الوساطة الأوروبية في حرب إسرائيل - إيران رغم القبول الأميركي غير مضمونة النتائج

التحدي الأكبر أن يوفقوا بين «التنازلات» الإيرانية والمطالب الأميركية - الإسرائيلية

صورة مركبة تضع ترمب في الوسط بين رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو والمرشد الإيراني علي خامنئي (أ.ف.ب)
صورة مركبة تضع ترمب في الوسط بين رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو والمرشد الإيراني علي خامنئي (أ.ف.ب)
TT

الوساطة الأوروبية في حرب إسرائيل - إيران رغم القبول الأميركي غير مضمونة النتائج

صورة مركبة تضع ترمب في الوسط بين رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو والمرشد الإيراني علي خامنئي (أ.ف.ب)
صورة مركبة تضع ترمب في الوسط بين رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو والمرشد الإيراني علي خامنئي (أ.ف.ب)

أن يعقد اجتماع في جنيف ضم مسؤولي الدبلوماسية في «الترويكا» الأوروبية الثلاثية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا)، إضافة إلى نظيرتهم في المفوضية الأوروبية، مع وزير خارجية إيران، وبغض النظر عن النتيجة التي يمكن أن يفضي إليها، يمكن أن يعدّ حدثاً «إيجابياً» كونه الأول من نوعه منذ انطلاق الحرب الإسرائيلية - الإيرانية.

والمهم أيضاً ما أكده وزير الخارجية البريطانية ديفيد لامي، العائد من واشنطن لجهة «وجود نافذة لأسبوعين لتحقيق حل دبلوماسي» للحرب. وهذا التأكيد يجب أن يعطف على ما قاله نظيره الألماني يوهان فاديبول، من أن المسؤولين الأميركيين «لا يعلمون فقط أننا نجري هذه المحادثات؛ بل يدعمون ذلك بشدة، لذا أعتقد أن على إيران أن تدرك الآن أن عليها التعاطي مع هذه المحادثات بجدية ومصداقية جديدة».

وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وألمانيا ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي قبل انطلاق الاجتماع مع نظيرهم الإيراني بجنيف (إ.ب.أ)

وبالطبع، تجدر الإشارة إلى أن الوزير الفرنسي جان نويل بارو اتصل بدوره بوزير الخارجية مارك روبيو، كذلك فعلت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.

وما يبرز مما سبق أمران: الأول أن واشنطن منحت الأوروبيين مهلة الأسبوعين لترى ما إذا كان بإمكانهم مخرج سياسي من الحرب، وبالتالي «إنقاذ» الرئيس ترمب من «محنة» الانخراط في حرب لا يريدها، لا بل تدفعه إليها إسرائيل التي لم يتردد رئيس وزرائها من استباق اجتماع تفاوضي في عمان في 15 الحالي لتنقضّ طائراته على طهران وعلى العشرات من المواقع العسكرية والنووية الإيرانية. والأمر الثاني أن الأوروبيين يعون تماماً أن جهداً كالذي يقومون به لا يمكن أن يكون له معنى من غير «مباركة أميركية» وضوء أخضر محدد زمنياً.

علم الوكالة الدولية للطاقة الذرية أمام مقر الوكالة المعنية بمراقبة استخدام الطاقة النووية في فيينا (رويترز)

غير أن هذه المباركة لا تكفي لضمان تواصل الوساطة الأوروبية. المطلوب من الأوروبيين أن ينجحوا في الحصول من إيران على «تنازلات» في فترة زمنية قصيرة للغاية يمكن أن تكتفي بها الإدارة الأميركية. صحيح أن إيران اليوم غير إيران ما قبل انطلاق العملية العسكرية. فإيران اليوم معزولة: الغرب ضدها، وحلفاؤها التقليديون (روسيا والصين) قدموا لها الدعم السياسي في حده الأدنى. وتجد إيران نفسها اليوم أمام خيارين: إما رفض ما يطلب منها لجهة تصفير تخصيب اليورانيوم على أراضيها، وتحجيم قدراتها الصاروخية وتعديل سياستها الإقليمية، وإما مواصلة الحرب.

وليس ترمب وحده في مأزق: فالمرشد الأعلى علي خامنئي في «ورطة» كبرى. فهو لا يبدو مستعداً لـ«تجرع السم» كما فعل الإمام الخميني في أواخر الحرب مع إيران، وخطابه الأخير دليل على ذلك. كذلك ليس مستعداً للبحث في تأطير القدرات الصاروخية لبلاده، وهو ما أكده وزير الخارجية عباس عراقجي في جنيف مستبقاً الاجتماع مع الأوروبيين. وأهمية هذه الإشارة تكمن في أن «ورقة العمل» التي نصها الرئيس ماكرون وحملها وزير خارجيته إلى جنيف، جاء في بندها الثاني تحديداً البحث في الملف الصاروخي - الباليستي. لذا، فإن مهمة الدبلوماسيين الأوروبيين ليست سهلة لجهة العثور على قاسم مشترك بين ما تقبل طهران التنازل عنه، وما يرضي واشنطن ومن ورائها تل أبيب. كذلك يتعنى البحث في المقابل الذي تريده القيادة الإيرانية لقاء تساهلها في الملفات المطروحة؛ ليس فقط بالنسبة للعقوبات المفروضة عليها، ولكن أيضاً بالنسبة لدور الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي ستعود إليها مهمة التأكد من تنفيذ طهران لالتزاماتها.

