تتوالى نتائج الاختبارات المعملية حول متحورات «كوفيد - 19»، وهو «BA.2.86» الذي أُطلق عليه اسم «بيرولا» (Pirola)، الذي دق أجراس الإنذار لخبراء الصحة العامة حول العالم».
يأتي ذلك في محاولة لكشف حقيقة سلالة «بيرولا» وهي فرع من المتحور «أوميكرون» سريع الانتشار الذي ظهر لأول مرة في 2022. وظهرت أولى حالاته في أوائل أغسطس (آب) الماضي بالدنمارك، ثم اكُتشف بعد ذلك في دول أبرزها المملكة المتحدة، وسويسرا، وتايلاند، والسويد، بالإضافة لعدة ولايات أميركية.
وأكمل فريقان من العلماء الأميركيين تجارب معملية لاختبار الأجسام المضادة من الأميركيين الملقحين ضد الفيروس، والمصابين، لمعرفة مدى قدرتهم على درء متغيرات الفيروس المنتشرة حالياً، بما في ذلك سلالة «BA.2.86»
وكشفت نتائج التجارب عن أن المتحور «بيرولا» قد يكون أقل عدوى وأقل مراوغة للمناعة مما كان يُخشى، إذ إنه يمكن لأجهزتنا المناعية التعرف على هذا المتغير ومكافحته وكذلك، وربما أفضل قليلاً، من المتحور الفرعي المنتشر حالياً في الولايات المتحدة «XBB.1.5»، وهو سلالة فرعية من «أوميكرون» أيضاً. علاوة على ذلك، فإن الأشخاص الذين حصلوا على أقوى الاستجابات ضد متحور «بيرولا» هم أولئك الذين كانوا على بعد 6 أشهر من الإصابة بالمتحور «XBB.1.5».
وعد الباحثون أن هذا يشير إلى أن لقاحات «كوفيد - 19» المُحدّثة هذا الخريف، والمصممة لمحاربة «XBB.1.5»، ستوفر حماية إضافية ضد مجموعة من سلالات «كوفيد - 19» المنتشرة، بما في ذلك «بيرولا».
وقال مدير مركز أبحاث الفيروسات واللقاحات بمركز بيث إسرائيل ديكونيس الطبي في أميركا، الدكتور دان باروش: «لقد أظهر مختبران مستقلان بشكل أساسي أن سلالة (BA.2.86) لا تشكل مزيدا من الهروب المناعي مقارنة بالمتغيرات الحالية، وفق ما نقلته شبكة (سي إن إن) الأميركية».
وتتوافق نتائج الاختبارات الأميركية مع السلسلة الأولى من التجارب التي أجرتها المختبرات في الصين والسويد قبل أيام، والتي أظهرت أن «بيرولا» أقل عدوى ووحشية وأقل مراوغة للمناعة مما كان يُعتقد في البداية. وفي تجارب الفريق الأول استخدم «باروش» وفريقه «فيروسات زائفة»؛ حيث قاموا ببناء نتوءات فيروس «BA.2.86» وربطها بجسم فيروس مختلف. ثم أخذوا بلازما الدم، من 66 أميركياً تم تطعيمهم باللقاحات أو تعافوا مؤخراً من عدوى «XBB.1.5»، واختبروا مدى نجاح أجسامهم المضادة في تحييد 10 متغيرات فرعية من «أوميكرون» بما في ذلك «بيرولا». ووجدوا أنه عبر مجموعة من أنواع المناعة المختلفة، كان الأشخاص قادرين على تحييد سلالة «بيرولا»، وأحياناً بشكل أكثر فاعلية، من المتغيرات المنتشرة الأخرى.
وفي المختبر الآخر، استخدم الدكتور ديفيد هو، أستاذ علم الأحياء الدقيقة والمناعة في جامعة كولومبيا، وفريقه، بلازما الدم من 61 شخصاً بالغاً، 17 ممن حصلوا على 3 جرعات من لقاحات «كوفيد - 19» و25 ممن تعافوا من سلالة «BA.2.86» و19 شخصاً تعافوا من عدوى «XBB.1.5». وكانت النتائج مشابهة إلى حد كبير لنتائج فريق «باروش»، وعبر نطاق الأنماط المناعية، تمكنت الأجسام المضادة في الدم من التعرف على سلالة «BA.2.86» بالقدرة نفسها التي تعرفت بها على المتغيرات الأخرى المنتشرة. كما وجدوا أن الأشخاص الذين يتمتعون بأعلى درجة من المناعة ضد «BA.2.86» هم أولئك الذين تعافوا من عدوى «XBB.1.5» الأخيرة.
وكانت تلك النتائج مفاجئة للفريق، بسبب عدد الطفرات الكبيرة التي يحملها «BA.2.86» أو «بيرولا»، إذ توقع العلماء أنه بناءً على ما كان معروفاً عن تلك الطفرات، فقد تكون مراوغة للغاية مناعياً. وقال «باروش» إنه لم يكن متأكدا من دقة الدفعة الأولى من النتائج التي خرجت من الصين والسويد؛ لذلك عمل المختبر طوال عطلة نهاية الأسبوع لتكرار التجارب، وكانت النتائج هي ذاتها، ونحن الآن واثقون منها.
وقالت ماريا فان كيرخوف، عالمة الأوبئة ومسؤولة الاستجابة لـ«كوفيد - 19» بمنظمة الصحة العالمية، إن «المعلومات المتاحة عن السلالة المكتشفة حديثا محدودة للغاية». وكتبت على منصة «إكس (تويتر سابقاً)» أن عدداً كبيراً من الطفرات داخلها يحتاج لمراقبة وثيقة، لتتبع المتغيرات المعروفة واكتشاف المتغيرات الجديدة.
أمر معتاد
من جهته، يرى خالد أبو شنب، أستاذ الميكروبيولوجي والمناعة بكلية الصيدلة في جامعة عين شمس بمصر، أنه من الطبيعي أن يشهد العالم ظهور متحورات جديدة بسلالات «كوفيد - 19» باستمرار، لأن ذلك أمر مُعتاد في هذا النوع من الفيروسات التي تعتمد على الحمض النووي الريبوزي كالإنفلونزا؛ خصوصاً مع اختلاف فصول العام. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»، أن حدوث طفرات جديدة ينعكس دائماً على جزئيتين مهمتين، هما الاستجابة للتطعيمات المُتاحة، وقدرة السلالات على الانتشار، وهناك قاعدة مهمة هي أنه كلما كانت السلالة سريعة الانتشار، زادت فاعلية اللقاحات لمواجهتها، والعكس صحيح، وبالتالي فإن نسبة الإصابة بـ«بيرولا» ستختلف من شخص لآخر بناء على نسبة الأجسام المضادة بالجسم.
وأوضح أن الشيء المطمئن حتى الآن، بخصوص «بيرولا» وغيرها، أنه «لا تزال لدى معظم سكان العالم نسبة لا بأس بها من الأجسام المناعية المضادة - التي تحميهم بدرجات متفاوتة من الفيروس - سواء أكانت من التطعيمات السابقة، أو من العدى (تحت الإكلينيكية) التي لا تُسبب ظهور أعراض قوية للفيروس، لأنها ناتجة عن عدوى متوسطة أو أقل من المتوسطة للفيروس».