تحليل سياسي
لا تزال أصداء تصويت الكنيست على تمرير الجزء الأول من خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للتعديلات القضائية، تثير الكثير من الجدل والتساؤلات حول أسباب فشل إدارة الرئيس بايدن في التأثير على نتنياهو والقادة الإسرائيليين، للعدول عن تمرير التعديلات، وإرجاء التصويت حتى يُتوصل إلى اتفاق وإجماع موسع، بعد احتجاجات حاشدة زعزعت فكرة أن إسرائيل دولة ديمقراطية، ووضعت حكومة نتنياهو فوق صفيح ساخن.
ولسنوات ظلت إسرائيل تقول إنها الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وإنها الدولة الوحيدة الديمقراطية في المنطقة وليست ثيوقراطية أو أوتوقراطية مثل جيرانها. والآن أصبح هذا الادعاء محل شكوك، ليس فقط خارج إسرائيل وإنما داخل أوساط وأطياف واسعة في إسرائيل. ومن المرجح أن يتبع تمرير الكنيست جزءاً من التعديلات ضربات أخرى واحتجاجات أخرى، تستمر فترة طويلة، وتضع الإدارة الأميركية في موقف حرج.
وأثارت هذه الأزمة الجدل حول مدى تأثير هذا العناد الإسرائيلي من قبل نتنياهو لتمرير التعديلات، على ما تسميه الإدارة الأميركية وإسرائيل «العلاقة الخاصة» القوية والروابط التي لا تنفك بين واشنطن وتل أبيب. وفي حين يلقي المحللون باللوم في هذه الأحداث على عاتق رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف من القوميين اليهود، يلقون أيضاً باللوم على إدارة بايدن وتجاهلها الاعتراف بانحراف إسرائيل نحو الاستبداد، وإنكار الحقوق الأساسية للفلسطينيين والتوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية دون رادع.
التسامح المشين
ويشير محللون إلى أن التسامح المشين من الإدارات الأميركية المتعاقبة للتصرفات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، دفع حكومة نتنياهو إلى هذا التحدي سراً وعلناً، وإلى تحريف تحذيرات بايدن بأنها «تدخل في الشأن الإسرائيلي»، ما أدى إلى توتر العلاقات وقيام بايدن باتخاذ خطوة غير عادية في التواصل مع كاتب العمود في صحيفة «نيويورك تايمز» توماس فريدمان لمساعدته على إيصال حقيقة ما قاله لرئيس الوزراء الإسرائيلي، حتى لا يتمكن نتنياهو من الاستمرار في تحريف كلام بايدن كما كان يفعل. واتهم بايدن علناً حكومة إسرائيل في مقابلة مع شبكة «سي إن إن»، بأنها «الأكثر يمينية وتطرفاً» منذ عهد غولدا مائير.
وقد وصف أرون ديفيد ميللر، الباحث السياسي الذي عمل في إدارات جمهورية وديمقراطية سابقة، الوضع في إسرائيل، بالخطير على هوية إسرائيل والمشكلة الكبيرة التي لن يجري حلها في أي وقت قريب. وقال ميللر لشبكة «سي إن إن»، إن التصويت ليس على مجرد إصلاح قضائي أو عبء قضائي، وإنما يتعلق بهوية إسرائيل، وما تسعى إليه حكومة يمينية أصولية متطرفة مدفوعة بأجندة خاصة من ضم الضفة الغربية وفرض القيم الدينية المتطرفة؛ ولذا خرج الإسرائيليون إلى الشوارع لحماية الديمقراطية.
وأشار ميلر، إلى أن التصويت ستكون له تكلفة سياسية، وأن الرئيس بايدن سيستيقظ على حقيقة أنه «لم يعد يتعامل مع بنيامين نتنياهو القديم الحذر الذي يخطو خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء»، وإنما مع مجازفة يائسة من بنيامين نتنياهو المستعد للقيام بأي شيء لإبقاء هذه الحكومة اليمينية المتطرفة، وهو في مأزق الآن.
لا تكلفة للمعارضة
ويرجع بعض المحللين أسباب فشل إدارة بايدن في التأثير على نتنياهو وحكومته، إلى أن القادة الإسرائيليين لديهم قناعة أنه لا توجد تكلفة لمعارضتهم ولا يوجد ثمن يدفعونه لمعارضة الإدارة الأميركية. وجميع القادة الأميركيين والمشرعين على مدى السنوات الماضية قطعوا وعوداً صارمة بالوقوف مع إسرائيل، بعض النظر عما تقوم به، وهو ما دفع نتنياهو إلى هذا التحدي، وهو يعرف أن السياسيين في الولايات المتحدة سوف يتسترون - كالعادة - على جرائم إسرائيل، وكما جرى في السابق سيمنعون أي خطوات أممية أو دولية لاتخاذ إجراءات ضد إسرائيل.
