«الرفات يتفتت»... مدينة ماوي تكافح للبقاء وسط الكارثة

جهود المتطوعين تسعى لإيصال الطعام والإمدادات للعائلات المنكوبة

الحزن يسيطر على الناجين من الحريق في جزيرة ماوي بهاواي (أ.ب)
الحزن يسيطر على الناجين من الحريق في جزيرة ماوي بهاواي (أ.ب)
TT

«الرفات يتفتت»... مدينة ماوي تكافح للبقاء وسط الكارثة

الحزن يسيطر على الناجين من الحريق في جزيرة ماوي بهاواي (أ.ب)
الحزن يسيطر على الناجين من الحريق في جزيرة ماوي بهاواي (أ.ب)

أفادت وسائل إعلام أميركية بأن عدداً كبيراً من سكان مدينة ماوي، المتضررة من الحرائق، يعتمدون بشكل كبير على الجيران من أجل تأمين الغذاء وسُبل الحياة، في الوقت الذي أعلنت فيه شرطة المدينة زيادة عدد الضحايا.

ويقول قائد شرطة ماوي، جون بيليتييه، أول أمس السبت، إن أطقماً بها كلاب غطت 3 في المائة فقط من منطقة البحث، وتابع، وفق ما نقلت وسائل إعلام أميركية: «لدينا منطقة لا تقل عن 5 أميال مربعة، وهي مليئة بأحبائنا»، مشيراً إلى أنه من المرجح أن يزداد عدد القتلى، و«لا أحد منا يعرف حقاً حجمها حتى الآن».

وكان عمال الطوارئ الفيدراليون يتنقلون من خلال الرماد الذي خلّفته النيران التي دمّرت مدينة لاهاينا. وحددت الفِرق أنقاض المنازل بعلامة «X» برتقالية زاهية؛ للإشارة إلى عملية بحث أولية، وعلامة «إتش آر» عندما عثروا على رفات بشرية.

وقال قائد شرطة ماوي، جون بيليتييه، إنه جرى تفقُّد جزء صغير من المنطقة المنكوبة، والتعرف على اثنين فقط من الضحايا بسبب تفحُّم الجثث. وأضاف: «الجثث التي نعثر عليها تعرضت لحريق أدى إلى صهر المعادن»، موضحاً «علينا إجراء فحوص حمض نووي سريعة؛ للتعرف عليها». وتابع: «عندما نجمع الرفات... يتفتت».

في سياق متصل، يعتمد سكان المنطقة المنكوبة على عدد من الجيران الذين تطوّعوا لتوصيل الإمدادات للمتضررين من الحريق، فقد سارت مارينا سانشيز، وداستن أكيونا، عبر طرق متعرجة تطل على المحيط، في محاولة يائسة لإيجاد طريق إلى جزيرة لاهاينا، بعد أن جمعوا إمدادات لجيرانهم، وهي المياه والمصابيح الكهربائية والبطاريات وأغذية الأطفال وحفاضات الأطفال.

داستن أكيونا خلال التطوع لخدمة المنكوبين في ماوي (يو إس توداي)

كان هناك حاجز على الطريق يجعل من الصعب على الناس الوصول إلى الحي التاريخي الذي كان قد جرى تدميره تقريباً قبل أيام، بسبب ما أصبح أكثر حرائق الغابات فتكاً في تاريخ الولايات المتحدة الحديث، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 93 شخصاً، وتدمير ما يقرب من 2000 مبنى سكني.

متطوعون يحضرون وجبات مجانية للتبرع للعائلات في ماوي بعد التأثر بحرائق الغابات (أ.ف.ب)

وانحنت سانشيز (28 عاماً) من نافذة سيارتها، وهاتفها في يدها، محاولةً الحصول على تغطية كافية لنشر قصة على «إنستغرام» تطلب متطوعين للمساعدة في إكمال انخفاض آخر بالإمدادات، وفق ما أورد موقع «يو إس توداي».

وجمعت السيدتان سانشيز وأكيونا الإمدادات، بعد زيارة لاهاينا، والذهاب من منزل إلى منزل، وسؤال الناس عما يحتاجون إليه. اكتشف السكان والصحافيون الذين زاروا لاهاينا، الأسبوع الماضي، أن المدينة، موطن المواقع الثقافية والدينية التي تعود إلى قرون مضت، والتي يتجاوز عدد سكانها 12 ألف نسمة، قد تحولت إلى أرض قاحلة رمادية.

