تتراكم الاتهامات الموجّهة بحق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، لتصل إلى أكثر من 78 تهمة جنائية في سابقة في التاريخ الأميركي.
ويستعرض تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين «الشرق الأوسط» و«الشرق»، مصير الرئيس السابق، وما إذا كانت قضاياه ستصل إلى المحكمة العليا، وسط تحذيرات من زعزعة أسس الديمقراطية الأميركية، كما ينظر في سر ازدياد الدعم الشعبي له مع تزايد الاتهامات.
جريمة أم حرية تعبير!
يعتمد فريق دفاع ترمب على استراتيجية مثيرة للجدل، تقضي بالقول إن الرئيس السابق استعمل التعديل الأول من الدستور للطلب من نائبه حينها مايك بنس تغيير نتيجة الانتخابات. حجة يناقضها المدعي العام الفيدرالي السابق بول بيليتييه، الذي أشار إلى أن «كل جريمة في الولايات المتحدة تقريباً تتضمّن شكلاً من أشكال حرية التعبير. لكن هذا لا يعني أنها ليست جريمة». وذكر بيليتييه لائحة الاتهامات بحق ترمب، فقال: «نحن لا نتّهم الرئيس السابق ترمب بجريمة استناداً إلى خطاب ما، بل بجريمة تستند إلى ما كان يفعل بهذا الخطاب. وهذا ما ذكره المحقق الخاص جاك سميث عندما قال إن الرئيس شجّع الشعب على خرق القانون وشارك في هذه الجريمة مع الشعب».
يعارض ديفيد شون، محامي ترمب السابق الذي مثّله في محاكمة عزله السابقة، مقاربة فريقه الدفاعي الحالي، لكنه يشير في الوقت نفسه إلى رفضه تجريم الرئيس السابق في أحداث 6 يناير (كانون الثاني).
ويفسر شون وجهة نظره قائلاً: «أعلم من دون أي شك أن الرئيس ترمب كان ولا يزال مقتنعاً بأن الانتخابات سُرقت منه. قد لا يوافق الكثير على ذلك، لكن على ما يبدو 75 مليون شخص من مناصريه يوافقونه الرأي». ويتابع شون: «لكن لنفترض أن هذا التصريح خاطئاً ولم تسرق الانتخابات منه، أي لم يكن هناك أي تزوير في الانتخابات. لقد نُصح الرئيس ترمب في ذلك الوقت من قِبل المحامين الذين استشارهم وصدّق هذه النصائح، لذلك فقد قام، بصفته رئيساً للولايات المتحدة، باتخاذ ما يعتقد أنها الإجراءات اللازمة لضمان نزاهة الانتخابات والتعويض عما يعتقد أنه تزوير للانتخابات».
تغيير موقع المحاكمة!
يدعو ترمب وفريقه الدفاعي إلى نقل محاكمته في قضية 6 يناير إلى خارج العاصمة واشنطن، بسبب ما وصفوه بانحياز النظام القضائي ضد الرئيس السابق هناك. لكن زاك شونفيلد، المراسل والكاتب القانوني في صحيفة «ذا هيل»، يتحدث عن صعوبة المهمة، بل استحالتها. فيقول: «يبدو أن الرئيس السابق يواجه معركةً شاقة إذا ما حاول نقل المحاكمة إلى خارج واشنطن العاصمة. فعلى فريقه أن يثبت أن ما حددته المحكمة العليا للولايات المتحدة كمعيار لسابقة استثنائية، هو المعيار الذي اعتمدته في قضايا سابقة لنقل المحاكمة إلى خارج منطقتها القانونية». ويشير شونفيلد إلى أن ترمب أعرب عن رغبته في نقل المحاكمة إلى ولاية فيرجينيا المجاورة للعاصمة؛ لأنها أكثر «ودية سياسياً» تجاهه. لكنه يحذّر: «هناك عدد كبير من المحاكمات والقضايا لشخصيات شعبية، التي حاول فريق الدفاع نقلها، لكن في معظم الحالات كان يتم رفض تلك المحاولات».
