إدارة بايدن تمنح تايوان مساعدات عسكرية للمرة الأولى

بكين مستاءة وتحذّر من تقويض السلام عند المضيق

تايوانيون يلتقطون صوراً لطائرة نقل عملاقة تابعة لسلاح الجو التايواني وهي تستعد للهبوط بمطار في تايبيه في 25 أغسطس 2023 (إ.ب.أ)
تايوانيون يلتقطون صوراً لطائرة نقل عملاقة تابعة لسلاح الجو التايواني وهي تستعد للهبوط بمطار في تايبيه في 25 أغسطس 2023 (إ.ب.أ)
TT

إدارة بايدن تمنح تايوان مساعدات عسكرية للمرة الأولى

تايوانيون يلتقطون صوراً لطائرة نقل عملاقة تابعة لسلاح الجو التايواني وهي تستعد للهبوط بمطار في تايبيه في 25 أغسطس 2023 (إ.ب.أ)
تايوانيون يلتقطون صوراً لطائرة نقل عملاقة تابعة لسلاح الجو التايواني وهي تستعد للهبوط بمطار في تايبيه في 25 أغسطس 2023 (إ.ب.أ)

وافقت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمرة الأولى على مساعدات عسكرية أميركية مباشرة لتايوان بقيمة 80 مليون دولار في إطار برنامج مساعدات للحكومات الأجنبية من برنامج التمويل العسكري الأجنبي التابع لوزارة الخارجية الأميركية، وليست صفقات بيع مباشرة. وأثار القرار غضب الصين التي حذرت من أن المساعدات العسكرية الأميركية لتايوان ستضر بالجزيرة، وألقت بكين باللوم على واشنطن في توتر العلاقات بين الجانبين.

وأثار القرار الأميركي الكثير من التساؤلات، على الرغم من أن قيمة المساعدات العسكرية المقدرة بـ80 مليون دولار تعد مبلغاً صغيراً مقارنة بصفقات البيع التي أبرمتها تايوان مع الولايات المتحدة في السابق. لكن قرار منح مساعدات عسكرية لتايبيه في إطار برنامج التمويل العسكري الأجنبي، يعدّ عادة قراراً لتقديم منح أو قروض لدول ذات سيادة. وهي مساعدات يدفع ثمنها دافعو الضرائب الأميركيون.

رئيسة تايوان تساي إنغ ون خلال احتفال في قاعدة عسكرية في 23 أغسطس 2023 (أ.ف.ب)

وعلى مدار خمسة عقود، اعترفت الولايات المتحدة رسمياً ببكين فقط، ولم تعترف باستقلال تايوان وأعلنت مراراً تمسكها بسياسة الصين الواحدة واعتراضها على أي تحركات أحادية الجانب. وفي الوقت نفسه بموجب قانون العلاقات مع تايوان، يمرر الكونغرس دائماً صفقات الأسلحة لتايوان التي تتمتع بالحكم الذاتي. وكتبت وزارة الخارجية الأميركية في إخطار للمشرعين بالكونغرس: إن هذه المساعدة العسكرية لتايوان تستهدف تعزيز قدراتها في الدفاع عن نفسها من خلال القدرات الدفاعية المشتركة وتعزيز الوعي بالمجال البحري وقدرة الأمن البحري. وشددت على أن هذه المساعدات في إطار البرنامج للحكومات الأجنبية لا تعني أي اعتراف بسيادة واستقلال تايوان. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية: «تماشياً مع قانون العلاقات مع تايوان وسياسة صين واحدة القائمة منذ فترة طويلة، والتي لم تتغير، توفر الولايات المتحدة لتايوان المواد والخدمات الدفاعية اللازمة لتمكينها من الحفاظ على قدرة كافية للدفاع عن النفس». وأضاف أن «الولايات المتحدة لديها مصلحة دائمة في السلام والاستقرار في مضيق تايوان، وهو أمر بالغ الأهمية للأمن والازدهار الإقليمي والعالمي».

