزع من توازن ترمب هي القضية المتعلقة بالغش في الانتخابات في ولاية جورجيا المتأرجحة، ورأى أن قضية الاحتيال المالي في نيويورك ليست بالأهمية نفسها؛ لأنها قضية «تمت إدانته فيها، وما يتم بحثه حالياً هو طبيعة الأضرار والغرامة التي يجب أن يسددها... في حال تمت إدانته في مقاطعة فولتن أو أي مكان آخر... فكرة وجود رئيس للبلاد في السجن هي فكرة صعبة جداً».


مقالات ذات صلة

مجلس الشيوخ الأميركي لتجميد الأسلحة الهجومية لإسرائيل

الولايات المتحدة​ يصوّت مجلس الشيوخ الأربعاء على تجميد الأسلحة الهجومية لإسرائيل (رويترز)

مجلس الشيوخ الأميركي لتجميد الأسلحة الهجومية لإسرائيل

يصوّت مجلس الشيوخ الأميركي، الأربعاء، على مشاريع تهدف إلى صدّ تسليم الأسلحة الهجومية لإسرائيل بسبب ممارساتها خلال الحرب في غزة.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب خلال لقائه مع الجمهوريين في مجلس النواب 13 نوفمبر 2024 (رويترز) play-circle 03:13

تعيينات ترمب المثيرة للجدل تهيمن على إدارته الجديدة

شهد أول أسبوع منذ فوز ترمب بالانتخابات الرئاسية، سلسلة تعيينات تماشى بعضها مع التوقعات، وهزّ بعضها الآخر التقاليد السياسية المتّبعة في واشنطن.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ زعيم الأغلبية الجمهورية الجديد جون ثون في مجلس الشيوخ في 13 نوفمبر 2024 (رويترز)

جون ثون زعيماً جديداً للجمهوريين في «الشيوخ»

انتخب الحزب الجمهوري في جلسة تصويت مغلقة السيناتور عن ساوث داكوتا جون ثون ليصبح زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ بسط الجمهوريون سيطرتهم على الكونغرس الأميركي (أ.ب)

«جمهوريو أميركا» يبسطون سيطرتهم على المرافق الفيدرالية

وقع مجلس النواب في قبضة الجمهوريين، ليلوّن المرافق الفيدرالية باللون الأحمر، ويمهد الطريق أمام الرئيس المنتخب دونالد ترمب لبسط سيطرته وتمرير أجنداته.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ستيفانيك وترمب في نيوهامشير 19 يناير 2024 (أ.ف.ب)

ترمب يختار داعمة شرسة لإسرائيل مندوبة في الأمم المتحدة

بدأ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب تشكيل فريقه الذي سيحيط به في البيت الأبيض، فطلب من النائبة الجمهورية إليز ستيفانيك أن تتسلّم منصب مندوبة بالأمم المتحدة.

رنا أبتر (واشنطن)

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

TT

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)
تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)

ترمب «رمز للسلام وقاهر الحروب»، هكذا صوّر الرئيس المنتخب نفسه في حملته الانتخابية التي مهّدت لولايته الثانية في البيت الأبيض. فالرئيس الـ47 انتزع الفوز من منافسته الديمقراطية، بانياً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية وهي على مشارف عامها الثالث.

يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، خطط ترمب لإنهاء النزاعات، ودلالات اختياره وجوهاً معيّنة في إدارته لديها مواقف متناقضة بعض الأحيان في ملفات السياسة الخارجية.