يأتي ذلك وسط تصاعد الغضب بسبب طريقة تعامل السلطات مع الحرائق التي أتت على إحدى مدن هاواي، وأسفرت عن مقتل 100 شخص على الأقل، في حصيلة هي الأعلى بالولايات المتحدة منذ أكثر من قرن، وفق ما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية».

رجال إطفاء الحرائق خلال محاولة السيطرة على الحريق في ماوي (رويترز)

وتضرَّر أو دُمّر أكثر من 2200 مبنى في لاهاينا جرّاء الحرائق، وفق التقديرات الرسمية، مما تسبَّب في تشريد الآلاف، وكلّف خسائر بقيمة 5.5 مليار دولار. وأطلقت سلطات هاواي تحقيقاً بشأن طريقة التعامل مع الحرائق، بعدما أكد السكان عدم تلقّيهم تحذيرات.

واستحالت مدينة لاهاينا، المقر السابق للعائلة الحاكمة زمن الملكية في هاواي، والتي يتجاوز عدد سكانها 12 ألف نسمة، إلى أنقاض، وتحولت فنادقها ومطاعمها النابضة بالحياة إلى رماد، وطال اللهب شجرة قائمة في وسط المدينة منذ 150 عاماً، لكنها نَجَت رغم تضرر أغصانها وفروعها.

وحذّر حاكم الولاية جوش غرين من أن العدد سيرتفع. وقال غرين: «سيستمر في الارتفاع. نريد أن نُعِدّ الناس لذلك».

متطوعون يحضرون الطعام للتبرع به للعائلات المتضررة في غرب ماوي (أ.ف.ب)

وتجعل الحصيلة الجديدة هذا الحريق الأكثر فتكاً في الولايات المتحدة منذ عام 1918، عندما قضى 453 شخصاً في مينيسوتا وويسكونسن، وفق «الرابطة الوطنية للحماية من الحرائق» غير الربحية، كما تجاوز عدد القتلى حصيلة حريق كامب فاير في كاليفورنيا عام 2018 الذي محا فعلياً بلدة بارادايس الصغيرة من الخريطة وأودى بحياة 86 شخصاً.

بكاء الحاضرين في صلاة كنسية بجزيرة ماوي الأميركية حزناً على الضحايا (أ.ب)

كانت الشرطة تقيّد الوصول إلى غرب ماواي؛ لأن الجزيئات السامّة من المناطق التي لا تزال مشتعلة يمكن أن تضر الناس. وقالت مقاطعة ماوي إنه في غضون ذلك جرى تطبيق تحذير بشأن المياه غير المأمونة في منطقتي لاهاينا وكولا العليا، حيث جرت استعادة بعض المياه الجارية.

وأعلن الرئيس جو بايدن، أمس الأحد، أنه يعتزم التوجه إلى هاواي، في ضوء فداحة الكارثة.

شجرة ضخمة سقطت بفعل الرياح الشديدة في ماوي (أ.ف.ب)

تأتي حرائق ماوي في أعقاب ظواهر مناخية قاسية أخرى في أميركا الشمالية، هذا الصيف، حيث لا تزال حرائق الغابات مستعرة في أنحاء كندا، فضلاً عن موجة حر شديد في جنوب غربي الولايات المتحدة.

كما عانت أوروبا وأجزاء من آسيا ارتفاع درجات الحرارة وفيضانات كبيرة مدمرة. ويقول العلماء إن ظاهرة الاحتباس الحراري التي يسببها الإنسان تؤدي إلى تفاقم المخاطر الطبيعية، مما يجعلها أكثر تواتراً وفتكاً.


مقالات ذات صلة

الاتحاد الأوروبي: الفيضانات وحرائق الغابات تظهر أن الانهيار المناخي بات القاعدة

العالم حريق غابات في قرية فيغا بأغويدا في البرتغال - 17 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

الاتحاد الأوروبي: الفيضانات وحرائق الغابات تظهر أن الانهيار المناخي بات القاعدة

حذّر الاتحاد الأوروبي من الفيضانات المدمّرة وحرائق الغابات التي تظهر أن الانهيار المناخي بات سريعاً القاعدة، مؤثراً على الحياة اليومية للأوروبيين.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أميركا اللاتينية دخان الحريق يتصاعد في تلال تينغوا (أ.ف.ب)

جهود مضنية لمكافحة آلاف الحرائق في البرازيل

تواصل البرازيل مكافحة عشرات آلاف الحرائق التي يغذيها أسوأ جفاف تشهده البلاد حيث أصبحت مدن كبرى مثل ريو دي جانيرو وساو باولو، مهددة.

