كيسنجر يطفئ شمعته الـ100 وسط سجالات حول إرثه الدبلوماسي

حلوى في نيويورك... ومعايدة صينية في كونيتيكيت... ورحلتان إلى لندن ومسقطه الألماني

TT

كيسنجر يطفئ شمعته الـ100 وسط سجالات حول إرثه الدبلوماسي

تكريم كيسنجر على مسيرته الدبلوماسية في البنتاغون في مايو 2016 (أ.ف.ب)
تكريم كيسنجر على مسيرته الدبلوماسية في البنتاغون في مايو 2016 (أ.ف.ب)

دخل هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي ومستشار الأمن القومي سابقاً، عامه المائة السبت، ودشن الاحتفالات بتكريم أقامه له نادي نيويورك الاقتصادي النخبوي، الثلاثاء، بشموع على قالب حلوى من الشوكولاته، فيما لا يزال إرثه السياسي والدبلوماسي يثير كثيرا من الإعجاب مقابل كثير من الانتقاد.

وفي المناسبة، كتب ديفيد كيسنجر في صحيفة «واشنطن بوست» أن الذكرى المئوية لوالده «قد يكون لها جو حتمي لأي شخص على دراية بقوة شخصيته وحبه للرمزية التاريخية. لم يعش فقط بعد معظم أقرانه والمنتقدين البارزين والطلاب، ولكنه أيضاً ظل نشطاً بلا كلل طوال التسعينات من عمره». وأضاف أن والده سيحتفل هذا الأسبوع بزيارات إلى نيويورك ولندن ومسقط رأسه فورث بألمانيا.

تهنئة صينية

كيسنجر ورئيس الوزراء الصيني السابق في لقاء سري ببكين في يوليو 1971 (أ.ف.ب)

ولعل الزيارة التي قام بها السفير الصيني الجديد لدى واشنطن، شيه فينغ، لكيسنجر الجمعة في مزرعته ببلدة كنت في ولاية كونيتيكيت، لنقل تهنئة بكين بعيد ميلاده المائة، تعكس حقيقة أن الحكومة الصينية بقيادة الرئيس شي جينبيغ لا تزال تنظر عالياً إلى صاحب كتاب «الدبلوماسية»، الذي مهد بقنواته الدبلوماسية الخلفية الطريق لتطبيع العلاقات بين الصين والولايات المتحدة في السبعينات من القرن الماضي. وحافظ كيسنجر على اتصالات بالقادة الصينيين وكبار المسؤولين على مدى العقود التي تلت ذلك، بصرف النظر عن التوترات في العلاقات الثنائية. وهو لا يزال حتى الآن يلقى آذاناً صاغية من كبار زعماء العالم الذين يثقون بنصائحه ومهارته في القضايا الجيوسياسية.

مسيرة استثنائية

ومع أنه لم يعد يظهر علناً إلا نادراً، وغالباً عن طريق الفيديو كما حصل في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، لكن بالنسبة للرجل الذي ترك بصمته على السياسة الخارجية للولايات المتحدة في النصف الثاني من القرن العشرين، وحتى في مطالع القرن الحادي والعشرين، تبقى هذه الاستمرارية استثنائية.

ندوة أقامها نادي نيويورك الاقتصادي لتكريم كيسنجر الثلاثاء (حساب النادي على تويتر)

ويحتفظ مكتبه في نيويورك وشركته الاستشارية «كيسنجر أسوشيتس» بمكانة كبيرة لدى النخبة في واشنطن وخارجها، بما في ذلك بين الديمقراطيين، مثل وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون التي قالت يوماً «أعتمد على نصائح صديقي»، الذي اعتنق مذهب «السياسة الواقعية» ليصير لاعباً رئيسياً في الدبلوماسية العالمية خلال حقبة الحرب الباردة، بما في ذلك دوره في إنشاء العلاقة بين الولايات المتحدة والصين في عهد زعيمها ماو تسي تونغ على حساب المنظومة الاشتراكية بزعامة الاتحاد السوفياتي، مؤسساً بذلك لـ«التوازن الثلاثي» بين القوى النووية الثلاث. يضاف إلى ذلك قيادته الشخصية لـ«الدبلوماسية المكوكية» بين كل من مصر وسوريا من جهة، وإسرائيل من الجهة الأخرى للتوصل ليس فقط إلى وقف النار في حرب عام 1973، بل أيضاً إلى اتفاقات السلام بين مصر وإسرائيل.

انتقادات حادة

أدت الجهود الاستثنائية لكيسنجر المولود في ألمانيا في 27 مايو (أيار) 1923، إلى منحه جائزة نوبل للسلام، رغم أن كثيرين لا يزالون ينتقدون سجله باعتباره «مجرم حرب»، بسبب ارتباط اسمه بالسجلات السوداء لسياسات الولايات المتحدة ونشاطاتها العسكرية والاستخبارية في بلدان عديدة، من فيتنام وكمبوديا ولاوس إلى باكستان وتشيلي وكوبا، ومن غزو تيمور الشرقية إلى حرب لبنان وتقسيم قبرص، وغيرها من البلدان التي عانت خلال تلك الحقبة.

بقيت هذه الصفحات المظلمة مرتبطة بصورة الرجل ذي الصوت الأجش واللهجة الموروثة من أصوله الألمانية. وقال المحامي المتخصص بحقوق الإنسان، ريد كالمان برودي: «ليس هناك أي شك في أن سياسته تسببت في مقتل مئات الآلاف وتدمير الديمقراطية في عدد من البلدان»، مضيفاً: «أنا مندهش لأنه أفلت من العقاب».