ما يفاقم هذه الإشكالية أن الغربيين يريدون استغلال ضعف إيران اليوم، لإلزامها بقبول القيود المتشددة التي رفضتها خلال 5 جولات من المفاوضات مع الجانب الأميركي. وليس من الواضح، من جهة ثانية، كيف ستنجح إيران في المحافظة على ماء الوجه إذا قبلت الشروط الجديدة. وفي أي حال، لا يمكن استبعاد أن تكون مهلة الأسبوعين وسيلة أميركية لزيادة الضغوط على المفاوض الإيراني، كما أنه لا يمكن استبعاد فرضية أن ترمب يحتاجها للتوفيق بين تيارين في إدارته: تيار الصقور الذي يريد «قطف ثمرة» القضاء على الملف النووي الإيراني وتحجيم دور طهران الإقليمي. وفي الطرف المقابل، هناك جناح «الانعزاليين» الرافضين لدخول بلادهم في حرب شرق أوسطية جديدة يمكن أن تكلفهم الكثير، وتعرض قواعدهم ومصالحهم في المنطقة لأضرار كبيرة، وتصيب ما أكده ترمب مراراً من أنه لا يريد حروباً جديدة وأنه رجل سلام.

ممثل إيران في الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني خلال إلقائه كلمة بلاده بمناسبة اجتماع المجلس الجمعة حول الحرب بين إيران وإسرائيل (أ.ف.ب)

ثمة عاملان لا بد من أخذهما بعين الاعتبار: أولهما أن ملفاً معقداً كالملف النووي الإيراني الذي يتم لا يمكن أن يحل بجولة واحدة. وللتذكير، فإن المباحثات الأوروبية - الإيرانية بشأنه بدأت قبل 22 عاماً، ولم تنضم إليها الولايات المتحدة إلا بعد أكثر من 10 سنوات. وبعد أن سحبت الإدارة الأميركية الملف من أيدي الأوروبيين، فإن عودة هؤلاء له مجدداً تعيد التفاوض إلى مساره «الكلاسيكي» ربما البعيد عن المفاجآت. والعامل الثاني يتناول موقف إسرائيل التي عارضت اتفاق 2015، ودفعت إدارة ترمب إلى الخروج منه في عام 2018، ولم تتوقف يوماً عن العمل على الإطاحة به عن طريق اغتيال كثير من علماء الذرة الإيرانيين والقيام بهجمات سيبرانية... ولا شيء يمكن أن يضمن أن تقف إسرائيل مكتوفة اليدين في حال برز بالأفق احتمال أن تنجح الوساطة الأوروبية، وهي التي لم تتردد في نسف المفاوضات الأميركية - الإيرانية، رغم أن الرئيس ترمب طلب أكثر من مرة من تل أبيب، الامتناع عن استهداف البرنامج النووي الإيراني. وها هو رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير يعلن الجمعة، أنه يتعين على إسرائيل الاستعداد «لحملة طويلة» من الحرب مع إيران، وأن بلاده «تنتظرها أيام صعبة، وعلينا أن نستعد لاحتمالات عديدة». واضح أن الأمور ما زالت في بداياتها؛ أكان ذلك عسكرياً أو سياسياً. والعوامل المتداخلة تجعل توقع ما هو آتٍ بالغ الصعوبة.


مقالات ذات صلة

رئيس الأركان الإيراني: تعرضنا لتهديد «وجودي» خلال الحرب مع إسرائيل

شؤون إقليمية صورة نشرتها مواقع «الحرس الثوري» من جولة تفقدية لرئيس الأركان إلى موقع صاروخي في مكان غير معروف

رئيس الأركان الإيراني: تعرضنا لتهديد «وجودي» خلال الحرب مع إسرائيل

قال رئيس الأركان الإيراني عبد الرحيم موسوي إن «وجود ووحدة أراضي» بلاده تعرضا لتهديد غير مسبوق خلال حرب الـ12 يوماً مع إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (لندن-طهران)
شؤون إقليمية زوارق سريعة لـ«الحرس الثوري» خلال مناورات في مضيق هرمز (أرشيفية - تسنيم)
play-circle

نائب إيراني: لا قرار بعد بإغلاق مضيق هرمز والأمر قيد الدراسة

قال عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان إسماعيل كوثري إن مسألة إغلاق مضيق هرمز لا تزال قيد الدراسة لكن لم يُتخذ قرار بعد في هذا الإطار.