«الشرق الأوسط» (ساو باولو)
أوروبا طائرة تلقي بمواد كيمائية لإطفاء حريق في جبال هارتس الألمانية (أ.ب)

استدعاء طائرات الإطفاء لمكافحة حريق غابات هائل في ألمانيا

كثف رجال الإطفاء، السبت، جهودهم للسيطرة على حريق غابات هائل في جبال وسط ألمانيا أجبر المئات على الإخلاء.

«الشرق الأوسط» (فرانكفورت)
أميركا اللاتينية عنصر إطفاء يحاول إخماد الحريق في حقول قصب السكر قرب مدينة دومون البرازيلية (رويترز)

البرازيل تكافح حرائق الغابات... وتحقق في أسبابها (صور)

أعلنت وزيرة البيئة البرازيلية مارينا سيلفا، أمس (الأحد)، أن البرازيل «في حالة حرب مع الحرائق والجريمة»، في وقت أُعلِنت فيه حالة الطوارئ في 45 مدينة.

«الشرق الأوسط» (ريبيراو بريتو (البرازيل))
أميركا اللاتينية انخفاض الرطوبة وارتفاع الحرارة متخطية 35 درجة مئوية يفاقم الظروف المواتية للحرائق (رويترز)

استدعت إصدار أعلى درجات التحذير... حرائق غابات تستعر في البرازيل

امتدت حرائق غابات أمس (الجمعة) في أنحاء ولاية ساو باولو، أكثر ولايات البرازيل اكتظاظاً بالسكان، ما استدعى إصدار أعلى درجات التحذير في 30 مدينة.

«الشرق الأوسط» (برازيليا)

نيفادا... «ولاية الفضّة» التي تحمل الرؤساء الأميركيين إلى البيت الأبيض

ترمب خلال تجمّع انتخابي في لاس فيغاس بنيفادا في 13 سبتمبر (رويترز)
ترمب خلال تجمّع انتخابي في لاس فيغاس بنيفادا في 13 سبتمبر (رويترز)
TT

نيفادا... «ولاية الفضّة» التي تحمل الرؤساء الأميركيين إلى البيت الأبيض

ترمب خلال تجمّع انتخابي في لاس فيغاس بنيفادا في 13 سبتمبر (رويترز)
ترمب خلال تجمّع انتخابي في لاس فيغاس بنيفادا في 13 سبتمبر (رويترز)

لا يستطيع أي من المرشحَيْن الرئاسيَّيْن في الولايات المتحدة؛ نائبة الرئيس كامالا هاريس، والرئيس السابق دونالد ترمب، أن يُسلِّم بأن نيفادا محسوبة عليها أو عليه، وعلى الجمهوريين أو الديمقراطيين، قبل أن يُسقط ناخبو هذه الولاية المتأرجحة أوراق اقتراعهم في صناديق انتخابات 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. غير أن كلا الجانبين يدرك حقيقةً بدأت مع نيفادا، عندما أصبحت الولاية السادسة والثلاثين في الاتحاد الأميركي عام 1864. منذ ذلك التاريخ تناوب الحزبان الجمهوري والديمقراطي على حكمها بالتساوي تقريباً. وعلى الرغم من أن لديها ستة أصوات فقط في المجمع الانتخابي، من أصل 538 صوتاً، تدرك هاريس ويعرف ترمب أن أكثرية من وصلوا إلى البيت الأبيض قبلهما فازوا أيضاً في نيفادا. فمن الانتخابات الرئاسية الأربعين التي شاركت فيها نيفادا منذ عام 1864 إلى عام 2020، صوتت الولاية للمرشح الفائز 33 مرة. وفي الانتخابات الرئاسية الـ23 منذ عام 1912، ذهبت أصواتها الانتخابية إلى المرشح الرئاسي الفائز في جميع الانتخابات باستثناء اثنتين في عامي 1976 و2016.

«ولاية الفضّة»

ارتدت نيفادا، المعروفة بـ«ولاية الفضّة» لأهمية هذا المعدن في اقتصادها، مرات اللون الأحمر الجمهوري، ومرات أخرى الأزرق الديمقراطي، فصارت مجازاً ولاية بنفسجية متأرجحة. وعلى غرار توازناتها في الخيارات الرئاسية، قدمت نيفادا طوال تاريخها تمثيلاً متساوياً من الحزبين على المستوى الفيدرالي: 14 سيناتوراً في مجلس الشيوخ و20 عضواً في مجلس النواب من كلا الحزبين. وعلى مستوى الولاية، شهدت نيفادا 31 حاكماً للولاية: 15 من الجمهوريين و12 من الديمقراطيين، واثنان من «الحزب الفضي» الذي نشط في مطلع القرن العشرين، و«الحزب الديمقراطي الفضي». ولاحقاً، جرى استيعاب الديمقراطيين الفضيين في النهاية في الحزب الديمقراطي.

