الكونغرس الأميركي بين تمويل أوكرانيا وإسرائيل

هل يقلب الرأي العام موازين القوى؟

يصر الجمهوريون في مجلس النواب على فصل تمويل إسرائيل عن تمويل أوكرانيا (رويترز)
يصر الجمهوريون في مجلس النواب على فصل تمويل إسرائيل عن تمويل أوكرانيا (رويترز)
TT

الكونغرس الأميركي بين تمويل أوكرانيا وإسرائيل

يصر الجمهوريون في مجلس النواب على فصل تمويل إسرائيل عن تمويل أوكرانيا (رويترز)
يصر الجمهوريون في مجلس النواب على فصل تمويل إسرائيل عن تمويل أوكرانيا (رويترز)

تتخبّط الولايات المتحدة في دوامة تجاذبات حزبية داخلية بدأت بالانعكاس بشكل مباشر على صورتها في الخارج. فما كان في السابق سهل المنال، أصبح اليوم مشبعاً بالتحديات، من تمويل الحرب في أوكرانيا الذي كان يحظى بإجماع واسع من الحزبين، وصولاً إلى تمويل حليف أميركا الأبرز في منطقة الشرق الأوسط، إسرائيل، التي لا تزال تحظى بدعم كبير في الكونغرس لكنها باتت محور تصادمات داخلية.

فعلى الرغم من أن مجلس النواب الأميركي أقرّ تمويل إسرائيل الذي بلغت قيمته 14.3 مليار دولار، فإن هذا التمويل لن يبصر النور في مجلس الشيوخ الذي يصرّ على إقرار الموازنة التي طلبتها الإدارة الأميركية كاملة من الكونغرس والتي بلغت قيمتها 106 مليارات دولار، منها 61 مليار لأوكرانيا و 14.3 لإسرائيل، بالإضافة إلى تمويل تايوان وأمن الحدود... وغيرها من الملفات.

يستعرض تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين «الشرق الأوسط» و«الشرق»، حظوظ إقرار التمويل وأسباب العرقلة، إضافة إلى ما يصفه البعض بازدواجية المعايير في تعاطي الإدارة مع حرب أوكرانيا، مقابل موقفها من حرب غزة.

رئيس مجلس النواب مايك جونسون بعد فوزه في 25 أكتوبر 2023 (رويترز)

الحرب في أوكرانيا وتمويل إسرائيل

تشير لارا سيليغمان، مراسلة الشؤون الدفاعية في صحيفة «بوليتيكو»، إلى سجل رئيس مجلس النواب الجديد مايك جونسون «المعروف بالتصويت ضد أوكرانيا». ولهذا السبب، رأت أنه «من غير المفاجئ (طرحه) قانوناً منفصلاً لإسرائيل لا يشمل دعم أوكرانيا كما طلبت الإدارة». وأضافت سيليغمان: «أعتقد أن الأمر سيشكل مشكلة لإدارة بايدن وللأوكرانيين الذين يقدمون على عامين من الحرب الآن، ولديهم فقط أسبوعان من الموسم القتالي، ولا يبدو أنهم سيحققون المزيد من التقدّم».

محتجون داعمون لوقف إطلاق النار في غزة يقاطعون جلسة استماع لبلينكن في الكونغرس في 31 أكتوبر 2023 (إ.ب.أ)

ومن جهته، يتحدث أليكس بولتون كبير المراسلين في صحيفة «ذا هيل» في الكونغرس، عن صعوبة تمرير تمويل إسرائيل بشكل مستقل في مجلس الشيوخ، مشيراً إلى أن مقترح رئيس مجلس النواب سيُمَوَّل مقابل تخفيض كبير في ميزانية مصلحة الضرائب التي كانت من الإنجازات الرئيسية للرئيس بايدن العام الماضي. ويضيف بولتون: «نجد المجلسين في مواجهة. قال جونسون إنه سيوافق على مشروع قانون لإسرائيل منفصل عن المبالغ المخصصة لأوكرانيا، بينما يرفض أعضاء مجلس الشيوخ الموافقة على مشروع قانون منفصل لإسرائيل. إذاً حالياً، نحن في طريق مسدودة».

وفي هذا الصدد، تتحدث الصحافية إليز لابوت مؤسسة موقع «زيفي ميديا» الإخباري عن تراجع الدعم الأميركي لتمويل أوكرانيا، مشيرة إلى أن هذا هو السبب الرئيسي لإصرار الإدارة على دمج التمويلين؛ لأن فصلهما يعني عدم إقرار المساعدات لأوكرانيا. وتقول لابوت إن الشعب الأميركي أصبح يعاني من الإرهاق من الحرب في أوكرانيا، ويريد فترة زمنية محددة لهذه المساعدات مع مرور عامين على حرب، مضيفة: «الأميركيون لا يريدون التورط في حرب تدوم 20 عاماً كما كانت الحال مع الولايات المتحدة في أفغانستان».

