«اجتماع باريس» يناقش الأمن الأوروبي وتطورات النزاع في أوكرانيا

حراك في القارة العجوز بعد الطروحات الأميركية الجديدة

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً المستشار الألماني أولاف شولتس عند مدخل الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً المستشار الألماني أولاف شولتس عند مدخل الإليزيه الاثنين (رويترز)
TT

«اجتماع باريس» يناقش الأمن الأوروبي وتطورات النزاع في أوكرانيا

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً المستشار الألماني أولاف شولتس عند مدخل الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً المستشار الألماني أولاف شولتس عند مدخل الإليزيه الاثنين (رويترز)

إنه «ليس عاصفةً أو إعصاراً استوائياً بل تسونامي دبلوماسي وسياسي»، هكذا وصف مصدر دبلوماسي أوروبي في باريس ما تعيشه الدول الأوروبية في علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية من جهة، وفي «الانقلاب» الجذري الذي أحدثته عودة الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض قبل أقل من شهر في الملف الأوكراني. والأسبوع المنقضي كشف الهوَّة السحيقة التي تفصل بين القراءتين الأوروبية والأميركية اللتين لا تنحصران في الحرب الأوكرانية وكيفية وضع حد لها، بل خصوصا أمن القارة الأوروبية والحلف الأطلسي والدور الأميركي.

كانت الأيام الثلاثة التي شهدها مؤتمر الأمن في ميونيخ كافية لإفهام الأوروبيين أن عصراً جديداً قد بدأ، وأن عليهم التأقلم معه للدفاع عن مصالحهم وأمنهم الجماعي.

استنهاض القدرات الأوروبية

يمكن، على ضوء ما سبق، فهم أهمية استعجال الأوروبيين، بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عقد قمة «تشاورية» وغير شكلية ليس في إطار الاتحاد الأوروبي (رغم مشاركة رئيس مجلسه ورئيسة مفوضته)، بل في إطار «انتقائي» ضم الدول المعنية أكثر من غيرها بالحرب في أوكرانيا والقادرة على تقديم مساهمة عسكرية.

وكان لافتاً حضور رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، ودعوة مارك روته، أمين عام الحلف الأطلسي الذي من المرتقب أن يشهد تغيراً جذرياً يتناول مدى الالتزام الأميركي به وقدرة الأوروبيين على رفع مساهماتهم المالية في ميزانيته وتمكنهم من سد الفراغ الذي سيُحدثه الانكفاء الأميركي من خلال تعزيز قواهم الخاصة. وضمت القمة رؤساء حكومات ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وبريطانيا وبولندا وهولندا والدنمارك.

وجاء اجتماع باريس قبل يوم واحد من اللقاء المرتقب (الثلاثاء) في الرياض بين الوفدين الأميركي والروسي برئاسة وزيري خارجية البلدين، فيما تتواتر المعلومات عن «لقاء قريب جداً» بين الرئيسين ترمب وفلاديمير بوتين، الذي قرره الاثنان بمناسبة اتصالهما الهاتفي المطول، الأربعاء الماضي. وسبق للجنرال كيث كيلوغ، مبعوث الرئيس بايدن للملف الأوكراني أن أفصح صراحةً، في ميونيخ، عن خطة بلاده. فقد كشف، في لقاء نظمه أحد كبار الأثرياء الأوكرانيين، في ميونيخ، عن أن المفاوضات حول مصير أوكرانيا يمكن أن تضم الروس والأميركيين والأوكرانيين. ولمَّا سُئل عن حضور الأوروبيين، كان رده: «أنا أنتمي إلى مدرسة الواقعية. أعتقد أن هذا لن يحصل».

تضارب التصريحات الأميركية

بيد أن ماركو روبيو، وزير الخارجية الأميركي، قال، مساء الأحد، في لقاء مع قناة «سي بي إس» الأميركية إنه «يجب أن تشارك أوروبا» في المحادثات مع وروسيا. وترى مصادر في باريس أن هذا التناقض في أقوال مسؤولين كبيرين يعني أن إدارة ترمب «ليست لديها بعد خطة واضحة». ورأى مصدر آخر أن واشنطن «ترمي بالونات اختبار لترى ما سيكون عليه الرد الأوروبي وأيضاً رد كييف».