تسييس الاتهامات
يكرر الرئيس السابق اتهاماته لوزارة العدل بتسييس الاتهامات الموجهة بحقه؛ لأنه يخوض السباق بمواجهة الرئيس الحالي جو بايدن. وهذه نظرية يتوافق معها محاميه السابق ديفيد شون، الذي انتقد المحقق الخاص في قضايا ترمب جاك سميث قائلاً: «نعم، أعتقد أن الاتهامات مسيّسة. وأنا لست من محبي جاك سميث؛ إذ أعتقد أنه أظهر سوءاً فظيعاً في الحكم سابقاً، وكل من تعامل معه في جانب الدفاع يؤكدون أنه يتغاضى عن الكثير».
وأشار شون إلى أن «توقيت القضية في موسم انتخابي يعكس الحافز السياسي»، مضيفاً: «أعتقد أن فكرة أن وزارة العدل أو القضاء لا يتدخل سياسياً أو لا يملك أجندة سياسية هي فكرة سخيفة جداً».
تصريح أثار غضب بيليتييه، الذي عمل في وزارة العدل مدعياً فيدرالياً، فقال معترضاً: «إن فكرة وجود دوافع سياسية بطريقة أو بأخرى هي فكرة لا قيمة لها، وهذا أمر لا يحدث في وزارة العدل الحالية، فأنا أعرف هؤلاء الأشخاص. هم مدعون عامون ويشغلون مناصبهم منذ وقت طويل، وليست لديهم أي دوافع سياسية على الإطلاق». وأضاف بيليتييه أن الرئيس السابق يستعمل هذه الحجج لجذب مناصريه، قائلاً: «قد يعدّ هذا التصريح جذاباً، خصوصاً بالنسبة إلى مناصريه، لكن ليست هناك أي حقيقة أو دليل على ذلك».
قضية هانتر بايدن
وفي محاولة لدحض اتّهامات تسييس القضاء، أعلن وزير العدل ميريك غارلاند الجمعة تعيين محقّق خاص في قضية هانتر، نجل الرئيس جو بايدن، الذي يتهمه القضاء بالتهرب الضريبي، فيما تتهمه المعارضة الجمهورية بالقيام بصفقات مشبوهة في الخارج.
وقال غارلاند إنه قرر تعيين المدعي العام لديلاوير، المسؤول عن القضية، دايفيد ويس، في هذا المنصب بناء على طلبه.
وفيما يشير محامي ترمب السابق، دايفيد شون، إلى أن تفاعلات قضية هانتر بايدن هي خير دليل على وجود تدخل سياسي في القضاء، يؤكد المدعي العام السابق بول بيليتييه أن المقارنة بين ملفي ترمب وهانتر بايدن مقارنة خاطئة. وأوضح: «هانتر بايدن ليس شخصية سياسية، وليس هناك أي دليل (...) على الإطلاق على تورّط أي شخص من إدارة بايدن في أعماله». أما الكاتب القانوني زاك شونفلد، فقد أشار إلى تدهور ثقة الجمهوريين بالنظام القضائي الأميركي، قائلاً: «إذا ما نظرنا إلى أرقام استطلاعات الرأي على مدى العقد الأخير، وتحديداً إلى ثقة الجمهوريين في الوكالات الحكومية، مثل (إف بي آي) ووزارة العدل وغيرهما من وكالات تطبيق القانون، فإننا نلاحظ تراجعاً حاداً على مدى السنوات الأخيرة. وهذا أمر مثير للاهتمام، إذ يتماشى مع الاتهامات التي شهدناها من دونالد ترمب وغيره ضد وزارة العدل ووكالات إنفاذ القانون».
استطلاعات الرأي
وبالفعل، تُثبت استطلاعات الرأي نجاح استراتيجية ترمب مع مؤيديه؛ إذ لا يزال الرئيس السابق في صدارة المرشحين الجمهوريين، كما أن الناخب الجمهوري لم يتأثر بحجم الاتهامات الموجهة بحقه. ويتحدث شونفيلد عن الأرقام قائلاً: «عندما نطرح السؤال؛ هل تؤذي هذه التهم ترمب؟ فأول ما يقوله فريقه الدفاعي هو؛ انظروا إلى أرقام الاستطلاعات ومدى تقدّمه. فهو من دون أي شك المرشح الأول للحزب الجمهوري لانتخابات 2024، ومع كل اتهام جديد أو تطور جديد في إحدى قضاياه، فإن ذلك يجبر منافسيه على التقدّم والإدلاء برأيهم في هذه التهم الجديدة».