المساعدات لغزة

وتشير لابوت إلى أن «الصراع في إسرائيل له تأثير أعمق كثيراً على الجمهور الأميركي. فهناك الكثير من الروابط بين الولايات المتحدة وإسرائيل والمشاعر العميقة هنا، لدرجة أن الأميركيين يقولون: لقد قمنا بدعم أوكرانيا، فلندعم إسرائيل الآن. وهناك أيضاً صراع كبير عما إذا كان يجب إرسال المساعدات إلى غزة». وأضافت: «رغم أن أغلبية الأميركيين يدعمون إسرائيل، هناك شريحة متنامية من الأميركيين تصل إلى نحو 62 في المائة يدعمون توفير المساعدات إلى غزة».

ويتحدث بولتون عن بعض العراقيل التي قد تواجه المساعدات المخصصة لقطاع غزة في الكونغرس، مشيراً إلى أن طلب الإدارة يتضمن أكثر من 9 مليارات دولار من المساعدات والدعم الإنساني إلى غزة وإسرائيل وأوكرانيا. وقال: «لكن المساعدات الإنسانية لغزة تتعرض للهجومات من قبل الجمهوريين في الكونغرس، إذ يقولون إن هذه المبالغ قد تنتهي بين أيدي (حماس)، الأمر الذي قد يعرقل إقرارها».

متظاهرون في مبنى الكونغرس يدعون لوقف إطلاق النار في غزة في 18 أكتوبر 2023 (أ.ب)

ومع تصاعد الأصوات الداعية لوقف إطلاق النار بغزة في صفوف الأميركيين، والتظاهرات والاحتجاجات التي تزداد في الولايات المختلفة، يشير بولتون إلى أن هذه الدعوات في الكونغرس تقتصر على الشق التقدمي، كالسيناتور برني ساندرز الذي دعا إسرائيل إلى ضبط النفس، وأوضح: «أعلم من الحديث مع بعض أعضاء مجلس الشيوخ التقدميين أنهم يشاركون وجهة نظر ساندرز، لكنهم مترددون من قول ذلك علناً؛ لأن إسرائيل تملك سلطة سياسية واسعة في واشنطن. ورغم قلق البعض في الكونغرس من الوضع الإنساني في غزة، فإنهم ليسوا على استعداد للتنديد بمعاناة المدنيين كما فعل ساندرز».

ازدياد دعم الشباب للفلسطينيين

وسلّط بولتون الضوء على استطلاعات للرأي تظهر أن أعضاء الحزب الديمقراطي الشباب هم أكثر تعاطفاً مع الفلسطينيين، وهذا تغيير في الرأي العام خلال السنوات القليلة الماضية، الأمر الذي قد يؤثر في مواقف الديمقراطيين في الكونغرس، خصوصاً أن الناخبين الشباب مهمون جداً لتعزيز فرص انتخابهم عام 2024.

تراجع لدعم العرب الأميركيين لبايدن بسبب موقفه من حرب غزة (أ.ف.ب)

وتوافق لابوت مع هذه المقاربة، مشيرة إلى استطلاعات إضافية تظهر تراجع دعم الأميركيين العرب لبايدن بسبب موقفه من حرب غزة، ما قد يؤثر سلباً عليه في الانتخابات الرئاسية، خصوصاً في ولاية مهمة مثل ميتشيغان. وتضيف لابوت أن هذه العوامل، بالإضافة إلى المطالبات المتنامية في الجامعات الأميركية لوقف إطلاق النار، من شأنها أن تدفع بايدن نحو الدفع أكثر باتجاه إيصال المساعدات لغزة.

ومن ناحيتها، تشير سيليغمان إلى أن إسرائيل «لا تستمع بالضرورة إلى نصائح الإدارة». وتفسّر قائلة: «نرى إسرائيل تهاجم مخيمات للاجئين، وتدخل لاجتياح غزة رغم نصيحة البنتاغون لهم بعدم فعل ذلك، وبتعلّم الدروس التي تعلمتها الولايات المتحدة في العراق، والقيام بهجمات موجهة لمحاربة للإرهاب. لكن لا يبدو أنهم استمعوا إلى هذه النصائح، فهم يحاصرون غزة حالياً».

مخاوف اتساع الصراع

تُحذّر سيليغمان من اتّساع رقعة الصراع في المنطقة مع ازدياد هجمات المجموعات الداعمة لإيران على القوات الأميركية هناك، ما قد يجر الولايات المتحدة إلى «صراع إقليمي واسع لا ترغب إدارة بايدن في حدوثه».

حاملة الطائرات الأميركي «يو إس إس دوايت أيزنهاور» في المنطقة بعد اندلاع الحرب (أ.ف.ب)

وتقول: «لهذا السبب رأينا (البنتاغون) يرسل عدداً كبيراً من المدمرات بهدف ردع هجمات إضافية من وكلاء إيران ضد القوات الأميركية». وتضيف سيليغمان: «ليس من الواضح إن كان هذا سيحقق النتيجة المطلوبة. إنه أمر تنبغي مراقبته، فمن أولويات الرئيس بايدن هو عدم توريط القوات الأميركية أكثر في هذا الصراع الإقليمي وعدم رؤيته يندلع ليصبح حرباً أوسع».