وفي هذا الإطار، يتعين دعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الأوروبيين إلى بناء ما سماها «القوات الأوروبية المسلحة» التي يراد لها أن توفر «الضمانات الأمنية» التي تطلبها كييف في حال جرى التوصل إلى وقف لإطلاق النار أو اتفاق نهائي بين موسكو وكييف. ويصر زيلينسكي على حضور الأوروبيين على طاولة المفاوضات بعد أن كشف وزير الدفاع الأميركي عن بعض ملامح «خطة السلام» الأميركية، وفق ما شرحه وزير الدفاع الأميركي بيتر هيغسيث، لنظرائه الأوروبيين في بروكسل، الأربعاء الماضي، وأنها تتضمن أمرين رئيسيين: فمن جهة، تعارض واشنطن انضمام أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي، ومن جهة أخرى فإنها ترى من «غير الواقعي» أن تعود إلى ما كانت عليه قبل عام 2014، أي أن تسترد شبه جزيرة القرم ومنطقة الدونباس وبشكل عام المناطق التي ضمتها روسيا رسمياً والتي تشكل نحو 20 في المائة من مساحة أوكرانيا. وهذان الأمران يستجيبان تماماً للشروط التي وضعها بوتين منذ شهور طويلة.

وأهم ما يثير قلق الأوروبيين أمران: الأول أن ترمب قبِل مبدأ تغيير الحدود الموروثة من الحرب العالمية الثانية بالقوة، والآخر أنه أغلق الباب تماماً أمام ما تعده كييف أفضل ضمانة أمنية لها، أي الانضمام إلى الحلف الأطلسي. وحتى الأسبوع الماضي، ترك الأطلسيون الباب مفتوحاً أمامها لكن من غير الالتزام بموعد محدد وبشروط واضحة.

مهمة القوة الأوروبية

استبق مارك روته، أمين عام الحلف الأطلسي، قمة باريس بتحذيره الأوروبيين من أنهم إذا أرادوا المشاركة في المفاوضات فعليهم أن يرفعوا ميزانياتهم الدفاعية «إلى ما فوق 3 في المائة من مدخولهم الداخلي الخام»، وأن يقدموا مقترحات ملموسة بشأن أوكرانيا. وهذا بالفعل ما باشروا الإعلان عنه، إذ كتب كير ستارمر، الأحد، في صحيفة «تليغراف» ما حرفيته: «أيضاً إننا مستعدون وراغبون في المساهمة في الضمانات الأمنية لأوكرانيا، من خلال وضع قواتنا على الأرض إذا لزم الأمر». إلا أنه نبه إلى أن «الضمان الأمني الأميركي ضروري من أجل سلام دائم، لأن الولايات المتحدة هي الوحيدة التي تستطيع ثني بوتين عن الهجوم مرة أخرى». ودعا أوروبا لأن «تؤدي دوراً أكثر أهمية في الناتو». وسارعت ماريا مالمر، وزيرة خارجية السويد التي لم تُدعَ إلى القمة، إلى الإعلان (الاثنين) أن بلادها «لا تستبعد» المشاركة في قوة لحفظ السلام في أوكرانيا. وقالت لإذاعة محلية: «بمجرد أن نحصل على هذا السلام (العادل)، سيتعين علينا الحفاظ عليه، ولفعل ذلك، فإن حكومتنا لا تستبعد أي شيء».

وكان الرئيس ماكرون أول من دعا إلى إرسال وحدات عسكرية إلى أوكرانيا، ولكن في مهمات تدريب ونزع ألغام. وحسب وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، فإن التعويل هو على الدول الأوروبية الرئيسية التي تمتلك أكبر قدرات عسكرية، وهي: فرنسا وبريطانيا وألمانيا وبولندا. والحال أن الدولتين الأخيرتين غير متحمستين.

ووفق مصادر معنية بهذه المسألة، فإن السؤال الأهم يتناول طبيعة مهمة هذه القوات المفترض بها أن توفر الضمانات الأمنية لأوكرانيا علماً بأن واشنطن ترفض أن تكون تحت راية الحلف الأطلسي. فهل ستكون قوة فصل أم هي قوة قتالية؟ وماذا سيكون ردها في حال تعرضت لهجوم أو في حال انتهاك اتفاق وقف النار أو الهدنة؟ ومَن سيتولى قيادتها وتمويلها؟ أسئلة كثيرة مطروحة ولا إجابات عنها الآن، ونقلت وكالة «رويترز» أن واشنطن أرسلت استبياناً من 6 نقاط تسأل فيه حلفاءها الأوروبيين عمَّا إذا كانوا يرغبون في إرسال قوات، وما طبيعتها؛ لضمان اتفاق سلام في حال إبرامه؟ الإجابة عن الاستبيان مبكِّرة ولا شك أن قمة باريس يمكن أن توفر بعض عناصرها.