وحتى مع أصوات دعت إلى قطع المساعدات الأميركية لإسرائيل من قبل مؤيدين للعلاقة التقليدية «القوية» بين الولايات المتحدة وإسرائيل، مثل سفيري الولايات المتحدة السابقين لدي إسرائيل مارتن أنديك ودانيال كيرتزر، الذين دعوا إلى ما كان صعباً قوله سابقاً، وهو وقف أو تجميد المساعدات العسكرية لإسرائيل. وأشاروا أنه لا يمكن أن تستمر المساعدات العسكرية لإسرائيل «شيكاً على بياض»، ويجب أن تكون مرتبطة بمصالح الولايات المتحدة، وحالياً لا تعمل حكومة نتنياهو وفقاً للمصالح الأميركية.
اليهود في الانتخابات
جانب من أسباب الضعف الأميركي تجاه الأزمة في إسرائيل، يرجع إلى التأثير السياسي لأي تحولات في الدعم الأميركي لإسرائيل على أوساط الناخبين الأميركيين من اليهود والمسيحيين الإنجيليين، الذين قد يغيرون اتجاهاتهم التصويتية وفقاً لبوصلة العلاقات الأميركية الإسرائيلية.
وهناك دور نشط لمنظمة «إيباك وجي ستريت» واللوبي اليهودي، في إقامة العلاقات المتشابكة مع المسؤولين الأميركيين ووسائل الإعلام، بما يضمن خطاً مؤيداً لإسرائيل لا يمكن الخروج عنه.
في الوقت نفسه تضع إسرائيل خطوطاً حمراء على أي انتقادات أو هجوم على سياسات إسرائيل، تتم ترجمتها إلي حملة لمعاداة السامية وإلصاق التهم بكل من يحاول انتقاد إسرائيل.
وكل هذه الأسباب دفعت الكثير من قادة الحزبين الجمهوري والديمقراطي، إلى الإحجام عن توجيه انتقادات قوية وكافية لنتنياهو، سواء حينما قام بهدم المستوطنات الفلسطينية أو حين دفع بالتعديلات القضائية.
ولا يبدو واضحاً أنه توجد حلول لهذه المشكلة. ويشير بعض المحللين إلى إمكان سقوط حكومة نتنياهو، وبالتالي يمكن للحكومة القادمة إلغاء هذه التعديلات القضائية. لكن هذا الأمر يصطدم بفكرة أن إسرائيل ليس لديها دستور مكتوب يضع حدود ومسؤوليات الحكومة، وحقوق المواطنين ودور المحاكم، ويحقق فصلاً للسلطات وحماية للحريات.
المخاطر والأضرار
لكن الضرر الذي حدث لا يمكن غض البصر عنه وسيكون من الصعب ترديد عبارات العلاقة الخاصة والقيم والمبادئ المشتركة بين البلدين، لأن خطة نتنياهو وفقاً لرؤية الإدارة الأميركية تسعى لتجريد المحكمة العليا الإسرائيلية من سلطاتها ومن قدرتها على مراقبة الحكومة، وبالتالي لم تعد هناك قيم مشتركة يمكن الترويج لها.
ويطالب الخبراء والمشرعون الإدارة الأميركية بإعادة تقييم العلاقة والقيام بإجراءات حاسمة؛ لأن مضي حكومة نتنياهو في هذا العناد قد يؤدي إلى خطوات أخرى خطيرة منها بناء مزيد من المستوطنات في الضفة العربية على الأراضي الفلسطينية؛ ما يجعل فكرة السلام بعيدة المنال ومستحيلة، ويدفن فكرة حل الدولتين دون فرص لإنعاشها.
والسيناريوهات المتوقعة أن يكون نتنياهو قادراً على إضافة مسؤولين فاسدين إلى المناصب العليا، وقد يحل نتنياهو - الذي يواجه محاكمة فساد - محل المدعي العام الآن بعد أن جرى تشويه سمعة المحكمة العليا واتهامها بالتسييس.
وقد يتابع الآلاف من جنود الاحتياط العسكريين الإسرائيليين تهديداتهم بالامتناع عن التدريب والخدمة بسبب الإصلاح الشامل، ما يقوض الأمن القومي، ويفرض على إدارة بايدن التدخل بقوة.