شؤون إقليمية صورة نشرها التلفزيون الإيراني من لقاء ولايتي ووزير الداخلية الباكستاني محسن نقوي في طهران اليوم

ولايتي: وقف التخصيب شرط مرفوض لأي مفاوضات نووية

قال علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، إن بلاده لا ترى مجالاً لإجراء مفاوضات نووية مع الولايات المتحدة في حال كانت مشروطة بوقف التخصيب.

«الشرق الأوسط» (لندن-طهران)
خاص السوداني متحدثاً إلى «الشرق الأوسط» play-circle 09:17

خاص السوداني لـ«الشرق الأوسط»: رغبة إيرانية جادة باتفاق مع أميركا

السوداني في مقابلة مع «الشرق الأوسط»: احتوينا انفعالات الفصائل خلال الحرب... والعلاقات مع سوريا طبيعية وعلى مسارها الصحيح.

غسان شربل (بغداد)
شؤون إقليمية وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ونظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو يوم 18 أبريل 2025 (أ.ب)

إيران تراهن على موسكو وبكين لتعطيل «سناب باك»

سيناقش وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الملف النووي الإيراني مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في الصين.

«الشرق الأوسط» (لندن - بكين)

خلاف بين برلين وإسلام آباد بسبب اعتقال أفغان بانتظار إيوائهم في ألمانيا

خلاف بين برلين وإسلام آباد بسبب اعتقال أفغان بانتظار إيوائهم في ألمانيا
TT

خلاف بين برلين وإسلام آباد بسبب اعتقال أفغان بانتظار إيوائهم في ألمانيا

خلاف بين برلين وإسلام آباد بسبب اعتقال أفغان بانتظار إيوائهم في ألمانيا

أفادت وزارة الخارجية الألمانية بأن السلطات الباكستانية اعتقلت خلال الأشهر الماضية، عدداً من الأفغان الموجودين في باكستان، ممن لديهم موافقات على إيوائهم في ألمانيا، ثم أفرجت عنهم لاحقاً.

ورداً على استفسار من صحافيين، قال متحدث باسم الوزارة في برلين الاثنين، إن عدد الاعتقالات يتألف من رقمين صغيرين، لافتاً إلى أن الإفراج عن هؤلاء الأشخاص تم بفضل حوار وثيق وبناء مع السلطات الباكستانية.

عناصر أمن من «طالبان» يتفقدون لاجئين أفغاناً أثناء عبورهم إلى أفغانستان من إيران عند معبر إسلام قلعة في ولاية هرات - أفغانستان - 11 يوليو 2025 (إ.ب.أ)

وأردف أن الأمور لم تصل إلى حد القيام بعمليات ترحيل إلى أفغانستان.

وكانت صحيفة «فيلت آم زونتاج» الألمانية الصادرة الأحد، تحدثت عن نشوب خلاف دبلوماسي بين برلين وإسلام آباد على خلفية هذه الموافقات الألمانية على إيواء هؤلاء الأفغان المنتظرين في باكستان. وأوضحت

الصحيفة أن هؤلاء الأشخاص لديهم تأشيرات مؤقتة فقط، بينما تستغرق إجراءات الفحص الألمانية وقتاً أطول.

وتابعت أنه نتيجة لطول أمد الإجراءات الألمانية يصبح هؤلاء الأشخاص مقيمين في باكستان بشكل غير قانوني، وهو ما لم تعُد الحكومة الباكستانية مستعدة لتحمله. وتحدثت الصحيفة عن قيام السلطات الباكستانية بمداهمات على بيوت ضيافة، أسفرت عن نقل بعض الأشخاص إلى مراكز احتجاز خاصة بالترحيل. وذكرت الصحيفة أن نحو 150 شخصاً من الحاصلين على موافقات ألمانية لإيوائهم، تأثروا بهذه الإجراءات. كما أفاد أحد سكان أحد بيوت الضيافة لوكالة الأنباء الألمانية، بأن حملة مداهمة جديدة وقعت مؤخراً.

يذكر أنه بعد استعادة حركة «طالبان» للحكم بأفغانستان في أغسطس (آب) 2021، شرعت الحكومة الألمانية في إجراءات مختلفة لإيواء أشخاص من أفغانستان، غير أن الحكومة الألمانية الجديدة المكونة من الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، أوقفت هذه البرامج في مايو (أيار) الماضي. وبحسب بيانات وزارة الخارجية الألمانية الصادرة في 20 يونيو (حزيران) الماضي، فإن نحو 2400 شخص لا يزالون في باكستان بانتظار الحصول على تأشيرات دخول إلى ألمانيا.