التصعيد في المنطقة

دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز)

تعهّد الرئيس الأميركي المنتخب بإنهاء الحروب ووقف التصعيد المستمر في المنطقة. ومع استمرار الحرب في غزة ولبنان، تعتبر دانا ستراول، نائبة وزير الدفاع سابقاً لشؤون الشرق الأوسط ومديرة الأبحاث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أنه لا يزال من المبكّر قراءة المشهد في إدارة ترمب المستقبلية، مشيرة إلى أن الرئيس المنتخب «وعد بإحلال سلام في منطقة لم تنعم بالسلام أبداً». وتقول ستراول: «دونالد ترمب يعد بإحلال السلام في المنطقة من جهة، لكنه يعد من جهة أخرى بالدعم القاطع لإسرائيل. وهذا يُعدّ مشكلةً حقيقية؛ لأن من الأمور التي يجب أن تحصل لتحقيق السلام إعطاء الأولوية للمدنيين الفلسطينيين في غزة، والمدنيين اللبنانيين في لبنان، والحرص على وصول المساعدات الإنسانية لهؤلاء وتوفير الأمن لهم وما يحتاجون إليه من قادتهم. لكن ذلك سيتطلّب قرارات صعبة في إسرائيل. والسؤال الأكبر برأيي هو ما إذا كان دونالد ترمب يستطيع دفع هؤلاء القادة على الاتفاق هذه المرة، وهم لم يتفقوا أبداً في السابق».

ويتحدث كيفن بارون، الصحافي المختص بالشؤون العسكرية والمدير التحريري السابق في «Politico Live»، عن تحديات كثيرة يواجهها فريق ترمب الذي اختاره لقيادة السياسة الخارجية، مشيراً إلى أنه مؤلّف من «مزيج من التقليديين الذين يرغبون في علاقات قديمة الطراز مع الشرق الأوسط والقادة هناك، وبين من هم أكثر تقدماً ويبحثون عن مهاجمة إيران، والرد بالمثل وتغيير الديناميكية التي برأيهم كانت لينة جداً خلال السنوات الأربع الماضية تحت جو بايدن».

ويتساءل بارون: «هل ستتمكن هاتان المجموعتان من الالتقاء في الوسط؟» ويعطي بارون مثالاً «معرقلاً للسلام» في فريق ترمب، وهو السفير الأميركي المعيّن في إسرائيل، مايك هاكابي، الداعم بشدة لتل أبيب والرافض للاعتراف بالضفة الغربية وحقوق الفلسطينيين. ويقول بارون: «إن تعيين مايك هاكابي مثال جيد هنا، فهو داعم قوي لدولة إسرائيل مهما كلّف الأمر. لكنه يدعمها من وجهة نظر معينة؛ فهو مسيحي قومي وهو جزء من حركة متنامية ومجموعة من الأميركيين المسيحيين الذين يشعرون بأن وجود علاقة قوية مع دولة إسرائيل اليهودية أفضل من عدم وجودها لأسباب دينية».

ترمب والسفير المعين في إسرائيل مايك هاكابي خلال حدث انتخابي في بنسلفانيا 12 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وهنا يسلّط ريتشارد لوبارون، السفير الأميركي السابق إلى الكويت ونائب مدير البعثة الأميركية إلى تل أبيب سابقاً وكبير الباحثين في معهد «ذي أتلانتيك»، الضوء على سياسة الرؤساء الأميركيين بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط، مذكراً بأنهم لا يريدون تورطاً عميقاً في المنطقة. ويتحدث عن ترمب بشكل خاص فيقول: «ترمب لم يُنتخب من قبل أشخاص يهتمون بالشرق الأوسط، بل انتخبه الأشخاص الذين يرغبون بجعل أميركا عظيمة مجدداً، وهذه وجهة نظر انعزالية. لذا أعتقد أنه سيضغط للتوصل إلى حلول تخرج الولايات المتحدة من مستوى تورطها الحالي في الشرق الأوسط، لا أعتقد أنه سيكون متعاطفاً مع التورط في صراعات كبرى، وسيرغب بالحفاظ على أسعار منخفضة للنفط بسبب تأثير ذلك على الداخل. لكنه سيفاجأ على غرار معظم الرؤساء الأميركيين بقدرة الشرق الأوسط على جذبهم إلى داخله رغم جهود البقاء بعيداً».

