مؤتمر «دعم سوريا»... النظام السوري الجديد تحت المجهر

الاتحاد الأوروبي يحتفي بوزيرخارجيتها ويتشكك حيال المرحلة الانتقالية

صورة جماعية رسمية للحضور في المؤتمر التاسع حول سوريا بمناسبة اجتماع مجلس الشؤون الخارجية في بروكسل. تصوير: ألكسندروس ميخايليديس - مجلس الاتحاد الأوروبي - وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)
صورة جماعية رسمية للحضور في المؤتمر التاسع حول سوريا بمناسبة اجتماع مجلس الشؤون الخارجية في بروكسل. تصوير: ألكسندروس ميخايليديس - مجلس الاتحاد الأوروبي - وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)
TT
20

مؤتمر «دعم سوريا»... النظام السوري الجديد تحت المجهر

صورة جماعية رسمية للحضور في المؤتمر التاسع حول سوريا بمناسبة اجتماع مجلس الشؤون الخارجية في بروكسل. تصوير: ألكسندروس ميخايليديس - مجلس الاتحاد الأوروبي - وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)
صورة جماعية رسمية للحضور في المؤتمر التاسع حول سوريا بمناسبة اجتماع مجلس الشؤون الخارجية في بروكسل. تصوير: ألكسندروس ميخايليديس - مجلس الاتحاد الأوروبي - وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)

الكلام الكثير الذي سمعه وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، يوم الاثنين، في بروكسل، عن دعم الاتحاد الأوروبي والجهات الدولية والإقليمية المانحة لمساعدة سوريا في سعيها للنهوض من الدمار الواسع الذي خلفته سنوات الحرب، والحفاوة التي لقيها من نظرائه الأوروبيين في مؤتمر دعم سوريا الذي ينظمه الاتحاد الأوروبي سنوياً منذ عام 2017، لم يحجبا المشهد الحقيقي للموقف الغربي من المرحلة الانتقالية التي تقودها الحكومة السورية الجديدة، الذي اهتزّ بشكل قوي في أعقاب الأحداث الأمنية الأخيرة التي أرخت سدولاً من الشك في الأوساط الأوروبية حول طبيعة النظام الجديد ونياته.

ممثلو دول عديدة يحضرون مؤتمر بروكسل التاسع في مبنى أوروبا ببروكسل 17 مارس (أ.ف.ب)
ممثلو دول عديدة يحضرون مؤتمر بروكسل التاسع في مبنى أوروبا ببروكسل 17 مارس (أ.ف.ب)

عالية كانت التوقعات حول نتائج هذا المؤتمر عندما دعا الاتحاد الأوروبي إلى عقده للمرة الأولى بمشاركة رسمية سورية ومدنية واسعة بعد أن كانت الدورات السابقة تقتصر المشاركة فيها على المعارضة ومنظمات المجتمع المدني والناشطين الثقافيين في الخارج.

لكن التطورات الأمنية الأخيرة كبحت اندفاع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الذي دفع وزراء خارجيته، في اجتماعهم الذي سبق افتتاح المؤتمر بساعات، إلى التوافق حول «وضع النظام السوري الجديد تحت المجهر»، كما قالت رئيسة المفوضية لأورسولا فون دير لاين أمام مجلس وزراء الخارجية، ومراقبة الإجراءات التي يتخذها قبل الإقدام على أي خطوة في اتجاه تقديم المزيد من المساعدات ورفع العقوبات الاقتصادية.

محافظ حلب ومسؤولون آخرون يحضرون حفل إعادة افتتاح مطار حلب الدولي في حلب، سوريا، الثلاثاء (إ.ب.أ)
محافظ حلب ومسؤولون آخرون يحضرون حفل إعادة افتتاح مطار حلب الدولي في حلب، سوريا، الثلاثاء (إ.ب.أ)

وكان عدد من الوزراء الأوروبيين قد شددوا في اجتماع مجلس الشؤون الخارجية، صبيحة الاثنين، على أن التدابير التي اتخذتها الحكومة الانتقالية حتى الآن بشأن الكشف عن هوية المسؤولين عن المجازر التي وقعت في الساحل السوري ومحاسبتهم أمام القضاء، ما زالت دون المطلوب لمعالجة ما حصل وضمان عدم تكراره. وقال مصدر أوروبي رفيع إن تصريحات وزير الخارجية السوري في مؤتمر الدعم، حيث أكد أن الحكومة الانتقالية عازمة على إنجاز التحقيقات ومحاسبة المسؤولين عن تلك المجازر، ليست كافية ويجب أن تقترن بخطوات عملية واضحة.