هاريس برفقة أنصارها بلاس فيغاس في 29 سبتمبر (أ.ف.ب)

وبعد تقلبات عديدة خلال القرن العشرين على خلفية سك عملات الفضة وقضايا أخرى في الولاية، ذهبت نيفادا مرات للديمقراطيين ومرات أخرى للجمهوريين، مع تغيّر أكبر بدأ بحلول عام 2004، حين تحول المدّ السياسي نحو الديمقراطيين بسبب جهودهم القوية لتشجيع الناخبين على التصويت. وبرز بينهم «اتحاد الطهاة»، الذي يمثل أكثر من 60 ألف عامل في مجال الضيافة، والذي ضغط لتسجيل أعضائه من الشباب واللاتينيين والسود والآسيويين كناخبين، فضلاً عما يسمى «آلة ريد» (على اسم زعيم الأكثرية في مجلس الشيوخ الراحل هاري ريد)، وهي تحالف فضفاض من الجماعات التقدمية التي حافظت على سيطرة الديمقراطيين على المجلس التشريعي للولاية، باستثناء دورة عام 2015، وكذلك على مجلس الشيوخ باستثناء الدورة ذاتها.

وخلال الحملات الانتخابية الحالية، انفجر موضوع له صدى خاص بين عمال نيفادا، وهو إلغاء الضرائب الفيدرالية على الإكراميات، فأعلن ترمب أمام حشد في لاس فيغاس أنه ينوي التخلص من هذه الضرائب إذا انتُخب. وسارعت منافسته هاريس إلى تأييد الفكرة خلال توقف لحملتها أيضاً في لاس فيغاس، لكنها قرنت الاقتراح بوعد برفع الحد الأدنى للأجور الفيدرالية.

مليارات لاس فيغاس

ومع أنها تحتضن لاس فيغاس، «مدينة الإثم» والقمار التي تدور في لياليها ودواليبها عشرات المليارات من الدولارات كل عام، بالإضافة إلى تدفق الزوار إليها من أجل حضور المؤتمرات ومباريات كرة القدم، مما عزز انتعاشها بعد حال الركود خلال جائحة «كوفيد-19»، لا تزال الهواجس الاقتصادية تهيمن على الناخبين في هذه الولاية المتأرجحة. ولا تزال معدلات البطالة وتكاليف المعيشة مرتفعة، وهما عاملان متوازيان يحركان الناخبين، الذين يقول ربعهم في نيفادا إن الاقتصاد هو القضية الرئيسية بالنسبة لهم، طبقاً لاستطلاع أجرته أخيراً صحيفة «نيويورك تايمز» بالتعاون مع «سيينا كولدج».

جانب من فعالية انتخابية بلاس فيغاس في 29 سبتمبر (أ.ف.ب)

وأكد الاستطلاع أن القضايا المثيرة للجدل يرجح أن تظهر على بطاقات الاقتراع، ومنها حقوق الإجهاض، ومتطلبات تحديد هوية الناخب، والسماح للمعلمين بالإضراب في الولاية التي تعتنق الشعار الشهير «ما يحدث هنا يبقى هنا»، على الرغم من أنها كانت محافظة سياسياً حتى بين الديمقراطيين.

ووسط التوازنات الانتخابية والوضع غير العادي في نيفادا قبل معركة الانتخابات في 5 نوفمبر 2024، سيبقى المشهد السياسي غامضاً بين الجمهوريين والديمقراطيين، ليس فقط على مستوى الانتخابات الرئاسية، بل أيضاً على المستوى الفيدرالي الخاص بالولاية.

وخلال الانتخابات المقبلة، سيكون التكهن بالنتائج في نيفادا مجرد ضرب في الرمل؛ لأن عدد غير الحزبيين يفوق الآن عدد الناخبين المسجلين في كل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري. وتُظهِر بيانات مكتب أمين الولاية أن الناخبين غير المنتمين إلى أي حزب يشكّلون 33.8 في المائة من الناخبين المسجلين، مقارنة بـ30.3 في المائة من الديمقراطيين و28.8 في المائة من الجمهوريين.

وديموغرافياً، تعكس نيفادا التنوع الاجتماعي الموجود في الولايات المتحدة عموماً. فلديها عدد كبير من السكان من أصل لاتيني وآسيوي، وكلا الحزبين يتنافسان على هؤلاء الناخبين.