ترمب يعتمر قبعة تحمل شعار «اجعل أميركا عظيمة مجدداً» (أ.ف.ب)

وتوافق ستراول مع مقاربة الانعزالية في فريق ترمب، مشيرة إلى وجود وجوه كثيرة ضمن فريقه من الداعمين للانعزالية الذين يسعون للتركيز على الوضع الداخلي و«جعل أميركا عظيمة مجدداً»، وأن هؤلاء سيعملون على تقليص الدور العسكري للولايات المتحدة حول العالم، ومنح دولارات دافعي الضرائب الأميركيين لأي بلد.

لكن ستراول تُذكّر في الوقت نفسه بأن العامل المشترك في فريق ترمب الذي اختاره، هو أنه «يريد من الفريق المحيط به أن يفكّر فيه هو وفي ما يريده». وتفسر قائلة: «ما نعلمه من رئاسته الأولى هو أن ما يريده أو ما يفكّر به قد يتغير من يوم إلى آخر، ومن ساعة إلى أخرى. هذا النوع من الغموض عادة ما لا يكون جيداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وبالنسبة إلى الحلفاء والشركاء في أماكن مثل الشرق الأوسط، وهي أماكن نريد التعاون معها. فهم يطلبون قيادة أميركية يمكن الاتكال عليها ومستقرة. وبرأيي، استناداً إلى الفريق الذي يتم تشكيله حتى الآن، حيث يقوم أناس مختلفون بقول أشياء مختلفة وعقد اجتماعات مختلفة، فإنه من غير الواضح إن كانوا سيتمكنون في الواقع من العمل بعضهم مع بعض».

تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

وضمن الحديث عن حلول واستراتيجيات في المنطقة، يعرب لوبارون عن تشاؤمه من فرص التوصل إلى حلّ الدولتين، مُرجّحاً أن تقوم إسرائيل «بضم الأراضي المحتلة والضفة الغربية بموافقة أميركية، أو حتى من دونها». ويضيف السفير السابق: «هناك أيضاً احتمال استمرار وجود انقسام في إسرائيل حول هذه القضايا، وسنضطر إلى التدخل بسبب علاقتنا. أعتقد أن هناك مسائل وجودية بحتة ينبغي أن تواجهها إسرائيل حول ماذا تريد أن تصبح بعد 5 إلى 10 سنوات، أو حتى بعد 20 أو 50 سنة. هل تريد أن تصبح دولة ديمقراطية؟ أو أن تكون متورطة في صراع إلى الأبد في الشرق الأوسط؟ أو هل تريد التوصل إلى سلام حقيقي يحترم الآمال الفلسطينية؟».

ويُفسر لوبارون أسباب استمرار الحرب في لبنان وغزة فيقول: «من الأسباب المحزنة لاستمرار الحرب في لبنان وفي غزة أن نتنياهو لا يمكنه الاستغناء عن الحرب، وهذه إحدى مشاكل علاقته مع ترمب. فترمب لا يريد الحرب، لكن نتنياهو يحتاج إليها وسيكون من المثير للاهتمام مشاهدة كيف سيقوم الاثنان على الاتفاق خلال الـ6 أشهر أو السنة المقبلة. لكن لحظة الحساب قادمة في إسرائيل، وهي تأجلت بسبب النزاع. سيكون لها نتائج كبيرة، وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى إن كان ترمب سيقرر اللعب في السياسة الإسرائيلية المحلية كما فعل نتنياهو في السياسة المحلية الأميركية».