مقالات ذات صلة

 زعيم كوريا الشمالية يجدد دعمه لحرب روسيا في أوكرانيا

آسيا كيم جونغ أون مصافحاً سيرجي شويغو خلال لقائهما في بيونغ يانغ (ا.ب)

 زعيم كوريا الشمالية يجدد دعمه لحرب روسيا في أوكرانيا

أكد زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، دعمه الثابت لحرب روسيا في أوكرانيا وذلك خلال اجتماع مع مسؤول أمني روسي رفيع المستوى في بيونغ يانغ.

«الشرق الأوسط» (سيول)
أوروبا 
تعرضت مدينة أوديسا الأوكرانية المطلة على البحر الأسود لعدة هجمات بالمسيّرات الروسية ليل الخميس - الجمعة (أ.ب)

زيلينسكي: مستعد لـتحرك ملموس في محادثات جدة

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن بلده مستعد للتحرك بسرعة، وعلى نحو ملموس، في المحادثات المقررة في جدة، الاثنين. وتأمل أوكرانيا في التوصل إلى وقف.

«الشرق الأوسط» (كييف - واشنطن - موسكو)
أوروبا ناقلة النفط «إيفنتين» التي تقول ألمانيا إنها جزء من «أسطول الظل» الروسي 10 يناير (كانون الثاني) 2025 (أ.ف.ب - القيادة المركيزة للطوارئ البحرية في ألمانيا)

ألمانيا تعلن احتجاز سفينة من «أسطول الظل» الروسي

أعلنت ألمانيا، أنها تحتجز ناقلة نفط متقادمة وصفتها بأنها جزء من «أسطول الظل» الروسي الذي ينتهك العقوبات، بعدما تعرضت إلى عطل في يناير (كانون الثاني).

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا ترمب متفائل بإحياء اتفاقية المعادن مع أوكرانيا والتوقيع عليها قريباً

ترمب متفائل بإحياء اتفاقية المعادن مع أوكرانيا والتوقيع عليها قريباً

ترمب متفائل بإحياء اتفاقية المعادن مع أوكرانيا والتوقيع عليها قريباً وهجمات متبادلة بين روسيا وأوكرانيا قبيل محادثات مع مسؤولين أميركيين

«الشرق الأوسط» (واشنطن - كييف - موسكو )
أوروبا جنود روس يقومون بدورية في كورسك (أ.ب)

تقرير أممي: روسيا جندت أطفالاً أوكرانيين للقيام بأعمال تخريب

ذكر تقرير صدر اليوم الجمعة أن مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لديه أدلة موثوقة على أن روسيا جندت أطفالاً أوكرانيين للقيام بأعمال مراقبة وتخريب ضد الجيش.

«الشرق الأوسط» (واشنطن- كييف)

زيلينسكي: مستعد لـتحرك ملموس في محادثات جدة


تعرضت مدينة أوديسا الأوكرانية المطلة على البحر الأسود لعدة هجمات بالمسيّرات الروسية ليل الخميس - الجمعة (أ.ب)
تعرضت مدينة أوديسا الأوكرانية المطلة على البحر الأسود لعدة هجمات بالمسيّرات الروسية ليل الخميس - الجمعة (أ.ب)
TT

زيلينسكي: مستعد لـتحرك ملموس في محادثات جدة


تعرضت مدينة أوديسا الأوكرانية المطلة على البحر الأسود لعدة هجمات بالمسيّرات الروسية ليل الخميس - الجمعة (أ.ب)
تعرضت مدينة أوديسا الأوكرانية المطلة على البحر الأسود لعدة هجمات بالمسيّرات الروسية ليل الخميس - الجمعة (أ.ب)

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن بلده مستعد للتحرك بسرعة، وعلى نحو ملموس، في المحادثات المقررة في جدة، الاثنين. وتأمل أوكرانيا في التوصل إلى وقف جزئي لإطلاق النار بالحد الأدنى خلال المباحثات التي تستضيفها السعودية، الاثنين، وتجمع مسؤولين أميركيين، إضافة إلى ممثلين عن روسيا وأوكرانيا بشكل منفرد، في أحدث حلقة من الحراك الدبلوماسي لحل النزاع.

وقال مسؤول أوكراني: «ما زلنا نرغب في الاتفاق على وقف إطلاق النار»، في إشارة إلى وقف متبادل لاستهداف منشآت الطاقة والبنية التحتية المدنية والهجمات في البحر الأسود.

من جهته، أبدى الرئيس الأميركي تفاؤله بإحياء اتفاقية المعادن مع أوكرانيا والتوقيع عليها قريباً. وقال دونالد ترمب: «نحن نحرز تقدماً جيداً فيما يتعلق بأوكرانيا وروسيا. وأحد الأشياء التي نقوم بها هو توقيع اتفاق قريباً جداً بشأن المعادن الأرضية النادرة مع أوكرانيا».