مقاتلة تايوانية تقلع من قاعدة عسكرية في 20 أغسطس 2023 (أ.ب)

ولم تعلن وزارة الخارجية الأميركية تفاصيل المساعدات العسكرية، لكن بعض المصادر أشارت إلى أن المساعدة العسكرية ستشمل دعماً لرفع الاستعداد العسكري البحري لتايوان وتعزيز مجموعة واسعة من القدرات، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي وأنظمة الدفاع الصاروخ ومعدات الحماية للجنود والذخيرة والدفاع السيبراني، ومن المرجح أن يستغرق وصول هذا الدعم العسكري لتايوان أشهراً عدة فقط، ويتطلب الأمر موافقة الكونغرس على هذه المساعدات العسكرية لتايوان، وهو ما يعد أمراً مؤكداً تقريباً؛ لأن المشرعين من كلا الحزبين يدعمون تايوان على نطاق واسع. وبموجب قانون تعزيز القدرة على الصمود في تايوان الذي أقرّه الكونغرس العام الماضي، يمكن للحكومة الأميركية إنفاق ما يصل إلى مليارَي دولار سنوات من المساعدات العسكرية لتايوان بدءاً من عام 2023 وحتى عام 2027.

مقاتلتان صينيتان تقلعان للقيام بدورية فوق بحر الصين الجنوبي (أرشيفية: أ.ب)

تأييد من الكونغرس

وفي أول رد فعل من المشرعين الأميركيين على قرار الإدارة الأميركية منح مساعدات عسكرية لتايوان، أشاد النائب الجمهوري مايك ماكول، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب - والمنتقد المتكرر لسياسة بايدن الخارجية - بهذه الخطوة، وقال: «هذه الأسلحة لن تساعد تايوان وتحمي الديمقراطيات الأخرى في المنطقة فحسب، بل ستعزز أيضاً موقف الردع الأمريكي وتضمن أمننا القومي في مواجهة الحزب الشيوعي الصيني المتزايد العدوانية». من جانبها، عبّرت وزارة الدفاع التايوانية عن امتنانها. وقالت في بيان قصير: إن «المساعدات ستساعد في تحقيق السلام والاستقرار الإقليميين».

تحذير صييني

وفي المقابل، عبّرت وزارة الخارجية الصينية عن استيائها الشديد ومعارضتها الحازمة للمساعدات العسكرية الأميركية لتايوان. وقال المتحدث باسم الوزارة وانغ وين بين: «إنه أمر يضر بسياسة الصين ومصالحها الأمنية ويقوض السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان وطالب الولايات المتحدة بالتوقف عن تسليح تايوان وإثارة التوترات عبر مضيق تايوان». وحذرت وزارة الدفاع الصينية أيضاً من أن المساعدات العسكرية الأميركية لتايوان ستضر بالجزيرة. وقال المتحدث وو تشيان، في مؤتمر صحافي الخميس: إن «المساعدات والمبيعات العسكرية الأميركية لتايوان لا تفيد إلا المجتمع العسكري الأميركي». وأضاف: «في هذا الصدد، سيتخذ جيش التحرير الشعبي الصيني، كما هو الحال دائماً، جميع الإجراءات اللازمة لمواجهته بحزم».

تايواني يلوّح بعلم بلاده في وزارة الدفاع بتايبيه (أرشيفية: رويترز)

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع: إن الاتصالات العسكرية بين بكين وواشنطن «لم تتوقف»، رغم التوترات بين القوتين حول مسألتَي بحر الصين الجنوبي وتايوان وقضايا أخرى. وقال: «أود التوضيح أن الاتصالات العسكرية بين الصين والولايات المتحدة لم تتوقف رغم أن العلاقات لا تزال تواجه (الكثير من الصعوبات والعقبات)». ورفضت الصين دعوة من الولايات المتحدة لعقد اجتماع بين وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ونظيره الصيني لي شانغ فو على هامش منتدى سنغافورة الدفاعي في يونيو (حزيران) الماضي. وكانت الولايات المتحدة فرضت عقوبات على المسؤول الصيني في 2018 لمزاعم تتعلق بشراء عتاد عسكري روسي. وسعت الولايات المتحدة إلى تهدئة التوترات من خلال زيارات لكبار المسؤولين الأميركيين للصين، مثل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ووزارة الخزانة جانيت يلين ووزيرة التجارة جينا رايموندو؛ على أمل تحقيق قدر أكبر من الاستقرار في العلاقات المضطربة بين اثنين من أكبر الاقتصادات في العالم. لكن تايوان ظلت نقطة خلاف واضحة، حيث يصدر المسؤولون الصينيون تحذيرات متكررة، ويرون أن الولايات المتحدة عازمة على دعم الاستقلال الرسمي للجزيرة. وأجرت الصين مناورات عسكرية كبيرة ثلاث مرات خلال ما يزيد قليلاً على عام، رداً على تفاعلات القادة التايوانيين مع الولايات المتحدة؛ مما رفع المخاوف من احتمالات أن بكين تمارس تدريبات حول تحركات للغزو. وقال مسؤولون أميركيون كبار إنهم يعتقدون أن الرئيس الصيني شي جينبينغ يتخذ خطوات بعيداً عن الوضع الراهن في تايوان، على الرغم من أن المحللين الأميركيين يناقشون إلى أي مدى يمكن للمخاوف الاقتصادية الأخيرة للصين وصراع روسيا لإخضاع أوكرانيا أن تردع بكين.