إيران وسياسة الضغط القصوى

تعهد ترمب باستعادة سياسة الضغط القصوى مع إيران (أ.ف.ب)

تلعب إيران دوراً بارزاً في التصعيد في المنطقة، ومع استعداد ترمب لتسلُّم الرئاسة في العشرين من يناير (كانون الثاني)، تزداد التساؤلات حول ما إذا كان سيعود إلى سياسة الضغط القصوى التي اعتمد عليها في إدارته الأولى. وهنا يتساءل بارون: «ترمب يعد بالانسحاب من الحروب الخارجية بينما يخوض حروباً خارجية فيما يتعلق بإيران». ويضيف: «إذن، ماذا يعني الضغط الأقصى على الإيرانيين؟ أتوقع أموراً مثل دعم نتنياهو وإسرائيل بالكامل حين يقومون بهجمات في لبنان وغيره من دون أي انتقاد، ومن دون أي قيود. قد يعني أيضاً القتال في أماكن مثل سوريا والعراق ومناطق أخرى لم نسمع عنها كثيراً علناً».

وهنا تشدد ستراول على أن سياسة الضغط القصوى هي «نشاط»، وليس هدفاً، وتفسر قائلة: «ما لم نره بعد من فريق ترمب هو تحديد أو عرض الهدف المثالي: هل الهدف احتواء البرنامج النووي الذي تم الاستثمار فيه بشكل كبير؟ هل الهدف التراجع عن هذا البرنامج أو تفكيكه أو القضاء عليه؟ هل الهدف صد دعم إيراني للإرهاب؟ لتحقيق ذلك، سيحتاج إلى أكثر من سياسة ضغط قصوى، وسيحتاج للتعاون مع حلفاء وشركاء أي أنه سينبغي أن يبذل جهوداً دبلوماسية، لأن الأمر لا يتعلّق فقط بما يمكن أن نقوم به عسكرياً، فسيتوجب عليه أن يرغب بإقامة حوار مع النظام في طهران على بعض النقاط».

الحرب الروسية - الأوكرانية

ترمب يصافح بوتين في مؤتمر صحافي في هلسنكي 16 يوليو 2018 (أ.ف.ب)

من الوعود التي أطلقها ترمب إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية في 24 ساعة. ويصف لوبارون الوضع الحالي بمثابة «رقصة بين بوتين وترمب للوصول إلى طريقة لإنهاء هذا النزاع». وأوضح: «لقد انضم زيلينسكي إلى تلك الرقصة مؤخراً. يجب أن نتذكر أن هذين الخصمين قد أرهقتهما الحرب، لا يمكنهما العثور على المزيد من العناصر من شعبهم للقتال، كما يريان أن تسلُّم ترمب الرئاسة سيضع حدوداً على الفترة التي يستطيعان فيها الاستمرار بهذه الحرب». ويرجّح السفير السابق أن تنتهي الحرب «بحل دبلوماسي غير مناسب وغير مرض لن يسعد أياً من الأطراف، على غرار كل الحلول الدبلوماسية. وهذا سيشكل نقطة يعلن فيها ترمب عن نجاحه ليقول: لقد أنهيت الحرب في أوكرانيا».

ويشير بارون إلى رفع إدارة بايدن الحظر عن أوكرانيا لاستعمال الأسلحة الأميركية في روسيا، فيقول إن «ما تغيّر هو أن ترمب فاز بالانتخابات، وهناك فترة شهرين سيسعى بايدن خلالهما لتقديم كل ما بوسعه إلى أوكرانيا؛ لأن الأمور ستتغير في 20 يناير عندما يتولى ترمب منصبه». ويضيف: «إذن، الفكرة هي التوفير لأوكرانيا أكبر قدر من الدفاعات الآن لكي ينتقلوا إلى طاولة المفاوضات».

وتوافق ستراول مع هذا التقييم قائلة: «إن هذا التصعيد الذي يجري حالياً هو فرصة لكل من الطرفين لكي يعززا موقفهما قبل تنصيب دونالد ترمب، الذي بدوره صرّح بأنه سيطالب أن ينضم الجميع إلى طاولة المفاوضات. وسيعمل على تقليل سلطة التفاوض الأوكرانية عبر التهديد بإيقاف المساعدات العسكرية».