اغتيال الجنرال «الكيماوي» يُدشّن مرحلة جديدة في المواجهة

دعوات روسية لتفجير «حرب اغتيالات» والكرملين يترقب خطوات ترمب

محققون روس يتفقّدون جثة مساعد الجنرال إيغور كيريلوف الذي قضى في الانفجار 17 ديسمبر (أ.ب)
محققون روس يتفقّدون جثة مساعد الجنرال إيغور كيريلوف الذي قضى في الانفجار 17 ديسمبر (أ.ب)
TT

اغتيال الجنرال «الكيماوي» يُدشّن مرحلة جديدة في المواجهة

محققون روس يتفقّدون جثة مساعد الجنرال إيغور كيريلوف الذي قضى في الانفجار 17 ديسمبر (أ.ب)
محققون روس يتفقّدون جثة مساعد الجنرال إيغور كيريلوف الذي قضى في الانفجار 17 ديسمبر (أ.ب)

أطلق اغتيال قائد القوات الإشعاعية والكيماوية في الجيش الروسي، الجنرال إيغور كيريلوف، سيلاً من التكهنات حول ردة الفعل الروسية، مع تصاعد أصوات وازنة مقربة من الكرملين تطالب بإطلاق حرب اغتيالات تستهدف رموز صنع القرار العسكري والسياسي في أوكرانيا. وفي حين رأت أوساط روسية أن العملية الأولى من نوعها منذ اندلاع الحرب، دشّنت في الواقع مرحلة جديدة في المواجهة، رجّح البعض أن يتريّث الكرملين في اتخاذ قرارات عقابية سريعة ضد كييف، انتظاراً للخطوات الأولى التي قد يتخذها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بعد توليه السلطة رسمياً الشهر المقبل.

استفزاز مباشر

وركّزت أوساط روسية على أن توقيت عملية الاغتيال وآلية تنفيذها وجّها ضربة للكرملين، ما يشكل تحدياً سافراً ونوعاً من الاستفزاز المباشر. إذ لم يسبق أن تم استهداف شخصية عسكرية بارزة ومقربة جداً من الكرملين، وكانت عمليات اغتيال سابقة استهدفت مراسلين حربيين أو مدونين وجهت ضدهم اتهامات في كييف بالتحريض على قتل الأوكرانيين.

مسؤولون محليون يتفقدون موقع الانفجار الذي أودى بحياة الجنرال إيغور كيريلوف بموسكو (إ.ب.أ)

كما أن توقيت العملية أثناء خوض الطرفين نقاشات حول هدنة إنسانية في موسكو خلال أعياد الميلاد ورأس السنة، عكس وفقاً لمصادر روسية أن معسكر «الصقور» يسعى إلى تأجيج الوضع بشكل واسع، لتخريب أي خطوات محتملة من الإدارة الأميركية الجديدة للتهدئة.

في كل الأحوال، بدا أن اغتيال الجنرال البارز هدف إلى خلط الأوراق، ووضع الكرملين أمام استحقاقات لرد مباشر، رغم الميل نحو التريث لمنح ترمب الوقت الكافي لطرح أفكاره حول التهدئة.

ومع اقتراب النيابة العامة الروسية، الأربعاء، من تحديد ملابسات العملية، وكيف تم الإعداد لها، ترقّبت أوساط روسية الخطوات العملية التي يمكن أن يطلقها الرئيس فلاديمير بوتين، الذي سيكون على موعد الخميس مع حوار مفتوح مع الروس في لقاء سنوي ينتظر أن يتطرق خلاله للتطورات حول الحادث، وحول الوضع في أوكرانيا بشكل عام.

استهداف «النخب الأوكرانية»

بانتظار ذلك، أعلنت جهات التحقيق الروسية، الأربعاء، أنها استجوبت عدة أشخاص للاشتباه في تورطهم في «الهجوم الإرهابي»، وجاء ذلك بعد مرور ساعات فقط على إعلان هوية منفذ الهجوم الذي تبين وفقاً للسلطات الروسية أنه مواطن أوزبكي قام بزرع العبوة الناسفة التي بلغ وزنها نحو كيلوغرام واحد من مادة شديدة الانفجار في دراجة هوائية، انفجرت لحظة خروج الجنرال رفقة معاونه من المبنى.

ترأس ميدفيديف اجتماع مجلس الأمن الروسي في موسكو 17 ديسمبر (أ.ب)

ووفقاً لجهاز الأمن الفيدرالي ولجنة التحقيق، فإن مُنفّذ الهجوم من مواليد عام 1995، وقال إنه تم تجنيده من قبل الخدمات الخاصة الأوكرانية، التي وعدته بمبلغ 100 ألف دولار، والسفر إلى الاتحاد الأوروبي بعد التنفيذ.

ودفعت العملية إلى تصاعد أصوات طالبت بتوسيع دائرة الاستهداف في أوكرانيا، لتشمل المستويين العسكري والسياسي، بدلاً من «الاكتفاء بتدمير منشآت ومواقع حساسة». وقال نائب سكرتير مجلس الأمن، ديمتري ميدفيديف، إن «الوقت حان لتوجيه رسالة قوية إلى النخب الأوكرانية المسؤولة عن التصعيد».