وكان الشيباني قد اتهم في كلمته أمام المؤتمر عملاء النظام المخلوع و«حزب الله» اللبناني، من غير أن يسميه، بافتعال تلك المجازر .

وشدّد الشيباني على ضرورة رفع العقوبات الاقتصادية والمالية عن بلاده «لأن الحكومة الحالية ليست هي المسؤولة عن الأسباب التي أدّت إلى فرضها، بل كانت ضحيتها»، وقال إن ما تحتاجه سوريا الآن ليس مجرد مساعدات إنسانية، بل خطة شاملة لإعمار البلاد وجدول زمني لتنفيذها. ويقدّر خبراء الأمم المتحدة تكلفة إعادة الإعمار في سوريا بما يزيد عن 250 مليار دولار . وقال إنه لا يمكن الحديث عن النهوض الاقتصادي والتنمية في سوريا طالما القيود تحول دون وصول المعدات الطبية وقطع الغيار إلى المستشفيات ومرافق الخدمات الأساسية.

وزير الخارجية السوري أسعد حسن الشيباني يصافح رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال المؤتمر الدولي التاسع لدعم سوريا في بروكسل الاثنين (أ.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد حسن الشيباني يصافح رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال المؤتمر الدولي التاسع لدعم سوريا في بروكسل الاثنين (أ.ب)

رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين لخّصت الموقف الأوروبي والهواجس التي تساور الدول الأعضاء، عندما قالت في الكلمة التي افتتحت بها المؤتمر: «سوريا اليوم بلد جديد بعد أن تحررت أحلام الشعب السوري وطموحاته. وللمرة الأولى منذ عقود، أصبح الحلم السوري قابلاً للتحقيق. لكن الطريق إلى المصالحة والنهوض ما زال طويلاً، نرى خطوات مشجعة جداً، لكن من ناحية أخرى نرى الاعتداءات على قوى الأمن والعنف الذي شهدته المناطق الساحلية، وندرك أن الوضع ما زال هشّاً».

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ترحب بالأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم محمد البديوي في مؤتمر سوريا في بروكسل (إ.ب.أ)
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ترحب بالأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم محمد البديوي في مؤتمر سوريا في بروكسل (إ.ب.أ)

وشددت فون دير لاين على أن محاسبة المسؤولين عن المجازر، وحماية الأقليات، وتشكيل حكومة جامعة، من الشروط الأساسية للمصالحة، وقالت: «من جهتنا سنبذل ما بوسعنا لدعم تحقيق هذه الأهداف وإنجاز العملية الانتقالية بأمان. نريد أن يعرف السوريون أننا سنكون معهم في كل خطوة على هذا الطريق». كما وصفت رئيسة المفوضية الاتفاق الذي وقعته الحكومة الانتقالية مع «قسد»، بالتاريخي، وأعربت عن ارتياح الاتحاد لتوقيع الإعلان الدستوري. لكنها نبهت إلى أن إخفاق النظام الجديد في ضبط الأمن على أسس سليمة من شأنه أن يؤدي إلى تداعيات واسعة على امتداد المنطقة. وخاطبت رئيسة المفوضية الوزير الشيباني بقولها «كل خطوة تقومون بها في الاتجاه الصحيح، سنقابلها بخطوة لمساعدتكم».