كيسنجر ورئيس الوزراء الصيني السابق في لقاء سري ببكين في يوليو 1971 (أ.ف.ب)

ويشير المؤرخ في جامعة دكا، منتصر مأمون، إلى أن كيسنجر «دعم بنشاط الإبادة الجماعية في بنغلادش» عام 1971. مضيفاً، وفق ما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية: «لا أرى أي سبب للإشادة به». وأكد أن كثيرين في دول عدة يشاطرونه وجهة نظره هذه، بما فيها فيتنام.

من جهتها، ترى المؤرخة كارولين أيزنبرغ من جامعة هوفسترا الأميركية أن «المفارقة هي أننا نتذكر أنه صنع السلام، لكننا ننسى كل ما فعله لإطالة أمد الحرب، ليس فقط في فيتنام بل في كمبوديا ولاوس أيضاً».

لقاء جمع بوتين وكيسنجر في يونيو 2006 (أ.ف.ب)

وفي مؤشر إلى أن رؤيته للعالم لم تتغير، أكد كيسنجر أمام مضيفيه خلال الأسبوع الماضي أنه من واجب الولايات المتحدة الدفاع عن «مصالحها الحيوية»، مضيفاً أنه «يجب أن نكون دائماً أقوى من أجل مقاومة أي ضغط». وإذ لفت إلى الحرب في أوكرانيا ودعوته إلى وقف النار، قال: «وصلنا إلى نقطة حققنا فيها هدفنا الاستراتيجي»، معتبراً أن «المحاولة العسكرية الروسية لابتلاع أوكرانيا فشلت».



ترمب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما

TT

ترمب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما

تولت الولايات المتحدة مسؤولية بناء القناة وإدارة المنطقة المحيطة بالممر لعقود من الزمن (رويترز)
تولت الولايات المتحدة مسؤولية بناء القناة وإدارة المنطقة المحيطة بالممر لعقود من الزمن (رويترز)

اتهم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، بنما، أمس (السبت)، بفرض رسوم باهظة مقابل استخدام قناة بنما، وقال إنه إذا لم تُدر بنما القناة بطريقة مقبولة، فسوف يطالب البلد الحليف للولايات المتحدة بتسليمها.

وفي منشور مسائي على موقعه للتواصل الاجتماعي «تروث سوشيال»، حذّر ترمب أيضاً من أنه لن يسمح للقناة بالوقوع في «الأيدي الخطأ»، وبدا كأنه يحذر من التأثير الصيني المحتمل على الممر المائي، وكتب أن القناة لا ينبغي أن تديرها الصين.

دونالد ترمب (أ.ف.ب)

كان هذا المنشور مثالاً نادراً للغاية لرئيس أميركي يقول إنه يستطيع الضغط على دولة ذات سيادة لتسليم أراضٍ. كما يؤكد التحول المتوقع بالدبلوماسية الأميركية في عهد ترمب، الذي لم يتردد من قبل في تهديد الحلفاء واستخدام الخطاب العدواني عند التعامل مع النظراء.

وتولت الولايات المتحدة مسؤولية بناء القناة وإدارة المنطقة المحيطة بالممر لعقود من الزمن. لكن الحكومة الأميركية سلمت السيطرة الكاملة على القناة إلى بنما في عام 1999، بعد فترة من الإدارة المشتركة، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

الحكومة الأميركية سلمت السيطرة الكاملة على القناة إلى بنما في عام 1999 (أ.ف.ب)

وكتب ترمب، في منشور على موقع «تروث سوشيال»، أن «الرسوم التي تفرضها بنما سخيفة، خصوصاً بالنظر إلى الكرم الاستثنائي الذي قدمته الولايات المتحدة لها».

وأضاف: «لم يتم منحها (السيطرة) من أجل مصلحة الآخرين، بل بوصفها رمزاً للتعاون معنا ومع بنما. وإذا لم يتم اتباع المبادئ الأخلاقية والقانونية لهذه البادرة الكريمة، فإننا سنطالب بإعادة قناة بنما إلينا بالكامل، ودون أدنى شك».

ولم ترد سفارة بنما في واشنطن حتى الآن على طلب للتعليق. لكن عدداً من الساسة في بنما انتقدوا تصريحات ترمب وطالبوا الحكومة بالدفاع عن القناة. وقالت غريس هيرنانديز، النائبة في البرلمان عن حزب «إم أو سي إيه» المعارض، عبر منصة «إكس»: «على الحكومة واجب الدفاع عن استقلالنا كدولة مستقلة... تستلزم الدبلوماسية الوقوف في وجه (مثل هذه) التصريحات المؤسفة».

وشيدت الولايات المتحدة جزءاً كبيراً من القناة وتولت إدارة المنطقة المحيطة بالممر لعقود من الزمن. لكن الولايات المتحدة وبنما وقّعتا اتفاقيتين في عام 1977 مهدتا الطريق أمام عودة القناة إلى السيطرة البنمية الكاملة. وسلمت الحكومة الأميركية السيطرة الكاملة على القناة إلى بنما في عام 1999 بعد فترة من الإدارة المشتركة. ويمثّل الممر المائي الذي يسمح بعبور ما يصل إلى 14000 سفينة سنوياً 2.5 في المائة من التجارة العالمية المنقولة بحراً، وهو أمر بالغ الأهمية لواردات الولايات المتحدة من السيارات والسلع التجارية عن طريق سفن الحاويات من آسيا ولصادرات الولايات المتحدة من السلع، ومنها الغاز الطبيعي المسال. وليس من الواضح كيف سيسعى ترمب لاستعادة السيطرة على القناة، ولن يكون لديه أي سبيل بموجب القانون الدولي إذا قرر المضي قدماً في مسعاه للسيطرة على القناة.