ويشير شونفيلد إلى أن التركيز الإعلامي على ترمب يساعده في التقدم في الانتخابات، خاصّة أن أغلبية الأسئلة التي تطرح على منافسه تتمحور حوله، فيضيف قائلاً: «هذا ما يسمح لترمب بالمحافظة على تقدّمه في الحزب الجمهوري؛ لأنه يحظى بكل هذا الاهتمام في هذه الحملة. ورغم أن بعض منافسيه في الحزب الجمهوري يرغبون في تخطي قضية هذه التهم والتركيز على حملاتهم الانتخابية الخاصة، فهم مجبرون مراراً وتكراراً على تقديم التصاريح والاستمرار بالتحدّث عن دونالد ترمب».
قضية جورجيا
بالإضافة إلى التهم الفيدرالية الـ78 التي يواجهها ترمب، تتوجه الأنظار إلى ولاية جورجيا، حيث يتوقع صدور اتهامات جديدة بحق الرئيس السابق الأسبوع المقبل في قضية الدفع للغش في الانتخابات. وهي اتهامات يقول البعض إنها الأخطر حتى الساعة بحق ترمب؛ لأنه لن يتمكن من العفو عن نفسه في هذه التهم في حال فوزه بالرئاسة. ويفسر بيليتييه هذه المقاربة قائلاً: «إن العفو الذي يمكن أن يمنحه الرئيس الحالي، ينطبق على التهم الفيدرالية فقط. لا يمكن للرئيس أن يعفو عن نفسه أو عن أحد لخرقه قانون الولاية. لن يتمكن بايدن من العفو عنه، لن يستطيع أحد العفو عنه إذا ما أُدين بهذه التهم».
من ناحيته، يكرّر شون أن اتهامات جورجيا المتوقعة هي كذلك مسيسة «من دون شك»، مضيفاً: «المدعية العامة هناك مرشّحة لمنصب في الإدارة، وهي في دائرة انتخابية يعتقد أنها تدعم توجيه الاتهامات للرئيس السابق».
المحكمة العليا و«بث» المحاكمات
يعدّ شونفيلد، الذي يغطّي أخبار المحاكم وتطوراتها في الولايات المتحدة، أن احتمالات وصول قضايا ترمب إلى المحكمة العليا للبتّ فيها عالية جداً. ويقول: «أعتقد أن هناك فرصة بأن تقوم المحكمة العليا بالتدخل، وقد يكون ذلك في قضية من هذه القضايا أو في جانب واحد من إحدى القضايا. إذن، هنا لا يمكننا سوى الانتظار لنرى ما سيحدث. لكن في الحقيقة هذا نوع من المماطلة التي تصبّ لمصلحة ترمب».
ويشير شونفيلد إلى أن فريق دفاع ترمب سيعتمد على إجراءات استئناف كثيرة للدفع بتاريخ المحاكمات وتأجيل البتّ فيها، حتى حال إدانته. ويرجح شونفيلد أن قضية جورجيا «ستضفي ديناميكية جديدة على الساحة»، قائلاً: «مقارنةً بالقضايا الثلاث الأخرى التي لم تبث على التلفزيون، هناك فرصة بأن يتم نقل محاكمة جورجيا وإجراءاتها في بث مباشر. فهذه هي طريقة عمل نظام محاكم جورجيا والقوانين التي يتبعونها في ما يتعلق بوجود الكاميرات في قاعات المحاكم».
ويذكر بأن القرار في هذا الشأن غير نهائي بعد؛ لأن «هذه ليست قضية عادية». لكن إذا نُشرت وقائع المحاكمة مباشرة، «قد يستطيع الشعب الأميركي والعالم حقيقةً رؤيته مباشرة وهو يقرّ بعدم الذنب لهذه التهم». الأمر الذي قد يؤثر على الرأي العام الأميركي.