كانت المفوضية الأوروبية قد أعلنت عن زيادة مساعداتها لسوريا للفترة 2025 - 2026 إلى 2.5 مليار يورو يخصص معظمها لتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان واللاجئين السوريين في تركيا ولبنان والأردن، وقالت إنه بعد تعليق العقوبات على قطاعات أساسية مثل الطاقة والنقل والمعاملات المالية اللازمة لهذين القطاعين، سيقوم الاتحاد بمزيد من الخطوات لاجتذاب الاستثمار اللازم من أجل إعادة الإعمار «وبقدر ما تتقدم العملية الانتقالية السياسية نحو حكومة جامعة وغير طائفية، بقدر ما نزيد دعمنا إلى جانب شركائنا في المنطقة والعالم». وشددت فون دير لاين على أن الشعب السوري يجب أن يشعر بأن السلطة عادت إليه، وأن الاتحاد مستعدٌ للمساهمة في تحقيق هذا الهدف. وكشفت رئيسة المفوضية أن الحوار السنوي الذي ينظمه الاتحاد سنوياً مع منظمات المجتمع المدني سينعقد هذه السنة في العاصمة السورية دمشق.

توم فليتشر مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ يتحدث في المؤتمر الدولي التاسع لدعم سوريا في بروكسل يوم الاثنين (أ.ب)
توم فليتشر مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ يتحدث في المؤتمر الدولي التاسع لدعم سوريا في بروكسل يوم الاثنين (أ.ب)

الولايات المتحدة من جهتها أوفدت إلى المؤتمر مسؤولة من الدرجة الرابعة هي ناتاشا فرانشيسكيني، نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون المشرق العربي وسوريا، التي قالت إن بلادها كانت المساهم الأول في تقديم المساعدات الإنسانية لسوريا طوال 14 عاماً، لكنها لم تعلن عن أي مساهمة جديدة في المؤتمر، مشيرة إلى أن الإدارة الأميركية «ستواصل تقديم بعض المساعدات بما يتماشى مع السياسات والقوانين الأميركية، لكننا نتوقع أيضاً أن تساهم دول أخرى في تحمل الأعباء المالية».

وأفادت أجهزة المفوضية الأوروبية بأن حجم التعهدات في نهاية المؤتمر بلغ 6.2 مليار يورو ، منها 4.6 مليار في شكل هبات، وما تبقّى قروض ميسّرة. وأوضحت مفوضة إدارة الأزمات الحاجة لحبيب أن الاتحاد الأوروبي سيزيد حجم مساعداته لسوريا، لكنه لن يكون قادراً على سد الفجوة التي ستنشأ عن الانكفاء الأميركي.


مقالات ذات صلة

بدء التحقيق مع إمام أوغلو وسط غضب عارم في الشارع التركي

شؤون إقليمية مئات الآلاف احتشدوا أمام بلدية إسطنبول دعماً لإمام أوغلو (أ.ف.ب)

بدء التحقيق مع إمام أوغلو وسط غضب عارم في الشارع التركي

بدأت النيابة العامة التحقيقات مع رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، و78 آخرين محتجزين بتهم تتعلق بالإرهاب والفساد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي الدخان يتصاعد من قطاع غزة بعد غارة إسرائيلية (أ.ف.ب)

زعماء الاتحاد الأوروبي ينددون بانهيار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

عبَّر قادة الاتحاد الأوروبي، (الخميس)، عن استيائهم لانهيار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ورفض حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) تسليم الرهائن المتبقين.

«الشرق الأوسط» (بروكسل )
الاقتصاد أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف خارج مقر المفوضية في بروكسل (رويترز)

الاتحاد الأوروبي يؤجل اتخاذ إجراءات مضادة ضد أميركا حتى منتصف أبريل

أرجأ الاتحاد الأوروبي اتخاذ أول إجراءاته المضادة ضد الولايات المتحدة رداً على الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترمب على المعادن حتى منتصف أبريل

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
العالم طائرة «إف 35» (أرشيفية - رويترز)

تقرير: كندا في محادثات «عسكرية» متقدمة مع الاتحاد الأوروبي

قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إن كندا تجري محادثات في مرحلة متقدمة مع الاتحاد الأوروبي للانضمام لمشروع أوروبي جديد لتوسيع الصناعة العسكرية للتكتل.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
المشرق العربي لقاء وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني مع رحيم أغا خان رئيس شبكة أغا خان للتنمية في بروكسل الاثنين الماضي