مقالات ذات صلة

فريق ترمب ينظر إيجابياً إلى اتفاق وقف النار في لبنان

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في اجتماع مؤتمر الحزب الجمهوري 13 نوفمبر 2024 في واشنطن (أ.ب)

فريق ترمب ينظر إيجابياً إلى اتفاق وقف النار في لبنان

ذكرت شبكة «سي بي إس نيوز» الإخبارية الأميركية، اليوم الثلاثاء، أن فريق الرئيس المنتخب دونالد ترمب اطلع على خطة وقف إطلاق النار في لبنان وينظر إليها بشكل إيجابي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
رياضة عالمية الأرجنتيني خافيير ماسكيرانو مدرباً لإنتر ميامي (أ.ب)

الأرجنتيني ماسكيرانو مدرباً لإنتر ميامي

أعلن إنتر ميامي المنافس في الدوري الأميركي للمحترفين لكرة القدم تعيين الأرجنتيني خافيير ماسكيرانو مدرباً للفريق.

«الشرق الأوسط» (ميامي)
العالم طائرتان مقاتلتان من طراز «ميغ - 31» تابعتان للقوات الجوية الروسية تحلّقان في تشكيل خلال عرض فوق الساحة الحمراء في موسكو بروسيا في 9 مايو 2018 (رويترز)

مقاتلتان روسيتان تعترضان قاذفتين أميركيتين قرب مدينة كالينينغراد الروسية

اعترضت مقاتلتان روسيتان من طراز «سوخوي 27» قاذفتين أميركيتين من طراز «بي - 52 ستراتوفورتريس» بالقرب من مدينة كالينينغراد الروسية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يعقد مؤتمراً صحافياً في ختام اجتماع وزراء خارجية «مجموعة السبع» في فيوجي بوسط إيطاليا في 26 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب) play-circle 01:03

بلينكن: محادثات اتفاق إطلاق النار في لبنان «في مراحلها الأخيرة»

أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الثلاثاء، أنّ الجهود الرامية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان «في مراحلها النهائية».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ جنود من الجيش الأميركي من الفرقة 82 يسيرون باتجاه قاعدة جوية أميركية بالقرب من أرلاموف في بولندا 5 أبريل 2022 (رويترز)

الجيش الأميركي يرصد طائرات مسيرة قرب قوات له في بريطانيا

قال الجيش الأميركي، اليوم الثلاثاء، إنه تم رصد طائرات مسيرة فوق ثلاث منشآت عسكرية تستضيف قوات أميركية في بريطانيا وبالقرب منها منذ أسبوع.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

خبراء لـ«الشرق الأوسط»: اتفاق وقف إطلاق النار لا يمنع عودة «حزب الله» إلى ما كان عليه

سيارة إسعاف بموقع استهدفته غارة إسرائيلية في بيروت (رويترز)
سيارة إسعاف بموقع استهدفته غارة إسرائيلية في بيروت (رويترز)
TT

خبراء لـ«الشرق الأوسط»: اتفاق وقف إطلاق النار لا يمنع عودة «حزب الله» إلى ما كان عليه

سيارة إسعاف بموقع استهدفته غارة إسرائيلية في بيروت (رويترز)
سيارة إسعاف بموقع استهدفته غارة إسرائيلية في بيروت (رويترز)

حتى الآن لا تزال مضامين اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» غير واضحة، وهل الاتفاق، الذي يبدو أنه جُزّئ بين «حزب الله» و«إسرائيل»، يعني أن يدَ «الحزب» العسكرية ستبقى طليقة في لبنان، رغم الحديث عن تحويله إلى حزب سياسي؟