وترى لابوت أن إرسال المدمرات إلى المنطقة هو عرض للقوة قبل الولايات المتحدة تقول من خلاله إنه رغم عدم نيتها التدخّل في هذه الحرب، لكن لديها القدرة على ذلك، وستتصرف إن دُفِعت لفعل ذلك.


مقالات ذات صلة

إسرائيل: خلاف بين الحكومة والجيش بشأن «المدينة الإنسانية» للفلسطينيين

المشرق العربي مشهد لأنقاض في مدينة رفح في غزة (رويترز) play-circle

إسرائيل: خلاف بين الحكومة والجيش بشأن «المدينة الإنسانية» للفلسطينيين

وقع خلاف بين الحكومة الإسرائيلية والجيش حول تكلفة وتأثير ما عُرف باسم «المدينة الإنسانية» للفلسطينيين في جنوب غزة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي نازحون فلسطينيون يفرّون من جباليا بعد أن أصدر الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء بمدينة غزة يونيو الماضي (أ.ب)

الجيش الإسرائيلي يطالب سكان مدينة غزة وجباليا بالإخلاء الفوري جنوباً باتجاه المواصي

طالب الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين المقيمين في مدينة غزة وجباليا شمال القطاع بإخلاء منازلهم بشكل فوري مع تزايد حدة القتال بالمنطقة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
أوروبا تصاعد الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ب)

بسبب حرب غزة... الاتحاد الأوروبي يدرس إجراءات محتملة ضد إسرائيل

سيناقش وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، اليوم (الثلاثاء)، مجموعة من الإجراءات المحتمل اتخاذها ضد إسرائيل لمعاقبتها على انتهاكات لحقوق الإنسان في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (بروكسل )
المشرق العربي فلسطينيون في مدينة غزة ينتظرون تلقي مساعدات غذائية يوم الاثنين (أ.ف.ب)

«حماس» تنتظر ضغطاً أكبرمن أميركا على إسرائيل

باتت المفاوضات الرامية لإعلان هدنة في غزة بين «حماس» وإسرائيل بانتظار «ضغط أميركي أكبر» على تل أبيب. واتهمت مصادر من «حماس» إسرائيل بوضع عراقيل أمام المفاوضات

هشام المياني (القاهرة) «الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي جنود إسرائيليون خلال جنازة زميل لهم قتل في غزة (أ.ف.ب)

مقتل 3 جنود إسرائيليين وإصابة ضابط بجروح خطيرة في معارك شمال غزة

أعلن الجيش الإسرائيلي مقتل 3 جنود وإصابة ضابط بجروح خطيرة في معارك شمال غزة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

ترمب يشعر بـ«خيبة أمل» من بوتين ولكن...

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (إ.ب.أ)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب (إ.ب.أ)
TT

ترمب يشعر بـ«خيبة أمل» من بوتين ولكن...

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (إ.ب.أ)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب (إ.ب.أ)

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في مكالمة هاتفية حصرية مع «بي بي سي»، إنه يشعر بخيبة أمل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكن للكلام صلة.

وجاءت تصريحات ترمب بعد ساعات من إعلانه عن خططه لإرسال أسلحة إلى أوكرانيا وتحذيره من فرض رسوم جمركية باهظة على روسيا، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار خلال 50 يوماً.

وقال: «أنا مُحبط منه (بوتين)، لكنني لم أنتهِ منه بعد. لكنني مُحبط منه».

ولدى سؤاله عن ثقته بالزعيم الروسي، أجاب: «لا أثق بأحد تقريباً».

وعندما سُئل عن كيفية إقناع بوتين بـ«وقف إراقة الدماء»، قال: «نحن نعمل على ذلك».

وأضاف: «سنُجري محادثة رائعة. سأقول: هذا جيد، أعتقد أننا قريبون من إنجازه، ثم سيُهدم مبنى في كييف».

الناتو

إلى ذلك، أيد ترمب أيضاً حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بعد أن وصفه سابقاً بأنه منظمة عفا عليها الزمن، وأكد دعمه لمبدأ الدفاع المشترك للمنظمة.

وأكد أنه لا يزال يؤمن بالدفاع الجماعي، لأنه يعني أن الدول الصغيرة قادرة على الدفاع عن نفسها ضد الدول الأكبر.

محاولة الاغتيال

ولدى سؤاله عما إذا كانت نجاته من محاولة الاغتيال قد غيرته، قال ترمب إنه يفضل التفكير في الأمر بأقل قدر ممكن. وأضاف: «لا أحب التفكير فيما إذا كان قد غيرني».

بريطانيا

أما عن مستقبل المملكة المتحدة في العالم، فقال إنه يعتقد أنها «مكان رائع».

وتحدث عن تطلعه لزيارة غير مسبوقة إلى المملكة المتحدة في سبتمبر (أيلول) من هذا العام.

وعن أهدافه خلال الزيارة، قال ترمب: «أتمنى لكم وقتاً ممتعاً، وأُكنّ الاحترام للملك تشارلز، فهو رجل نبيل».