شبكة الأغا خان للتنمية... دورها في حفظ السلم الأهلي في سوريا

دور محتمل للشبكة في تخفيف الاحتقان وتعزيز السلم الأهلي في سوريا، خلال المرحلة المقبلة، سيما وأن الشبكة عازمة على تركيز مساعداتها الطارئة في مناطق الساحل السوري

سعاد جرَوس (دمشق)

ألمانيا تعلن احتجاز سفينة من «أسطول الظل» الروسي

ناقلة النفط «إيفنتين» التي تقول ألمانيا إنها جزء من «أسطول الظل» الروسي 10 يناير (كانون الثاني) 2025 (أ.ف.ب - القيادة المركيزة للطوارئ البحرية في ألمانيا)
ناقلة النفط «إيفنتين» التي تقول ألمانيا إنها جزء من «أسطول الظل» الروسي 10 يناير (كانون الثاني) 2025 (أ.ف.ب - القيادة المركيزة للطوارئ البحرية في ألمانيا)
TT
20

ألمانيا تعلن احتجاز سفينة من «أسطول الظل» الروسي

ناقلة النفط «إيفنتين» التي تقول ألمانيا إنها جزء من «أسطول الظل» الروسي 10 يناير (كانون الثاني) 2025 (أ.ف.ب - القيادة المركيزة للطوارئ البحرية في ألمانيا)
ناقلة النفط «إيفنتين» التي تقول ألمانيا إنها جزء من «أسطول الظل» الروسي 10 يناير (كانون الثاني) 2025 (أ.ف.ب - القيادة المركيزة للطوارئ البحرية في ألمانيا)

أعلنت ألمانيا، يوم الجمعة، أنها تحتجز ناقلة نفط متقادمة وصفتها بأنها جزء من «أسطول الظل» الروسي الذي ينتهك العقوبات، بعدما تعرضت إلى عطل في يناير (كانون الثاني).

وقالت مجلة «دير شبيغل» الأسبوعية إن الجمارك الألمانية صادرت السفينة وحمولتها، لكن المسؤولين رفضوا تأكيد ذلك قائلين إن «الإجراءات الجمركية لم تكتمل قانونياً بعد».

وذكر التقرير، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أن مسؤولي الجمارك ضبطوا السفينة «إيفنتين» التي ترفع علم بنما، وتبلغ قيمة حمولتها 40 مليون يورو، الأسبوع الماضي قبالة جزيرة روغن في بحر البلطيق، حيث كانت راسية منذ يناير (كانون الثاني).

وأضافت المجلة أن السلطات تعمل على تحديد كيفية ومكان ضخّ النفط الخام بشكل آمن منها، ومصير الناقلة. وأكدت السلطات فقط أن السفينة مُنعت من الإبحار.

وقال متحدث باسم وزارة المال إن «الإجراءات الجمركية جارية، ونظراً للوضع الأمني الحالي، فإننا لا نستطيع التعليق بإسهاب على هذه المسألة».

لكن متحدثاً باسم وزارة الخارجية اتهم روسيا باستخدام مثل هذه السفن «لتخطي العقوبات الغربية ومن ثمّ تمويل حربها العدوانية غير القانونية ضد أوكرانيا».

وقال متحدث آخر هو سيباستيان فيشر إن ألمانيا والاتحاد الأوروبي «يعملان بلا كلل لفرض المزيد من العقوبات على أسطول الظل الروسي».

ويؤكد محللون أمنيون أن روسيا تشغل مئات السفن للتهرب من العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على صادراتها النفطية بسبب غزوها لأوكرانيا عام 2022.

وكانت السفينة «إيفنتين» تحاول الإبحار من ميناء روسي إلى مصر، لكن تقطعت بها السبل قبالة روغن، ويبدو أنها غير قادرة على المناورة، بحسب ما ذكرت مجلة «دير شبيغل».