«حزب الله» سيواصل سياساته

أسئلة طرحتها «الشرق الأوسط» على باحثَين أميركيين بشأن الاتفاق المتوقع توقيعه، حيث أعرب مايكل روبين، كبير الباحثين في «معهد أميركان إنتربرايز» بواشنطن، عن تخوفه من أن «يواصل (حزب الله) الاحتفاظ بقدراته لمواصلة سياساته»، فيما يقول ديفيد داود، كبير الباحثين في «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات» بواشنطن، إنه «على الرغم من أن لغة الاتفاق تبدو أقوى من لغة القرار (1701)»، فإنه لا يبدو كافياً لوقف أنشطة «حزب الله» في المستقبل.

وتتضمن مسودة اتفاق وقف إطلاق النار فترة انتقالية مدتها 60 يوماً ينسحب خلالها الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، وينتشر الجيش اللبناني في المناطق القريبة من الحدود، وينقل «حزب الله» أسلحته الثقيلة إلى الشمال من نهر الليطاني. وتتضمن الصفقة لجنة إشرافية بقيادة الولايات المتحدة لمراقبة التنفيذ ومعالجة الانتهاكات.

«المحكمة الجنائية» وأموال «حزب الله»

يقول مايكل روبين لـ«الشرق الأوسط»: «صحيح أن هناك تقدماً كبيراً، لكن من المؤسف أن اتهامات المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو قد حولت هذه الأمور إلى مسار آخر، مما أجبر بعض الوسطاء في المنطقة على وقف الزيارات المباشرة إلى القدس ومنع نتنياهو من السفر إلى دول ثالثة». وأضاف روبين: «أعظم مخاوفي بشأن (حزب الله) هو أن شبكته المالية والإجرامية في أفريقيا وأميركا الجنوبية لا تزال على حالها. وإذا وجّه (حزب الله) بنادقه نحو بقية اللبنانيين، فسوف تكون لديه الوسائل المالية اللازمة لإعالة نفسه».

وفق الاتفاق، فقد وافقت الولايات المتحدة على إعطاء إسرائيل خطاب ضمانات يتضمن دعماً للعمل العسكري الإسرائيلي ضد التهديدات الوشيكة من الأراضي اللبنانية، واتخاذ إجراءات لتعطيل عمليات مثل إعادة تأسيس الوجود العسكري لـ«حزب الله» بالقرب من الحدود، أو تهريب الأسلحة الثقيلة. وبموجب الاتفاق، ستتخذ إسرائيل مثل هذا الإجراء بعد التشاور مع الولايات المتحدة، إذا لم يتعامل الجيش اللبناني مع التهديد.

موافقة إسرائيل غير مفهومة

يقول ديفيد داود لـ«الشرق الأوسط»: «على الرغم من أن لغة الاتفاق تبدو أقوى من لغة القرار الدولي (1701)، فإنه لا يمكن تفسير موافقة حكومة نتنياهو على هذا النوع من الاتفاقات، ما دام القانون الدولي يعطي الحق لأي دولة تتعرض لهجوم، أو ترى أن هناك هجوماً وشيكاً عليها، في أن ترد عليه». وأشار إلى أن «خرق (حزب الله) الاتفاق من دون أن يتسبب في حرب جديدة وشيكة، هو أمر ممكن، إذ يمكنه، على سبيل المثال، أن يبني مصنعاً للأسلحة لا يشكل، تبعاً لمنطوق الاتفاق، تهديداً مباشراً لإسرائيل».

وقال إن «الاتفاق يضمن لـ(حزب الله) مواصلة هيمنته وسيطرته على لبنان في ظل عدم قدرة اللبنانيين على مواجهته، وعدم قدرة الجيش اللبناني على الدخول في حرب معه، والتسبب في حرب أهلية جديدة». ويعتقد داود أن «المشهد الناجم عن قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو قد يعقد الأمور، كما قد يضعه الوضع الداخلي الإسرائيلي في مأزق؛ مما قد يعرض الاتفاق إلى الانهيار... ورغم ذلك، فإننا امام اتفاق لمدة 60 يوماً، مما قد يعطي إدارة ترمب الجديدة (صدقية) بأنها دخلت في عهد خالٍ من الحروب بالشرق الأوسط، لكن لا شيء يضمن عدم انفجارها مجدداً في سنوات مقبلة إذا لم (تتم) إزالة أسبابها».