فيما شدّد برلمانيون بارزون، بينهم رئيس حزب «روسيا العادلة» سيرغي ميرونوف، على أن العملية تُشكّل نقطة تحول، وأنه «لا بد من تدابير حاسمة تقضي على النخب السياسية والعسكرية المستفيدة من استمرار الصراع».

اتهامات متبادلة

اللافت أنه في اليوم السابق مباشرة للهجوم، كان مكتب المدعي العام لأوكرانيا قد أصدر لائحة اتهام غيابية ضد الجنرال كيريلوف المتهم بأنه أمر بشن «هجمات بالسلاح الكيماوي في أوكرانيا»، وهي اتهامات ترفضها موسكو. وكان المسؤول العسكري، الذي يطلق عليه الأوكرانيون لقب «الجنرال الكيماوي»، قد أُدرج بناء على تلك الاتهامات على لوائح عقوبات غربية أبرزها في المملكة المتحدة، حيث اتُّهم بأنه أدار عملية استهداف معارضين بسلاح مشع في أوقات سابقة.

عدّت روسيا اغتيال الجنرال إيغور كيريلوف استفزازاً مباشراً (أ.ب)

كما أن للجنرال كيريلوف تجربة واسعة في سوريا، حيث اتهم بأنه غطى على النظام السابق فيها عندما استخدم الأسلحة الكيماوية في أكثر من موقع. وبالعكس من الاتهامات الغربية للنظام، فقد شنّ كيريلوف هجوماً قوياً على المعارضة السورية، واتّهمها أكثر من مرة بأنها خططت لتنفيذ هجمات بأسلحة كيماوية.

في الوقت ذاته، يُعدّ كيريلوف المسؤول العسكري الروسي الذي تولّى ملف الكشف عن التجارب الكيماوية والبيولوجية التي تتهم موسكو الغرب بإجرائها في أوكرانيا وفي عدد من البلدان الأخرى، وخصوصاً بولندا ورومانيا وجمهوريات حوض البلطيق، عبر «مختبرات سرية نشرت في هذه البلدان لتطوير أسلحة يمكن أن تستخدم لاحقاً ضد روسيا».

وتقول موسكو إن كيريلوف «قام باستمرار بتوثيق كثير من حالات المشاركة المباشرة للدول الغربية في تطوير الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، والأنشطة النشطة للمختبرات البيولوجية الأميركية، بما في ذلك مرافق شركة (Metabiota)، التي يمولها هانتر نجل الرئيس جو بايدن». بالإضافة إلى المشاركة المباشرة في «تطوير واختبار الأسلحة البيولوجية من قبل وكالة مشاريع الأبحاث المتقدمة التابعة للدولة DARPA، وهي جزء من وزارة الدفاع الأميركية».

مجلس الأمن

الجنرال الروسي إيغور كيريلوف يتحدّث في مؤتمر صحافي 28 فبراير 2023 (أ.ب)

دعت موسكو لمناقشة عملية اغتيال الجنرال الروسي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وقال مراقبون في موسكو إن الجانب الروسي يرى أن الاتهامات التي وُجّهت من جانب الغرب إلى الجنرال المقتول، وحقيقة إدراج اسمه على لوائح العقوبات الغربية، قد لعبا دوراً في تشجيع عملية اغتياله. بهذا المعنى، فإن مناقشة الملف في مجلس الأمن يهدف إلى إحراج الغرب، وتصعيد الهجوم السياسي الروسي عليه، بالاستناد إلى أن سياساته تؤجج الصراع وتحوله إلى منعطفات أكثر دموية.

ومع تأكيد أوساط عسكرية روسية أن اغتيال الجنرال لن تكون له تأثيرات مباشرة على سير المعارك على الجبهات، لكن الأكيد أن غياب شخصية مركزية على هذا المستوى تابعت لسنوات طويلة ملفات استخدام الأسلحة الممنوعة يُشكّل خسارة ثقيلة لروسيا.

تقدّم ميداني

ميدانياً، بدا أن الهجوم المضاد الواسع الذي أطلقته القوات الروسية في محاولة لاستعادة السيطرة على منطقة كورسك اتّخذ بعداً متسارعاً، كما أكدت المصادر العسكرية الروسية أن القوات تواصل التقدم على كل خطوط التماس رغم الصعوبات التي تواجهها على الجبهات.

وقال رئيس الأركان العامة فاليري غيراسيموف، الأربعاء، في اجتماع مع الملحقين العسكريين الأجانب، إن «روسيا باتت لديها زمام المبادرة وتتقدم على طول الجبهة بأكملها خلال العملية العسكرية الخاصة، على الرغم من المساعدات الغربية لأوكرانيا». وأضاف: «على الرغم من المساعدة الهائلة من الغرب، فإن المبادرة على خط التماس القتالي في أيدينا والقوات الروسية تشن هجوماً على طول الجبهة بأكملها».

