بعد أشهر من الاتهامات المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين، ضغط مشرعون أميركيون لوضع قيود على شركة «تشانغكسين ميموري تكنولوجيز» الصينية المصنعة لرقائق أشباه الموصلات، رداً على قرار مشابه اتخذته بكين ضد شركة «مايكرون تكنولوجي» الأميركية، عشية وصول وزير التجارة الصيني وانغ وينتاو إلى واشنطن الخميس لإجراء محادثات مع نظيرته الأميركية جينا ريموندو، في اختبار رفيع هو الأول لإصلاح العلاقات التي تعكّرت بشدة بسبب قضية منطاد التجسس قبل أشهر.
وفي خضم ما بات يسمى «حرب الرقائق» الإلكترونية، ستستضيف ريموندو المسؤول الصيني الرفيع مساء الخميس على عشاء عمل، ليكون هذا الاجتماع الأول من نوعه على مستوى وزاري في واشنطن العاصمة خلال إدارة الرئيس جو بايدن. ويمكن أن يمثل هذا الاجتماع الثنائي خطوة أولى في عملية «إذابة الجليد» في الاتصالات الدبلوماسية بين الطرفين عقب أشهر من الخلافات المريرة على الساحة الدولية. وساءت العلاقة أكثر بعدما أسقطت القوات الأميركية في فبراير (شباط) الماضي منطاد تجسس صينيا عبر أجواء الولايات المتحدة. ودفع الحادث وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن إلى إرجاء زيارة مقررة للصين كان يفترض أن تكون بداية لسلسلة من المبادلات الرفيعة المستوى بين البلدين.
ورغم ذلك، ضغطت إدارة بايدن من أجل استقرار العلاقة مع القيادة الصينية برئاسة شي جينبينغ في خضم الخلاف حول تايوان والحرب في أوكرانيا وقضايا أخرى، بهدف منع التوترات من التحول إلى نزاعات، بالإضافة إلى طمأنة الحلفاء حيال إمكان إدارة علاقة عمل مع بكين، وإن في ظل أجواء من المنافسة.
في المقابل، يعتقد أن بكين تسعى إلى الوفاق لأسباب عديدة، ومنها تمهيد الطريق أمام الرئيس الصيني لحضور القمة السنوية لزعماء آسيا والمحيط الهادي التي ستُعقد في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، واحتمال عقد اجتماع منفصل بين بايدن وشي.
السفير الصيني
وفي أحدث مؤشر على الجهود الإيجابية أيضاً، وصل السفير الصيني الجديد لدى واشنطن شيه فنغ، متعهداً تحمل عبء «المسؤولية الكبيرة» المترتبة على العلاقة التي «تواجه صعوبات جديّة وتحديات شديدة» بين الدولتين العملاقتين، بحسب تصريحات أدلى بها مع وصوله إلى المطار نيويورك. وقال للصحافيين: «ينتابني مزيج من الشعور العظيم بقيمة المهمة والمسؤولية الكبيرة. سأواجه مع زملائي الصعوبات وسنتحمّل مسؤولياتنا وسنرقى إلى مستوى مهمتنا».
وكان السفير الأميركي في بكين نيكولاس برنز أفاد على «تويتر» أنه أقام «عشاء وداع» مع شيه «في وقت نتعامل مع العلاقة الأميركية الصينية التي تشهد تحديات لا تنتهي»، مضيفاً: «أتطلع للعمل معه في منصبه الجديد».
في مارس (آذار) الماضي، أرسلت بكين إلى واشنطن وفداً برئاسة سفيرها المتقاعد كوي تيانكاي، الذي التقى مستشار الأمن القومي جايك سوليفان ونائبة وزير الخارجية ويندي شيرمان وتحدث عن اهتمام بكين بالتوسط في السلام في أوكرانيا، وفقاً لأشخاص على دراية بالموضوع. ولكن المسؤولين الأميركيين شككوا في قدرة بكين واستعدادها لأن تكون صانعة سلام حقيقية بالنظر إلى تحالفها مع موسكو. وقال الأشخاص المطلعون على الأمر إن كوي، الذي عمل لفترة طويلة سفيرا لبلاده في واشنطن، عبر خلال اجتماعه مع سوليفان وشيرمان عن إحباط الصين، لأنه بصرف النظر عما تفعله أو تقوله، فإن الولايات المتحدة ستتخذ إجراءات ضدها.
ومع ذلك، أدت هذه الزيارة من الوفد الصيني إلى تحسن العلاقات، ولا سيما بعدما اجتمع سوليفان مع كبير مسؤولي الشؤون الخارجية الصيني ووانغ يي بين 10 مايو (أيار) الماضي و11 منه في فيينا، حيث ناقشا سبل استعادة المبادلات الرفيعة المستوى بين الطرفين.
«مايكرون» تحت الضغط
ورغم هذه الخطوات الإيجابية، توترت العلاقات بين الصين والولايات المتحدة مجدداً حول قضايا التجارة والتكنولوجيا وحقوق الإنسان وغير ذلك. ومثّلت مسألة الرقائق الإلكترونية النقطة الخلافية الأحدث بين الطرفين، إذ أعلنت بكين الأحد أن شركة «مايكرون» الأميركية العملاقة لصناعة أشباه الموصلات لم تنجح خلال مراجعة مرتبطة بالأمن القومي، وبالتالي لن يُسمح لها ببيع منتجاتها للجهات المرتبطة بـ«البنى التحتية المهمة في مجال المعلومات».
وجاء الإعلان بعدما اتّخذت واشنطن وحلفاؤها إجراءات في الأشهر الأخيرة عدتها الصين مصممة للحد من قدرتها على شراء أو تصنيع شرائح إلكترونية متطورة وتقليص دورها كقوة صاعدة.
ورداً على الإجراء الصيني ضد شركة «مايكرون»، ضغط النائب الجمهوري مايك غالاغر، الذي يترأس اللجنة المختارة حيال الصين على إدارة بايدن لاتخاذ مواقف أكثر حزماً، داعياً إلى اتخاذ إجراءات انتقامية. وقال في بيان إن على الولايات المتحدة أن توضح للصين أنها «لن تتسامح مع الإكراه الاقتصادي ضد شركاتها أو حلفائها»، مضيفاً أنه «يجب على وزارة التجارة إضافة شركة تشانغكسين ميموري تكنولوجيز الصينية على الفور إلى قائمة الكيانات الخاضعة للعقوبات». ورأى أن وزارة التجارة يجب أن تضمن «عدم استخدام أي تراخيص تصدير أميركية ممنوحة لشركات أشباه الموصلات الأجنبية العاملة في الصين».
وانتقدت الناطقة باسم البيت الأبيض كارين جان - بيار الخطوة الصينية، واصفة إعلان بكين في شأن الشركة الأميركية بأنه «لا يستند في الواقع».
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر: «لدينا مخاوف جدية للغاية بشأن التقارير أن جمهورية الصين الشعبية فرضت قيوداً على بيع رقائق مايكرون لبعض الصناعات المحلية»، عاداً أن الخطوة «تتناقض مع تأكيد الصين انفتاحها على النشاطات التجارية والتزامها إطاراً تنظيمياً شفافاً». وكشف أن هذه المسألة ستثار خلال زيارة الوزير الصيني وانغ ونتاو للولايات المتحدة هذا الأسبوع.
وفي المقابل، دافع الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ عن حظر منتجات «مايكرون»، قائلاً إن المراجعة الأمنية لمنتجات الشركة «أجريت وفقاً للقانون». وأكد أن «مراجعة الأمن السيبراني في الصين لا تستهدف دولاً أو مناطق معينة».