وكانت وزارة الدفاع الروسية أعلنت قبل يومين حصيلة العمليات القتالية في العام الحالي. ووفقاً للوزير أندريه بيلووسوف، فقد «حرّر الجيش الروسي 190 بلدة وتجمّعاً سكانياً منذ بدء العام، وفرض سيطرة كاملة على نحو 4.5 ألف كيلومتر مربع من الأراضي».


مقالات ذات صلة

زيلينسكي يدعو لإجبار روسيا على السلام

أوروبا الرئيس الأوكراني مع وزير الدفاع الأميركي (أ.ب)

زيلينسكي يدعو لإجبار روسيا على السلام

دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أمس، الحلفاء الغربيين لبلاده، إلى إرسال قوات إلى أوكرانيا بغية «إجبار روسيا على السلام»، وذلك وسط مخاوف من تضاؤل

«الشرق الأوسط» (رامشتاين (ألمانيا))
أوروبا وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن (أ.ب)

أوستن يطالب حلفاء أوكرانيا بـ«ألّا يضعفوا»

طالب وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الخميس التحالف الدولي الذي يقدّم دعماً عسكرياً لأوكرانيا بـ«ألّا يضعف»، في وقت تخشى فيه كييف من أن تفقد دعم بلاده الأساسي.

أوروبا جندي أوكراني يقود مركبة أرضية مسيرة إلكترونياً خلال معرض للمعدات العسكرية والأسلحة (رويترز)

بريطانيا: تحالف دولي سيرسل 30 ألف مسيّرة لأوكرانيا

أعلنت وزارة الدفاع البريطانية، الخميس، أن تحالفاً دولياً تقوده بريطانيا ولاتفيا لإمداد أوكرانيا بمسيّرات سيرسل 30 ألف مسيّرة جديدة إلى كييف.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا فولوديمير زيلينسكي في اجتماع «مجموعة الاتصال» (أ.ب)

زيلينسكي يرى أن فصلاً جديداً يبدأ لأوروبا والعالم بعد 11 يوماً فقط مع تنصيب ترمب

يرى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن فصلاً جديداً يبدأ لأوروبا والعالم بأسره بعد 11 يوماً فقط مع تنصيب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (قاعدة رامشتين الجوية (ألمانيا))
آسيا زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون يراجع إحدى الخطط القتالية خلال زيارته لأحد معسكرات الجيش (وكالة أنباء كوريا الشمالية)

أميركا تحذر من اكتساب كوريا الشمالية خبرة من مشاركتها القتال في أوكرانيا

حذرت الولايات المتحدة، أمس الأربعاء، من أن كوريا الشمالية تستفيد من مشاركة قواتها في القتال إلى جانب روسيا ضد أوكرانيا وقالت إنها تكتسب خبرة تجعلها «أكثر قدرة».

«الشرق الأوسط» (الأمم المتحدة)

شولتس يرفض اقتراح ترمب زيادة الموازنة الدفاعية لدول حلف «الناتو»

 المستشار الألماني أولاف شولتس (أ.ف.ب)
المستشار الألماني أولاف شولتس (أ.ف.ب)
TT

شولتس يرفض اقتراح ترمب زيادة الموازنة الدفاعية لدول حلف «الناتو»

 المستشار الألماني أولاف شولتس (أ.ف.ب)
المستشار الألماني أولاف شولتس (أ.ف.ب)

أعلن المستشار الألماني أولاف شولتس، الخميس، رفضه الدعوة التي أطلقها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لزيادة الحدّ الأدنى لإنفاقها الدفاعي إلى 5 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي.

وقال شولتس، لموقع «فوكس أونلاين» الإخباري، إنّ «هذا مبلغ كبير من المال»، مضيفاً: «لدينا آلية واضحة للغاية في حلف شمال الأطلسي» لاتّخاذ القرارات، وفقا لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

ويفترض حالياً بالدول الأعضاء في التحالف إنفاق ما لا يقل عن 2 في المائة من الناتج المحلّي الإجمالي لكلّ منها على الدفاع.

وقال القيادي المنتمي إلى يسار الوسط إنّ نسبة خمسة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لبلده، أكبر اقتصاد في أوروبا، تساوي نحو 200 مليار يورو سنوياً، وإنّ الميزانية الفيدرالية الألمانية تبلغ نحو 490 مليار يورو.

وشدّد شولتس على أنّه من أجل تلبية طلب ترمب يتعيّن على ألمانيا أن تقتصد أو تقترض 150 مليار يورو إضافية سنوياً.

وتابع: «لهذا السبب أعتقد أنّه من الأفضل التركيز على المسار الذي اتّفق عليه حلف شمال الأطلسي منذ فترة طويلة».

لكنّ المستشار أقرّ بأن «ألمانيا يجب أن تبذل المزيد من الجهود من أجل الأمن»، مؤكّداً أنّ برلين ضاعفت بالفعل إنفاقها الدفاعي السنوي إلى ما يقرب من 80 مليار يورو خلال السنوات الأخيرة.

وفي أعقاب بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022، أعلن شولتس عن إنفاق دفاعي إضافي بقيمة 100 مليار يورو لتطوير القوات المسلحة الألمانية.